(المركز والهامش) وموقعه من النظرية النسوية مقاربات في نسوية -بيل هوكس-



احمد يعقوب ابكر
2023 / 1 / 21

عندما نُشر كتاب (النّظرية النسوية: من الهامش إلى المركز) لأول مرة في العام1984 ، تم الترحيب بالمؤلفة بيل هوكس. وهي كاتبة وأكاديمية ومفكرة وناقدة وفنانة؛ألفت العديد من الكتب النقدية والسير الذاتية وكتب للأطفال. تتناول كتبها مواضيع مثل قضايا النوع ومواضيع العرق والطبقة والروحانية والتدريس وتأثير الإعلام في الثقافة المعاصرة ؛ لقد قوبلت بالثناء من قبل النسويات حيث أرادوا رؤية جديدة.

ومع ذلك ، وجد القُّراء الأفراد في كثير من الأحيان؛ النظرية "غير مستقرة" أو "استفزازية." واليوم لا تزال استخطاطيات الحركة النسوية التي تم تقديمها في الكتاب استفزازيًا وملائمًا كما كان دائمًا. لقد كانت كتابات بيل هوكس تعبيراً عن أملها في أن تتمكن النسويات من العثور على لغة مشتركة لنشر الكلمة وإنشاء حركة نسوية عالمية جماعية. وقد توفيت الكاتبة في الخامس عشر من ديسمبر 2021 عن عمر ناهز التاسعة والستون عاماً.وأتمنى في وقت ما أن تترجم كتبها وخاصة كتابها عن (النظرية النسوية من المركز الى الهامش) إذ يعتريني شعور بأن هذا الكتاب يقرأ وقائع بلادنا وحالة النسوية فيها ببراعة؛ وأن تهتم النسويات والرجال معاً بهذه الكتابات الرصينة والمستفزة للتفكير إذ تتعدى كتاباتها الى حقول معرفية أخرى وثيقة الصلة بالعرق والطبقة والانثروبولوجيا .
يتضمّن الكتاب اثني عشر فصلاً ؛ يتحدث الفصل الاول والمعنون بالنساء السّود: حول تشكيل النّظرية النسوية والفصل الثاني عن النّسوية كحرحة لانهاء الاضطهاد الجنسي؛ الفصل الثالث خُصّص للحديث عن أهمية الحركة النسوية، وجاء الفصل الرابع تحت عنوان الاختية : التضامن السياسي بين النساء وهو فصل فيه تنظير متعدد الجوانب حول أن الضحية الرئيسية للتمييز بناءً على الجنس هن النساء. وكما هو الحال مع أشكال الاضطهاد الجماعي الأخرى، يُعزّز التمييز الذي يقوم على الجنس ويُستدام من خلال البنية المؤسساتية والاجتماعية، ومن قبل الأفراد المسيطرين، أو المُستغلِين والمُضطهِدين للآخرين، ومن قبل الضّحايا أنفسهن، اللواتي تم تكوينهن اجتماعياً بطرق تدفعهن للتواطؤ مع الوضع الراهن.وفي الفصل الخامس دافعت عن ضرورة مشاركة الرجال والنساء على السواء في مناهضة التمييز وان لاتنظر النسويات الى الرجال باعتبارهم المُضطّهِدين فهم أيضا يتم اضطهادَهم من قبل المؤسسات الفوقية والتي يسيطر عليها نخبة من الذكور جاء هذا الفصل معنوناً: الرجال : رفاق في النضال. في الفصل السادس عبرت عن وجهات النّظر المختلفة في السّلطة وتباعاً في فصله السابع أفرد الكتاب مساحة للحديث حول إعادة التفكير في طبيعة العمل( النسوي). تم تخصيص الفصل الثامن لتعليم النساء: أجندة نسوية. كان الفصل التاسع حول الحركة النسوية لإنهاءالعنف ثم عُنون الفصل العاشر بـ الأبوة الثورية والفصل الحادي عشر بـتربية الأطفال وفي الفصل الثاني عشر، الثورة: التنمية من خلال النضال. ليس هناك من طريقة محددة لقراءة الكتاب أعني أن القارئ لديه حرية اختيار الفصل دون الاهتمام بالترتيب.

