قضية المرأة من زاوية التقاليد المختلفة



ريبوار احمد
2023 / 1 / 30

جعلت الشيوعية في كردستان من قضية المرأة قضية سياسية كبيرة ومهمة، ومسكت قيادة هذا الميدان لمدة وسجلت مكسباً وتقدماً مهماً لهذه القضية. ليس الحال هكذا الآن للأسف. ينبغي ان يسترد الحزب الشيوعي العمالي، بوصفه حزباً سياسياً للطبقة العاملة، مرة أخرى قيادة هذا الميدان المهم على صعيد المجتمع ويعيده ليد الشيوعية. إن هذا الميدان هو، بصورة مباشرة، عمل الشيوعية والنضال الطبقي. وبوسع الشيوعية فقط ان ترد بصورة مؤثرة وجذرية على هذه القضية. ان هذا هو إطار ومحور الموضوع الذي اطرحه في هذه المقالة. ونحن على أبواب الثامن من آذار، إنه لوقته ومكانه أن نبرز هذه القضية ونضعها على الطاولة بوصفها أحد الميادين المهمة لنضال الحزب ونشاطه. ان يكون المؤتمر الثالث للحزب الشيوعي العمالي الكردستاني على الأبواب هو فرصة جيدة للتأكيد على هذه القضية، وأن نضع الخطوات اللازمة على جدول الأعمال بهذا الصدد.
إن مجتمع كردستان هو أحد المجتمعات التي بلغ اضطهاد المرأة والتمييز ضد قسم من المواطنين أقصى مدياته. إن مداه أكبر من أن يتم تعريفه بتمييز وظلم وخرق الحقوق الانسانية للمرأة. بلغ الأمر حداً أصبح فيه ضحايا العنف والبربرية ضد النساء اكثر بكثير من ضحايا مجزرة حلبجة والقصف الكيمياوي. حتى اذا يتم النظر اليها من ناحية وحشية اسلوب العنف، فإنها ليست بأقل من تلك المصيبة (حلبجة والكيماوي). ان القتل والاغتيال وحتى رجم النساء او اللجوء القسري للانتحار، تلك الظاهرة المقززة تهز يومياً ضمير المجتمع. ان صراخ واستغاثة الضحايا من اجل النجدة تصم اذان المجتمع، ولكن دون مستجيب أو منقذ. في السنوات الأخيرة، تتحدث الأرقام والتقارير عن تنامي شبكات المتاجرة بأجساد النساء، وهذه في أوضاع تبعث على القشعريرة. ان هذه الظاهرة تخطت كثيراً اضطرار أناس الى بيع الجسد من أجل تأمين معيشتهم. ان شبكات التجارة القسرية تجبر، بخطط ودسائس مختلفة، النساء الضائعات وضحايا التمييز والعنف للقيام بهذا العمل والمتاجرة بأجسادهن.
وقبل ان تظهِر الشيوعية نفسها على هيئة حركة سياسية وقوة متدخلة في الميدان السياسي والاجتماعي، فان الاضطهاد المتنوع والشامل للمرأةـ وحتى اغتيال وقتل النساء بحجة الشرف السخيفة، حتى وان كان يجرح ضمير الكثيرين، ولكن كان يُنظر لها بوصفها ظاهرة عادية وعمل ضروري. ولهذا، لم يكن هناك صوت احتجاجي صريح تجاهها. ولهذا، ولأول مرة في تأريخ هذا المجتمع، تصدت حركة الشيوعية العمالية صورة دؤوبة ومواظبة لهذه البربرية، وبنت خندقاً ونظمت نضال شامل ضدها. وامتدادا لهذا، وبمبادرة الفعالين الشيوعيين لهذا الميدان، تأسست منظمة المرأة المستقلة، ولعبت دور قيادة الحركة النسوية الداعية للمساواة. وسجلت تاريخاً مضيئاً ومشرقاً. ولهذا، اندلعت حرب سياسية واجتماعية ضد اضطهاد المرأة. ووقف الحزب الشيوعي العمالي في الخندق الطليعي لهذه الحرب السياسية والاجتماعية ولعب دوراً قيادياً. ولم يختزل دوره مطلقاً الى طرف يمد يد العون او مساعد في جبهة خلفية. في قضية المرأة، مضى لميدان الحرب ضد الحركات الاسلامية والقومية الرجعية والقوانين والتقاليد والقيم البالية. وبهذا السياق، فقد أبرز قادته وناشطيه مثل شابور عبد القادر وقابيل عادل.
