عيشة قنديشة (كل الثائرات متشابهة)



عذري مازغ
2023 / 3 / 15

كل الثائرات متشابهات

سأبدأ بعيشة قنديشة:
كانت شخصية خرافية متهمة أيضا بالشعوذة والسحر لحد تقارن بأنها كائن جني، في السوسيولوجية المغربية هي عيشة الكناوية، عيشة السودانية "يا بابا"هي الجن نفسه ذي أقدام البقر (هاكذا مثلا حكى لي بعض من التقوها من المهوسون)، هي الساحرة التي تغري بثذييها (لها ثذيان بحجم القدح الذي يطبخ فيه في شمال إفريقيا)، هي الجنية التي تغري الرجال بالغنى والجمال وغيرها من الأوصاف، والحقيقة أن الاسم الحقيقي هو: la contessa Aicha، أو la condesa Aicha في اللغة الإسبانية والبرتغالية واغلب الظن انها شخصية تنتمي إلى مناطق الاحتكاك مع الإسبان او مع البرتغال أثناء الحروب الصليبية او حتى مع فرنسا الإستعمارية، وعموما هي شخصية خرافية (او قد تكن حقيقية) لكنها بالتأكيد ومن خلال اشتقاق كلمة قنديشة من الأسماء اللاتينية، فهذا يعني أنها شخصية تنتمي إلى طبقة النبلاء في العالم اللاتيني، ويقابله في الأمازيغية لالّة عيشا وفي العربية الأميرة عائشة أو غيرها من الألقاب، واللقب هذا في الثقافة اللاتينية يحيل إلى النبلاء وعليه انتقل إلى المغرب في اللغة العامية إلى كلمة قنديشا، ويقال أن القنتيسا هذه (أو القنديسة) كانت بمكانتها الاجتماعية تجلب المستعمرين إلى الثوار ليقتلوهم بشكل أصبحت ملاك الموت. لكن في قصاصات شعبية أخرى تحولت إلى جنية، يقال للرجل البخيل في المغرب أنه رجل "مسكون" القصد انه تزوجته جنية: غني لكن بخيل، غناه مملوك للجن لذلك لا يمكن أن يشاركه مع اخوته البشر: استحالة أن يكون "الكنز" وهو موروث الجن للبشر.
لكن المثير في الأمر وهو ما جعلني اتكلم عنه هو صور هذه "الجنيات"، كلها بملامح جميلة، وثراء واضح من خلال ما تتحلى به والأغرب أنها تتحلى تقريبا بنفس الملامح: لوحات ديهيا، ثريذ، غالية البقمي وغيرهن من الثائرات في التاريخ البشري: كل هذه الصور متشابهة أو على الأقل تشترك في مجمل الملامح: صدر غني فاخم، سيكسي باللغة الإنجليزية، حلي من الفضة والذهب، نفس الزينة ونفس التشكيل.
مشعوذات بملامح جميلة متشابهة حتى في وعي الرسامين الذين أزعم انه لم تكن لهم صورة عنهن حتى في المخيلة بشكل أعجبتني الحرب الدروس في السوسيال ميديا حول هذه الشخصيات الخرافية بين أن تكون مغربية أو جزائرية او عربية ، بين أن تكون أمازيغية أوعربية أو في ملحمة خرافية أخرى لا يهم (الصور متشابهة والخرافي حولهن متشابه ايضا وهذا يذكرني بملحمة التحولات في رواية أبوليوس حول الحمار الذهبي.

