اضطهاد المرأة أم إفناءها، منظوران مختلفان



مؤيد احمد
2023 / 1 / 11

اضطهاد المرأة أم إفناءها،
منظوران مختلفان

إن الاضطهاد والتمييز ضد المرأة، هو صدمة دائمة لا تنتهي بالنسبة لكل تحرري ومحب للمساواة والإنسانية، وفوق الجميع بالنسبة لكل امرأة او فتاة شابة، ودائما ما يثير التساؤل عن مصدر هذا القهر والجريمة ضد الجنس البشري النسوي والسؤال عن وجوده أصلا؟
الإسلاميون والقوميون والحركات البرجوازية النيوليبرالية وأنظمتهم وسلطاتهم في إقليم كوردستان والعراق ، كل منهم بدرجات متفاوتة من الوقاحة واللامبالاة والوحشية ، وبذرائع مختلفة، يبقّون هذا الاضطهاد وهذا النظام من القمع و يرسخونه اكثر كي يضمنوا من خلاله، وكإحدى وسائلهم، سيطرتهم على المجتمع.
إلا أن هذا القهر والاستعباد للمرأة قدر ما هو جائر وغير معقول ومعادي للقيم الإنسانية والعقل والمنطق والفكر التحرري و الداعي للمساواة، وهو ايضا، وعلى قول هيغل، واقع، لأنه متجذر في الواقع الاجتماعي وعلاقات الإنتاج الاجتماعية؛ متجذر في الحياة المادية للإنسان وتقف وراء ادامته مصلحة مادية.
هذه الارضية المادية، بالإضافة إلى الواقع الثقافي والذكورية الرجعية السائدة في المجتمع، هي المكان والظرف الذي تنطلق منه التيارات والأحزاب السياسية للإسلام السياسي والقوميين الذكوريين والإمبرياليين والنيوليبراليين والفاشيين لفرض استراتيجياتهم السياسية والاجندة الاستعبادية ضد المرأة وضد الثورات البروليتارية الاشتراكية.

الأرضية التاريخية لنشوء اضطهاد المرأة
نشأ اضطهاد المرأة، كما وصفه فريدريك انجلس في كتابه "أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة"، في عملية تاريخية وارتبط بظهور الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والزواج الأحادي والعائلة المبنية على هذا النوع من الزواج. بعبارة أخرى، ظهر هذا الاضطهاد في مرحلة من مراحل تطور علاقات الإنتاج الاجتماعي، وهو بالتالي نتاج عملية تاريخية مادية غير متوقفة، ولها ماض وحاضر ومستقبل. واليوم يستمر هذا القهر في المجتمع الرأسمالي المعاصر ويتميز بطابع هذه المرحلة والطريقة التي يتم فيها الاُضطهاد في هذه التشكيلة الاجتماعية.
يرفض البعض أطروحة انجلس هذه وينسبون الاضطهاد والتمييز ضد المرأة إلى ما قبل ظهور الملكية الخاصة والزواج الأحادي ونمطه العائلي، لكن هذا النقد لا يغير حقيقة أنه مع ظهور هذا التحول في نمط الملكية والإنتاج والحياة الاجتماعية تم ترسيخ قهر المرأة بشكل منهجي، ويتم إعادة إنتاجه باستمرار والى يومنا هذا .
في المجتمع الرأسمالي الحالي، وخاصة في بلدان الشرق الأوسط، بما في ذلك العراق وإقليم كردستان ، يتم إعادة إنتاج اضطهاد المرأة بالارتباط مع هذا النظام الاجتماعي والاقتصادي الرأسمالي والذي وبالارتباط معه، أي مع هذا الأساس المادي، تقوم وتعيش الثقافة والأفكار المعادية للمرأة والذكورية والقيم العشائرية و النظريات الدينية المناهضة للمرأة والموروثة من فترات سابقة من تاريخ البشرية. ومن هنا تتهيأ الأرضية للتيارات والأحزاب والقوى السياسية البرجوازية، من الإسلاميين إلى القوميين والبرجوازية الإمبريالية ، لمواصلة اضطهاد المرأة وقهرها هذا بأقصى الدرجات من الوحشية.

استخدام النظرة المادية الديالكتيكية والتاريخية للعالم
يشير ماركس في احدى مؤلفاته الاقتصادية الى أنه من أجل فهم أي ظاهرة اجتماعية، يجب فهم العوامل التي تعيد إنتاجها. وهذا ينطبق على ظاهرة اضطهاد المرأة، اذ يجب تحديد العوامل المادية التي تعيد انتاجها اليوم.
