8 مارس والبيعة الفاسدة



منى نوال حلمى
2023 / 3 / 11

8 مارس يوم المرأة العالمى ، حيث تحتفل الحضارة الذكورية فى العالم كله . وفى بلادنا خاصة ، أشك أن المرأة تتفرج على الاحتفالات بها ، وهى سعيدة ، ممتنة .
" المرأة " ، منذ بدء الخليقة ، تحمل آثام البشر ، ولعنات الطبيعة .
يُزج بها ، فى الصراعات السياسية ، المحلية والدولية ، وفى المعارك
الانتخابية ، وفى ترويج الشامبوهات ، والزيوت ، وكروت الشحن ، وكريمات الكولاجين ، والصابون ، وأحمر الشفاه الثابت ، وزبادى السحور فى رمضان .
" المرأة " ، كبش الفداء ، للعُقد النفسية ، والتعصبات الدينية ، والاختلالات
العقلية والهوس الجنسى للذكور .
" المرأة " ، كائن تُحار فيه المجتمعات على مر الأزمنة ..هل تغطيه ، أم تعريه ؟.
تعامله كانسان كامل الانسانية والأهلية والولاية ، أم كائن ناقص ، معوج الفضيلة ؟.
" المرأة " ، أرض تتقاتل فوقها ، بطولات الذكور الوهمية ، والفحولة الموروثة ،
والاحباطات فى أنظمة ديكتاتورية مستبدة .
نتسائل هل " المرأة " ، قادرة على التمييز ، بين الصواب ، والخطأ ؟. هل
تؤهلها قواها العقلية ، وهرموناتها الأنثوية ، لاتخاذ قرارات مصيرية ؟ .
مسكينة " المرأة " . ُأبتليت بختان الجسد ، وختان العقل ، وسن البلوغ ،
وسن النكاح ، وسن اليأس ، واكتئاب ما بعد الحَمل ْ.
" المرأة " ، سلسلة من المخاوف . تخاف التحرش ، اذا خرجت من البيت . وتخاف نظرة البواب وعنف ذكر البيت ، اذا تأخرت . واذا ضحكت ، ومرحت ، تخاف اثارة الشكوك . تخاف من العنوسة اذا تأخر زواجها ، أو فاتها قطار العرسان . واذا تزوجت تخاف ألا ينزف غشاء البكارة . تخاف ألا تطيع الزوج ، فيضربها ، أو يقطع المصروف عنها ، أو يذهب الى عشيقة خفية ، غير موثقة غير شرعية ، أو الى مثنى وثلاث ورباع معلنات موثقات شرعيات .
تخاف أن تصبح مهجورة فى المضاجع ، حنى لو كانت خلوة المضجع ، تسبب لها
الألم ، والاشمئزاز ، والمهانة . تخاف استنكار الناس ، انها لم تنجب بعد أول سنة
زواج ، أو أنها أنجبت الأنثى ، لا الذكر حامل النسب الأبوى المقدس . واذا استحالت العشرة مع الزوج ، لا تلجأ الى الطلاق خوفا من كلام الناس ، والنظرة الأخلاقية المتدنية للمطلقات .
وهى فى جميع الأحوال ، تخاف ألا تكون محجبة ، أو منقبة ، حتى لا تثير
حفيظة ، أب له ميول اخوانية ، أو زوج له وجدان سلفى ، أو أخ له ميول داعشية ،
أو جيران يتعاطفون مع اقامة الخلافة الاسلامية .
و ماذا عن خوف المرأة ، ألا تكون " جميلة " . بالمقاييس السائدة
فى المجتمعات الذكورية .؟ خوف يشعرها بالضآلة ، وعدم الاستحقاق ، وأنها لا تملك البضاعة الوحيدة المفروض أن تعرضها النساء وتروج لها وتستثمر فيها وتحافظ عليها حتى تنزل القبر .
