تقدم و إرتداد الحركة النسوية عبر قرن



محمد حسين يونس
2023 / 2 / 9

منذ مائة سنة .. كانت مصر ..تتطلع للمستقبل .. بنظرة متفاءلة ..فعام 1923 شهد بداية التحول من أسر العثمانية الذى طال لاربعة قرون إلي براح المعاصرة ..
في هذا العام تولي مصطفي كمال أتاتورك رئاسة تركيا علي أنقاض الخلافة و ما صاحبه من تطورات تأثرت بها شعوب المنطقة .. و في نفس العام صدر أول دستور مصرى معاصر بضغط من الإنجليز علي الملك فؤاد....و خلعت هدى شعراوى و سيزا النبراوى و نبوية موسى البرقع ليفاجئن مستقبليهن بوجوه مكشوفة بعد عودتهن من روما إثر حضور مؤتمر الإتحاد الدولي... وفي نفس السنة تأسس أول إتحاد نسائي مصرى .
لقد كان بمصر نهضة ثقافية أعقبت ثورة 1919.. تتوجه نحو أضواء التنوير بخطي ثابتة ..ما سمي بعد ذلك بالمرحلة الرومانسية في الأدب و الفن .. سلامة موسي بكتبه العلمية المبسطة .. وطه حسين بفلسفته الديكارتية و عباس محمود العقاد..وإبراهيم المازني .. ثم شعراء جماعة أبوللو إبراهيم ناجي و علي محمود طه و أحمد زكي ..و إنشاء جامعة فؤاد الأول ( القاهرة ) .. و كلية الفنون الجميلة و تماثيل محمود مختار في الشوارع .. و يوسف كامل .. في التصوير .
في تلك الفترة ظهرت لأول مرة الرواية .. محمد تيمور و جورجي زيدان و محمد حسين هيكل (زينب ) و يحي حقي ( قنديل أم هاشم ) وتوفيق الحكيم ( عودة الروح ) .. وبدايات نجيب محفوظ ..
و المسرحية المصرية و المترجمة ( الملك أوديب ، بيجاميلون ، أهل الكهف ) فإذا أضفننا لهؤلاء الموسوعي الدكتور شوقي ضيف و الفلاسفة زكي نجيب محمود و عبد الرحمن بدوى و عثمان أمين .. نجد أن هذا الزمن ..كان الأب الشرعي للنهضة الثقافية التنويريه التي عشنا عليها خلال القرن و خرجت بالمصريين من بردة المنفلوطي ومصطفي السباعي و رفاعه الطهطاوى .. و أحمد شوقي .. و حافظ إبراهيم إلي الفكر الحديث
حتي هذه اللحظة كانت المراة في مصر مهمشة رغم أنها شاركت في إضرابات 1919 و قدمت الشهيدات إلا أنها في العموم لم تكن قد خرجت بعد من الحرملك التركي بل كان يمكن بيعها و شراءها في سوق النخاسة ...فمصر لم توقف شراء الجوارى رسميا إلا بعد ثلاث سنوات حين وقعت الحكومة علي إتفاقية إلغاء الرق و العبودية في جنيف.
في ذلك الزمن سمعنا من قاسم أمين ( تحرير المرأة .. و المراة الجديدة ).. ومن سلامة موسي ( المراة ليست لعبة الرجل ).. محاولات للتنبيه بتغيير مكانة المراة في المجتمع
لقد كانت الغالبية العظمي من المصريات اميات أى يجهلن القراءة و الكتابة .. يعشن في الارياف وفي الأحياء الشعبية بعادات توارثنها عبر الاف السنين عن الجدات لم تتغير ..
و كانت الطبقة الوسطي بكل شرائحها يتعلم فيها الانسات حتي مستوى فك الخط .. و من كانت محظوظة تصل حتي الكفاءة ( تشبة الإعدادية ) أوتلتحق بالمدارس النسوية و المعلمات يستوى في ذلك اليهوديات و المسيحيات و المسلمات و يمكن البهائيات .
و كانت الأرستقراطيات (بنات الطبقة العليوى ) أغلبهن من الأتراك.. منعزلات لا يتقن اللهجة المصرية ( منهن هدى شعراوى نفسها ) ..و يهتممن بدروس اللغات الأجنبية والبيانو و الكورشية و الإتيكيت و يلبسن طرح و برقع أبيض.
عندما طرقت المصريات علي بوابة التحرر ..كان من الصعب عمل تغييرات مجتمعية فورية لصالح تعديل وضع النساء ..
ففيما عدا أعداد محدودة من العاملات كمدرسات أو حكيمات أو دايات أو في الترفيه و الفن .. كان غير مسموح للمراة بعمل مستقل.
الفلاحات الفقيرات تعملن في الغيط أو حتي في الترحيلة .. و لكن من خلال هيمنة الرجل و كمساعدة له أقرب للقن .
أما بنات المدن من الأجانب و بعض العائلات الأكثر تحررا .. فسمح لهن بالعمل في الأورنس الإنجليزى.. أو في المستشفيات و الملاجيء و إن كان أغلبهن من الراهبات بزيهن المعروف أو الممرضات و الحكيمات المستوردات من الخارج ..
لم تكن المراة المصرية تؤهل نفسها للعمل .لقد كانت متواجدة علي هامش الحياة و تحت السيطرة الكاملة للرجل .
ما الذى أخرج المارد من القمقم؟؟..
هكذا نرى أنه في عشرينيات القرن كانت تداعيات ثورة 1919 لا زالت قائمة .. و كان المجتمع بعد سقوط الخلافة يخلع ثوب العثمانية و يتخلص من نظام الحريم و التضييق علي نشاط النساء و كانت رياح التغيير فيما بعد الحرب العالمية الاولي تهب عاصفة من أوروبا لتبدأ بعض من نساء الطبقة الوسطي عهدا جديدا تخلع فيه المصرية البرقع و تواجه العالم بإبتسامتها صارخة أنها لا تقل عن نساء العالمين حيوية و مقدرة
تميزت رائدات هذا التيار بمستوى تعليم متقدم وإتقان لعدة لغات تعلمنها على أيدي مربياتهن الأجنبيات أومن من خلال المدارس التبشيرية ...فتعرفن على ثقافات تحترم إستقلالية المرأة .
كرس الاتحاد النسوي المصري نفسه لخدمة قضايا مثل تعليم النساء والإتزان الاجتماعي، وإحداث تغييرات في القانون تهدف إلي توفير مساواة بين الرجل والمرأة .
((واعتبر الاتحاد أن المشاكل الاجتماعية في مصر، كالفقر، والدعارة، والأمية، والحالة الصحية المتردية، ليست ناتجة عن خلل اجتماعي اقتصادي بعينه، ولكن بسبب إهمال الدولة لمسؤولياتها تجاه شعبها.))
بدا ذلك واضحًا في مجلة L Egyptienne (المصرية) ، والتي أصدرها الاتحاد. فقد كانت تُكتب وتُنشر باللغة الفرنسية، وكانت الجريدة متاحة للمصريين المتحدثين بهذه اللغة ، والذين كانوا في الأغلب من الطبقات العليا.
رغم ذلك، فقد كانت القضايا التي تُناقش في المجلة تشير إلي الإصلاحات التركية تجاه المرأة، والتي أثرت على النساء المصريات المسلمات حيث كتبت محررة المجلة سيزا نبراوي عام 1927 ((أننا النسويات المصريات، نحترم ديننا بشكل عميق. وهدفنا أن نراه يُمارس بروحه الحقيقية)).
وهكذا رغم أن دستور 1923 قد غير بعضًا من أوضاع المرأة، مثل رفع سن الزواج لـ 16 عامًا، إلا أن مسألة حقوق المرأة السياسية تم تجاهلها كذلك الحق في الطلاق والحد من تعدد الزوجات.
هذه المطالب رغم تواضعها إلا أنها رفعت السدادة عن القنينة ليجرج المارد الأنثوى يسعي لتغيير المجتمع و تعديل موقفها .. خارج حرملك العثمانية
عندما نتكلم عن التطورات الإجتماعية التاريخية .. في بلدنا .. ننسي دائما ( أو نتناسي ).. فقراءها و معدميها الذين يعيشون في الريف و أحياء المدن الشعبية و العشوائيات المتشبهه بالريف حول كردونات عواصم المحافظات ..و يشكلون أغلب سكان مصرالذين يسكنون بعيدا عن حراك المدينة و أضوائها في جزر منعزلة مهمشين .. مستسلمين لنفوذ مخبرين وتجارو رجال دين العاصمة .
ريف مصر ( قبل الكهرباء و بعدها ) .. مكان ساكن هاديء.. له سمات .. لم تتغير منذ عصور طويلة .. نفس البيت و الزريبة و الشوارع المتربة ..والبيئة الملوثه بالقوارض و الحشرات.. و روتين حياة بطيء الريتم .. لا يشهد الأحداث الجسام إلا لماما... يتقبل أهله دائما جورالطغاة علي أساس أنهم من طبيعة الوجود.. لا يختلف الجورالروماني عن العربي عن التركي عن الإنجليزى عن إبن البلد عندما يحكم .. كلهم يسعون لخطف ما بيدة و حقله .. دون أن يحاولوا تغيير حياته لأفضل .
