جرائم في حق أطفال أوكرانيا



مرزوق الحلالي
2023 / 2 / 23

كشفت جملة من التحقيقات قيام روسيا بإرسال آلاف الأطفال الأوكرانيين إلى معسكرات "إعادة التعليم والتربية والتثقيف" داخل روسيا، تاركة العديد من عائلاتهم دون أي وسيلة لاستعادتهم أو تتبع أثرهم، والكثير منهم مختطفين. وهذا أمر تم السكوت عنه، في وقت يستدعي الأمر أصحاب الضمائر الحية عبر العالم المطالبة بإعادة الأطفال الأوكرانيين إلى ذويهم ومحاسبة المسؤولين عن إبعادهم القصري عن ذويهم ومكان إقامتهم دون علم من أسرهم. إنها قضية مرعبة حقا، تذكرنا بممارسات اقترفها النظام النازي والنظام السوفييتي.

تقارير- تحقيقات
دراسة مركز " ييل" – Yale - للأبحاث (*)
إنها دراسة أمريكية تكشف احتجاز روسيا ستة آلاف طفل أوكراني في "معسكرات" منذ نحو عام.
_______________
(*) - مركز للأبحاث ممول من طرف وزارة الخارجية الأمريكية.
RUSSIA’S SYSTEMATIC PROGRAM FOR THE RE-EDUCATION & ADOPTION of UKRAINE’S CHILDREN - 14 FEBRUARY 2023 - Yale Humanitarian Research Lab -
https://hub.conflictobservatory.org/portal/sharing/rest/content/items/97f919ccfe524d31a241b53ca44076b8/data
_________________

أظهرت هذه الدراسة أن روسيا تحتجز نحو ستة آلاف طفل أوكراني في مخيمات أو مراكز. وتنقل موسكو آلاف الأطفال الأوكرانيين، ضمنهم أطفال لا تتجاوز أعمار بعضهم أربعة أشهر، إلى معسكرات في شبه جزيرة القرم وسيبيريا. وتتعلل روسيا بأنها تهدف إلى إعادة تثقيفهم، وأن ما تفعله يعد بمثابة إنقاذ أيتام أو نقل أطفال لرعاية طبية أو أن الأطفال أجبروا على الفرار مع أسرهم جراء القصف في أوكرانيا. ويُنقل هؤلاء الأطفال، إلى أكثر من 40 معسكرا في أنحاء روسيا، منها الموجود في شبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو أو في سيبيريا، من أجل "التعليم الوطني والمتعلق بالجيش الموالي لروسيا"، وفق التقرير.

يقع معظمها بالقرب من الحدود الأوكرانية ، مع عشرات "المعسكرات" على البحر الأسود وسبعة في شبه جزيرة القرم، والعشرون المتبقية منتشرة بين عدة مدن روسية ، في مناطق موسكو و "كازان" أو "إيكاترينبرج" ، وبعضها خارج المركز في أقصى شرق البلاد ، في شرق سيبيريا. في هذه المراكز، يتلقى الأطفال "دروس يومية في اللغة والتاريخ الروسيين". و"يبدو أنها منخرطة كلها في جهود إعادة تثقيف منهجية تعرض الأطفال في أوكرانيا لتعليم أكاديمي وثقافي ووطني ، وفي حالتين على وجه التحديد ، تعليم عسكري يركز على الروس". في بعض المعسكرات، قد يكون الأطفال قد تلقوا تدريباً على التعامل مع الأسلحة النارية، ولكن لم يتم العثور على دليل بشأن احتمال إرسالهم إلى ساحة المعركة.

وأشار التقرير إلى أن " الأدلة المتزايدة على الإجراءات الروسية تكشف أهداف الكرملين المتمثلة في إنكار وقمع هوية أوكرانيا وتاريخها وثقافتها. وستظل الآثار المدمرة لحرب بوتين على الأطفال الأوكرانيين محسوسة لأجيال قادمة".

وأقر التقرير أن هكذا ممارسات "تنتهك بشكل واضح" اتفاقية جنيف الرابعة حول معاملة المدنيين خلال الحرب، وأن الممارسات الروسية بهذا لخصوص، "في بعض الحالات قد ترقى إلى جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية".