عيشة قنديشة وطبعا مسموح من جهتي أن تكون هي ديهيا الامازيغية، كلييوباترا الفرعونية، زرقاء اليمامة ، ثريد.. كل تلك الآلهات النسوية التي اختصر الذكور في حيرتهم في أسمائها ليصبحن شخصيات غير آدمية: كل هذه الشخصيا هن شخصيات متحولة في ذاكرة حوض البحر الأبيض المتوسط، كانت عيشة قنديشة مثلا في الحكايا السوسيولوجية هي كل ما يسحر الذكور بتنوع متمنياتهم، عند بعضهم لها شكل رقم ثمانية (إحالة إلى عروس البحر أو الحورية في المخيلة الذكورية)، لها ثذيين بقدر أقداح (البرمة) عند آخرين (القصد في اللاشعور ان لها ذروة فائقة في التغذية)، هي ايضا عند البعض الآخر غنية تسجن الرجل بكنوزها كما أشرت إلى حالة البخلاء، هي المرأة التي تمنك الجنس في خلية عن نفسك وأنت في حالة استمناء... وهلم جرا، وبشكل عام هي كل ما يتمناه الذكور في مجتمعات مكبوتة. وحتى الجندي الباسل والذكوري الفاحل، الثوري، يعشق أن يرى المراة في ساحة حرب فاحلة مثله برغم أن جنس المرأة ينبذ القتل من حيث طبيعتها الغريزية كآلهة الخلق.
سأعيد صيغة لا قفت بها الفكر الذكوري في مقامات شتى حول الجدل في الوجوديات وفي الوجدان ردا على اولئك الذين يقولون بان المرأة حاسدة للرجال لكونهم ذووا قضيب، في العمق الرجل هو الذي يفور غيظا وحسدا على خاصية الخلق التي عند المرأة، في تاريخ قديم حاول سادة الذكورية في المجتمعات الذكورية التعبير عن غيرتهم ضد المراة، استعانوا فيها بالشيخ الفقهي والكاهن الديني: خلقوا حواء من ضلع آدم من خلال تعسف منطقي عقلاني: خلقوا المرأة من ضلع وظيفته هي حماية الصدر من الكدمات العنيفة وليس وظيفة إنجاب ، بينما الحقيقة، وفي سياق عقلاني، آدم هو من خرج من فرج امرأة، خرج من منطقة مشهود لها بالخصوبة والتوالد، قالغيرة التاريخية، الأسطورية أيضا، تشهد بشكل عقلاني أن الذكور هم من اصيبوا بها وحتى العنف في الإغتصاب وإظهار القوة الجسدية امام النساء هو دليل غيرة لان المجتمعات السليمة وحتى في شكلها الغريزي الحيواني في الطبيعة الحيوانية: الذكور تتظاهر بالقوة امام الإناث باقتتال الذكور للذكور وليس باغتصاب الإناث، حتى في قطيع الغنم.
تبقى عيشة قنديشة لغز اجتماعي عميق من خلال تحولاتها في العقل الجمعي المغربي من كائن بشري إلى كائن جني ومن خلاله إلى كائن يلبي طلبات الذكور في كل متمنياتهم في الجنس، في الغنى والتغذية من خلال اوصاف خرافيه لشكلها الجسدي، وعمليا المرأة التي يمكنها أن تتيح هذه الوصفات هي الكونديسا (قنديشة)، هي المرأة النبيلة في المجتمعات اللاتينية، والتي في المجتمعات الغربية سوسيولوجيا لها وظيفة ان تكون زوجة النبيل، متاحة للملك وكل اهل السلطة وهي بذلك تستطيع استغلال كل ما تحتها بتلك العلاقات المشبوهة من حيث هي عشيقة للكل بشكل يخدم عشقها تحولاتها الإجتماعية والطبيقية.
بشكل مختصر، كانت عيشة قنديشة (مغربيا هي عيشا قنديشا) من الناحية السوسيولوجية من خلال تجلياتها التي ذكرتها هي المراة المناسبة لركب التحولات: هي المرأة المهاجرة التي تتزوج بعاطل في من بلدها، مثلا، هي بغريزتها الطبيعية كانت تريد زوجا، هو بغريزته الذكورية كان يريد أوراق إقامة في الغرب (هذا ايضا موضوع معقد في سياق التحليل الإجتماعي من قبيل وجود ناس تزوجوا بمهاجرات بحسن نية من الجانبين لكن حدثت صدف من قبيل صدام ثقافي هائل والعكس بالعكس: اقصد ما اقوله عن المراة ينطبق أيضا على الرجل).
باختصار: طيبة الحب كيمياء جميلة المتحكم فيها يستغل الجانب الآخر من العلاقة، وحتى كل مخابرات العالم تستغل الحب في التجسس و"قنديشة" هي مظهر من مظاهره وهي سياسيا وحتى في المجتمعات القديمة كانت سيف ذي حدين: كانت المراة الجميلة وفي نفس الوقت كانت الشيطان العظيم.