لذلك لا يظهروا في كتب المؤرخين . إلا في حالتين .. عندما يهرب من بلده و أرضه بسبب قلة الإيراد فيطارده الحكام.. أو عندما ينتفض ضد الجباة يحاول أن ينقذ ما يمكن إنقاذة .
غير ذلك يظل التاريخ مشغولا بالحديث عن طبقة هشة من الملوك و الأمراء و الرؤساء وعسكرهم و مغامراتهم ..في مواجهه مع مظاهرات سكان المدن (البرجوازية ) أو إنقلابات الضباط العسكرية لنيل الحرية ..
ولأن أى تغيير مجتمعي جاد لن يمر إلا من خلال تنميه الريف و توافقه .. لذلك تفشل أغلب الثورات و الإنقلابات في تحقيق نتائج إيجابية .. لصالح كل المصريين
بمعني.. يكاد أن يكون التغير الذى يحدث لأغلبية السكان في بلدنا (جيل بعد جيل ) مع تقدم الزمن محدود لدرجة أن معظمهم ( خصوصا النساء ) لازال يعيش بملابس وقيم و أدوات و فكر القرن الثامن عشر .. بما في ذلك تأثير الدجالين وسيطرة أولياء اللة المدعين وخطاباتهم الدينية التي لم تتطور..
يقول البعض أن إنتشار التلفزيون في نهاية الستينيات .. قد أحدث تغييرا .. نعم .. هذا صحيح و لكنه للأسف لم يكن في صالح تطور الريف .. فأهل المدن المطلون منه زادوهم سقماعلي سقم..و كسلا و إنسلاخا و تخلصا من أعباء روتين حياتهم الذى أعطاهم لسنين طويلة إكتفاءا ذاتيا.. فاصبحوا مستهلكين لمعظم الأشياء التي كانوا ينتجونها .
لذلك فالحركة السياسية .. و التغييرات الإجتماعية .. و الثورات و الإنتفاضات .. و الإنقلابات ..كانت تأتي من المدن الرئيسية.. لا يشترك فيها أغلب المصريين ..فيتركون الصراع و الصراخ لاهل البندر .. لتجيء الثورة ضعيفة .. غير معبرة ..محدودة التأثير .
النصف الأول من القرن العشرين .. شهد حراكا .. بين أهل الريف في إتجاه ( أريفة ) المدينة المتروبولاتنية.. تمثل في أمرين .. أولهما تعلم بعض الأبناء (كان أغلبه أزهرى ) و إحتلالهم لوظائف في جهاز الحكم بالمدن .. و الأخر الإلتحاق بالقوات المسلحة جنودا أو صف أو ضباط (بعد 1936 ).. فإختلطوا بأهل البندر و تعلموا منهم و إكتسبوا صفاتهم .
التعليم و التجنيد .. ثم نشاط الأحزاب الجماهيرية فيما بعد 1919.. ادى لتفوق البعض من أهل الريف ليتسربوا بصورة أو أخرى.. ينزحون من قراهم ولا يعودون إلا في الأعياد .. و المئاتم ..وعند توزيع الميراث .. أو كجثة كان طلبها الأخير الدفن في مقابر الأسرة .
لذلك فالمتتبع لحركة تحرير المرأة في مصرلن يجد ذكر للريفيات .. أو سيدات الأحياء الشعبية الفقيرة إلا في حالة أو حالتين لبعض النابهات اللائي أكملن تعليمهن بشق الأنفس و سكن المدن في خمسينيات القرن الماضي و إنشغلن بالهم العام .
و هكذا نستطيع دون الوقوع في الخطأ الحديث عن أن تغييرات المجتمع الخاصة بالمرأة كانت تأتي دائما من أعلي سواء بواسطة سيدات الطبقة الأرستقراطية اللائي إنبهرن بما يحدث في بلد مصطفي كمال أتاتورك (أو أوروبا ).. فأردن تكراره في مصر...
أو بسبب تعليمات و أوامرالسيد الرئيس القائد الذين يريد إعطاء إنطباعا بأنه يحكم بلدا متحضرا معاصرا
وفي الحالتين نجد أنه نقطة ضعف أساسية في المطالبة بتحرير المرأة .. كونه لم يكن يعبرعن الإحتياجات الفعلية للمصريات.. ولا تنال الأغلبية (الفلاحة و فقراء القوم) منه إلا القليل.
و سنلاحظ أن تقدم و إرتداد الحركة النسوية عبر قرن من الزمان .. إرتبط بمدى قناعات الحكام و الأغنياء ثم تفاعل سيدات الطبقة الوسطي ( البرجوازية ) بجميع شرائحها .. وقد تمتد الموجة بعد سنين ليقلدها بعض من ساكنات الريف .. و الأحياء الشعبية ..و لكن دون تعديل أساسي في أوضاعهن الإجتماعية.
لا أعرف ماذا ستقول الأجيال المقبلة عنا .. بعد أن خربنا لهم هذا المكان .. و سلمناه للأجانب والمستثمرين يستنزفون .. الخلق .. و يسرقونهم .. و يزيدون من الأعداد البائسة بالملايين كل يوم .
و هل ستبقي نفس عناصر السيطرة المكونة من تحالف الكومبرادورات (المليارديرات و العسكر و رجال الدين ).. تحكم بالحديد و النار .. و التكتم .. تفعل ما تريد ..دون خوف أو إحتراس من ردة فعل الناس ..
أم أن الابناء والأحفاد كانوا قادرين علي فعل ما عجزنا عن عمله ل70 سنة وإزاحوا الكابوس .. و قاموا بإرساء نظم ديموقراطية .. تسأل الناس و تستشيرهم .. قبل أن تسلم قناة السويس .. و حديقة الحيوانات .. و الهرم ..و الغاز .. و مناجم الذهب للأجانب يديرونها في عقود إمتياز طويلة المدى تصل ل99 سنة .
السؤال .. هل سيجلس حفيد من الابناء .. في شتاء عام 2123 يكتب..و يسجل من واقع مراجعة أدبيات زمننا ألأغبر ما كان يحدث في بلدنا ..من أسباب أثرت علي حياتهم
مش عارف يمكن يكونوا أفضل منا .. و لكن كيف ..أتزرعون الشوك في حقول بلدنا و ننتظرون أن يجني الأحفاد برتقالا.
في بداية القرن العشرين مع إنطلاق المطالبات بالإستقلال التام أو الموت الزؤام ...كان موعد المخاض فالحركة النسوية إستطاعت أن تضم لها متعاطفات و داعمات من سيدات الطبقة الوسطي المتعلمات بحيث كانت أغلبية المتظاهرات من طالبات المدارس ساكنات المدينة البرجوازيات
وهكذا .
((صاحت نساء القاهرة المحجبات في الشوارع بشعارات الحرية والاستقلال عن الاستعمار الغربي. ونظمن إضرابات ومظاهرات، ومقاطعات للبضائع البريطانية، وكتبن عرائض تستنكر الأفعال البريطانية في مصر)).
((في 16 مارس 1919، خرجت ثلاثمائة امرأة في مسيرة إلي (بيت الأمة) للمطالبة بالاستقلال الوطني وحرية المرأة في نفس الوقت))
((ومع مرور الوقت، ونتيجة قمع جنود الاحتلال، ازدادت حدة المظاهرات، وخرجت النساء من جميع طبقات المجتمع.))
خلال تلك المظاهرات، سقطت أول شهيدة مصرية برصاص الاحتلال تسمي (شفيقة محمد). وتحولت جنازتها إلى مظاهرة كبرى، اشترك فيها الآلاف من النساء، سقط خلالها أربع شهيدات أخريات هن: (عائشة عمر) و (فهيمة رياض) و (حمدية خليل) و ( نجية إسماعيل).
وهكذا مهرت المصرية تحركها من أجل رفع الظلم عن وطنها بالدم .. أو كما أرخت كاتبة فرنسية
((ولدت الحركة (النسويّة) التي كانت (هدى شعراوي ) رائدتها، من رحم النضال الشعبي الذي شاركت فيه المرأة المصرية ضد الاحتلال الانكليزي خلال ثورة 1919؛ وقد تحولت تلك الحركة إلى تيار قوي قادر على أن يحشد نساء الطبقة البرجوازية تحت شعاراته ومبادئه)).
بكلمات أخرى في عام 1919 نظّمتْ هدى شعراوى وقادت أول مظاهرة نسائية ضد الاحتلال البريطاني. وفي عام 1923 أسّست الاتحاد النسائي المصري وكان من أهم أهدافه: ((رفع مستوى المرأة الأدبي والاجتماعي للوصول بها إلى حد يجعلها أهلاَ للاشتراك مع الرجال في جميع الحقوق والواجبات... )).