وقد استند التقرير إلى صور عبر الأقمار الاصطناعية وتقارير أشخاص. وتعرض بعض الأهالي لضغوط للموافقة على إرسال أبنائهم آملين عودتهم، وفق التقرير، الذي أضاف أن السلطات الروسية سعت لتقديم لهؤلاء الأطفال وجهة نظر مؤيدة لموسكو، من خلال برامج دراسية وزيارات إلى مواقع وطنية وأحاديث ولقاءات مع محاربين سابقين.

وأظهر التقرير أن مساعدين للرئيس "بوتين" انخرطوا عن كثب في العملية وخصوصا "ماريا لفوفا- بيلوفا"، المفوضة الرئاسية لحقوق الطفل، التي صرحت قائلة : "إن 350 طفلا تبنتهم عائلات روسية وأكثر من ألف ينتظرون التبني".

تقرير نيويورك تايمز
جاء في هذا التقرير أن القوات الروسية والموالية لها في مدن أوكرانية تنقل آلاف الأطفال الأوكرانيين إلى روسيا، ليتم تبينهم وجعلهم مواطنين روس. وأن هذا النقل الجماعي للأطفال "حتى إذا كانوا أيتاما" يعتبر "جريمة حرب"، إذ إن روسيا تقوم بنقل أطفال كانوا مع أقاربهم وعائلاتهم. واعتمد التقرير على "مقابلات مع أطفال وعائلات" موجودين في كلا الجانبين. ويوضح التقرير أن "إعادة التوطين تعتبر جزءا من استراتيجية أوسع للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بمعاملة أوكرانيا على أنها جزء من روسيا، وإبراز الحرب غير القانونية على أنها قضية نبيلة".
ويخلص التقرير إلى أن روسيا تستخدم "الأطفال والمرضى والفقراء" في حملة دعائية تظهر روسيا على أنها "منقذتهم".

تحقيق وكالة "أسوشيتد برس"
كشف هذا التحقيق ، في أكتوبر 2022 ، جهودا حثيثة ظلت روسيا تقوم بها لطمس انتماء أطفال أوكرانيا لبلدهم بالتزامن مع غزوها المتواصل. وأظهر التحقيق أن الجهود الروسية المفتوحة لتبني أطفال أوكرانيين وتربيتهم على أنهم روس قد عرفت طريقها إلى التطبيق على قدم وساق. ومن بينهم أولئك الذين فقدوا آباءهم في القصف الروسي، فضلا عن آخرين في مؤسسات خيرية أو مع أسر حاضنة، يُطلق عليهم اسم "أطفال الدولة". وتدعي روسيا أن هؤلاء الأطفال ليس لديهم آباء أو أولياء أمور لرعايتهم، أو أنه لا يمكن الوصول إلى أهاليهم، لكن الحقيقة غير ذلك..

وأشار التحقيق إلى روس رحلوا أطفالا أوكرانيين إلى روسيا أو الأراضي التي تسيطر عليها موسكو دون موافقتهم، وكذبوا عليهم بأن أولياءهم لم يبحثوا عنهم، واستخدموهم للدعاية، ثم وضعوهم في أسر روسية في انتظار تجنيسهم.
الوكالة قالت إن "هذا التحقيق هو الأكثر شمولا حتى الآن حول الاستيلاء على أيتام أوكرانيين".
ودعمت وكالة أسوشييتد برس تحقيقها بعشرات المقابلات مع الآباء والأطفال ومسؤولين في كل من أوكرانيا وروسيا؛ بالإضافة إلى رسائل البريد الإلكتروني ورسائل بريدية، ووثائق روسية رسمية.

أرقام
ولا يوجد رقم دقيق لعدد الأطفال الذين أعيد توطينهم في روسيا، وتقدر السلطات الأوكرانية الأعداد بآلاف. وكانت موسكو قد أعلنت في أبريل 2022 وصول نحو ألفي طفل أوكراني إلى روسيا، مشيرة إلى أن أغلبهم جاء من منازل جماعية ودور أيتام.
نص تقرير مركز " ييل" – Yale – للأبحاث على أكثر من 6000 طفل في حين كشفت الحكومة الأوكرانية مؤخرا إن ما يناهز 15 ألف طفل رُحلوا إلى روسيا.
لم تقدم روسيا العدد الإجمالي للأطفال المرحلين بشكل رسمي، لكن المسؤولين يعلنون بانتظام – من حين لآخر – قدوم أيتام أوكرانيين على متن طائرات عسكرية روسية.

