النسوية.المفاهيم، التحديات، الحلول..



طلال الحريري
2023 / 3 / 22

أن تعليم الناس بشكل أفضل عن أهداف النسوية ومفاهيمها الحقوقية والفكرية وما تمثله من قيم ومبادئ هو المفتاح لتغيير الصورة النمطية للفكر النسوي وتقبله كتطور طبيعي وضروري في مواجهة العنف والتمييز ضد المرأة.
طلال الحريري.
تمثل النسوية أبرز القضايا الرئيسية في العالم ومازالت تشكل موضوعاً شائكاً ومعقداً من حيث الإطار الفكري والتحديات التي رافقت هذه الحركة منذ بدايات تأسيسها وحتى اليوم.ولأهمية النضال النسوي كمتغير ساهم بشكل كبير بتغيير مفاهيم المساواة والعدالة الإجتماعية منذ نشأته، ولأن النسوية أصبحت تواجه العديد من التحديات الإجتماعية والثقافية في العالم العربي التي تتعلق بمفهومها كحالة جديدة صاعدة في أدبيات التنوير والحراك المدني وما تواجهه من مصاعب شائكة، أصبح من اللازم الإهتمام بهذا الموضوع الحيوي ودراسته بطريقة واسعة النطاق، تنطلق أولا من البدء بفهم أساسيات هذا المفهوم وتطوره عبر التاريخ وصولا الى العصر الحالي وما وصلت اليه النسوية اليوم من مفاهيم متعددة وصعوبات تستحق أن تكون مادة أساسية لدراسة موضوعية علمية لاتنفصل عن المتغيرات السياسية والثقافية التي يشهدها العالم ومايرافقها من تقدم تقني هائل اصبح يشكل أهم الوسائل الفنية في توسيع نطاق التفاعل العالمي حول هذه القضايا الرئيسية.
في البداية لابد من أن نفهم بأن تعريف النسوية لايخرج عن مفهوم كونها حركة اجتماعية-فكرية-حقوقية تهدف إلى تحقيق المساواة بين الجنسين، والعمل على إزالة التمييز والظلم الذي تتعرض له النساء في المجتمع. تاريخياً، كانت النسوية تتركز على الحصول على حقوق النساء الأساسية مثل حق التصويت والحق في التعليم والعمل، ولكن مع مرور الوقت، تطورت النسوية لتشمل قضايا أوسع تحتوي على العديد من المفاهيم الإجتماعية والفلسفية والسياسية حتى وصلت في العصر الحالي الى قضايا بارزة مثل تبني حقوق التنوع الجندري والإهتمام بالبيئة والصحة النفسية.وبطبيعة الحال أصبحت النسوية كمفهوم، مظلة للعديد من الإتجاهات والرؤى المتنوعة التي تعبر عن الطبيعة الدينامية للنسوية وفقاً لمجموعة من المتغيرات المختلفة مثل الثقافة والدين والطبقة والجنسية والجندر والقوانين والرؤى السياسية المؤثرة، ويمكن تقسيم النسوية بشكل عام إلى ثلاثة موجات رئيسية:
الموجة الأولى: تعود إلى القرن التاسع عشر والعشرين، وهي النواة الأولى لتأسيس النسوية كفكرة وحركة.حيث ركزت اهدافها في تلك الفترة على حقوق النساء الأساسية(حق التصويت، حق التعليم والعمل) والمساواة القانونية مع الرجال.
الموجة الثانية: أنطلقت في منصف القرن العشرين وتطورت بشكل واسع في الفترة من الستينيات الى الثمانينيات، وفيها تبلور الفكر النسوي وتطورت ادواته التمثيلية على مستوى دولي وكانت الأهداف الرئيسية لهذه الموجة تركز على المساواة الاجتماعية والثقافية.
الموجة الثالثة: بدأت في ثمانينيات القرن العشرين وما زالت مستمرة حتى اليوم، وتركزعلى قضايا متنوعة، مثل التمثيل الإعلامي للنساء وتحدي النماذج النسوية التقليدية وتعددية الثقافات والتنوع الجندري.