وبعد عشر سنوات و في مقابل نجاح الحركة النسوية الملفت والأصداء الواسعة التي حققتها ، أسّس حسن البنّا، في 26 أبريل 1933، جناحاً للأخوات داخل تنظيم الإخوان المسلمين، سمّاه (فرقة الأخوات المسلمات)؛ حدّد فيه دورهن الدعوي في ((التصدّي لحركة هدى شعراوي)) .
هذان التياران تبادلا السيطرة علي رأس وسلوكيات و توجهات و زى المرأة المصرية من الطبقة المتوسطة لما يقترب من القرن .
التيار الأول ...كما كتبت صحفية فرنسية ..أدى إلي ((بروز طبقة نسائية كانت تختفي وراء الأسوار والنقاب، لا تستطيع أن تنال أي وجود لها في الحياة العامة والسياسية فأصبحت ظاهرة للعيان ولها في الساحة أنشطة تتناقل الصحف أنباءها وإسهاماتها التي نالت تشجيع الدولة ورجالات السياسة وأهل الأدب والفكر)).
والتيار الثاني ...كما كتب حسن البنا ... يهاجم بكل قوة تطور سلوك النساء ..((مهمّة المرأة زوجها وأولادها... أمّا ما يريد دعاة التّفرنج وأصحاب الهوى من حقوق الانتخاب والاشتغال بالمحاماة، فنردّ عليهم بأنّ الرّجال وهم أكمل عقلاً من النساء لم يحسنوا أداء هذا الحق، فكيف بالنّساء، وهنّ ناقصات عقلٍ ودين)).
في عام 1935، حاضرت هدي شعراوي في الجامعة الأمريكية بالقاهرة حول وضع النساء، ونادت بإلغاء تعدد الزوجات وقوبل خطابها بمعارضة شيخين من الأزهر. ولكن رغم ذلك الاعتراض، قابل الجمهور الخطاب بالترحاب، وأخذ صفها ، مما مَثَل موقفًا رمزيًا للتغير الحاصل في الرأي المتعلم.
و مع ذلك فلقد إنحصر هذا التغيير في المدن .. بل في الطبقة العليا و شريحة أو شريحتين من الطبقة المتوسطة .. و ظل الريف علي حالة هو و المناطق الشعبية .. لم يغير عاداته و لا إسلوب حياته و لا ملابسة .. بل كانوا يتعجبون من التطورات التي يشهدونها تتم في الأحياء الراقية و المتوسطة .
في نفس الوقت شن حسن البنّا هجوماً على حركة تحرير المرأة، ودعا المرأة إلى القيام بأدوارها التقليديةّ
لكن سرعان ما أدرك أن تحديد دور ((الأخوات المسلمات)) لن يحقق الغرض المطلوب منه في محاربة نموذج المرأة التحررية المتعلمة التي تتبنى في نظرهم المُثُل الغربية والذي بدأت نساؤه بالعمل والمشاركة السياسية وخوض تجارب اجتماعية.
لذلك تم توسيع مهام ((الأخوات المسلمات)) وتعليمهن وسُمِح لهن بالعمل والمشاركة بهدف طرح نموذج مشابه للمرأة التحررية في أدائه، لكن بشكل إسلامي يراعي حجاب المرأة ومتطلبات دينها
لم تكن كل الانتقادات لفكرة تحرير المرأة مماثلة لطرح حسن البنا ..فعلى سبيل المثال كتب أحدهم مطمئنا القراء
((بالرغم من الأحداث العاصفة بأوروبا التي سعت فيها النساء للمطالبة بالحقوق الفردية و منافسة الرجال في السياسة..إلا أنه لحسن الحظ هذه ليست قضيتنا... فنساؤنا، بارك الله فيهن، لا يطالبن بمثل تلك المطالب، والتي ستؤدي للإخلال بالسلم العام...هن يطالبن فقط بالتعليم والإرشاد)).
وكان منحهن حق التعلم، كافيا لإرضاء الطبقات العليا والوسطى في ذلك الزمن .
مع الحرب العالمية الثانية (1938 -1945 ).. تزايدت أعداد النساء اللائي إلتحقن بالتعليم بجميع مراحلة وكان بعضهن من نساء الريف..و إشتركن في العملية الإنتاجية .. كما ضمت الأحزاب الليبرالية و اليسارية عضوات فاعلات منهن .. لتتعدد الأفكار والأيدلوجيات والأهداف والاساليب بين المشتركات في الحركة النسوية،التي بدأت تتجاوز تكوينها النخبوى لتضم عناصر من شرائح أدني في السلم الإجتماعيى
وهكذا اتسمت تلك المرحلة بنهج أكثر راديكالية . وتعالت أصوات الأجيال الشابة من المتأثرات بالحركات الطلابية والعمالية يطالبن بالمساواة ، ولم يعدن راضيات عن وضع الإتحاد النسوي المصري الأرستقراطي الطابع ... .
بل صرحن أن تكتيكات وأساليب عمل الأميرات والهوانم قد ولى زمنها ، واحتاج النضال للتجديد، فلم يعد كافيًا إنشاء المبرات الخيرية...( دون إنكار) أهميتها... أو توزيع العطايا وما يماثل هذه السلوكيات ليست بحل مناسب لمشاكل المجتمع المزمنة
لقد تطور مفهوم الكفاح ، مع تغير المفاهيم السياسية بالشارع .. ليصبح المساواة في الحقوق ..ولم يعد يعني فقط الحق في التعليم، ولكن تعدى ذلك المنظور بكثير.
((عام 1942، أُنشى الحزب النسائي المصري، والذي ترأسته فاطمة نعمت راشد، حيث نادى باستكمال المسيرة للمساواة بين النساء والرجال في التعليم، والعمل، والتمثيل السياسي، والحقوق. كما نادى بأجازة وضع مدفوعة الأجر للنساء العاملات))
و((تشكل اتحاد نسائي أخر عام 1948، بعنوان ( بنت النيل) كان شاغله الرئيسي هو الحصول على كافة الحقوق السياسية للنساء. و التركيز على إشراك المرأة في عمليات اتخاذ القرار. كما دعم برامج محو الأمية، و تحسين الخدمات الصحية بين الفقراء، و تعزيز كفاح المرأة والعناية بالأطفال)).
هل إستمرت المسيرة .. أم أصابها عطب العسكر و رجال الدين
حتي في أسوأ الظروف .. تستطيع الناس أن تحب .. و تستمتع . و ترى بين أكوام القمامة .. زهرة بريه تنمو و تزدهر ..و أن تميز في محطة تنقية مياة الصرف الصحى رائحة زهور البرتقال قادمة من المزارع المحيطة .. . و تفرح أثناء هطول الأمطار فرحة أطفال تجرى وسط الأوحال تحت رخات الماء و تضحك .. وأن تلاحظ حنان ام جميلة تحتضن طفلها و تنجو به من الحرائق .. أو الفجر و هو يتنفس .. و السماء و هي تحيط شمس الغروب الحمراء .. و الطيور وهي تناجي بعضها بعضا .
في وسط الأحزان يستطيع الناس أن يضحكوا .. و يتأملوا .. و يحبوا .. و يسعوا للخروج من أزمتهم.. بل يتزوجوا و ينجبوا ..أنا شخصيا و لدت أثناء غارة في مخبأ ..علي ضوء الشموع .. و دموع الخائفين .. و الخائفات .
و هكذا ما أن هلت خمسينيات القرن الماضي ..حتي كانت مصانع المحلة الكبرى و كفر الدوار تمتليء بالعاملات القادمات من القرى المجاورة ..و بنات الريف ينضممن بكثافة للترحيلة جنبا إلي جنب مع شبابها ..بل يشاركن في طبلية الخرسانة يحملن القصعة و يتحركن في طوابير طويلة لصبها.في قواعد أساسات بيوت الأغنياء . و بعضهن يعملن في المدن خادمات و تمرجيات أو بياعات لمنتجات الريف في الأسواق الإسبوعية ..
و من تعيش في القرية لا يتوقف جهدها منذ الفجر حتي العشاء تحمي الفرن و تخبز و تحلب الجاموسة و تصنع القشدة و الجبن و تراعي الدواجن و تجمع البيض و تجهز الطعام ..
نساء عاملات مجهدات لم يتغير سلوكهن أو ملابسهن أو أغانيهن ..و رقصهن في المواسم و الأعياد عنما كانت تفعلة الجدات....و لم يتأثرن بهدى شعراوى أو حسن البنا .
وكان بالمدن طبقة وسطي من النساء اللائي يرتدين ملابس عصرية حاسرات الرأس ..يمثلن نتاج حركة نسائية قوية ( بعد إقبال الشابات علي التعليم بكل مراحله ) .. سيدات يعملن في مهن مختلفة منها التدريس و التمريض و السكرتارية و البيع بالمحلات الكبرى .. و بعض الممثلات في المسرح و السينما مثل عزيزة أمير و بهيجة حافظ وفاطمة رشدى و أمينة محمد .. ثم أسيا و مارى كوين .. .. و رائدات في الصحافة .. و قيادات تعليمية نسوية .. و أعتقد أن في ذلك الزمن كان هناك سيدة تقود طائرة..