يقودنا استخدام النظرة المادية الجدلية (الديالكتيكية) والتاريخية للعالم فيما يتعلق باضطهاد المرأة في عصرنا إلى ادراك المصالح المادية وراء اضطهاد المرأة وإعادة انتاج هذا الاضطهاد، وذلك بهدف تبني نقد مادي ثوري من اجل اقتلاع واستئصال الاضطهاد من جذوره، ومن اجل رسم الخط الفاصل، وبشكل حازم، مع النظرة المثالية والذهنية والاختيارية والنظرية البرجوازية فوق الطبقية في مجال الحركة التحررية للمرأة.
ان التصورات المثالية هذه، وبالرغم من أن بعضا منها تشخص بشكل صحيح اضطهاد المرأة على مستوى الأفكار والسياسة والثقافة، والأفكار والقيم والتقاليد المعادية للمرأة، والكراهية والإهانة التي تتعرض لها، وبالرغم من انها تتعامل مع الظواهر اليومية لقهر المرأة والتي تتجلى في كل تلك الميادين، الا انها لا تستطيع ان تسلك الطريق الثوري لإنهاء اضطهاد المرأة وعبوديتها، وهي وفي أفضل الأحوال ما يسعها إنجازه هو إجراء إصلاح في النظام السائد لعبودية المرأة.

الهدف هو اضطهاد المرأة وليس إفناءها
يمكننا، في أبسط الممارسات اليومية من حولنا، أن نرى بأن الغرض من اضطهاد المرأة وممارسة الذكورية والتمييز ضدها هو اضطهادها كانسان لها خصائصها الجسدية وقدراتها الخاصة، وليس إفناءها كاستراتيجية او الإهانة كغاية في حد ذاتها، اذ أن الغرض من الإهانة كذلك هو لإبقائها كعبدة .
هذا التمييز والاضطهاد والذكورية ضد المرأة يُمارس من قبل أية طبقة اجتماعية في المجتمع الحديث، سواء كانت برجوازية أو عاملة أو أية طبقة أخرى، أو داخل أي حزب أو منظمة أو حركة، وأينما كانت، سواء في المدينة او في الريف، في البرلمان والحملات الانتخابية، أو في الحركات السياسية الثورية الجماهيرية، وما إلى ذلك، فإنه لا يغير حقيقة أن كل هذه الأعمال ضد النساء هي انتاج وإعادة انتاج ظاهرة اضطهاد المرأة و قهرها وثمة مصلحة مادية تكمن ورائها بشكل مباشر أو غير مباشر.
اضطهاد المرأة واستعبادها هو من اجل استغلال طاقاتها وقدراتها وخصائصها الجسدية والفكرية، وتحديدا بالطريقة التي يريدها المضطهِد. هذا، باعتقادي ، هو حجر الزاوية للفهم المادي لاضطهاد المرأة، وبالتالي فإن النظام الذي يضطهد المرأة هو في حد ذاته نظام مهزوز ويمكنه أن يستمر قدر تمكنه من قتل الطاقة الثورية لمستعبَديه، واقصد النساء، والاجهاز على تصديهن ومقاومتهن الفردية والجماعية وانتفاضاتهن بكل الطرق، ومن ضمن ذلك شل قدرة الحركة التحررية النسوية من تبني نظريتها المادية الثورية والتحررية.
من الواضح أن هذا التأكيد على حقيقة أن قمع وقهر المرأة هو من أجل الاضطهاد والاستغلال لا يعني أنه لا يوجد عداء للمرأة واذلالها، أو حتى فرض حالة تصفية جماعية صامتة ضدها في أجزاء كثيرة من العالم وبشكل خاص في بلدان الشرق الأوسط.
وعليه ، فإن سياسة واستراتيجية الطبقات الحاكمة فيما يتعلق باضطهاد المرأة لا تتمثل في إفناء المرأة كإبادة النازيين للإنسان اليهودي في ألمانيا ودول أوروبية أخرى، بل في الاستفادة من هذه القوة البشرية من خلال اضطهادها واستغلال الخصائص الطبيعية التي لديها؛ كقوة عاملة غير مدفوعة الأجر في الأسرة، ومصدر متعة جنسية للرجال، ومنتجة ومربية للأطفال، وكمنظمة لإدارة الحياة اليومية للأسرة، وكانسان ذو قدرات ومهارات متنوعة في مختلف مجالات الحياة ، وما إلى ذلك.
