حملة تضامن عالمية تُنقذ ثلاث رابطيات من حكم الاعدام عام 1963



كمال يلدو
2023 / 3 / 8

صفحات مضيئة من تأريخ المرأة العراقية
مع إن ستون عاماً قد انقضت على ذلك الإنقلاب الذي تآلف فيه البعثيون والقوميون مع كل الرجعية العراقية من التيارات ألدينية والقومية والشوفينية مدعومة بدول الجوار المرتبطة بالأحلاف اإاستعمارية، إلا ان حوادثه ومآسيه مازالت عالقة في ذهن جيل عراقي غير قليل .
فعقبَ المجازر الدموية التي بدأت بإغتيال قائد القوة الجوية جلال الأوقاتي ومن ثم قصف وزارة الدفاع ومجزرة مبنى الإذاعة، بدأ الانقلابيون مشروعهم الدموي ضد الشيوعيين والديمقراطيين وكل المدافعين عن ثورة 14 تموز وتوجوها ببيانهم المشؤوم، البيان رقم 13 بإبادة الشيوعيين . على اثر ذلك انطلقت حملة تضامن خارج العراق ،بدأت بأول خطوة جماهيرية للتضامن مع الشعب العراقي ، حيث دُعي الى تجمع في مركز فسيح جدا بالعاصمة الجيكية براغ ضم كل العراقيين وفعلا اكتظت القاعة بالحضور حتى إن عدد الواقفين كان أكثر من الجالسين. ونتيجة لهذه الاستجابة الكبيرة من القوى والشخصيات الديمقراطية العراقية إنبثقت (لجنة الدفاع عن حقوق الشعب العراقي) وبدأت نشاطها بعقد مؤتمر صحفي حضرهُ مندوبين من الصحف الشرقية والغربية ، وتم إنتخاب ألشاعر محمد مهدي الجواهري لرئاستها، فضلاً عن لجنة عليا لقيادتها تكونت من الدكتورة نزيهة الدليمي وفيصل السامر ومحمود صبري ورحيم عجينة وعبد المجيد الونداوي وكمال فؤاد ونوري شاويس ومراد عزيز ، وكانت تلك اللجنة تُدعى للمؤتمرات بإعتبارها حركة ديمقراطية عامة ، وتألفت لجان فرعية في بلدان عديدة نشطت في تعبئة المنظمات والصحف والاذاعات المحلية لمساندة الشعب العراقي . ولعل واحداً من أبرز نشاطاتها هو الدور المشهود لرئيسة رابطة المرأة العراقية نزيهة الدليمي في مؤتمر النساء العالمي الذي انعقد في موسكو حزيران 1963 ، إذ أدى وفد الرابطة دوراً كبيراً في اقناع الرئيس السوفيتي نيكيتا خروشوف بإرسال برقية الى عبد السلام عارف طالبه فيها بالكف عن اضطهاد النساء العراقيات واصفاً صدور حكم الإعدام بحق عدد منهنَّ بالمفجع ،وأدى هذا الضغط الى إلغاء حكم الاعدام واستبدالهِ بالسجن بديلاً، والمعتقلات كنّ زكية شاكر و سافرة جميل حافظ وليلى الرومي ، القائدات في رابطة المرأة ، حتى اطلق سراحهنَّ عام 1966 .
وكان من نشاطات الحركة ايضا ضم عدد من اعضاء مجلس النواب البريطاني في عضويتها، كما تمكنت من كسب الفيلسوف البريطاني (برتراند رُسل) الى رئاستها ، فضلاً عن نجاحها في إرسال لجنة تحقيقية الى العراق برئاسة النائب العمالي ( ويلي غريفتس) ، إذ نجح في تقديم تقرير مهم عن الاوضاع في العراق ساهم في تعبئة الرأي العام البريطاني ضد ما كان يرتكب من انتهاكات فيه ، وتمكنت الحركة من كسب عددا من الشخصيات العالمية الكبيرة، ففي فرنسا ترأس اللجنة (جاك كولان) الاستاذ في جامعة السوربورن، فضلا عن مساهمة شخصيات حكومية في دعم الحركة مثل رئيس وزراء المانيا الديمقراطية وجيكوسلوفاكيا وبلغاريا ورئيسة وزراء الهند أنديرا غاندي، والرئيس الكوبي فيديل كاسترو والرئيس الغاني نكروما .
نشاط هذه اللجنة كان موجعاً للانقلابين حيث فضحهم عالمياً، فكان رد فعل تلك السلطات الرجعية هو إصدار مديرية الامن العامة يوم السادس عشر من تشرين اول 1963 كتابها المرقم 1589 الذي نص على سحب الجنسية العراقية عن الدكتورة نزيهة الدليمي ورفاقها ، محمد مهدي الجواهري وفيصل السامر وصلاح خالص وهاشم عبد الجبار ونوري عبد الرزاق حسين وعبد الوهاب البياتي وذو النون ايوب وغائب طعمة فرمان ومحمود صبري وآخرين ، فيما أصدر الحاكم العسكري العام امراً بحجز أموالهم المنقولة وغير المنقولة استنادا الى كتاب كان قد صدر في 14 شباط 1963 .