في هذا المقال؛ يتجدّد طموحي لقراءة مختلفة عن النّظرية النسوية باعتبارها أداة تحليل للواقع المُشترك الذي يعيشه النساء والذكور؛ ولطالما اعتقدت أن النظريات النسوية منذ ماري وولستونكرافت وسوجورنر تروث بالاضافة لسيمون دي بوفوار وايلين شولتر على أنها؛ تمثل منهج لقراءة الاضطهاد والتّحييز والتمييز على أساس الجنس ووقتها أدركت ان الاضطهاد الذي تعاني منه النسوة يشاركهن الرجال أيضاً هذا الاضطهاد بنسب متفاوتة ولكن العبأ الاكبر يقع على النساء وخاصة في مجتمعاتنا . كانت قراءات بيل هوكس عن الاضطهاد والتحييز الجنسي في مجتمعها ( الاسود) إذ عاشت الكاتبة في مجتمعات الفصل العنصري وقتها؛ وبمقاربات عن تنظيراتها في النسوية تتشابه المعضلات والمآزق هنا وهناك وخاصة في بلادنا التي تشهد حراكاً نسوياً كبيراً ولكنه يحتاج الى قراءات واسعة عن مجتمعاتنا في الحضر والريف وهو ما يعني ضرورة انتاج تنظير معرفي متماسك؛ والبحث لسد الفجوة والتقاطعات الكبيرة ما بين المركز والاطراف الشئ الذي نفتقده الان هذا بالاضافة الى ضرورة اشراك الرجال في النضال النسوي؛ النسويات في بلادنا لسن في حوجة لتبيئة النظريات النسوية(...) مع مجتمعنا بل هنّ في حوجة مآسة لابتداع نظرية نسوية سودانية تقرأ إشكالات العقل السّوداني وتشخص قضاياه وتقدم الحلول له مستصحبة في ذلك التفاوتات الطبقية والفوارق والتعدد الثقافي والديني والدفع بأجندة جديدة مع تشكيل وبناء الخطاب النسوي الذي يبدو هشاً في أطره النظرية مع صوابية القضية وواقعها . لقد خاضت بيل هوكس حرباً ضد موضعة النظرية النسوية باعتبارها شئ يخص النساء اذ أن وقائع مجتمعها كانت تقول العكس فمجتمع السود كان يحارب التّمييز الذي وقع عليه من قبل البيض(راجع ترجمتنا للفصل : الرجال: رفاق في النضال) كانت تحاول صنع إرثاً نضالياً مشتركاً مابين النساء والرجال لمحاربة كافة اشكال الهيمنة والتحييز والاضطهاد اذ انها وقعت على الكل ورأت ( النسوية) باعتبارها منهجاً أواداة لهذا النضال المشترك.
قوبلت رؤية بيل هوكس بتهكم كبير قائلة في تصديرها لهذا الكتاب*:" خلال الكثير من كتابات "لست امرأة: النساء السود والنسوية" :عملت في عزلة؛ كنت آمل أن يؤدي نشر هذا العمل إلى تقريبي من الناشطات النسويات ، وخاصة النساء السود ومن المفارقات ، أن بعض النساء السود الأكثر صراحةً- الناشطات في الحركة النسوية كانت استجابتهن عن طريق التهكم بي؛ بينما كنت أتوقع تقييمًا صارمًا وجادًا لعملي ، لم أكن مستعدًة تمامًا للعداء والازدراء الذي أظهرته لي النساء اللواتي لم أكن أعتبرهن أو لا أعتبرهن أعداء على الرغم من ردودهم ، أشاركهم التزامًا مستمرًا بالنضال النسوي" .
وفّر الحقل السياسي بيئة للصّراعات ما بين النسويات انفسهن؛ أذ تم التعامل على اساس الاختلاف السياسي والايدلوجي وتم ربط قيم النضال المشتركة على هذه الاختلافات وهذا لا يعني أنه يجب علينا التعامل مع النسوية من نفس المنظور بل يعني أن لدينا أساسًا للتواصل ، وأن توافقاتنا السياسية أو أختلافنا يجب أن يقودنا إلى التحدث والنضال معًا؛غالبًا ما يكون من الأسهل تجاهل وحتى إيذاء بعضنا البعض بدلاً من الانخراط في مواجهة بنّاءة ومسح صغير لأشكال تمظهرات العمل النسوي في البلاد يقودنا الى ذلك خاصة حجم الخلافات وهو أمر يقتضي دراسة واسعة وابستمولوجية لحجم هذه التقاطعات والحد منها في سبيل النضال المشترك.إذ أن تقاطعات العرق والاثنية ظلت تلعب دوراً مؤثراً على كل الاصعدة في بلادنا.