إن هذه الدوافع المادية لاضطهاد المرأة متأصلة في ضمير المجتمع ووعيه لدرجة يتم التعبير عنها بشكل مقلوب، وأن معظمنا يسمعها ويقرأها، في خطاب الانتهازيين وانصاف المدافعين عن حقوق المرأة وحرياتها، على سبيل المثال، عندما يريدون تجميل وجه اضطهاد المرأة وقهرها ويبررونه، سواء كان ذلك من الاسلاميين أو القوميين أو بعض المثقفين الشوفينين المعادين للمرأة والذكوريين، أو حتى بعض من يسمون انفسهم يساريين، عند الدفاع عن حقوق المرأة، يكشف هؤلاء الأشخاص أوراقهم ويقولون:
المرأة هي ركيزة "البلد" و"الوطن" و"الأمة"، والمرأة "مقدسة" لأنها "أم" و"مضحية" و"متسامحة" و"ربتنا جميعا"، والمرأة هي "العمود الفقري" للعائلة، وهي "تحفظ وتصون البيت والأطفال والعائلة"، و"علينا ان "نحترمها ونقدرها". أي أن هؤلاء، وببساطة، يتحدثون عن الأمور المادية التي هي من صنف الاستغلال والاضطهاد والاستفادة من جهود المرأة كانسان. ومن هنا يأتي "احترامهم " و"تقديرهم" للمرأة بسبب هذه الخدمات التي تقدمها للرجل وللمجتمع، أو بالأحرى لرأس المال في المجتمع الرأسمالي، وليس بسبب كونها إنسان حر ومستقل ومتساوٍ.
بالنسبة للإسلاميين، المرأة سلعة جنسية، ويمكن للرجل أن يستعبد أربع نساء علانية باسم الزواج، وخلال الحرب، كما فعل داعش، تتحول النساء إلى سبايا ولا يُقتلن، اذ يتم استخدامهن كأسرى وعبيد في العمل والاستغلال الجنسي، ويتم بيعهن وشرائهن لما لهن من قيمة مادية يمكن تحقيقها من خلال اضطهادهن .بعبارة أخرى، تعتبر النساء في هذا السيناريو سلعة مسلوبة الحياة وذات قيمة استعمالية كقوة عاملة ومادة للاستغلال الجنسي وبالتالي يتم شراؤها وبيعها كأية سلعة أخرى.

الحرب التحررية للمرأة في هذا العهد
إذا كان سيناريو داعش ذلك هو حرب هذا العهد ضد المرأة، ويشنونها حيثما تمكنوا من ذلك، فان حربا أخرى حدثت في سيرورة التاريخ الاجتماعي، وكما يقول انجلس، اُلحقت فيها الهزيمة بالجنس البشري النسوي، وذلك بربط عملية انتاج واعادة انتاج الحياة المادية للبشر بالملكية الخاصة لوسائل الانتاج والزواج الاحادي ونمطه العائلي.
لقد تم استعباد المرأة في هذه الحرب التاريخية وعُوملت كعبد، وحُدِد لها الدور بوصفها كذلك في عملية الإنتاج الاجتماعي وإعادة إنتاج الحياة المادية للإنسان. فما اكتسبتها المرأة من الحرية اليوم وعبر التاريخ هو ليس موضوع هذا البحث، بل ما اود التأكيد عليه هو وقوف مصالح مادية واضطهاد واستغلال منظم وراء قضية قهر وقمع المرأة.
لقد عاشت المرأة تحت وطأة عبء هذا الاضطهاد في اطار مختلف التشكيلات الاقتصادية-الاجتماعية عبر التاريخ ، وكان نضالها من أجل التحرر بهدف إلغاء وإنهاء هذا الاضطهاد، وهو لا يزال كذلك اليوم بالنسبة للأغلبية الساحقة من النساء والمتمثلة بالمرأة العاملة والكادحة والمفقرة. جميع القيم البطرياركية والذكورية والمناهضة للمرأة وجميع القيم القبلية والعشائرية والمعتقدات الدينية اليوم تُنظّر وتُشرّع هذا الأسر التاريخي للمرأة وتحمي هذه المصلحة المادية لاضطهاد المرأة و تطبل لها.
بعبارة اخرى، إن المرأة اليوم ليست في حرب جديدة لحسم تقرير مصيرها، اذ ان تلك الحرب وقعت منذ فترة طويلة وفي عملية تاريخية خسرت فيها المرأة، وباتت مضطهدة منذ ذلك الحين وفي ظل جميع الانظمة الطبقية -الاجتماعية.