ان نضال الشيوعية هذا في كردستان، سواءً بشكل منظمة جماهيرية بقيادة الشيوعيين أم بصورة مباشرة على هيئة حزب ومنظمات سياسية شيوعية قبل ذلك، أرسى خندق قوي للدفاع عن حقوق المرأة. وجعل من مطلب مساواة المرأة والرجل مطلباً جماهيراً على نطاق واسع، وضيّق الخناق على التقاليد والقوى الرجعية وقتلة النساء ومارس ضغطاً كبيراً عليها. أحطَّ من تقاليد الشرف وفضحها على صعيد واسع. لحد لا تجرأ أكثر القوى السياسية رجعية ان تدافع بصورة سافرة عن قتل النساء بالشكل الشائع والذين يفتخرون به قبل ذلك. ان النضال والنشاط الواسع للشيوعيين في هذا الميدان كان دافعاً كبيراً لتنامي الحركة النسوية على صعيد واسع. كان الناشطون والمنظمات النسوية الاخرى، ومن ضمنها تلك التي كانت جزء من المبررين للظلم والتمييز ضد المرأة، وقعوا الى حد ما تحت ضغط هذا المسار وساروا هم انفسهم وراء قسم من الشعارات والمطالب التي رفعتها الشيوعية لأول مرة في المجتمع. وبالتالي، وضع ذلك السلطة تحت ضغط كبير. مما أجبرها على اللجوء للرياء فيما يخص حقوق المرأة والاقرار بتلك البربرية التي تجري في ظل سلطتهم. هرع رجالاتها للوعود بـ"الاصلاح"، بل وحتى اصدروا قرار بذلك. ونرى اليوم "الشرف" مصطلحاً مبتذلاً ومفضوحاً ولا يجرؤ أصحابه على الدفاع عنه بصورة سافرة. ان قتل النساء بوصفها ظاهرة عادية ومُقَرْ بها، أما الان، ورغم بقائها بصورة واسعة، الا إنها ظاهرة مفضوحة وجريمة منبوذة بأنظار الراي العام للمجتمع. وتحت هذا الضغط، أُجبِرتْ السلطة على أن تنظر اليها بوصفها جريمة لا يمكن تبريرها. ان النزعة الذكورية والمكانة الدونية والعنف الممارس على المرأة، ورغم كونه ظاهرة واسعة جدا لحد الان، لكن لا يُنظر له مثل السابق بوصفها تقليد مقدس بيروز. بل حتى ان هناك وعي عالي تجاهها، وهي مبعث خجل ونبذ على صعيد واسع... وبوسعي القول دون تردد ان هذه جزء من المكاسب المهمة للشيوعية بهذا الصدد. وتحديداً، ان الامور التي ذكرتها هي ثمرة نضال وتقليد شيوعي، لا حركة أخرى او تقليد أخر. ان الشيوعية هي من ثبّتتها في المجتمع. انها بصمات واضحة للشيوعية في مجتمع كردستان.
وكأي ميدان آخر، من الواضح انه كان للشيوعية في هذا الميدان، ولديها نواقص ومحدوديات ونقاط ضعف. ان إجراء تقييم شامل بهذا الخصوص هو عمل ضروري ويساعد كثيرا في عملنا المقبل ويمنحنا رؤية وأفق أوضح. في هذه المقالة التي وضعت لها هدفاً محدداً، لن أتناول هذه المسألة ما عدا تلك التي ترتبط بذلك الهدف المحدد، فعند الضرورة سأتناول بعض المسائل بصورة مختصرة وعامة. كانت المعضلة الاساسية للحزب الشيوعي العمالي العراقي هي انه لم يستفد، في مجمل هذه الفرصة التي توفرت له، بصورة تامة لتقوية نفسه وترسيخ نفسه في المجتمع، بالأخص داخل الطبقة العاملة. بقى في اطار حزب مشهور ومحبوب ومناضل لا يكل في سبيل الحرية والمساواة وتحرير الطبقة العاملة. لم يتمكن باختصار من التحول الى حزب اجتماعي متجذر وعمالي قوي، لا يُكسر، ويرفع راية الشيوعية عالياً وباقتدار في مركز وقلب الصراع السياسي حول مصير المجتمع. ولهذا في أول فرصة مناسبة سنحت للبرجوازية، تعرض لهجمة البرجوازية، للحركة القومية الكردية.