إضافة إلى ذلك، شهد الفكر النسوي خلال القرن الواحد والعشرين تطوراً سريعاً ومتنوعًا، حيث توسعت مفاهيمه وتعددت زوايا النظر والتركيز. وبدأ الفكر النسوي في هذا القرن بالتركيز على المطالبة بالحقوق المدنية والسياسية الأساسية للمرأة، مثل المساواة في التمثيل السياسي والحق في العمل والتعليم.ثم تطور المفهوم ليشمل حقوق المرأة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية، مثل حقوق المرأة في الزواج والطلاق والإرث والتملك وحماية الأسرة والحفاظ على الصحة النفسية والجسدية، والتنوع الجندري ومارافق ذلك من تطورات فكرية ونظرية واسعة.وبالتزامن مع هذه التطورات، ظهرت مفاهيم نسوية جديدة، مثل النسوية الليبرالية والنسوية السوداء والنسوية المحافظة والنسوية الراديكالية والنسوية التحليلية والنسوية العالمية وغيرها، ومع ذلك تبقى فكرة تحدي النماذج النسوية التقليدية هي أبرز ما انتجته النسوية في القرن الحالي، اما بخصوص المفاهيم المتعددة فهي انعكاس لتعدد المنظورات والقضايا التي تواجه المرأة في العالم واختلاف القيم الاجتماعية والثقافية التي تؤثر في تشكيل التصورات الفكرية والمفاهيمية وما تواجهه من تحديات تتنوع بطبيعة الأنظمة السياسية والإجتماعية والقانونية، ومستوى تفاوت تطبيق الديمقراطية في العديد من بلدان العالم.
بدايات الفكر النسوي:
لقد بدأت النسوية كفكرة ركزت في بداياتها على قضية حقوقية تتعلق بالمساواة ورفع التمييز ضد المرأة وتحسين أوضاعها الاجتماعية وتجلت هذه الفكرة من خلال مجموعة من الأعمال الفكرية والأدبية والتي تمثل الأساس النظري لولادة النسوية وتطور مفاهيمها عبر الزمن.وهنا لابد من الأشارة بنوع من التفصيل المُبسط الى تلك الأعمال المهمة التي انطلقت وبرزت في نهايات القرن الثامن عشر وتوسعت في القرنين التاسع عشر والعشرين على يد مجموعة من الأدباء والمفكرين بدءاً من ، ماري وولستونكرافت (المعروفة باسم ماري جودوين) وهي من أوائل النساء اللواتي دافعن عن حقوق المرأة في الغرب الحديث وبرزت كأول نسوية منذ أن نشرت كتابها عام 1792 بعنوان (أسس حقوق المرأة) الذي يعد واحداً من أبرز الأعمال النسوية في تاريخ الحركة النسوية.
ناقشت جودوين في كتابها أهمية تمكين المرأة من التعليم والمساواة في الحقوق مع الرجل، وركزت على ضرورة تحرير المرأة من القيود الاجتماعية والثقافية التي تعيق تطورها ونموها الذاتي.لقد شددت جودوين على أن القيم الاجتماعية التي تؤكد تفوق الرجال وتحقير المرأة تؤثر سلباً على الجنسين على حد سواء، ودعت إلى الإصلاح الاجتماعي والثقافي لتحرير المرأة. لقد كانت افكار الكتاب مؤشراً هاماً في فهم بدايات الحركة النسوية، وأثرت بشكل كبير على النساء اللواتي يسعين للمساواة في الحقوق والفرص وتحسين واقع المرأة في المجتمع.ومع ذلك، يجب الإشارة إلى أن فكرة المساواة بين الجنسين لم تنشأ فجأة في هذا الوقت، وإنما تمثل حصيلة لتطورات ومتغيرات ثقافية وسياسية واجتماعية رافقت مجموعة من التحولات والصراعات الثقافية بين الدين والعقلانية من جهة، وافكار النهضة بقالبها الشامل من جهة أخرى.

لقد كانت الرؤية الواضحة التي يحملها كتاب( قهر النساء) للفيلسوف الانجليزي جون ستيورات ميل العامل الأبرز في تفجير قضية النسوية وتشكيل ملامحها بعد قرون من الظلم وتحقير المرأة ولايمكن الفصل بينه كرؤية وبين ماطرحته ماري جودين في كتابها الذي أشرنا اليه بل ان الافكار التي طرحتها ماري كانت الأساس والدافع الذي ألهم جون ستيورات ميل.
صدر كتاب(قهر النساء) للفيلسوف البريطاني جون ستيوارت ميل، في عام 1869. ويعتبر من أهم الأعمال في تاريخ الحركة النسوية، حيث ناقش ميل فيه أهمية تحرير المرأة من القيود والتحديات التي تواجهها في المجتمع، وأكد على قضية محورية تتلخص في نقطة رئيسية وهي، أن تحرير المرأة يتطلب تغييراً جذرياً في الثقافة والمجتمع.الأفكار التي طرحها ميل واسعة جدا لكنها تركزت حول مجموعة من الرؤى أهمها، التأكيد على أهمية إعطاء المرأة حقوقها المتساوية مع الرجل في جميع المجالات، ويؤكد ميل أن هذا الإجراء سيؤدي إلى تحسين الحياة للجنسين على حد سواء.لقد كانت افكار الكتاب دافعا كبيرا في تطوير مبادئ الحركة النسوية، حيث ألهم الكثير من النساء للدفاع عن حقوقهن ومطالبتهم بالمساواة في المجتمع. كما يعد الكتاب مرجعاً هاماً للأدبيات النسوية والفلسفية، ومازال يعتبر موضوع نقاش حتى اليوم.