الأميرات و الطبقة العليا .. كنت تراهن في الإحتفالات .. و الأعمال الخيرية ....و تملأ صورهن الجرائد جميلات في ملابس فاخرة و زينه مكلفة ..و تدور الأحاديث و النميمة حولهن في المجلات .. و لكنهن خارج إطار بنات الشعب لهن مجتمعهن الخاص الذى يصعب اختراقة حتي لاسر الباشاوات المحدثين.
و كانت هناك أسماء نسائية تلمع في كل المجالات ..مثل صفية زغلول ،أسماء فهمي ، عائشة تيمور ، أمينة السعيد ،حكمت أبو زيد ،درية شفيق ،سهير القلماوي ،فاطمة راشد ، عائشة عبد الرحمن ،مفيدة عبد الرحمن ،ملك حفني ناصف ،نبوية موسى ، نفوسة خليفة ، عزيزة خليفة ،نعمات أحمد فؤاد ،نوال السعداوي ،هدى شعراوي ، سيدات ناضجات مؤثرات في محيطهن ..أغلبهم تعلمن و ناضلن و إزدهرن قبل 1952 .
الشارع المصرى في بداية خمسينيات القرن الماضي .. كان مشبعا بعوامل التغيير .. و الثورة ضد المحتل .. و الأرستقراطية الحاكمة المنفصمة عنه ....و كانت الأحزاب الفاشيستية ( مصر الفتاة و الأخوان المسلمين ).. و اليسارية .. و الشيوعية و القومية .. لكل منها أجندتها الخاصة و جرائدها .. و كوادرها من الرجال و النساء و حركتها بين الجماهير
درية شفيق واحدة من تلك القيادات التي عكست التوجه الليبرالي للنسويات الحديثات، والذي تحدى نشاطهن الدولة بشكل ظاهر... ففي عام 1951، اقتحمت مع 1500 امرأة البرلمان، مطالبات بحقوقهن السياسية كاملةً، واصلاح قانون الأحوال الشخصية، ومقابل عادل لساعات العمل.
في ذلك الزمن كان هناك العديد من الكتاب و الفنانين الذين يدعمون حركة تحرير المراة .. سنأخذ منهم مثالا سلامة موسي.. في كتابه المرأة ليست لعبة الرجل ..
حيث كان يطالب فيه من الأغلبية غير المتطورة
((إني أدعوك أيتها المرأة المصرية إلي أن تثبتي وجودك الإنساني و الإجتماعي في الدنيا بالعمل و الإقدام و أن تختارى حياتك و إختباراتك )) . ..
((أدعوك أن تدربي ذكاءك و تربي شخصيتك و تستقلي في تعيين سلوكك و تزدادى فهما و خيرا و نضجا بالسنين )). ..
((لا نكوني لعبة نلعب بك نحن الرجال للذتنا نشترى لك الملابس الزاهية و الجواهر المشخشخة و نطالبك بتنعيم بشرتك و تزيين شعرك و كأن ليس لك في هذه الدنيا من سبب للحياة سوى أنك لعبتنا نلعب بك و نلهو ))..
لقد كان العم (سلامة) متأثرا بمسرحية الكاتب النرويجي إبسن ( بيت الدمية ) والتي يبشر فيها بتمرد النساء و تغير دورهن في المجتمع..
و كنا في الخمسينيات .. رغم الإستعمار.. وأثار الحرب العالمية الثانية التي دمرت العالم ..نعيش .. و نحب .. و نسعي .. و نجامل .. و نتمني .. و نحاول أن نغير واقعنا .. سواء كنا من الفقراء .. أو المتيسرين أو الأغنياء ..
كانت مصر بلدا جميلا ..إستمتعت فيه بطفولة .. محبة للحياة .. بسبب أم جميلة .. و خالة نشطة .. و عمة ذكية .. و جارت محبات ..ضاحكات .. يتستخرجن من أكوام التعاسة لحظات حب .. و فرح ..و إستمتاع
مفاهيم البشر ..منذ أن كانوا قطعانا تتحرك في البرارى و الأحراش بحثا عن قوت اليوم .. حتي أصبحوا يجوبون الفضاء بمركباتهم و صواريخهم .. حدث لها تغييرات جذرية إنعكست علي سلوكياتهم يرصدها علماء الأنثروبولجي و اللغات و الإجتماع ..و السياسة .
أليات هذا التطور .. أمر .. في منتهي التعقيد .. فهو نتاج العديد من العوامل المتراكمة و المتنافرة والمتصارعة فيما بينها .. تستهلك القديم علي مهل ( في تراكمات كمية بطيئة ) حتي يحدث العبور إلي الجديد ( تغير نوعي سريع ) .. لتعود التناقضات .. و الصراعات و لكن بشكل مختلف يتناسب مع الحالة المستجدة .. وبذلك يصعد الإنسان علي سلم التطور .. من مرحلة لأخرى .
في بعض الأحيان يجرى هذا التطور بسرعة كما يحدث اليوم بين أبناء بلاد الواق الواق .. و في أزمنة و أماكن أخرى .. يتكاسل عند مرحلة معينة يجرى فيها الصراع و التغيير علي مهل كما نراه في بلادنا اليوم.
أهم العوامل التي تحدث التراكم .. هي نوع العمل الذى يقوم به الأفراد فهو يعبر عن سمة المجتمع ..فلكل نوع ( جمع ثمار .. صيد .. رعوى ..زراعي .. صناعي .. تجارى.. الكتروني .. معلوماتي ) ..و إنعكاساته علي ثقافة الناس .. و أديانهم .. و فلسفاتهم .. وعلي القوانين .. و التقاليد ..و مدى تحضر و سلوك أصحابه .. فيما يسمي بالبناء الفوقي .
في كل هذه المجتمعات .. توجد فئة متميزة من أصحاب أدوات الإنتاج .. أو ذوى النفوذ الفكرى و العقائدى .. أو من الأقوياء الذين يفرضون إرادتهم .. علي من هم دونهم .... هؤلاء يتغيرون .. بتغير موازين القوى الإنتاجية .. في حلقات تسمي بالصراع الطبقي.. يعتني بها .. علماء التاريخ .. يقصونها .. و يعللونها .. و يخرجون منها بقوانين .. و إرشادات .. تجعل من المفيد و السهل .للبشر أن يتعلموا من أخطاء السلف .
الفن في تطوره الحديث ( مع بدايات القرن العشرين ) خصوصا ما قدمته السينما و الراديو ثم التلفزيون بالإضافة إلي الشعر و الأدب و المسرح .. دور هام في تعديل مفاهيم و سلوك المصريات و المصريين .. يمكن مشاهدة أثاره في الأفلام المبكرة أو قصص كتاب ذلك الزمن ... أو المقارنة بين مفاهيم و سلوك ..الجدة و الأم و الحفيدة .
وللفلسفة و الدين أيضا ..دور هام أخر نرصده مع تطور الخطابات الدينية .. من محمد عبدة و الأفغاني حتي خالد محمد خالد .. ثم الوهابيين وأتباع حسن البنا ..و بين الأقباط .. و باقي الملل المسيحية ..و كل هؤلاء مع العلم القادم من جامعة فؤاد .. و كلية الفنون الجميلة .و الخطاب الفلسفي العلماني المطروحة بعد الإحتكاك بالثقافة الغربية .
لذلك
فالأخوان المسلمين الذين خاضوا معارك إغتيالات متبادلة بينهم و بين الحكومة أدت لوفاة رئيسي وزارة أحمد ماهر و النقراشي .. و تصفية حسن البنا .. لم يظهر علي السطح من كوادرهم النسائية غير زينب الغزالي و لم يزاولوا إلا ما بدأ به مرشدهم الأول ..أى تقديم بعض الخدمات لفتح مشاغل أو فصول تعليمية أو كتاتيب تحفيظ القرآن أو تقديم مساعدات إجتماعية للمحتاجين أو ترديد بعض الإرشادات .
و كان دورا ضعيفا لا يوازى المد الذى يغير من كينونة نساء الطبقة الوسطي .. لدرجة أن المرشد بعد 52 و كان قد تصور أن الضباط المنقلبين .. من رجاله .. طلب من عبد الناصر أن يجعل نساء مصر تلبس ( طرح ) و لكنه كما جاء في خطبة شهيرة له رد (( عندما تلبس إبنتك الطبيبة طرحة سأقوم بهذا )) .
أنا لا أعمل مؤرخا .. و لا أكتب التاريخ .. و إنما أتأمل الأحداث و أستشرف من خلال تجارب أمس المسار المحتمل للغد .
هل 1952، كان عام الإنقلاب علي نمط الحياة في المدن المتروبوليتانية الذى كان سائدا في القاهرة و الأسكندرية خلال الحرب العالمية الثانية .. من إختلاط الأجناس و القوميات .. و اللغات ..وتنوع أساليب الحياة .و تطور البرجوازية الملتصق بالغرب بعيدا عن الإسلوب السائد لحياة الأغلبية المقهورة لأهل الريف....