بدءاً، لقد تم فرض تراجع كبير على الحزب وشيئاً فشيئاً تم تهميشه تماماً. لم يكن هذا عاملاً، بل كان عاملاً مؤثراً جداً لإضعاف مكانة الشيوعية وحزبها في الحركة النسوية، مثلما هو الحال مع جميع الميادين. وبإخراج الشيوعية من الميدان، تعرضت الحركة النسوية الداعية للمساواة عموماً والتقليد الاشتراكي داخل هذه الحركة على وجه الخصوص الى صدع كبير جدي. إلى حدٍ، بحيث كان يمكن رؤية علائم هذا الامر بعد فترة قصيرة، من مثل تصاعد الضغط على حقوق النساء، شيوع قتل النساء، تعاظم الأجواء الذكورية والرجعية، سحب السلطة عملياً يدها من وعودها وقراراتها وتعهداتها التي قطعتها تحت ضغط الحركة النسوية الداعية للمساواة والشيوعية. وعليه، برزت التقاليد والتصورات المتخلفة والمحافظة والتبريرية لدونية المرأة داخل الحركة النسوية ذاتها.
تمكن الحزب الشيوعي العمالي في السنوات الأخيرة مرة أخرى من الظهور في الميدان السياسي للمجتمع؛ وتحديداً في الحركة الجماهيرية (17 شباط)، إذ ظهر بوصفه قوة سياسية ذات دور. وفي توازن القوى اللاحق، انفتح ميدان واسع أمامه. ولكن رغم ذلك يمكن، وبوضوح، رؤية أحد نقاط ضعف دور ونشاط الحزب فيما يخص قضية وميدان المرأة. وإن يكن للشيوعية بهذا الخصوص مشاكل ومحدوديات واقعية للرد على نقطة الضعف هذه وإزاحتها، ولكن بدلاً من التفكير والسعي لرفع العوائق والمحدوديات. يمكن رؤية نوعاً من الوقوف مكتوفي الايدي وتتحول المحدوديات الى مبررات لإدامة الوضع القائم. ومن هذه الناحية، ما يتم إبرازه بوصفه مشكلة أساسية هو غياب الفعالين والقادة الذين يعملوا في هذا الميدان بصورة مباشرة.

أود هنا تحديداً أن أطرح رأيي الشخصي فيما يتعلق بقضية لإثارة الأمر بوصفه مشكلة واقعية ومبرراً على السواء. إنه لفراغ واضح وبارز، دون شك، أن لا يتقدم الناشطون والقادة الشيوعيون للحركة المساواتية النسوية الميدان. ناشطون وقادة على استعداد للعمل المباشر في هذا الميدان على الصعيد العام. إذ ليس بقلة تلك الناشطات النسويات اللائي يؤدي كل منهن، الان وفي السنوات المنصرمة، عملا ونشاطاً في هذه الزاوية او تلك، وبذلن جهوداً مضنية للدفاع عن حقوق المرأة أو منهمكات بحلّ الملفات والقضايا المختلفة للنساء أو لنجدة الضحايا. حتى على صعيد أوسع ، سعت الحركة المساواتية للمرأة وقامت الناشطات بأعمال كثيرة. بيد ان المعضلة الأساسية بهذا الخصوص هو ان في هذا الفراغ الناجم عن ضعف الرؤية الاشتراكية والتقليد النضالي الراديكالي والشيوعي على صعيد قضية المرأة، فان رؤية وتقليد آخرين قد ألقيا بظلالهما على هذه الحركة. ان هذه الرؤية والتقاليد هي، انهما ليسا أفقاً مساواتياً ووجها لطمة لأسس ومصادر ظلم المرأة والتمييز المفروض عليها. وعليه، ابتعدت قضة وحركة المرأة عن أصحابها ، بوصفها حركة سياسية واجتماعية مساواتية مناهضة للظلم والتمييز والنظام والسلطة والدستور والقانون والتقاليد التي تقف وراء هذا الظلم والتمييز. ولهذا تم تحويلها، في أفضل الحالات، الى حركة أو سعي هنا أو هناك من أجل نجدة قسم من ضحاياه، وأغلبهم ضحايا العنف، او تبني بعض المشاريع الخيرية والتوعية ببعض الاصلاحات الصغيرة والبسيطة والعادية فيما يخص قضية المرأة.