وبالحديث عن البدايات ومراحل تطور النسوية نستطيع أن نقول من منطلق الدراسة: أن الكاتبة الإنجليزية فرجينيا وولف كان لها دورا مُتميزا وبارزا في تشكيل ملامح الحركة النسوية حيث أضافة لهذا الفكر رؤية أكثر وضوحا في نسويتها.لقد كان كتابها (غرفة تخص المرء وحده) الذي صدر في عام 1929 أحد أهم الأعمال النسوية في الأدب الإنجليزي، الكتاب يستكشف ويرصد تحديات ومعوقات النساء في مجال الكتابة والإبداع، ويدعو إلى تحسين وضع المرأة في المجتمع ومنحها المساحة والفرصة الكافية للتعبير عن ذاتها ومشاركة أفكارها.
ركزت وولف في الكتاب على أهمية وجود مساحة خاصة للمرأة تمكنها من الانعزال والتفكير والإبداع بعيداً عن التحديات والضغوطات الاجتماعية والثقافية التي تواجهها في المجتمع. وتعتبر وولف في الكتاب أن النساء ليس لديهن الفرصة الكافية للوصول إلى المساحات التي تسمح لهن بالكتابة والإبداع وتنمية ذاتهن، وأن السبب الرئيس وراء ذلك هو الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهنها.
بالنتيجة يعد كتاب "غرفة تخص المرء وحده" تحولاً مهماً للحركة النسوية، من حيث أضافة البعد النسوي للحركة وتحويلها من فكرة حقوقية جامدة الى رؤية أكثر عمقا من حيث بعدها الذاتي وتصوراتها الفكرية والنفسية بطريقة أثرت بتحفيز الكثير من النساء ليس للدفاع عن حقوقهن ومطالبتهم بالمساواة في المجتمع فقط، وإنما بضرورة بناء شخصية مستقلة للمرأة تعبر عن ذاتها. كما يعد الكتاب إسهاماً كبيراً في النضال النسوي من أجل تحسين وضع المرأة في المجتمع وتوفير الفرص الكافية لها في جميع المجالات سيما المجال الثقافي والذاتي.
رغم أهمية هذه الأعمال الكبيرة بصفتها الأساس النظري للحركة النسوية، لايمكن أن نفهم تطور النسوية كحركة وفكرة دون أن نشير الى الدور الكبير للفيلسوفة الفرنسية والناشطة النسوية سيمون دو بوفوار(1908_1986).التي قدمت إسهامات كبيرة في الفكر النسوي الحديث، وقامت بتأسيس الحركة النسوية الراديكالية في فرنسا في السبعينيات من القرن العشرين.
تميزت افكار بوفوار بإضافة فكرة خلّاقة للنسوية، تتمحور حول مفهوم "الفردية الأخلاقية". حيث تعتبر بوفوار أن النساء لا يمكن أن يحررنّ أنفسهن من القيود التي تفرضها المجتمعات التقليدية والموروثة إلا إذا قُمنّ بتحرير أنفسهنّ من القيود الداخلية التي يفرضها عليهن النظام الأخلاقي السائد. وعليه فإن بوفوار تركز على قضايا الذات والهوية، وتحث النساء على إعادة تقييم أنفسهن ومواقفهن وسلوكياتهن من خلال تمكينهن من الانفصال عن المفاهيم التقليدية للجنس والأدوار المفروضة عليهن.بوفوار ترى أنه يجب على النساء أن يتحررنّ من الخوف والحرج والذنب المفروض عليهن، وتشجع النساء على القيام بأعمال تتنافى مع توقعات المجتمع. كما تدعو بوفوار النساء إلى تكوين مجموعات تتناقش فيها النساء حول قضاياهن وتتشارك الخبرات والمشاعر والأفكار، وتعتمد بوفوار على العمل الجماعي كأساس لتحقيق التحرر النسوي.علاوة على ذلك، تعتبر بوفوار أن النساء يجب أن يتحرّرنّ من المفاهيم التي تعزز التفرقة بين الجنسين، وتحثهن على تحدي الأدوار النمطية وتغيير العلاقات بين الجنسين في المجتمع وهذا ما جعلها مرجعا فكريا فريدا في تطوير الفكر النسوي الحديث والمعاصر ورفع مستوى مفاهيم ومطالب الحراك النسوي حول العالم.

مكاسب النسوية في القرن العشرين..