كانت بيل هوكس ترى بأن قيمة الكتابة النسوية يجب أن تتحدّد ليس فقط من خلال طريقة استقبال العمل بين الناشطات النسويات؛ ولكن أيضًا بمدى جذب النساء والرجال خارج النّضال النّسوي وتنطوي هذه الرغبة في استكشاف جميع الاحتمالات التي قد ميّزت وجهة نظرها في كتابة النظرية النسوية من الهامش إلى المركز. واليوم لا استطيع التأكيد في ما اذا كان المهتمين بالنسوية ينظرون اليها كقضية مرأة أو كمنهج تحليلي ومعرفي لظواهر الاضطهاد والتحييزات القائمة على الجنس.
تظهر الكثير من الكتابات النسوية من النساء اللائي يعشن في المركز وهذه الكتابات نادرًا ما تتضمن وجهات نظرهن حول (الواقع،المعرفة ،والوعي) بحياة النساء والرجال الذين يعيشون في الهامش؛ نتيجة لذلك ، تفتقر النظرية النسوية إلى الكمال ، وتفتقر إلى التحليل الواسع الذي يمكن أن يشمل مجموعة متنوعة من التجارب البشرية. هكذا تحاجج بيل هوكس.


في كتابها " النظرية النسوية من المركز الى الهامش تقول هوكس: "لقد كانت ندرة المواد التي كتبت حول النساء السود، هي التي دفعتني لبدء البحث والكتابة عن "لست امرأة: المرأة السوداء والنسوية". إن غياب النظرية النسوية التي تتناول الهامش والمركز هو الذي دفعني لكتابة هذا الكتاب".
واليوم تبدو أجندة قضايا الريف والاقاليم مستبعدة من الدفاتر النسوية؛استبعاد لا ينفيها ولكنه لا يستطيع الوصول اليها لاسباب عدة؛ عادة ما تغذّي الاختلافات السياسية والايدلوجية هذا المسلك؛فالهوة كل يوم تتسع ما بين اجندة المركز والهوامش ينسحب هذا على السياسة والاقتصاد والتعليم وقضايا المجتمع والخدمات؛ ضمن هذه الاجندة المفتقدة يمكن ملاحظة ندرة الكتابات والبحث الرصين حول قضايا النسوية في بلادنا بشكل عام .كانت الاستخطاطيات المتناثرة هنا وهناك تتحدث معلنة عن قفزها على الوقائع وتطبيق نظريات تصلح للعالم الصناعي ومع ذلك يظل المجال مفتوح لابتداع بما يمكن أن نطلق عليه " تنظير نسوي سوداني".
في صفحات كتابها كانت بيل هوكس تحاول أستكشاف حدود الجوانب المختلفة للنظرية والممارسة النسوية ، مقترحةً اتجاهات جديدة وفيها حاولت تجنُّب تكرار الأفكار المعروفة والتي تم نقاشها على نطاق واسع ، والتركيز بدلاً من ذلك على استكشاف قضايا مختلفة أو وجهات نظر جديدة حول القضايا القديمة ونتيجة لذلك فإن بعض الفصول كانت طويلة والبعض الآخر قصير جدًا ؛ ولم يُقصد بأي منها أن تكون تحليلات شاملة. طوال العمل يمكنك رؤية تشكّل أفكارها من خلال الاقتناع بأن النسوية يجب أن تصبح حركة سياسية جماهيرية إذا كان لها تأثير ثوري وتحولي على المجتمع. أعتقد أن حراكات ديسمبر وفّرت بيئة صحية وموآتية لان تكون هنالك نظرية نسوية سودانية لكن الامر والى ان يتأسس سيأخذ وقتا طويلا هذا بفعل الصراعات وتدخلات الاحزاب السياسية واتجاه مسرح الحياة الى العنف بالاضافة لعامل رئيسي يتمثل في غياب الابحاث والدراسات حول قضايا العرق والهوية واجندة التعليم والاقتصاد والحروب وموقع المرأة من هذه القضايا ؛ بطبيعة الحال يستلزم القيام بذلك (عِدّة) وأدوات معرفية؛ وهو ليس عمل المرأة فقط بل كلا الجنسين.
كان هاجس (هوكس) قيام ثورة نسوية: اليوم لا يكاد أحد يتحدث عن ثورة نسوية؛ بالنظر إلى أن الثورة ستحدث ببساطة وبسرعة فقد شعرت الناشطات النسويات المناضلات أن الزيادات الكبيرة في النشاط - الاحتجاج والتنظيم ورفع الوعي - التي ميزت الحركة النسوية المعاصرة المبكرة هي كل ما يتطلبه الأمر لتأسيس نظام اجتماعي جديد. على الرغم من أن الراديكاليات النسويات قد أدركن دائمًا أنه يجب تغيير المجتمع إذا كان سيتم القضاء على الاضطهاد الجنسي ، إلا أن النجاحات النسوية كانت بشكل أساسي في مجال الإصلاحات، ساعدت هذه الإصلاحات العديد من النساء على اتخاذ خطوات كبيرة نحو المساواة الاجتماعية مع الرجال في عدد من المجالات داخل نظام التفوق الأبيض الذكوري الحالي ، لكن هذه الإصلاحات لم تتوافق مع انخفاض الاستغلال الجنسي و / أو ضغط الرأي. لا تزال القيم والافتراضات الجنسية السائدة كما هي ، وكان من السهل على المناهضين للنسوية المحافظين سياسياً تقويض الإصلاحات النسوية؛ ويرى العديد من النقاد التقدميين سياسيًا للحركة النسوية أن الدافع نحو الإصلاحات يأتي بنتائج عكسية.