بالإضافة الى التقاليد الاسلامية والقومية والديمقراطية والاصلاحية التي لها ثقلاً من قبل في الحركة النسوية، والتي كانت من ناحيتها عائقاً أمام التقدم وكانت نقطة ضعف هذه الحركة، تمثلت أحدى التصورات والتقاليد التي سادت في ظل سيادة الرؤية الاشتراكية والتقليد الشيوعي النضالي، بالأخص في السنوات الأخيرة، برؤية وتقليد عمل "منظمات المجتمع المدني". إن هذه رؤية وتقليد برجوازيان، واللذان هما في احسن أحوالهما عملاً بوجه الجوانب المفضوحة والبارزة والسافرة لهذه الظلم والتمييز، وليس بوجه الظلم والتمييز ذاتهما. وإن أهدافهما هو أن يجعلا منهما أمراً يمكن تحمّله وليس استئصاله. على هذا التقليد، تنفق الحكومات البرجوازية عائدات وامكانيات ضخمة جداً.
قصدي هو: في جميع الميادين، بدلاً من النضال الثوري والجماهيري ضد الظلم والقسر، يجعلوا من قالب ضيق جداً واصلاح تقليدي وروتيني يلبّسوها لهذه الحركة ويجهضوها. يؤطرون مساعي الناشطين بحيث يتخلوا عن النضال ضد مصدر واساس الظلم والتمييز. بدلاً من ذلك، يصبحوا مستشاري ومعاوني المؤسسات الحكومية كما لو أن هدف الأخيرة وتسعى لحل مشاكل النساء والجماهير المضطهَدة، ولكنها بحاجة الى عون واستشارة مؤسسات المجتمع المدني. وبمقارنته بالرؤية الاشتراكية والمساواتية، يبرزون هذا العمل ويميزوه بوصفه نشاط عملي ويمكن تطبيقه. إن هذا التقليد، وفي أفضل أحواله، أغرق المجتمع بتأسيس المنظمات الخيرية ونجدة الضحايا. تعاظمت مكانة هذا التقليد الان، ويلعب دورا لإجهاض الحركات الراديكالية والثورية، ومن بينها حركة النساء الداعية للمساواة. وبدلاً من تنظيم وقيادة نضال اجتماعي شامل لضرب جذور ومصادر الظلم وتلك الاسباب التي تجعل المرأة ضحية ، ذهب قسم كبير من قدرات وطاقات نشاط الحركة النسوية للتعاون مع مؤسسات مثل البرلمان والوزارات وحتى الأمن والشرطة. وعلى اساس ان هذا من أجل الحيلولة دون ظاهرة تستمد قدرتها من الدستور والقوانين والقرارات وتنال اشكال متنوعة من دعم السلطة. من جهة أخرى، وعبر تخصيص جزء من العائدات لتعميم وإشاعة هذا التقليد، نرى موجة من الناشطات النسويات وقد انهمكن بنجدة ضحايا العنف والظلم والتمييز ضد المرأة. بالضبط مثل "أطباء بلا حدود" لنجدة المرضى المحرومين من الأطباء والدواء، أو مثل المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة لنجدة ضحايا الحروب والتشرد ولتأمين الغذاء ومخيمات التشرد، فان منظمات المجتمع المدني فيما يخص قضية النساء في إطار النظام والمنظومة القائمة، هي مشروع يطرحوه للدولة لتحسين مشكلات النساء وحلّها. وتُطرح هذه على الأخص تحت اسم مشروع عملي وواقعي.