لاشك أن مكاسب الحراك النسوي في القرن العشرين كانت بارزة وشكلت تحولا رهيبا في القيم الثقافية والاجتماعية والأخلاقية بإتجاه ترسيخ مبادئ المساواة وتحقيق المطالب الأساسية للحركة النسوية حيث قدمت نموذجا فريدا في أوربا وأمريكا وبعض الدول الأخرى التي استطاعة إرساء الحكم الديمقراطي والتصالح مع الليبرالية وقيم الحداثة في اجزاء واسعة من العالم بإستثناء دول العالم الثالث التي ماتزال العديد منها تتعامل مع حقوق المرأة بثقافة بدائية عنيفة تحكمها التقاليد الدينية والاجتماعية التي تشكل هوية الدول وطبيعة قوانينها وثقافتها السياسية، وبغض النظر عن واقع النسوية في العالم الثالث الذي سنوضحه تباعاً لابد من الإشارة الى أن الحركة النسوية حققت العديد من المكاسب خلال القرن العشرين، ابرزها:
حقوق الانتخاب: تحققت في العديد من البلدان خلال القرن العشرين، حيث تمكنت النساء من الحصول على حق التصويت والترشح للانتخابات، مما فتح الطريق لتمثيلهن السياسي والمشاركة الفعالة في صنع القرارات.
حقوق المساواة: حققت النساء خلال القرن العشرين حقوق المساواة مع الرجال في العديد من المجالات، مثل التعليم والعمل والتملك والحقوق الأسرية والشخصية.
الحرية الجنسية: تحققت الحرية الجنسية للنساء في العديد من البلدان خلال القرن العشرين، مما أدى إلى إنهاء العديد من التمييزات والقيود على حرية النساء في الممارسة الجنسية وتحديد الأدوار الجنسية المفروضة عليهن.
تحسين الصحة النسائية: تم تحسين الصحة النسائية على نطاق واسع خلال القرن العشرين، حيث تم توفير خدمات الرعاية الصحية للنساء والفتيات، وتحسين الظروف الصحية في العديد من المجالات.
توسيع دور المرأة في المجتمع: نجحت الحركة النسوية في توسيع دور المرأة في المجتمع، حيث تمكنت النساء من العمل في مجالات جديدة والمشاركة في الحياة العامة وتحديد الأجندة العامة والتأثير في الشؤون العامة.
تمكين المرأة: تحقق تمكين المرأة في العديد من المجالات، مثل الاقتصاد والتعليم والصحة والسياسة والحقوق الشخصية، وذلك من خلال توفير الفرص والموارد والتدريب والدعم اللازمين.
ومع ذلك وعلى الرغم من أن المكاسب التي حققتها الحركة النسوية خلال القرن العشرين كانت هائلة، إلا أن هناك الكثير من العمل الذي يجب القيام به لتحقيق المزيد من التقدم والمساواة للنساء. فلا يزال هناك تمييز وعدم مساواة بين الجنسين في مجالات مثل الأجور وفرص العمل والحقوق الأسرية والصحة النفسية والجنسية والعنف الأسري والاعتداء الجنسي. بالإضافة إلى ذلك، فإن تحقيق المساواة الحقيقية بين الجنسين يتطلب العمل على مستويات متعددة، بما في ذلك تغيير الثقافة والتربية والتشريعات والسياسات والثقافة الاجتماعية. وبالتالي، يجب العمل بجدية لتطوير مجتمعات تتسم بالمساواة الحقيقية بين الرجال والنساء، وتلبية تطلعات النساء في جميع أنحاء العالم. وعلى هذا الأساس، يمكن القول بأن المكاسب التي حققتها الحركة النسوية خلال القرن العشرين ماتزال لا ترتق بشكل كافٍ إلى المستوى المطلوب من المساواة والعدالة الاجتماعية بين الجنسين، ويتعين بذل المزيد من العمل ومضاعفة الجهود لتحقيق العدالة والمساواة وخلق عالم متوازن ومتصالح بمستوى اهداف وتطلعات الحركة النسوية وإطارها الحقوقي والفكري والإنساني.
النسوية في العالم الثالث:
لقد تطور العالم كثيرا واختلفت المفاهيم الإنسانية والثقافية ووصلنا الى عصر جديد ومع ذلك مازالت الحركة النسوية في العالم الثالث، وحقوق المرأة بشكل عام، تشكل موضوعًا معقدًا يتعلق بتحديات النضال من أجل المساواة والعدالة الاجتماعية بين الجنسين.وللعودة مجددا الى نشأة النسوية بمفهوم حقوق المرأة الحديثة في الغرب في أواخر القرن التاسع عشر وقياساً بمطالبها الرئيسية المتمثلة بحق التصويت والحصول على المساواة في الفرص الاقتصادية والتعليمية وما تلاها من تطورات في جميع أنحاء العالم شملت مسائل أخرى مثل العنف ضد المرأة وحقوق الإنجاب والرعاية الصحية والحريات بمفهومها الثقافي والحداثوي فأن تجربة النسوية في العالم الثالث عامة والشرق الاوسط خاصة ماتزال عالقة في شبكاك التقاليد والنظم القديمة في المجتمعات وتواجه العديد من المعوقات الإستثنائية التي يجب تفكيكها ودراستها للتوصل الى نتائج وحلول.