إن الحرب الدائرة الآن هي في الأساس حرب عبيد، حرب المرأة العاملة والكادحة والمضطهدة داخل تشكيلة اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية هي الرأسمالية. هذه حرب ضد مالكي العبيد وضد التيارات السياسية والأشكال الاجتماعية القبلية والبطرياركية والمؤسسات الدينية التي أعطيت لها مكانة وموقع في النظام الرأسمالي كي تضمن استمرار هذا النظام عبر شتى الوسائل من ضمنها اضطهاد المرأة، خاصة في الشرق الأوسط بما في ذلك العراق. إن النساء العاملات والكادحات والمعدمات يشكلن العمود الفقري للحركة النسوية التحررية لجماهير النساء في المجتمع، وهذا بحد ذاته حرب ثورية وتحررية وهي ضد مجمل هذا النظام الاقتصادي والاجتماعي الذي تتعرض فيه المرأة للاضطهاد ولا تنفصل عن نضال البروليتاريا الشيوعية في جميع أنحاء العالم من أجل إقامة مجتمع متساو وحر.
قالت إنيسا أرماند، الشيوعية والبلشفية وأول زعيمة قسم المرأة في الثورة الروسية عام 1917: "إذا كان تحرر المرأة امراً لا يمكن تصوره بدون الشيوعية ، فإن الشيوعية لا يمكن تصورها بدون تحرر المرأة" . من هذه الصيغة الصحيحة، يتضح أن عملية التحرر النهائي للمرأة من الاضطهاد تبدأ عندما يُلغى المجتمع الطبقي والملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وتنهار جميع الأشكال المحددة لاضطهاد المرأة، الملازمة للمجتمع البرجوازي. في هذا الصدد، من الصحيح كذلك أنه لا يمكن تصور حركة شيوعية بدون حركة تحررية نسوية، وان النضال الشيوعي والنضال النسوي التحرري لا ينفصلان.
مع التأكيد على هذا الارتباط الوثيق بين حركة تحرر المرأة والحركة البروليتارية الشيوعية، من الضروري أيضًا التأكيد على أن تلك الشيوعية يمكنها أن تكون قوية ومقتدرة حينما تكون متبنية لوجهة نظر مادية ديالكتيكية وترى العالم في عملية التغيير، وأن لا تتبنى أي صيغة ميكانيكية فيما يخص الحركة النسوية التحررية. إن أي تقدم في الحركة النسوية الثورية والتحررية يقوّي في الواقع الحركة الشيوعية، والحفاظ على جدلية العلاقة بين حركة تحرر المرأة والحركة الشيوعية هو شرط لإرساء حركة تحررية شيوعية قوية في المجتمع.
غالباً ما تُهمل هذه الحقيقة المادية البسيطة في نقد اضطهاد المرأة، وهذا يفتح الطريق أمام المفاهيم المثالية الفلسفية والآراء السياسية للطبقات الأخرى غير العمالية والحركات الفكرية والسياسية البرجوازية بشأن قضية المرأة.
لكل من القوى السياسية البرجوازية، من القوى الإسلامية والقومية الى الليبرالية وغيرها، دائرة ومكتبا لقضية المرأة و"حقوق المرأة"! وبهذا، فإن حركة تحرر المرأة قد اُفرِغت من محتواها التحرري الاجتماعي والطبقي، ووضِعت في نطاق السياسة البرجوازية التي تعمل من فوق المجتمع، وأُعطيت قضية المرأة مكانة صورية. وهكذا ، فإن الحركة السياسية النسوية، كحركة اجتماعية وجزء من طبقة اجتماعية كبيرة، قد تم تهميشها وتحولت الى اداة في نطاق السياسات البرجوازية والأجندات السياسية والاستراتيجيات لهذه التيارات والأحزاب. في هذا السيناريو، يتم تصوير المرأة على أنها "وطنية" و"ليبرالية" و"ثورية" و"بيشمركة" و"فدائية" ..الخ. في كل هذه القضايا نرى أن هناك شيئًا سياسيا برجوازيا مادياً وملموساً يعمل به، وأن مسألة تحرر المرأة قد جُرِدت من محتواها وأصبحت بالتالي قطبها المتضاد.