الرد الروسي
اعتبرت موسكو أن ما قامت به هي مجرد إجراءات بمثابة إنقاذ أيتام أو نقل أطفال لرعاية طبية. وقال إن السلطات الروسية سعت كي تقدم للأطفال وجهة نظر مؤيدة لموسكو، من خلال برامج دراسية وزيارات إلى مواقع وطنية وأحاديث لمحاربين سابقين. وحسب سفارة روسيا في الولايات المتحدة ، إن روسيا استقبلت أطفالا أجبروا على الفرار مع أسرهم جراء القصف في أوكرانيا، مع تكذيب كل ما يفيد بأن روسيا تحتجز أطفالا بالقوة. وتقدم روسيا تبنيها للأطفال الأوكرانيين على أنه عمل إنساني يمنح منازل جديدة ورعاية للأطفال القاصرين العاجزين، و تُظهر وسائل الإعلام الرسمية الروسية مسؤولين محليين يعانقونهم ويقبلونهم ويسلمونهم جوازات سفر روسية.
ويؤكد مسؤولون روس أن هدفهم من هذا الأمر هو "استبدال أي ارتباط طفولي بأوكرانيا بحب روسيا".


انتهاك حقوق الأطفال
لقد سبق للأمم المتحدة – على لسان المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين - أن اتهمت في غضون يناير 2023 - موسكو بانتهاك قواعد حماية الأطفال. وذلك عبر انتهاك والدوس على ""أساسيات" مبادئ حماية الأطفال بمنحها الأطفال اللاجئين الذين رُحّلوا إلى روسيا دون آبائهم جوازات سفر روسية ... أن السلطات الروسية تعرض هؤلاء الأطفال للتبني على أسر روسية بعد منحهم جوازات السفر... أثناء الحرب، لا يمكن التأكد من أن للأطفال آباء أو أولياء أمور. لذلك، وحتى يتضح وجودهم من عدمه، لا يمكن منح هؤلاء الأطفال جنسية أخرى أو أن تتبناهم أسر أخرى ". ( رويتز – وكالة فرانس برس).

ويرى خبراء إن هذه الممارسات تشمل أطفالا غير قادرين على الموافقة وإبداء الرأي، فيما يتهم مسؤولون أوكرانيون موسكو بارتكاب إبادة جماعية، كما يعتبر النقل القسري للأطفال، فعلا من أفعال الإبادة الجماعية بموجب القانون الدولي.

وفي منتصف أكتوبر 2022 أدانت الممثلة الخاصة للأمم المتحدة، "براميلا باتن" ، جرائم الاغتصاب والاعتداءات الجنسية التي تتهم القوات الروسية بارتكابها في أوكرانيا، معتبرة أنها تمثل بشكل واضح "استراتيجية عسكرية" و"تكتيكا متعمدا لتجريد الضحايا من إنسانيتهم"، ( وكالة فرانس برس).

وفي نهاية سبتمبر 2022، أشار تقرير للجنة الدولية المستقلة للتحقيق التي أنشأها مجلس الأمن الدولي، إلى "حدوث جرائم ضد الإنسانية ارتكبتها القوات الروسية، وبحسب الشهادات التي تم جمعها تراوح أعمار ضحايا العنف الجنسي بين أربع سنوات و82 سنة". وتحدث التقرير عن "عدد كبير من حالات العنف الجنسي ضد الأطفال الذين يتعرضون للاغتصاب والتعذيب والاحتجاز".

ومنذ أن شنت روسيا غزوها الشامل لأوكرانيا تم تسجيل ما يناهز 8 ملايين أوكراني كلاجئين في جميع أنحاء أوروبا، فيما أفادت منظمة "اليونيسف" أن الغزو الروسي دفع بأربعة ملايين طفل إلى خط الفقر في أنحاء أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى.