تتعرض المرأة في العالم الثالث لتحديات كارثية تتعلق بالفقر والتمييز الاجتماعي والثقافي وعدم المساواة في الحقوق التي القت بثقلها على منظومة التصورات الفكرية والمدنية لقضايا رئيسية مثل حقوق العمل والتعليم وحق النساء في المشاركة السياسية والتحرر من التمييز الاجتماعي والعنف.بالإضافة الى ذلك، فإن الحركة النسوية في العالم الثالث تتعرض لتحديات إضافية تتعلق بالثقافة والدين والتقاليد المحلية، وبالتالي فإن الحركة النسوية تختلف من بلد إلى آخر في العالم الثالث ولها تفاوتات في التركيز والأولويات ومع ذلك وبالرغم من اختلاف الظروف والتحديات، تسعى الحركة النسوية في العالم بشكل عام إلى تعزيز حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين، وتحقيق ذلك من خلال التغييرات الاجتماعية والثقافية والقانونية والسياسية وهذا يفسر رغبة النساء الناشطات بالإنخراط بالتنوير الثقافي الذي أصبح احد السمات الرئيسة في خارطة الصراع بين علاقات القوة في المجتمع وما نتج عنها من مخرجات ثقافية وسياسية شكلت رؤية جديدة ترافق تحركات المجتمع المدني بإتجاه الإصلاحات والمطالبة بالديمقراطية وتعزيز الحريات والمساواة.
الشرق الأوسط:
في منطقة الشرق الأوسط، تواجه المرأة العديد من التحديات والعراقيل التي تمنعها من الحصول على حقوقها الكاملة. ومن أبرز هذه التحديات: التمييز الجنسي، العنف الأسري، الزواج المبكر، قيود الإرث والحقوق الأخرى المتعلقة بالحياة الأسرية والحريات الرئيسية، وتحديات في الوصول إلى العمل والتعليم ومازالت الحركة النسوية في الشرق الأوسط غير قادرة على مواجهة هذه التحديات وتحقيق حقوق المرأة، والى هذه اللحظة لم تصل المجتمعات الى مستوى متقدم في مسيرة التحولات الاجتماعية والثقافية والسياسية بشكل خلق فجوة كبيرة بين قيم العصر المتسارعة والنظرة البدائية لحقوق المرأة في المجتمعات الشرقية خاصة فيما يتعلق بالأنظمة والقوانين والأنماط الاجتماعية المسيطرة التي تتمثل ذروتها في أزمة الموروث الديني والتقاليد القبلية المسيطرة بثقلها في رسم التصورات والمفاهيم في الشرق الأوسط بمستوى جعل هذه الأزمة تشكل تحديا كبيرا لحقوق المرأة. فالدين والتقاليد القبلية يعتبران عوامل مؤثرة في تحديد القيم والمعتقدات والسلوكيات الاجتماعية في هذه المنطقة بما يعزز قيود وتحديات كارثية في طريق حقوق المرأة.ولايمكن التوسع في سرد التحديات الواضحة في حين تمثل الحلول رؤية غائبة في قضية النسوية في العالم العربي لذلك يجب أن نشير الى أن هناك مجموعة من العوامل المهمة التي ساعدت على تحريك النسوية في المنطقة وساهمت في نقلها من رؤية حالمة الى أنشطة وفعاليات واقعية وافتراضية شكلت خارطة جهود نامية في النضال النسوي حيث تتجلى بمجموعة من الاعمال والمبادرات أهمها توجه الحركة النسوية في الشرق الأوسط الى العمل من خلال التعاون مع المنظمات الحقوقية الدولية وتأسيس منظمات وتجمعات محلية واقعية ورقمية، تعمل على توعية المجتمع بحقوق النساء وتمكينهن من المشاركة الفعالة في المجتمع.ومن بين المبادرات التي تسعى الحركة النسوية في الشرق الأوسط لتحقيقها رغم التحديات، هي تعزيز حقوق المرأة في مجال العمل والتعليم، والنضال السلمي من أجل تغيير القوانين التي تحرم المرأة من حقوقها الأساسية، وتعزيز مشاركة المرأة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.