يقودنا هذا إلي سؤال أخر هل تغيرت أساليب كسب العيش بسيطرة الإنقلاب .. أم أن جماعة مسلحة بالرشاشات .. فرضت إرادتها .. و فكرها .. و سيطرتها .
علي مر التاريخ.. كان حكم العسكر ..وبالا علي مجتمعاتهم .. فهم لا يفكرون إلا في الحروب وإخضاع التابعين ..وكيفية تقوية الجيش بحيث يصبح مهابا .. من الداخل .. و الخارج .. لذلك يفرطون في ضم أعداد من المرتزقة الذين يكسبون عيشهم بالإنخراط في السلك العسكرى .. و لا يبخلون عليهم بالأموال و النفوذ .. و يزيدون من شراء السلاح .. و يعتبرونه أسبقية أولي عن أى إنفاق أخر ..و يطلبون من أفراد مجتمعهم التسليم الكامل لإرادتهم و أفكارهم (بعسكرة المجتمع ) .. و لا يتورعون عن التنكيل بالمعارضين بسجنهم و تعذيبهم .. مهما كانت مكانتهم الإجتماعية أو الفكرية أو الدينية
في نهاية الطريق عادة ما تؤدى أطماع هؤلاء الحكام العسكر إلي الهزيمة .. و الخراب .. حدث هذا مع الرومان القياصرة و الفرس الأكاسرة و العرب ..و الماليك .. و التتار .. و المغول ..و العثمانيون .. و لبروسيا بسمارك .. و فرنسا نابليون .. و إيطاليا موسيليني .. والمانيا هتلر ..و أسبانيا فرانكو ..و لحكم عبد الناصر .. و صدام حسين .. و القائمة تضم أنظمة .. من الشرق و الغرب .. من الهند .. و الصين .. و أمريكا اللاتينية ..و إفريقيا .
حكم النظم العسكرية في مصر دام لسبعين سنة ..ومر بثلاثة منعطفات أساسية ... ألاولي كان فيها صغار الضباط يعبرون عن أفكار و توجهات طبقتهم البرجوازية و أحلامها في الإستقلال و التخلص من الملكية الأرستقراطية و الإقطاع .. و الرأسمالية الناشئة ..
فضباط يوليو كانوا.. ممثلين للفئات الدنيا من الطبقة المتوسطة .. ثقافتهم أقرب للفاشيست سواء كانوا متأثرين بصعود أتاتورك و موسيليني و هتلر السريع أو بمباديء حزبي مصر الفتاة و الأخوان المسلمين المنتشرة بينهم .. يرون أن توجهات الرايخ الثالث هو الحل الأمثل لمقاومة الإستعمار و إحداث نهضة سريعة في المجتمع ..
فإستوردوا نظمهم لعسكرة الدولة وكونوا مليشيات شعبية تحشد المواطنين حول شعارات مثل الإتحاد و النظام و العمل ..أو ما يسمي بهيئة التحرير ..
عندما استولى الجيش على السلطة في مصر، خلع الملك عن العرش. وأصدر مجلس قيادة الثورة بيانًا يعلن فيه عن حل جميع الأحزاب السياسية (عدا الأخوان المسلمين )... و شمل ذلك حظر جميع الحركات النسوية المستقلة.. وتم قهر أى حراك ديموقراطي بين مثقفي البلد .
المنعطف الثاني جاء بعد الإستقلال .. ودام لعشر سنوات من (1957 إلي 1967 ) كانت فيها إرادة المصريين متحررة من الضغوط الخارجية يصنعها مصريون .. قاموا ببناء الأمة المتخلصة لتوها .. من الإستعمار علي نمط الرأسمالية المركزية الستالينية أى ملكية الدولة لوسائل الإنتاج .. وكانت التغييرات تسير بوتيره متسارعة يصاحبها كبح أى فكر مخالف لذلك تم إجهاض أغلب البؤر الراديكالية التي إزدهرت من 1923 حتي 1945 .. بما في ذلك تنظيمات العمال و الطلبة .. و الفلاحين .. و الشباب و المرأة وإستبدلت بمؤسسات رسمية حكومية .. لتصبح أجهزة تابعة تضم عناصر مزيفة إنتهازية ..لا تمثل الأغلبية و لا تهتم بقضاياها.
المنعطف الثالث جاء بعد هزيمة القومية العربية و الخضوع لقوى السوق العالمي بما في ذلك البنك الدولي و صندوق الدين ..و فقد الإرادة الداخلية و تهميش البشر .. و هو أمرجرى تدريجيا .. حتي إكتمل بعد 2014 بتحكم مليونيرات ضباط الجيش في كراسي الحكم ..
لتبحر مركبة الوطن في بحور الرأسمالية العالية .. تعاني من الإستنزاف و الفقد .. و تعكس الإضطرابات التي تصاحب سقطات إقتصاد المستعمرين
لقد خرجت الأرستقراطية المصرية خالية الوفاض و لم نعد نراها في قصورها وملابسها الفاخرة و مواكبها .. و تم إزاحة الأجانب من السوق و تمصير أنشطتهم .. و التضييق علي اليهود حتي غادر أغلبهم إلي أوروبا و أمريكا و إسرائيل .
و تغيرت المدن المتروبولتانية التي كانت تعج بالتنوع إلي مدن عسكرية الطابع .. ثم تدريجيا .. تتحول القاهرة .. و مدن القناة ..وعروس البحر المتوسط إلي مدن شبه ريفية مع نزوح أعداد غفيرة من أهل القرى للسكن حولها في عشوائيات بحثا عن فرص عمل أفضل ..
مدن يحكمها ديكتاتورعسكرى لا يقبل من الأخرين إلا نموذجا واحدا يصفق و يهتف بالروح بالدم نفديك يا فلان .
عام 1954 إنتصر الجناح الذى ينادى بحكم المستبد العادل ..و تمكن عبد الناصر من السلطة .. و قوبل ذلك التوجه بردود فعل غير متفقه تطالب بالديموقراطية عالجها بالعنف و المعتقلات و منها أن ((شاركت درية شفيق ومعها عدد من النساء في إضراب عن الطعام لعشرة أيام، اعتراضًا على لجنة إعداد الدستور التي لم تضم نساء )).
و مع ذلك منحت السلطة بشكل هبة علوية ..من خلال دستور 1956.. فيما منحت (للأخرين) عددا من الحقوق للنساء ليس فقط فيما يخص التعليم والعمل، ولكن أيضًا حق الانتخاب والترشح..كخطوة نهائية لمساواة الجنسين فيما عدا ما يتصل بالشرائع الدينية .
و رغم هذا ففي عام 1957، بدأت درية شفيق إضرابا سياسيا أخر عن الطعام إعتراضا على ((الحكم الديكتاتوري للسلطات المصرية والتي تدفع البلاد نحو الإفلاس والفوضى)).
و هكذا
مع تمكن حركة ضباط يوليو للشارع السياسي حدثت تغييرات في مسار كفاح المرأة.. لتخفت نبراته ويصبح جزءاً من مشروع وطني أتاح التعليم المجاني للجميع و العمل متساوى الأجر للجنسين من مختلف الطبقات .. و الفرصة لبذل الجهد الفردى من خلال جمعيات المجتمع المدني و إن إقتصر هذا علي الأعمال الخيرية
ترتب علي هذا أنه في عام 1966 وبأمر من الرئيس جمال عبد الناصر تمّ استبدال اسم ((الاتحاد النسائي)) بـ (( جمعية هدى شعرواي)) ثم تم تشكيل ((الإتحاد النسائي المصري)) الرسمي الذي أصبح المؤسسة الحكومية التي تشرف وترعى النشاط النسوي .
بمعني أخر في ستينيات القرن الماضي .. تم الإنسلاخ عن الحركة النسوية التي دامت من 1919 .. و جرى ترويض بنات الطبقة المتوسطة المشاركات فيها ليغردن ضمن الكورال الحكومي بما يتناسب مع سياسة الدولة .. و منحت المرأة بواسطة الدستور و القانون .. كل ما كانت تحلم به..
و إن كان عيب التنظيمات التي تأتي من رحم السلطة أن من يشغل مناصبها و يتولي أمرها في الأغلب الاعم يكون من العناصر الإنتهازية .التي ترشحت لمجلس الشعب و تولت مناصب وزارية .. و مثلت بلدها في الخارج ..و حصلت علي المكافئات و الإمتيازات مثلها مثل العمال ذوى الياقات البيضاء .. و فلاحين الحكومة الذين لم تتلوث أقدامهم بطين الحقل
لقد تغير حال المراة خلال ستينيات القرن الماضي بصورة إيجابية فقد إلتحقت في مراحل التعليم بكثافة و شمل هذا بنات الأرياف و البندر .. و أخرجت مهندسات و طبيبات .. و عالمات .. و صحفيات .. و محاميات .. ، كما عبّأت الدولة نساء الطبقة العاملة لتزويد قطاعها العام بالعمالة ، وصمتت الأصوات النسوية حتي هزيمة 1967 .. لتخرج المرأة من عباءة المطالب الفئوية للمشاركة في الحراك الوطني .