كتبت ساندرا هاردينغ* ، في محاججتها لصالح الإصلاحات كمرحلة في العملية الثورية في مقالها "النسوية: الإصلاح أم الثورة":
من الممكن أن يكون الإصلاحيون يفكرون في هدف بعيد المدى ، وهو ما يشبه صورة مجتمع جديد. الإصلاحات تملأ تلك الصورة شيئا فشيئا. يمكن ملء بعض القطع بمشاكل قليلة نسبيًا (على سبيل المثال ، الأجر المتساوي للعمل المتساوي) ، بينما يتم ملء القطع الأخرى بصعوبة كبيرة (على سبيل المثال ، الوصول المتساوي إلى كل وظيفة). ولكن سواء كانت الصعوبة كبيرة أو صغيرة ، هناك دائمًا سابقة في المجتمع - في مكان ما - لكل نوع من التغيير ، والتغييرات الوحيدة المطلوبة هي تلك التي تملأ صورة المجتمع الجديد المنشود. وهكذا في نهاية سلسلة طويلة من التغييرات الكمية الصغيرة ، كان كل شيء قد تغير تدريجيًا بحيث كان النظام بأكمله مختلفًا تمامًا ... في هذا النموذج البديل ، قد تشكل سلسلة من الإصلاحات ثورة).آمل أن يسقط القارئ/ة النص أعلاه على ويقرأه ضمن سياق وقائعنا وربما يفتح أبواباً للحوار بالتساؤل القائل ؛ الاصلاح أم الثورة؟.
أخيراً ؛ فالحراك النسوي في بلادنا ينبغي له الدفع بأولويات الواقع والتاريخ ومحاولة اصلاحها كمرحلة أولى لتثوير آتٍ هذه الاولويات تقع ضمن اطر شتى : الوعي ، التعليم ، الفرص المتساوية ....الخ.ولا يتأتى ذلك الامن خلال ابتداع وتشكيل خطاب متسق مع زعمه؛ والقيام بالكتابات والدراسات في مختلف المجالات المتقاطعة والتي تهم مجتمعنا من خلال إعتبار النسوية شئ يخص الجنسين وهي منهج لقراءة وتحليل الواقع المتغيير دوماً.




عن بيل هوكس:
كتبت هوكس أول كتاب لها في عمر التاسعة عشر ويعد أول أعمالها الكاملة تحت اسم "ألست امرأة أيضا: النساء السود والنسوية- Ain t I a woman: Black Women and Feminism"، ونشر في 1981. والذي يتناول دور المرأة السوداء في المجتمع بداية من العبودية وحتى عام 1980، العام الذي يسبق عام النشر. ووثقت هوكس في هذا الكتاب الأخطاء التي تم ارتكابها عندما تم استبعاد قصص وخبرات النساء السود، خاصة أثناء تطور السرديات النسوية. وكيف تأثرت النساء السود بالتمييز على أساس الجنس والعرق. وخلال هذا الكتاب، أرست هوكس ملامح كتابتها.
كتب أخرى:
• Bone Black (1996 )
• Where we stand: Class matters (2000)
• Talking back: Thinking feminist, thinking black (1989)
• All about love (2000 )
• Feminism is for everybody (2000)
• Teaching to transgress: teaching as the practice of freedom (1994)
• Feminist theory: from margin to center (1984

ساندرا هاردينغ- فيلسوفة أمريكية واستاذة جامعية بجامعة كاليفورنيا.