إن عمل أطباء بلا حدود ونجدة المشردين وضحايا الحرب والعنف ضد النساء هو دون شك عمل إنساني وذوقيمة وضروري وينبغي ان يتم. بيد ان السياسة وسبيل الحل الفعال، بموازاة نجدة الضحايا، هو توجيه الضربة للمسببات والمصادر التي تنتج ضحايا هذا الخصوص دوماً. ان قضية المرأة قضية سياسية وذات جذور اقتصادية وطبقية. إن الظلم والتمييز على المرأة وفرض المكانة الدونية على هذا القسم من المجتمع، وكذلك استمرار إنتاج هذه الظاهرة لهي في الوقت الراهن أحد مستلزمات النظام الانتاجي الرأسمالي لتأمين ربحاً أكبر. ولهذا، وعلى هذا الأساس، تفرضه الدولة وتصون بقاءه وتعيد إنتاجه بوصفه تقليد وعرف. ولهذا، فان الظلم على المرأة يستند بصورة مباشرة الى الدولة وسيادة تلك القوانين والدساتير والتي تسند تقليد مناهضة المرأة. ولهذا، ليس استئصال هذا الظلم والتمييز على المرأة، بل حتى إجراء تغيير ملموس في وضعية النساء وحقوقهن، يرتبط تماماً بتنظيم نضال اجتماعي وفكري وسياسي وعملي وتنظيمي شامل ضد النظام البرجوازي والقوانين والدستور والاعراف التي تقف خلف هذا الظلم. بمعنى آخر، إن اي درجة من نيل حقوق المرأة هو جزء من نضال طبقي مناهض للنظام القائم وفرض تراجع على الحكومة البرجوازية والربحية الرأسمالية. إن فرض حقوق أكبر للمرأة يعني فرض ارباح أقل للرأسمال. ولهذا، فان وضعية افضل لحياة المرأة تقترن بوضعية أسوا لربحية الرأسمال. ولهذا، فان سبيل هذا الامر ليس "تقديم الاستشارة" للدولة البرجوازية حامية ربحية الرأسمال، بل النضال ضدها
في هذا القسم من الموضوع أود ان استنتج ما يلي: ان ناشطي الحركة النسوية من النساء والرجال ليسوا بقلّة، بل يمكن من الناحية الكمية أكبر من قبل 10-15 عام خلت. بيد ان المشكلة تكمن بسيادة تصور وتقليد محافظ وتبريري للظلم. بحيث قولب فكر ناشطات هذا الميدان وأفقهن ومساعيهن وممارستهن في إطار منفصل عن التقليد الراديكالي والنضالي والمساواتي.
ولحين ما كانت الرؤية الاشتراكية والتقليد الشيوعي في الميدان، رغم كل مشاكلهما ونواقصهما، فان كل من يتحدث عن حقوق المرأة كان يُعد شيوعياً سواءً عن حق أو غير حق. وكنتيجة لهذا، فان قسماً كبيراً من أولئك الذين ينخرطون حديثاً في ميدان النضال ضد اضطهاد المرأة، يتوجهون للشيوعية ويغدون ناشطين شيوعيين في ذلك الميدان. كان هذا في مرحلة كان يأتي دائماً جيل جديد من الناشطين الشيوعيين لهذا الميدان. وحيث نشهد الان غياب التقليد والرؤية والتدخل الشيوعي في الميدان، نرى ما أن تحلّ الاجيال الجديدة من ناشطي الحركة النسوية هذا الميدان، ترمي نفسها فوراً في منظمات المجتمع المدني وتترعرع برؤاها. تمضي فوراً نحو ورشات هذا التقليد ويديمون رؤاه. ان هذه الرؤية والتقليد لقيا بضلالهما على عمل الاجيال السابقة من الناشطات الشيوعيات لهذا الميدان. وبهذا الخصوص، يستلزم الامر نضال وتوعية وتنظيم عمل نقدي اشتراكي. إن إبراز الرؤية الشيوعية بخصوص جذور ومنابع ظلم المرأة والنقد الاشتراكي لهذه الظاهرة هو ميدان مهم للشيوعية اليوم. وعليه، إن توجيه النقد للتقليد المحافظ والتبريري للمكانة الدونية للمرأة، وتحديداً ذلك التقليد الذي تحدثت عنه هو عمل لا يمكن فصله عن هذه المهمة. ان حضور صف من الناشطات الراديكاليات والمناضلات في الحركة النسوية اليوم عبر هذا السبيل يفتح الابواب ويُسهّل الأمر.
