محنة انسان تصنيع جسد المرأة -القسم الثالث والاخير



نساء الانتفاضة
2023 / 2 / 8

(ما برحت الرغبة في الجمال المصنع تشكل جزءا لا يتجزأ من معايير الجاذبية الجنسية في المجتمعات الغربية التي أصبح فيها الجمال عمليا رديفا للمثير الجنسي) أنثروبولوجيا الجنس.

خرجت "كيم كاردشيان" بجسد جديد، فيه اختلافات كبيرة عما كان في السابق، فشكل الجسد كان قد "نحت" ضمن مقاييس "الرغبة" الجديدة، الجسد "الشبقي"، جسد غير متصالح مع ذات المرأة، فهو يأتي ضمن سياق ارغامي، أجبرت عليه من خلال الكم الهائل من الإعلانات المتكررة، فصار لزاما على المرأة امام هذا الضغط الإعلامي ان ترضخ لهذا الشكل الجديد، والمرأة التي لا تمتثل لهذه الصرعة الجسدية تبدو غريبة او منبوذة، فتظن ان جسدها لا يلبي طموحات الرغبة الذكورية، التي هي أسيرة لها.

بدأت دور عروض الأزياء تكثف من حملتها وفقا للشكل الجديد، فأشكال الملابس ومقاساتها تغيرت كثيرا؛ أيضا بدأت المؤسسات الإعلامية حملتها بالمقابلات "الصحية" والحديث عن "حارق الدهون، مانع الشهية، قص المعدة، إزالة الشعر، كريمات التنحيف، تبييض الأماكن الحساسة، تكبير الارداف والاثداء، ممارسة الرياضة"، تلك الحملات الهدف الأساس لها هي المرأة، فخضع جسدها للمراقبة والانضباط للمعايير "الجمالية" الجديدة.

امام "كاردشيان" ظهرت هنا "موديلات" عدة، قد تكون أشهرهن "هيفاء وهبي" التي تم "تصنيعها" بشكل لافت ومثير-حسب بعض المصادر انها اجرت أكثر من 20 عملية تجميل-، فجاءت "مثال" لما تتطلع اليه شركات "عمليات التجميل"، بل أضحت النموذج لما يجب عليه ان تكون المرأة في العصر الحالي؛ يذكر انه في لبنان أطلقت المصارف قرض ما يسمى "قروض التجميل"، ويتراوح ما بين ألف دولار الى ألف وخمسمائة دولار.

يذكر الفرنسي جيل ليبوفيتسكي في كتابه "المرأة الثالثة" ان "سوق النحافة أصبح سوقا جماهيريا، حيث حققت الصناعات المتعلقة بالأنظمة الغذائية عام 1989 ارقام مبيعات تقدر ب 33 مليار دولار"، ويضيف "أي امرأة في عصرنا هذا لا تحلم بأن تكون نحيفة"، ويتسأل في مكان اخر من ذات المؤلف: "تقديس النحافة -اهي وسيلة سحق اجتماعي ونفسي للنساء؟

لكن لماذا ترتبط معايير الجمال الحالية بالجنس؟ سؤال يطرحه الانكليزيان "هاستنغز دونان وفيونا ماغوان" في كتابهما "أنثروبولوجيا الجنس" فهما يريان ان هذه العمليات ما هي الا "صناعة الجسد الجنسي"، ف "الهوس المتنامي بالجراحات التجميلية لتحسين شكل الاثداء والشفاه والافخاذ وحتى الأعضاء التناسلية يجري حاليا بمعدلات متزايدة"؛ وبالنسبة لواقعنا الحالي فان عصابات ومافيات الاتجار بالنساء، ترسل من تقع بأيديها من الفتيات "المخطوفات-الهاربات-الضائعات" الى مراكز التجميل، ومن ثم الى النوادي الليلية والملاهي، جاعلين منهن "أدوات للخدمات الجنسية".

أخيرا تكتب النسوية السورية سلوى زكزك بشكل رائع حقا وصدقا في مقال لها "الحروب الخاصة ضد النساء: عمليات التجميل مثالاً" ما نصه:

(تتغير الصورة النمطية للنساء، ويتغير معها معنى الجمال ومفهومه وأشكاله، والأهم أن سوقاً خطرة ولاإنسانية تزدهر. حروب خاصة تدور رحاها على أجساد النساء، لا أحد يحاسب! لا أحد يسأل لماذا! وإن تمت معرفة الأسباب يكون التبرير لصالح الأقوى، والأقوى هنا هو المالك، المتصرف، الموحي، المستثمر والمتنمر أيضاً، وليس لصالح النساء أبداً).
#طارق_فتحي