اما المناضلات اللواتي شُملن بتخفيف حكم الإعدام إلى السجن فكنَّ:
1) زكية شاكر (1930 ـ 2000) إحدى المؤسسات لرابطة المرأة، والمناضلة من اجل حقوق المرأة والمدافعة عن ثورة 14 تموز. تخرجت من كلية التجارة والاقتصاد أوائل الخمسينات ، وكانت من النساء القلائل في الجامعة آنذاك، وهناك تعرفت على زوجها كاظم جواد. اعتقلت بعد ايام من الإنقلاب ، وتعرضت للتعذيب والضرب والإهانة في قصر النهاية، وكان من المجرمين الذين اعتدو عليها صدام حسين، وشهدت تعذيب القائد سلام عادل ورفاقه، وبعد تخفيف الإعدام نُقلت إلى سجن النساء ، وهناك كان دورها كبيرا بين النساء السجينات إذ استطاعت وضع جدول عمل لهنَّ وأسست مكتبة هناك . بعد إطلاق سراحها عام 1966 ، عملت هي وزوجها الذي كان نزيلا في نقرة السلمان على فتح محل بقالة ، وبعد فترة عادت للوظيفة فعملت مدققة للحسابات في وزارة العدل ، واحيلت للتقاعد المبكر نتيجة نزاهتها وكشفها للفاسدين ، فيما عمل زوجها في شركة التأمين . لم تمض حياتهم سهلة مع استفزازات البعث واجهزته ، مما اضطرهم الى الهجرة والالتحاق بأبنائهم وأحفادهم في السويد . وحتى هناك لم تهنأ طويلا ، فقد داهمها مرض عضال اتي عليها في شهر آب عام 2000 .
2) سافرة جميل حافظ، قاصة ومناضلة. من مواليد بغداد العام 1931، درست في كلية الآداب . بداياتها الادبية كانت منذ الدراسة الابتدائية والمتوسطة والثانوية حتي الجامعية ، حيث كتبت ونشرت العديد من القصص وربما تكون أول إمرأة كتبت القصة القصيرة ، كما عملت في الصحف مٍحررة لصفحة المرأة في جريدتي البلاد والاخبار، تعرضت للتوقيف اول مرة عام 1952، شاركت في تأسيس رابطة المرأة العراقية في يوم 10 آذار 1953، وأعتقلت لأول مرة عام 1956 عقب المظاهرات المنددة بالعدوان الثلاثي على مصر، والمرة الثانية كانت بعد ايام من انقلاب شباط الدموي هي وزوجها الشهيد محمد حسين ابو العيس حيث لجأ الفاسشت غلى اقذر الطرق في كسر ارادة المعتقلين وذلك بتعذيبها امامهً وتعذيبهِ أمامها أو أمام رفاقهم المعتقلين وخاصة سلام عادل ورفاقه الأماجد . ساهمت بكل النشاطات الوطنية بعد العام 2003 ، وكان حضورها واضحا في الساحة الادبية، حيث قدم لها أتحاد ألادباء والكتاب لوح الابداع ناهيك عن العديد من الجوائز التقديرية من جهات متعددة . منذ ثلاثة سنوات حولت مكتبتها وجزءا من دارها في منطقة الكرادة الى مكتبة عامة للقراءة ودعت اليها كل محبي الكتاب والثقافة ، هذه الخطوة التي قامت بها جاءت وفاءا لوالدتها التي كانت تردد على مسامعها ( لو كنتً اجيد القراءة ، لقرأت مكتبات بغداد جميعها، لأن القراءة هي التي تفتح لكم آفاق المعرفة وفهم العالم) .
3) ليلى الرومي، طبيبة اختصاص بالأطفال، مناضلة طلابية ونسائية ووطنية . ولدت في مدينة العمارة ونشأت في بيئة مندائية متفتحة، إذ ساهم والدها (غضبان الرومي) الذي كان تربوياً، في زرع حب العلم والمعرفة بين جميع ابنائه وبناته حيث لم يكن يفرّق بينهم . دخلت الابتدائية والثانوية في بغداد . في الصف الرابع الثانوي (1955) فصلت من الدراسة لعام نتيجة نشاطها السياسي . دخلت كلية الطب عام 1957، ووصلت الصف السادس حيث كان مقررا ان تتخرج عام 1963، لكن حدوث الانقلاب قلب حياتها رأساً على عقب. فقد تعرضت للاعتقال يوم 18 شباط 63 ونقلت إلى قصر النهاية يوم 21 شباط ، وتعرضت للتعذيب مع قادة الحزب الشيوعي من رجال ونساء وبضمنهم الشهيد سلام عادل . كانت ليلى الرومي وزكية شاكر وسافرة جميل حافظ من ضمن قائمة ب 24 اسم قد صدر حكم الإعدام بحقهم ليلة 24 شباط 1963، لكن جرى سحب النساء الثلاثة مؤقتا ونفذ الحكم بالرجال الذين دفنوا في مكان مجهول.وبعد تسرب أسمائهم للخارج وبدء حركة التضامن مع ألسجناء جرى تخفيف الحكم إلى السجن حتى أطلق سراحها عام 1966 . حاولت العودة للكلية الطبية لاكمال الثلاثة شهور المتبقية لكنهم رفضوا عودتها، مما اضطرها لاخراج جواز مزور والسفر الى بولندا وتعلم اللغة والدراسة هناك لعامين حتى تخرجت عام 1970، سافرت بعدها للملكة المتحدة حيث تخصصت بطبابة الاطفال وتعمل في أرقى المستشفيات البريطانة . اما على صعيد النشاطات السياسية والثقافية فهي دائمة ألمشاركة وايضاً تعمل بنشاط في الجمعيات المندائية وخاصة النسوية .