المشرفة على العملية
تشرف على عمليات نقل الأطفال ومنحهم للتبني، "ماريا لفوفا بيلوفا" - Maria Lvova-Belova - وهي المفوضة الروسية لحقوق الأطفال منذ 2021، وهي ضمن الشخصيات الروسية موضوع العقوبات التي أقرتها الدول الغربية. وهي نفسها أقرت أنها تبنت مراهقا أوكرانيا من الذين تم نقلهم لروسيا وحصل على جواز سفر روسي. وأعلنت إن "روسيا تساعد الأطفال في الحفاظ على حقهم في العيش تحت سماء هادئة وأن يكونوا سعداء". (أسوشييتد برس).

تبلغ "ماريا لفوفا بيلوفا" من العمر 38 سنة ، وهي أم لعشرة أطفال ، خمسة أبناءها وخمسة تم تبنيهم . تشغل منصب المفوض الروسي لحقوق الطفل. وبسبب تورطها في عمليات ترحيل عشرات الآلاف من الأطفال الأوكرانيين إلى روسيا ، فهي ضمن المستهدفين من قبل العقوبات الغربية. ويصفها الكثيرون بأنها على رأس "نظام لترحيل الأطفال الأوكرانيين منذ 24 فبراير"، ودأبت على القول "لا تتحدثوا عن الترحيل ، بل عن الإنقاذ".

ماذا يقول القانون الدولي؟
يقول خبراء القانون الدولي سواء كان لهؤلاء الأطفال آباء أم لا، فإن تربية أطفال الحرب في بلد أو ثقافة أخرى يمكن أن تكون علامة على الإبادة الجماعية، ومحاولة لمحو هوية الأمة المعادية. كما يمكن أيضا ربط عملية التبني والتجنيس القسري مباشرة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي أيد صراحة هذه الجهود. وحتى في حالة وفاة الآباء، يجب إيواء أطفالهم أو رعايتهم أو تبنيهم في أوكرانيا بدلا من ترحيلهم إلى روسيا. علما أن القانون الروسي نفسه يحظر تبني الأطفال الأجانب، لكن الرئيس بوتين أصدر مرسوما يسهل على روسيا تبني و"منح الجنسية للأطفال الأوكرانيين المحرومين من رعاية الوالدين، وصعّب على أوكرانيا والأقارب الباقين على قيد الحياة استعادتهم". وأعدت روسيا أيضا سجلا للأسر الروسية المناسبة للأطفال الأوكرانيين، ودفعت لهم لكل طفل متبنى يحصل على الجنسية، مقابلا ماديا قد يصل إلى ما يعادل 1000 دولار أحيانا.

يُحظر النقل القسري للمدنيين بموجب القانون الإنساني الدولي وقوانين الحرب. فبموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ، يمكن أن يشكل النقل أو الترحيل القسري جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية. ويعتبر الترحيل أو النقل غير القانوني للسكان المدنيين انتهاكات جسيمة لاتفاقيات جنيف لعام 1949 وغيرها من القوانين والأعراف السارية على النزاعات المسلحة الدولية ويشكل جرائم حرب عندما تُرتكب في إطار خطة أو سياسة أو عندما تكون جزء من سلسلة من الجرائم المماثلة المرتكبة على نطاق واسع. وتصبح هذه الممارسات بمثابة جريمة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي ، عندما يكون النقل أو الترحيل "قسرا". لا يقتصر مصطلح "قسري" على القوة الجسدية ، بل يشمل التهديد بالإكراه ، مثل ذلك الناتج عن الخوف من العنف أو الإكراه أو الاحتجاز أو الاضطهاد النفسي أو إساءة استخدام السلطة أو الاستفادة من أوضاع قسرية. (**)
____________________
(**) - rapport “Like a Prison Convoy”: Russia’sUnlawful Transfer and Abuse of Civilians in Ukraine During ‘Filtration’
https://www.amnesty.fr/conflits-armes-et-populations/actualites/guerre-en-ukraine-transferts-forces-et-deportations-de-civils-ukrainiens-vers-la-russie
___________________
مراجع أخرى
https://www.irfaasawtak.com/ukrainewar/2022/10/13/
https://www.geo.fr/geopolitique/des-milliers-denfants-ukrainiens-places-dans-des-camps-de-reeducation-russes-213547
https://www.elle.fr/Societe/News/La-Russie-accusee-d-envoyer-des-milliers-d-enfants-Ukrainiens-dans-des-camps-de-reeducation-4100517