ومن خلال العمل الدؤوب والتوعية المستمرة، يمكن تحقيق تقدم كبير في حقوق المرأة في الشرق الأوسط، وتعزيز مشاركتها الفعالة في بناء مجتمعات أكثر عدلاً وتكافؤاً اذا تمكن الحراك النسوي من اعتماد خطاب حقوقي ناضج مرتبط بمطالب عامة واهداف واضحة، واستخدام مفردات خطاب واقعية قادرة على استقطاب النساء بشكل اكبر ونقل الفئات المعارضة من خانة العداء الى خانة التأييد، ومن أجل تحقيق تقدم حقيقي في حقوق المرأة في الشرق الأوسط، يجب معالجة هذه المعوقات بجدية وبشكل شامل.يجب توعية المجتمع بأهمية تمكين المرأة وتحقيق حقوقها، وتوضيح أن هذا الإجراء له دور كبير في تحسين حالة المجتمع وتحقيق توازن وتعاون بين الجنسين.كما يجب التركيز على تعزيز التعليم والتوعية بحقوق المرأة في المدارس والجامعات والمؤسسات المدنية والثقافية، وتشجيع النساء على المشاركة الفعالة في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.ويجب أيضا العمل على تغيير القوانين التي تميز بين الرجل والمرأة، والتي تمنع المرأة من حقوقها الأساسية، وهذا يتطلب تعزيز دور المؤسسات القانونية والحقوقية في المنطقة.بشكل عام، يجب توضيح أن تحقيق حقوق المرأة في الشرق الأوسط يتطلب جهودا مشتركة من المجتمع والحكومات والمنظمات الحقوقية، ويجب ان تلغى رواسب التقاليد القبلية والدينية التي ساهمت بتشريع قوانين ضد المرأة، وفصل الدين عن القوانين المدنية بما يضمن تحقيق العدالة والمساواة وهذا يقودنا الى أن تغيير واقع المرأة مرتبط بشكل اساس بمسألتين، الأولى تتعلق بالتحديث كخطوة اولى في علمنة القوانين والقيم الثقافية، الثانية تتعلق بالديمقراطية والعمل على أن يكون الخطاب النسوي دعمامة اساسية لخطاب حقوق الإنسان في ادبيات المجتمع المدني بشكل يجعل المجتمع الدولي أكثر حرية في تحديد الأدوار الداعمة لهذه القضايا من حيث القرارات والمساعدات والتعاون مع المنظمات الدولية.وبالنسبة لدور المجتمع الدولي، فهو يعتمد بالدرجة الاولى على وجود فواعل مدنية نشطة وخاصة التنظيم النسوي والممثليات الحقوقية النسوية والمدنية التي تمثل المُحفز الأساس في تشجيع المجتمع الدولي على المساهمة بدور اكبر في المنطقة بطريقة تجعل الحكومات تعمل على تحسين حالة حقوق الإنسان والديمقراطية، والسماح للمنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام بالعمل بحرية دون تعرضها للمضايقة والقمع.وهذا يتطلب أن يكون المجتمع المدني والحراك النسوي على وجه الخصوص فاعلا وقادرا على التأثير في قرارات الحكومات لتحقيق الإصلاحات السياسية والقانونية اللازمة وتحقيق الحريات السياسية والمدنية.
يجب ان نعترف بأن قضية المرأة والمساواة بين الجنسين مسألة حيوية يجب التركيز عليها في العالم العربي وان لا ننظر الى التحسينات الجزئية في الوضع النسوي نظرة المنجزات الكبيرة فمازالت اغلبية النساء في العالم العربي يواجهن تحديات ومعوقات كبيرة في حياتهن اليومية في حين أن هذه التحسينات تمثل اصلاحات شكلية لاتمس جوهر حقوق المرأة بمفهومه الإجتماعي والثقافي والسياسي الشامل, وماتزال القوانين في معظم الدول كارثية من حيث التمييز والتشريعات اللتي تُشرعن قتل النساء واظطهادهن، وعدم وجود حقوق وحريات أساسية، وغياب مؤسساتي في الفرص والادوار. هذه لأشكال المختلفة من العنف والتمييز والاستغلال يدفعنا الى التفكير بجدية بوضع رؤية تشاركية من الممكن ان تحقق فارقاً في قضية المراة من خلال وضع حلول تلامس الواقع فكراً وعملاً.يمكننا التغلب على هذه المعوقات بتحقيق تغييرات ثقافية واجتماعية وقانونية. يجب التركيز على التعليم والتثقيف وتوفير الفرص الاقتصادية والسياسية وتحسين حماية النساء من العنف والتمييز. يجب أيضاً إصلاح القوانين والنظم القانونية وإعادة النظر في المعايير والتقاليد الاجتماعية التي تفرض تمييزاً على النساء.