لقد نضجت المرأة (البرجوازية ) المصرية من خلال مشاركتها .. في الهم القومي ..ولدت مع حركة تحرير المرأة 1919.. و تطورت من خلال فترة التحول الليبرالية التالية .. و نالت حقوقها القانونية مع التحول الإجتماعي و السياسي الواسع الذى صاحب الستينيات ..
و لكنها في نفس الوقت لم تنل نفس الحقوق علي أرض الواقع .. لقد كانت التقاليد .. أقوى من القانون .. لذلك ظلت المراة علي حالها في القرى لا تتغير إلا قليلا بسبب التلفزيون الذى دخل حتي أصغر نجع ..
و في المدن كانت الإختيارالثاني بعد الرجل عند شغل الوظائف أو الدرجات العلمية أو الإنتخاب للبرلمان .. أو توزيع التركة ..ومواطن درجة ثانية شقيانة في منازل الأسر ذات الأصول الريفية المحتفظة بقيمها و أفكارها .. دون تعديل .
لذلك ظلت المراة دائما في حاجة لحماية .. في مواجهة عدوانية و شراسة مجتمع الرجال .. ليتحول كفاحها خلال الستينيات إلي سلسلة من المحاولات لإثبات الذات في مواجهة المجتمع الذكورى .. و لتصبح صيدا سهلا في الريف إستغلته الحكومات عند التصويت في الإنتخابات و الإستفتاءات لتسيرها كيفما تريد .
بعد هزيمة 67 كان سكان مصر يتكونون من طبقة رفيعة للمستفيدين برأسمالية الدولة .. تجدها علي كراسي الحكم ومراكز إتخاذ القرار و في البرلمان و مجالس إدارة شركات القطاع العام و مؤسسات الدولة و في المصايف و الملاهي و أماكن الترفية .
ثم طبقة عريضة مترهلة من سكان المدن المختلطين بالنازحين من الأرياف ..تحمل تناقضات الأصول الريفية مع سمات أهل المدن ..تائهه مترددة .. خائفة .. و في نفس الوقت إنتهازية تنتظر لحظة الوثوب .
ثم أغلبية من الفلاحين ..تقودهم الجمعيات التعاونية الزراعية البيروقراطية ..و العمال توجههم نقابات هيكلية .. تعبر عن وجهات نظر حكومية ... أغلبهم يجهل القراءة و الكتابة .. يعاني من الإحتياج و الفقر .. ينتظر الخروج إلي مجالات الامان ببيع قطعة من أرضة داخل كردونات القرى .. أو تجريف الأرض و بيعها لمصانع الطوب أو الهجرة للمدن و الدول العربية .
من بين هؤلاء ..لم يكن يؤرقه الهم العام إلا الطلاب فقد أخرجت منظمات الشباب أعدادا منهم مثقفين سياسيا .. رفضوا الهزيمة .. و ثاروا لاول مرة ضد المتسببين فيها ..
و هكذا كانت الحركة الطلابية بشقيها 68 و 72 و 73 المفرخة التي قدمت لنا .. نماذجا إيجابية من الشباب المحب لوطنه .. و شابات رائعات يصعب نسيان حماسهن أروى صالح .. سهام صبرى.. سلوى بكر.. ليلي عوني .. ليلي الرملي ..سوزان فياض ..سوسن الزنط .. سامية صالح ..و أخريات . كانت همومهن .. هي هموم الوطن .
لن أطيل في الحديث عن الحركة الطلابية فهناك دراسات و كتب عديدة كتبها صناعها .. و بالخصوص أحمد شعبان .. و أحمد عبداللة رزة .. و أروى صالح.. و لكن سأنقل عبارة المهندس أحمد شعبان ..
((من رحم هزيمة 1967، ولدت الحركة الطلابية الجديدة في السبعينات، من انهيار المُثل وخيبات الأمل واكتشاف حجم المأساة والإحساس العميق بوطأة الاحتلال، ومن مهانة الوضع القائم في مواجهة الرايات الصهيونية المختالة التي كانت ترفرف فوق التراب الوطني المقدس، انفجرت صواعق الغضب الطلابي))
مات عبد الناصر في سبتمبر 1970، وتولى أنور السادات،القادم بأجندة مخالفة لسلفة .. بدأت بالإصطدام مع الحركة الطلابية عام 1972 .. ثم إقتحام الحرم الجامعي لفض إعتصام الطالبات و الطلبة و إعتقالهم و محاكمة بعض منهم .. ثم مطاردتهم بواسطة جماعات الإسلام السياسي لتتغيرشكل الحياة في مصر ..و تبدأ الحركة النسوية عصرا جديدا يقوده لاول مرة حفيدات حسن البنا .
ففي عام 1972، نُشر كتاب نوال السعداوي المرأة والجنس،طالب الكتاب بمعيار موحد لمفهوم الشرف لكل من النساء والرجال، وهجر الممارسات الاجتماعية التي تستغل الدين لتبرير اضطهاد المرأة... فكان للكتاب رد فعل عنيف داخل المجتمع ، خاصة لأنه جاء مع صعود الأصولية الدينية...و كانت معركة البداية ضد العلمانية التي لا زالت قائمة تجدها حتي في تصريحات الوزيرات .
عندما كان بمصر أميرات و هوانم ..كن النموذج و المثال لسيدات و أنسات الطبقة الوسطي .. و عندما زال زمانهن ..إنتقلت القدوة لتصبح لخريجات الجامعات من طبيبات و صيدليات و مهندسات أو لنجوم المجتمع من الصحفيات و مذيعات التلفزيون أو الممثلات .
مع تقديم الوهابية للمصريين .. لم يكن الأمر صعب بالنسبة لساكنات الريف .. و الأحياء الشعبية .. فهن في كل الظروف يزاولن نفس الطقوس و السلوك .. مهما تغيرت الأمور حولهن .. ولكن لتأمين عدم تأثير التلفزيون عليهن أعطاهم الوعاظ السند الديني الذى جعل الرجال القيمون عليهن أكثر حرصا علي ألا يتغير الواقع .
ثم قاد المشايخ حملة لا تتوقف علي رموز النموذج و المثل .. و كان للشيخ كشك جولات و صولات بهذا الخصوص ثم تلاة سيادة الشيخ الوزير .. لم يسلم منهما حتي السيدة أم كلثوم .
حاصرت القرية المدينة .. تسللت حتي نهاية الثمانينيات من خلال الدارسات الريفيات .. و بنات الأحياء الشعبية .. ليسود الزى القروى علي المدني .
ثم جاءت الضربة الكبرى بعد زلزال 1992عندما إستطاع الدعاة جعل بعض الممثلات ( بطرق مختلفة ) يعدلن من مظهرهن علي أساس أن الزلزال تعبير عن غضب السماء علي إنحلالهن .
مع تغير سلوك السيدات القدوة ( الجامعيات ) و ( الممثلات ) و ( بعض الشخصيات العامة ) تغير شكل الشارع المصرى ..
خلال الفترة حتي 2011 .. كانت معظم ساكنات المدن .. عدا جزر منعزلة في الزمالك و جاردن سيتي و مصر الجديدة .. يغطين شعورهن .. و لا يفترقن عن الريفيات .. لقد إنتقم الريف من المدينة و غزا من بها من نساء ليأريفها .
الامر تم .. بسلاسة غريبة .. بحيث جعل البعض يتصور قوة سحرية .. لمن قاموا به .. و لكن هذا غير دقيق .. فالأخوان المسلمين لم يحققوا هدفهم و يلبسوا المصريات الطرح كما أرادوا في بدايةأحداث يوليو 52 .. و السلفيين لم يحولوا إلا أعداد بسيطة من السيدات للعودة للبرقع بعدما خلعته هدى شعراوى 1923... فالمصرية لم تغير من إسلوب إرتدائها لملابسها منذ قرن سواء في الريف أو في الأحياء الشعبية .. و لم تكن تحتاج لضغوط الرجال لكي تحافظ علي مظهرها التقليدى ..
و نساء الطبقة المتوسطة في شريحتها الدنيا وجدن أن المظهر الجديد يوفر كثيرا ..و في شرائحها العليا إعتبرن الحجاب موضة لذلك سرعان ما تبدل مظهرهن
و إن ظلت سيدات الأحياء الارقي علي حالهن منذ الستينيات .. فأثناء الثمانينات، تكونت مجموعات نسوية لمواجهة الأصولية الدينية. مثل حركة المرأة الجديدة في القاهرة، والتي ركزت على دراسة التاريخ النسوي للبلاد بهدف تحديد برنامجها لاتخاذ أخر ما توصلت له الحركة النسوية كنقطة انطلاق.
وتشكلت منظمة أخرى وهي لجنة الدفاع عن النساء وحقوق الأسرة عام 1985. بهدف دعم حملة تعديل قانون الأحوال الشخصية...