ولنتأمل على الأخص الاعلام المرئى ، فى بلادنا ، كيف يعطى برامج الموضة ، والأزياء ، وعمل الماكياج ، والحفاظ على الجلد ، وعلى الجسم ، وعلى الحواجب ،
وعلى الشَعر ، وعلى الأظافر ، وعلى الرموش ، وعلى البشرة ، مساحات زمنية ، طويلة ، لا يُعطى ربعها للبرامج الثقافية .
وفى مجال الفن ، مثلا فى الغِناء ، لا يتغزل الرجل ، الا فى الشكل الخارجى
للمرأة ، " العيون " التى تسحر . وفى " الشفايف " التى تُسكر . وفى " الخصر "
الذى يفتن ، وفى " الرمش " الذى يجرح .
هذا المجتمع نفسه ، لايطالب الرجال ، بأى " عبء " جمالى . فالرجل لا يعيبه
الا " جيبه " ، حتى لوكان له " كرش " .
هذه هى " البيعة " التاريخية الخبيثة الفاسدة المتكررة عبر الأزمنة ، والتى تجعل تحرير النساء ، كلاما منمقا فارغا من مضمونه وجوهره . يدخل الرجل ، بفلوسه . والمرأة ، تدخل بجمالها .
انها " البيعة " الفاسدة التى تبقى النساء دائما ، فى وضعهن الأدنى المتشيئ ، حيث يتحوان من بشر ومواطنات الى " سلع " مرخصة ، و " ممتلكات " شرعية ، للذكور ، بحكم عقد النكاح - الزواج - .
عشرات السنوات مرت ، ونحن نحتفل ب 8 مارس ، يوم المرأة العالمى ، دون أن نمس هذه " البيعة " الفاسدة ، أصل عبودية النساء .
نقول المرأة تعلمت ، واشتغلت فى مناصب هامة وقيادية . لكننا مازلنا نؤمن أن دورها الأهم ، ووظيفتها الأساسية فى البيت مع زوجها وأطفالها . ونقول اذا اشتغلت ، لابد أن توفق بين بيتها وعملها . ونقول اذا رفض الزوج عمل زوجته ، فعليها السمع والطاعة . والمرأة نفسها التى تعلمت واشتغلت ، مقتنعة بهذا الهراء ، الذي يعاملها كخادمة ومربية وغسالة وطباخة ومستعدة للنكاح أى لحظة . مع الرجل الوضع مختلف تماما . فهو رب البيت ، والقوام ، ومصدر الأوامر والنواهى والشروط .
كم من النساء يشترط عليهن الزوج ، ترك عملهن والتفرغ للبيت . وكم من النساء يشترط عليهن الزوج التحجب والنقاب .
لم نسمع عن امرأة اشترطت على زوجها ترك العمل أو لبس زى دينى محدد . هذا لا يحدث بسبب " البيعة " الفاسدة ، قانون الأحوال الشخصية ، الذى يقول أول بنوده ، على الزوج الانفاق ، وعلى الزوجة الطاعة .
الانفاق مقابل الطاعة . هذا هو جوهر عبودية المرأة ، الذى لا أحد يناقشه ، فى يوم المرأة العالمى ، أو فى أى يوم آخر .
أعرف نساء كثيرات عضوات فى جمعيات ومراكز ومجالس لحقوق المرأة ، ولا ينطقن أى كلمة عن مبدأ ، الانفاق مقابل الطاعة .
والمرأة اذا حدث شئ فى عقلها ، وقررت عدم الطاعة ، يحق عليها كل أنواع ودرجات العقاب فى الدنيا وفى الآخرة .
بدون النسف النهائى لهذه " البيعة " الانفاق مقابل الطاعة ، لن تتحرر النساء فى بلادنا . دون انهاء كلمة " الطاعة " المفروضة على النساء ، ستظل المرأة فى عرف الجوارى ، لا البشر . فالطاعة لا تصلح الا لعصر فيه أسياد وعبيد .