وأذا كنا نتفق على أن الحراك النسوي يلعب دوراً هاماً في تحقيق التغييرات اللازمة. فلا سبيل لتنمية هذا الدور إلا من خلال تعزيز ودعم الحراك النسوي وإشراك المجتمع المدني بشكل فاعل في دعم حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين. وعلى الصعيد الشخصي، يجب على النساء في العالم العربي أن يكونن واثقات من حقوقهن ويتم التركيز على الحقوق الجوهرية الأساسية كمرحلة أولى لتأسيس قاعدة قانونية تمنح المرأة الحماية اللازمة وتوفر لها بيئة حرة لتطوير المفاهيم والحقوق بمستوى المعايير الدولية خطوة خطوة، وأن يكون التركيز على الأهداف وعدم السماح بتحويل المطالب الى صراعات شخصية لا تقدم شيء لقضيتها العادلة.
الأدوات ومفردات الخطاب:
أن مسالة تطوير أدوات الحراك النسوي هو أمر مهم جدًا لتعزيز حقوق المرأة والمساواة الجندرية في المجتمعات. ويمكن تحقيق ذلك من خلال استخدام مختلف الأدوات والاستراتيجيات التي تساعد في نشر الوعي وتحقيق التغيير المطلوب.على سبيل المثال، يمكن للحركة النسوية وضع رؤية أكثر أدراكاً تستثمر وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية لنشر الوعي حول القضايا النسوية وتحديث صورة المرأة وتعزيز دورها في المجتمع والحياة العامة والتخلي عن الرؤى والتجارب الشخصية مالم تكن قصص واقعية ملهمة ترفع من مستوى قيمة النضال والـتأثير بالمجتمع. كما يمكن استخدام التحالفات النسوية والتعاون مع المنظمات الحقوقية والأكاديمية لتحقيق أهداف الحراك النسوي على نطاق واسع.وبالنسبة لاختيار مفردات خطاب نسوي فعال، يجب الأخذ في الاعتبار أن مفردات الخطاب النسوي يجب أن تعبر عن القضايا النسوية بوضوح وصراحة وتتجنب الانزلاق بالصراعات الشخصية أو المهاترات غير المثمرة.وعند اختيار مفردات الخطاب النسوي، يجب أن يتم التركيز على المفاهيم الإيجابية مثل المساواة، والحرية، والعدالة، والتنوع، والاحترام، وتجنب الاستخدام الزائد للمصطلحات الفنية أو النماذج النظرية المعقدة.وعلاوة على ذلك، يجب أن يتم الاعتماد على الأمثلة الواقعية والقصص الحقيقية للنساء اللواتي يواجهن تحديات معينة في حياتهن، واستخدام اللغة بطريقة تعكس المشاعر والخبرات والطموحات والأهداف التي تريد تحقيقها الحركة النسوية.
التعاون بين الجنسين والدور الريادي للمرأة.
يمكن القول، إن الرجال المثقفون لعبوا دورًا مهمًا في الحركة النسوية منذ البداية، حيث شاركوا في تأسيسها وتشكيلها ودعمها، سواء كان ذلك من خلال مساهماتهم الفكرية أو نشاطهم الميداني في بعض الحالات.لقد كانت المساهمات الثنائية مفيدة للغاية للحركة النسوية، حيث قدمت أفكارًا ورؤى جديدة ساعدت في تحقيق التغيير المطلوب، من خلال تحديث المفاهيم القديمة وتطويرها بما يتوافق مع الواقع الجديد. ولايمكن تجاهل المساهمات الرائعة التي قدمها الرجال مثل فريدريك دوغلاس وجون ستيوارت ميل، الذين كانا ناشطين في حركة المساواة بين الجنسين ودعموا قضايا النساء.