استعادت هدى شعرواي مكانتَها مع تظاهرات يناير 2011 حيث رفعت صورها الأنسات المشاركات بكثافة غطت الميادين،وبدى كما لو كانت قد عادت الجمعيات التي تمثل هذا النهج إلى نشاطها
يقول البعض أنه أثناء إنتفاضة 25 يناير كانت بنات القاهرة النشطات في الميدان يهدفن إلي طرح تيار جديد بعيدا عن الحركة النسائية الرسمية المتجمدة تحت رئاسة سوزان مبارك ..وإدارة مشيرة خطاب التي ((تفخر بتغيراتها في قوانين الأحوال الشخصية و جعل سن الزواج لا يقل عن 18 سنة و رفع سن الحضانة و السماح للزوجة بالسفر دون إذن زوجها بالأضافة لمنح الجنسية لأبناء الأم المصرية .. و إتاحة الخلع للزوجة التي تفشل في زواجها ))..
ويقال أن جمعيات مثل ( المرأة الجديدة ).. و (المرأة و الذاكرة ) .. و ( نهوض و تنمية المرأة ) .. كانت متواجدة في كل مراحل الأنتفاضة و أن هناك جمعيات أخرى ظهرت بعد يناير .. مثل (نظرة ) .. ( حريتي هي كرامتي ) ..بسبب الرغبة في إستكمال مسيرة التحرر التي صاحبت أحداث يناير 2011
و رغم أن أكثر من عاني من تواجدة في الميدان كانت السيدات و الأنسات بسبب مليشيات الحكومة التي كانت تتحرش بهن قصدا لبث الرعب في قلوبهن ..إلا أن حضور النساء الكثيف ومشاركتهن الفعّالة أثناء الثورة كان لافتاً للانتباه في مجتمع ذكوري، تقليدي، يهمّش دور المرأة.
على الطرف الآخر، عاد نشاط الجناح النسائي لجماعة الإخوان المسلمين بشكل لافت أثناء و بعد هبة يناير حيث تابعوا نشاطهم السياسيّ من خلال حزب (الحريّة والعدالة ) وخاض الحزب انتخابات لمجلس الشعب في يناير 2012 فحصد غالبية المقاعد و كونت عضواته أغلبية بين النساء .
كان نجاح الإخوان المسلمين السياسي ...إيذاناً ببدء الإرتداد علي كل مكتسبات القرن التي حققتها المرأة المصرية في رحلة نضالها فقد طالبت عضوات مجلس النواب من حفيدات حسن البنا إجراء تعديلات على بعض قوانين الأحوال الشخصية التي تخص المرأة كتحديد سن زواج الفتاة وحق الخلع وقانون حظر الختان، و بإختصار كل ما منحتها السلطة إياه بشكل علوى.
قد يتصور البعض أن هذا الشذوذ الفكرى .. قد إنتهي .. مع سقوط حكم الأخوان .. لكن هذا التصور غير دقيق .. فمنذ أن حاصرت القرية المدينة .. وتسللت بقيمها و أفكارها و سلوكياتها من خلال الدارسات الريفيات .. ..ساد الزى القروى علي المدني وظل هذا الوضع مستمرا ليومنا هذا حتي بين الوزيرات
.. المشكلة أن الزى يتبعه عادة نظرة رجعية للمجتمع .. مضادة لما يحدث فيه من تطورات معاصرة . في منظومة كاملة .. ضد العلمانية .. و الحرية الشخصية .
فمنذ أيام .. و قفت نفين القباج و زيرة التضامن .. في مجلس الشيوخ بزى بنات حسن البنا و إقترابهن الفكرى ..لترجع عنف الشباب ..إلي العلمانية ((العنف لدى الشباب بسبب العلمانية وغياب القيم الدينية)) معبرة عن حجم معركة لا زال يقودها الفكر السلفي علي التغييرات الإيجابية التي حدثت لمجتمع القرن العشرين .. و محاولات لا تكل للرجوع لقيم يحاول مبتكريها في السعودية و دول الخليج التملص منها .لتجد ملجأها الأخير بين وزيرات حكومة إفقار المصريين
نواب حزب (الحرية و العدالة ) كانوا يعتقدون أنه لا يوجد ظلم واقع على النساء بل على العكس إنّ حقوقهن محفوظة لمجرد انتمائهن للتيار الإسلامي أو لا يبدين إعتراضا علي الأحكام الفقهيّة والشرعيّة.. التي تصب في مصلحتهن .
فلنستمع إلي أمينة المرأة في الحزب..هدى عبد المنعم، المحامية في النقض والدستورية والادارية العليا
((لكي تأخذ ناشطات الحركة النسويّة حقوقهن يجب عليهن أن يكن موضوعيّات ويُقْرِرْنَ أن الله قد أعطانا حقوقاً ينظرُ إليها الغرب الآن بعين الحسد، فالرجل ملزم أن ينفق على المرأة في الإسلام، حتى قارورة العطر الذي تضعه المرأة ملزم أن يشتريها لها، وللمرأة أن تحتفظ بمالها لنفسها، فذمة المرأة المالية منفصلة، مكاسب كبيرة يحققها الإسلام للمرأة، ونحن نصر على الحفاظ على هذه المكاسب. لن تتغير حالياً منظومة الأحوال الشخصية...، كل أحكام الشريعة الإسلامية تؤدي إلى الحفاظ على حقوق المرأة.، ولا يوجد إقصاء للمرأة))
كاد أن يضيع جهد قرن من العمل النسوى . إن الميزات التي تعتبرها الأخت هدى .. هي نفسها ما يناضل ضدها التيار الليبرالي .. ((الذي يرى أن حقوق المرأة مسلوبة ويجب النضال من أجل المساواة مع الرجل والتحرر من أسر نفوذه ))،
هذا التناقض أدخل غالبية النساء والناشطات النسويات وأعضاء المجلس القومي للمرأة ...في مواجهات عنيفة مع النائبات الإسلاميات.
إن الرعب الذى أصاب سيدات مصر من توجهات الأخوات المسلمات .. صاحبته أنباء قادمة من العراق و سوريا عن ما يفعله الدواعش في النساء .. و كيف يتحولن لسبايا .. يبعن في أسواق النخاسة يتبادلهن من يدفع ثمنهن . ولم تكف طمأنتهن بأن تركيا بلد يحكمها الأخوان .. و مع ذلك حرية المرأة مكفولة ..
لقد طافت كل كوابيس الحياة بعقول نساء المدن في مصر .. و تصورن أن جماعات الأمر بالمعروف السعودية ستتعقبهن .. و تفرض عليهن النقاب و الحجاب .. و الطرحة و البرقع الإيراني .. و بدأ التنافس بين عقلية البيكيني وتوجهات البوركيني و التعريض بالثاني بنشر صور للشواطيء المقفرة كما يراها أبو إسماعيل .
إن المصريات اللائي عملن في منظمات تحرير المراة كُنّ يأملن أن يصدر عن النائبات الإسلاميّات إنجازٌ يتناسب مع مطالب النساء بعد 25 يناير و لكن خاب الظن ..و اشتد الصراع لدرجة أدخلت (الإسلاميّات) في عزلة مقابل باقي الفئات النسائيّة الناشطة.
لقد أصبح هناك كتلتان رئيستان، الأولى تجمع تحت مظلتها غالبية الفئات من الناشطات مما ساعد على وحدة الحراك في مواجهة الكتلة الثانية التي جمعت بنات حسن البنا
قالت نيرفانا سامي من كتلة الليبراليات : ((الأخوات المسلمات هم أخوات لبعض بس مش أخوات ليّ.. بالشكل ده أنا ما ليش أخوات، أنا شخصية حرّة، أخواتي هم اللي كانوا معايَ بالميدان، أخواتي هم الأحرار...)).
و لم يستطع حزب العدالة و الحرية أن يقنع سيدات القرن الحادى و العشرين بمفاهيم القرن الثامن عشر .. فرحل تاركا مخاوف و جروح لم تندمل بعد.
في الخرسانة عندما تنفصل مكوناتها .. يحدث ما نسمية((segregation أى أن الركام ينفصل عن الرمل و كلاهما ينفصل عن السمنت.. فلا تعمل كخرسانة ..
هذا هو ما حدث لحركة تحرير المرأة بعد سنة حكم الأخوان .. الاخوات المسلمات في جانب برابعة .. و السلفيات غير راضيات .. و نساء المدينة في جانب العسكر .. و الناشطات النسويات غير متفقات ..و الجميع يلعن الجميع .. و يقوم بمظاهرات .. و مؤتمرات .. و إحتجاجات .. يدعي فيها أنه الجانب الصحيح المعبر عن المرأة المصرية .
تدخل القوات المسلحة في إدارة البلاد .. دون أن تظهر إنتماءها .. جمع أغلب العناصر(عدا الأخوات ) في مظاهرات التفويض التي طلبها السيسي من المصريين .
لقد كان ظهور السيدات و الأنسات في المشهد بصورة مكثفة .. دلالة ليست علي المحبة للجيش و قائدة .. بقدر ما كانت خوفا من مصير سيدات الموصل و سوريا اللائي إفترستهن داعش.