ان الجانب الآخر من المعضلة هو إن الشيوعية وحزبها يرهنا تدخلهما في هذا الميدان بإبداء الناشطات والقادة النسويات مقدماً عن استعدادهن للعمل في هذا الميدان ويشرعن بذلك. عندها يلعب الحزب دوره بوصفه سند وداعم لهن. ليس ثمة شك انه، وفقاً لآلية المجتمع، ينبغي ان تضع الشخصيات النسوية على عاتقهن القيادة المباشرة للحركة النسوية والمنظمات النضالية. ولكن لا يمكن أن نستنتج من ذلك ان يقف حزب الطبقة العاملة مكتوف الأيدي ويبقى منتظراً لعملية حضور القادة والناشطات النسويات. ان قضية المرأة هي قضية الطبقة العاملة. إن هذا ليس من زاوية ان الطبقة العاملة وفقاً لرسالتها التاريخية المتمثلة بأنها تحرر معها مجمل المجتمع من كل أشكال الظلم. بل إن قضية المرأة مرتبطة بصورة مباشرة أكثر بهذا الظلم ونضال الطبقة العاملة على السواء. ان الظلم على المرأة هو جزء من الظلم على الطبقة العاملة، جزء من سياسة وخطة البرجوازية لإبقاء الطبقة العاملة مستعبدة. إن التمييز على النساء هو جزء من خطة إبقاء الطبقة العاملة مشتتة، أجور أقل للمرأة العاملة وفرض العمل المنزلي وتربية الأطفال وانتاج جيل جديد من العمال على النساء هو عمل مجاني للطبقة البرجوازية، وأحد مصادر أرباحاً أكثر للرأسمال... وعليه، النضال ضد ظلم المرأة هو جزء من نضال الطبقة العاملة ضد الرأسمالية. مثلما ليس بوسع الطبقة العاملة ان تقف مكتوفة الأيدي تجاه ظلم الرأسمال عموماً، فليس بوسعها ان ترضخ تحت أي مبرر كان لهذا الظلم والتمييز بحق المرأة. وبوصفه حزب الطبقة العاملة واداة فعالة للنضال الطبقي، ليس بوسع الحزب الشيوعي العمالي أن يتناسى هذا الميدان من النضال الطبقي تحت أي مبرر او سبب كان.
من ناحية تجربتنا العملية، في الحركة المجالسية في اذار 1991، حين طُرحت قضية التصدي لظلم المرأة، وضعت على جدول الاعمال وتم رفع العديد من المطالب بهذا الخصوص. وبعد عام من الانتفاضة كذلك، تصدت الحركة الشيوعية بقوة لموجة قتل النساء، ونظمت حول ذلك نضالاً شاملاً من أجل حقوق المرأة. بيد انه لم يكن هناك شرطاً قط أو أساس وهو: هل هناك قادة وناشطات نسويات في مقدمة صفوف هذا النضال ام لا؟! ينبغي ان يكون الأمر كذلك الآن. ثمة منظمة نسوية نضالية في الميدان أم لا، ثمة ناشطات وقادة مناضلات وراديكاليات وشيوعيات في الميدان أم لا، فان تنظيم نضال سياسي واجتماعي شامل ضد ظلم المرأة هو مهمة مباشرة للحزب الشيوعي العمالي بدون قيد أو شرط. إن المهمة المباشرة للحزب هي: توجيه النقد وفضح ذلك الظلم وتلك السلطة والقوانين والدستور والتقاليد والقوى التي تقف ورائه، مسك خناق تلك التقاليد والقوى والحركات على جميع الاصعدة، تعبئة الرأي العام المحلي والعالمي ضد ظلم المرأة، توضيح وتشخيص محدوديات الحركة النسوية وإغناء تلك الحركة وناشطيها من حيث الأفق والمطالب والاساليب الراديكالية والنضالية، طرح بلاتفورم وبرنامج عملي والدعم التام لتأسيس منظمة راديكالية ونضالية مدافعة عن حقوق النساء. ووفقاً لبرنامج "عالم أفضل"، النضال من أجل مساواة المرأة هو جزء من المسؤولية التي وضعها الحزب بصورة مباشرة على عاتقه، وينبغي القيام بها. بوسع طليعية ومبادرة الشيوعية ان تفتح الأبواب أمام حضور القادة والناشطات النسويات الشيوعيات، وليس العكس.
أوائل اذار 2012