ومع ذلك ورغم أهمية هذا دور، فإن من المهم أن يكون للنساء دور قيادي في الحركة النسوية وتشكيل أطرها الفكرية، حيث أن القضايا التي تطرحها الحركة النسوية تتعلق بالمرأة ووضعها في المجتمع، وينبغي أن تكون النساء في موقع المسؤولية لتعبير عن أنفسهن، ويضعن الخطط ويكون لهن الدور الرئيس في التنظيم والقيادة.وهذا لايمنع أو يلغي شيء من دور الرجال، حيث يمكن لهم أن يكونوا حلفاءً للنساء ويدعموا قضاياهن ويعملوا على توسيع دائرة الوعي بأهمية المساواة بين الجنسين وحقوق المرأة.يمكن أن يتحقق ذلك من خلال تعزيز الحوار والتواصل بين الجنسين والعمل معًا في المجالات التي تهم الجميع ومع ذلك من المهم أن تتوحد الجهود لمكافحة الخطاب التمييزي وتطبيع النسوية في المجتمعات العربية-الشرق أوسطية بصفتها حركة حقوقية يرتبط تحقيق أهدافها بتطوير وتحديث القوانين وتعزيز الديمقراطية وتحقيق العدالة في المجتمع وبناء أساس متين للنمو الثقافي والإقتصادي.يجب أن نعي جميعا أن تعليم الناس بشكل أفضل عن أهداف النسوية وما تمثله من قيم ومبادئ هو المفتاح لتغيير الصورة النمطية للفكر النسوي وتقبله كتطور طبيعي وضروري في مواجهة العنف والتمييز ضد المرأة. وللقيام بذلك، يجب تعزيز المناهج التعليمية والتثقيفية لرفع مستوى الوعي بالحقوق والمساواة وتحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمرأة، وتشجيع النقاشات والحوارات البناءة حول هذه القضايا بين المرأة والرجل. ويجب أن يتحلى المجتمع بروح التسامح والتفاهم وعدم الانحياز وهذا لا يتحقق إلا برفع مستوى الأداء الثقافي بما يغير من طبيعة وخارطة علاقات القوة بالمجتمع لتحقيق قاعدة ثقافية متينة تدعم الحقوق النسوية وتتعايش معها.
بناءً على ما تقدم ولأهمية النسوية كقضية مهمة ومحورية في الشرق الأوسط يمكننا أن نضع مجموعة من التوصيات التي يمكن أن تضيف للحراك النسوي في الشرق الأوسط بعدا أكثر واقعية في مواجهة التحديات ومن هذه التوصيات التي أراها حيوية:
تعزيز التوعية والتثقيف حول حقوق المرأة ودورها في المجتمع، وذلك من خلال العمل على تعميم المعلومات والتثقيف الجماعي في المدارس والجامعات والمجتمعات المحلية.
تشجيع التحالفات القوية بين النساء ودعم تنظيمات المجتمع المدني المعنية بحقوق المرأة، والعمل على تعزيز التواصل بين النساء والرجال المؤمنين بقضايا المساواة.
التعاون مع الدول والمنظمات الدولية لتطوير قوانين وسياسات تدعم حقوق المرأة وتحقيق المساواة، وتشجيع تطبيق هذه القوانين على المستوى المحلي والدولي.
العمل على تمكين النساء اقتصادياً وتعزيز دورهن في الاقتصاد، وذلك من خلال توفير فرص العمل المناسبة ودعم ريادة الأعمال النسائية.
العمل على تغيير الخطاب الإعلامي الذي يعزز الصور النمطية للمرأة ويتجاهل إنجازاتها ودورها في المجتمع، وذلك من خلال التواصل مع وسائل الإعلام والعمل على تعزيز الصورة الحقيقية للمرأة وتأكيد دورها المحوري في المجتمع.
تطوير الحوار الاجتماعي والسياسي بين الرجال والنساء والعمل على إيجاد منصات للحوار والتفاعل البناء، وذلك من خلال تنظيم المؤتمرات والندوات وورش العمل المشتركة.
دعم الأبحاث العلمية والدراسات الأكاديمية حول قضايا المرأة والتعرف على الصعوبات والتحديات ووضع حلول علمية بالإشتراك مع منظمات المجتمع المدني وتحويلها الى مطالب ضاغطة على المؤسسات المعنية في الدول.
هذه التوصيات وماتقدمها من رؤى وحلول وتشخيص للمشكلات تمثل مدخلاُ مهما لإعادة التفكير بقضية النسوية كواحدة من أبرز شروط الحداثة والإرتقاء بمستوى القيم الإنسانية والإجتماعية في مجتمعاتنا.وبناءً على ماتقدم يجب ان يعمل الحراك النسوي بجدية لتعزيز مواقعه وإيجاد مزيد من التحالفات والشراكات الاستراتيجية.والتركيز على تنمية القدرات الفكرية والسياسية للنساء وتحفيز المشاركة الفعالة في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. بالإضافة الى تعزيز التواصل والتعاون مع الحركات النسوية في أنحاء العالم للتعلم من تجاربهن وتبادل المعرفة والخبرات. وفي النهاية، يجب الاستمرار في العمل الدؤوب لتحقيق المساواة الجندرية وحقوق المرأة والقضاء على كل أشكال التمييز والعنف ضد المرأة وهذه مسؤولية الجميع أذا كنا نعي حجم خطورة واقعنا بالمقارنة مع السباق العالمي وأزمتنا الأخلاقية التي جعلتنا لا شيء أمام قيم الحضارة الحرة التي تمثل ذروة المبادئ الإنسانية!