إنّ المرأة المصرية بإقبالها القوي على صناديق الاقتراع كناخبة شكلت بحق كتلة تصويتية، وأصبحت محطّ اهتمام مختلف الفئات السياسية لكسب أصواتها.
فقد ارتفعت نسبة المشاركة النسائية في انتخابات الرئاسة لعام 2012 بحسب المركز المصري لبحوث الرأي العام "البصيرة" ((إلى 83 %، وبهذا يصبح دور النساء واضحاً في تقرير المصير السياسيّ للبلد رغم الجهل السائد بين بعضهن، حيث تُقدّر نِسَب الأميّة في صفوف النساء بـ 37 % وترتفع نسبة الأميّة لدى النساء المعيلات لتصل إلى 86.3 % من النساء في الريف و70 % من النساء في الحضَر ما يجعل من الأولوية تأهيلها وتوعيتها)) .
ثم جاء الرد العسكرى سريعا .. علي الجميع الصمت .... هس ..هس .. و لا كلمة .. إن الظروف التي تعيشها مصر لا تحتمل مطالب الجمعيّات النسويّة التي تنادي بحقوق المرأة وحريتها، فالنساء مواطنات داخل الدولة، لهذا وجب إصلاح الدولة لكي يحصد المواطن رجلاً كان أم امرأة نتائج هذا الإصلاح.
إنّ المطالبة بحقوق النساء في الحرية والمساواة في ظل الأزمات التي يعيشها الوطن سيعرّض المجتمع إلى مواجهات بين التقليديين والليبراليين من الممكن أن تقسم وحدة الصفوف التي يحتاجها الوطن لتحقيق الديمقراطية والعدل، مطالب الثورة الأساسية.
ثم بدأت تنفيذ خطط صندوق النقد .. و البنك الدولي علي أساس أنه إصلاح إقتصادى .. نال سخائمه كل المواطنين و المواطنات .. سقوط لقيمة الجنية و المدخرات .. و إرتفاع في الأسعار .. و فوضي في السوق ..و إرتداد عن ما طالبت به ثورة يناير 2011 ..و لم يعد أمام المرأة إلا أن تندمج في المطالب الوطنية .. و تتحمل نصيبها من الإعتقال و السجون .. و الإضطهاد ..و العوز . . في وطن يعيش أزمة .
وهكذا يبدو أنه كي يتغير موقف المراة يجب أن يتعدل سلوكيات الرجال .
لقد حصلت علي القوانين .. و أثبتت تواجدها علي كل الأصعدة .. و لكنها لم تحظ بعد بمعاملة موازية من الرجل .. و قد يكون الأقرب (أب ، أخ ، زوج ، رئيس عمل) مما أدى إلى انحسار أنشطتها وفعالياتها وبطء التغيير
نحن الأن في مدخل 2023 عندما نقارن ما كان علية حال نساء مجتمع 1923 أى منذ قرن .. نجد أن المدارس و الجامعات أصبح يشغل نصف مقاعدها البنات و الصبايا .. و أنهن متفوقات .. يدل علي هذا كشوف نجاح الثانوية العامة و نتائج شهادات الجامعة ..
لدينا اليوم طبيبات .. و مهندسات .. و صحفيات .. و قضاة..بل و ضباط جيش و بوليس من النساء .. و لدينا .. دستور و قوانين .. تمنحهن مساواة كاملة بالرجل بل و تحرص علي أن تحجز لهن مقاعدهن في البرلمان بنسبة مناسبة .
اليوم، هناك العديد من التجمعات النسوية في مصر. بعضها مراقب من الأمن أو تابع للدولة بشكل أو بأخر، ولجان للمرأة في الأحزاب السياسية،وهناك أيضًا العديد من التجمعات النسوية المستقلة مثل مركز أبحاث المرأة الجديدة، وجمعية بنت الأرض. و مركز النديم .. ورغم أن تلك المنظمات ذات أهداف مختلفة، إلا أنهم بشكل عام يعملون على تحسين وضع المرأة في المجتمع المصري، عبر محو الأمية، و الإهتمام بصحتها ..وتحسين الوعي بالديمقراطية وبحقوق الإنسان، وزيادة مشاركتها في الحياة السياسية.
ليس معني هذا إن الدنيا ربيع والجو بديع و قفلي علي كل المواضيع .. فنسبة من نتكلم عنهن لا تزيد عن عشرة ملايين سيدة .. من إجمالي خمسين مليون مصرية .. أى حوالي 20% من ساكنات بلدنا .
و الباقي ..
(قرويات ٤٢,٨% من المصريات يعشن في الريف ونسبة الإمية بينهن ٨٦ % ) أو مهاجرات إلي منطقة عشوائية تسكنها 20 % من المصريات .. و 20% أخرى يعشن في الأحياء الشعبية و المدن الصغرى الريفية يعاني أغلبهن من الجهل و الفقر و قلة الحيلة .و لم يتغير حالهن في 2023 عن 1923 إلا في كونهن يشترين العيش من المخبز و اللبن و البيض من السوبر ماركت و يسهرن طول الليل أمام التلفزيون .. و يستيقظن في الضحي كسالي .
أغلبية نساء مصر ذوات وعي منخفض و تعليم محدود .. و يسلكن في حياتهن طبقا لروتين توارثنة عن الأمهات و الجدات ..و هن كنز لدى منظمي الإنتخابات و متعهدى توريد الراقصات أمام لجان الإقتراع . .
فمعظم سكان مصر من السيدات يمكن حشدهن في طوابير الإنتخابات و الإستفتاءات نظير زجاجة زيت و كيس سكر و باكو مكرونه ..
و كأن السحر إنقلب علي الساحر فكان إعطاء السيدات حقوقهن الإنتخابية تذكرة لتمرير كل التغيرات المشبوهة في الدساتير .. و تأبيد حكم القائد .. و إختيار النواب الذين لا فائدة منهم .. كما يترائي لمن يمتللك إستخدام بطاقتهن الإنتخابية .
نعم هناك كثير من السيدات يعملن من الست الوزيرة حتي الست المساعدة في أعمال المنزل .. و عديد منهن معيلات لأسرهن .. و من تهتم بالهم العام منهن في تزايد .. و لكن يبق ثلاث أمور .
أن أغلب الرجال بل و كبار السن من السيدات لم يقتنعوا بعد بمساواة الجنسين و يتبدى هذا في سلوكهم اليومي و التفرقة بين الولد و البنت ..
و الأمر الأخر أن رجال الدين .. يقاومون بضراوة أى تعديل .. في نظام المجتمع يشمل علاقة الرجل بالمرأة..
و الثالث هو يأس و إنسحاب العديد من المتعلمات و المثقفات من العمل .. و عدم حماسهن .. و إنتظار من ينفق عليهن .. سواء كان عريسا أو معاش المرحوم والدها .
الدولة ممثلة في الرئاسة و الحكومة .. تقف علي الحياد كما لو كان الأمر لا يعنيها .. ترى عرى حفلات الجونه و الساحل و التجمع و سفه الإنفاق .. فلا تعلق ( كل واحد حر ) .. و ترى نائبات البرلمان يحاولن تمرير قانون يتحكم في النساء .. فلا تعترض .. ما دام الجميع يؤيد و يهتف تحيا مصر ثلاث مرات .
الدولة تستوزر المحجبة و السافرة .. و تحضر مؤتمراتها المحجبة و السافرة .. و لا تهتم إذا كانت السابحات الفاتنات علي شواطئنا بالبكيني و لا البوركيني ..
و مراكز البحوث ترى الظواهر الإجتماعية الغريبة علي ناسنا ( التحرش و الدعارة و التحريض علي العنف وأفلام البورنوالمصور فيها مصريات وبيع الصبايا لعواجيز الخليج ).. و لا تتحرك أو تفسر أو تقدم حلولا تحد من أن تكون المراة لعبة الرجل .
و هكذا عندما نرصد مقولات السيدات الوزيرات بما في ذلك بتاعة الثقافة .. أو نائبات البرلمان ..فسنجد أن الصراع .. لازال قائما و مستمرا بعد قرن .. بين بنات هدى شعراوى .. في مواجهه مع حفيدات حسن البنا متضامنات مع سيدات تحيا مصر المنتفعات يالميغة البرلمانية و البزينسية المشبوة .
يستغل الطرف الثاني الكتلة الرئيسية من ساكنات الريف و العشوائيات وطالبات الازهر و الأحياء الشعبية .. و يطمع الطرف الأول في التواصل معهن لتقديم المثل و النماذج الليبرالية.. و هو أمر يبدو شديد الصعوبة فيكتفين بالحفاظ علي سيدات و بنات الطبقة المتوسطة يحاولن عمل التوازن بهن
إنتهي حديثي الذى أرجو ألا يكون قد طال حتي الملل ..و لكن لن أغادر قبل أن الفت النظر إلي أن قضايا المراة بعد هذه الرحلة لا زالت قائمة لم تحل بدرجات مختلفة في جميع بلاد الدنيا .. .. و إن كانت في بلدنا التي تعيش أغلب النساء 80% في تناقض تاريخي بين الموروث .. و المعاصر . أكثر حدة .. و تخلفا