الثورة والثورة المضادة فيما يتعلق بالحركة التحررية للمرأة
في حزيران- يونيو 2022، انتزع الحق في الإجهاض من النساء في بعض الولايات الأمريكية، هذا الحق الذي كان قد تحقق قبل ما يقارب خمسة عقود، اذ تمكنت القوى المسيحية المحافظة المتطرفة من تحقيق هذا النصر في حملتها. أظهرت الحركة النسوية المناهضة لسياسات ترامب ومواقفه ضد المرأة في الولايات المتحدة الامريكية، كيف أن الابواب تُفتح امام القمع ضد المرأة في الرأسمالية المعاصرة وفي دولة رأسمالية إمبريالية مثل الولايات المتحدة، وكيف ان هناك ارتباط مباشر لذلك مع الاستراتيجية البرجوازية المضادة للثورة من جهة، وكيف ان انتفاضة النساء ضد هجمات ترامب، انبثقت عنها حركة فعالة وشاملة تحت اسم حركة مي تو (أنا أيضاً) من جهة أخرى.
بينما أكتب هذه السطور، فإن حركة طالبان في أفغانستان تقوم وأمام انظار العالم اليوم، بمنع الفتيات من الالتحاق بالجامعة، وفي ايران، أدت شرارة الثورة ضد نظام الجمهورية الإسلامية والحجاب الإجباري الى بزوغ حقبة جديدة من النضال لاقتلاع اضطهاد المرأة في الشرق الأوسط.
في كلا هذين المثالين، نرى أن التهافت من اجل الاستمرار بنظام استعباد النساء هو ركيزة استراتيجية للإسلام السياسي من جهة، ومن جهة أخرى النضال الثوري للإطاحة بالنظام الإسلامي للرأسمال في إيران مرهون بالنضال ضد اضطهاد النساء والحجاب الاجباري ولا يمكن فصلهما عن بعض. هنا نرى جبهتي الثورة والثورة المضادة متراصة في صراع محتدم: بالنسبة للثورة المضادة، فإن اضطهاد المرأة والادامة باستعبادها هو شريان حياتها وسبب بقائها، وبالنسبة للثورة فإن استئصال اضطهاد المرأة هو عمود وركيزة أساسية لها. هذه هي سمة الثورة والثورة المضادة في الشرق الأوسط وفي كل مكان في العالم اليوم، على مستويات مختلفة.
بالنسبة لقوى الثورة المضادة، من الإسلاميين والقوميين إلى الفاشيين والقوى الإمبريالية وغيرها من الحركات السياسية الذكورية الدينية للبرجوازية، فإن اضطهاد المرأة والإدامة به والتنظير له وأدلجته، هو عمل إجرامي وشنيع وهو من سياسات البرجوازية العالمية اليوم. الإسلاميون والقوميون الذكوريون استعبدوا النساء بالحديد والنار وفرضوا هذا القمع، ومن ثم يأتون ويتحججون بكونه من سمات "الإسلامية المحلية" للبلاد! وان الدول والقوى الامبريالية للغرب تبرره بلا خجل وبذريعة احترام "الثقافة الخاصة للبلدان الإسلامية"! وهكذا تتحد هاتان القوتان في جبهة إرهابية ضد المرأة وذلك من اجل تنفيذ استراتيجيتهما التاريخية في قمع الثورات البروليتارية الاشتراكية لهذا العصر واخفاق ثورات المضطهدين والفقراء والمظلومين، والتي نصفها، بطبيعة الحال، من النساء والفتيات.
لا يهاجم الإسلام السياسي المرأة، ولا يفرض الظلم عليها ويجعل منها عبداً، فقط بسبب النصوص الدينية والشريعة، إنما يقوم بهذه الجريمة من اجل مصالحه المادية كحركة سياسية برجوازية، فان كانت مصالحه تقتضي تغيير النصوص الدينية أو تعديلها، فإنه كان سيفعل ذلك. لكن هناك قضية مادية، وان استعباد المرأة كونها نصف المجتمع ونصف الطبقة العاملة والكادحة هو الطريقة الأسهل لإحكام قبضته على المجتمع وبالتالي لفرض فاشية الإسلام السياسي وقمع الثورة الاشتراكية في هذا العصر. ولهذا الغرض، وحتى وان لم تكن نصوصهم الدينية موجودة فانهم سيجدون شيئاً اخرأ بنفس الطريقة التي اصبح بها الحجاب رمزًا للسيطرة الإسلامية بالرغم من عدم وجوده في النصوص.
٢٤١٢٢٠٢٢