النساء والإعلام -العاري- من كلّ قيم



هاجر منصوري
2023 / 3 / 23

ما الصورة التي يقدّمها إعلامنا التونسي والعربي للمرأة ؟ تطالعنا الأقلام النسائيّة في الصحافة المكتوبة فينتشي الفكر لما تتناوله هاته الأقلام من مواضيع ثقافيّة هامّة، وترد علينا أصواتهنّ من منابر إذاعيّة تترصّد اليوميّ وتواكب الشّأن العام والثّقافيّ فتميل آذاننا إصغاء لخطابهنّ وتستميلنا للمتابعة، وتظلّ لنا فرص للاختيار والانتقاء ونظلّ نتوسّم خيرا في الصورة المقدّمة عن النساء سواء كنّ إعلاميّات أو موضوعا للخطاب الإعلامي. وإذ نودّ التوغّل أكثر وخاصّة في الإعلام المرئيّ، فصورة النساء فيه تبهرنا جماليّتها وهو ما راهن عليه هذا النوع من الإعلام إلى الدرجة التي ضاعت فيها تفاصيل كثيرة حملت معها ثراء ملامح النساء والأعمق من ذلك صدق هذه الملاحم، ودورها في الصرح الثقافي والتنمية الفكريّة.
وبعيدا عن كلّ المواقف الانطباعيّة، غابت حقيقة عن إعلامنا المرئي البرامج الدسمة اجتماعيّا وسياسيّا واقتصاديّا وثقافيّا. وحلّت برامج " السندويتش" الخفيفة والقائمة على " البوز"، وذلك من أجل رفع نسب المشاهدة. فقد قرّر "أهل الاختصاص" أنّ ذائقة المشاهدين/ ات زمن العولمة لم تعد تهضم المنوّعات الفنيّة الراقية ولا الجلسات الحواريّة مع أهل العلم والفكر والثقافة والاقتصاد. ومن الضّروري فيما يزعمون أن يتواءم الذّوق الإعلامي مع الذّوق العام. وتمّت التوأمة -على بركة الله- وكانت الصّورة النسائيّة فيها أسوأ ممّا كنّا نتوقّعها، وخاصّة في الإعلام الخاصّ. ويبدو أنّ رأس المال مع الإعلام الخاص يُسقط عن المرأة - وحتّى الرّجل- تاج العلم والمعرفة، وإكسير التحدّي والبناء، ويحوّلها/ـه إلى مجرّد جسد لا أكثر ولا أقلّ.
يكفي أن نتنقّل بين القنوات الفضائيّة التونسيّة وحتّى العربيّة الخاصّة وبعض العامّة حتّى نرى أجسادا أنثويّة تتّخذ كراسي أمام طاولات مستطيلة أو مستديرة، أو كراسي متلوّنة قبالة الجمهور، بها تتأثّث الحلقات. لا يستفزّك في حضور هذه الأجساد مع ما فيها من نفخ وشفط، وقد تكون في ذلك حريّة شخصيّة، سوى الخطاب المعروض. هنّ في الغالب من الفنانات والممثلات المعروفات أو الوجوه المشورة في " الانستغرام" أو " التيك توك" لدى العموم لاستغلال رصيدهنّ من المعجبين والمعجبات في مهمة "الكرونيكورات". في خطابات البعض منهنّ ما تشرّع للجهويّات، ومع البعض الآخر تشرّع للمال السهل إذ تضرب عرض الحائط قيمة العمل وبذل الجهد، ومع البعض منهنّ يستوي الإسفاف الأخلاقي مع الحريّة الفكريّة، ومع ما تبقّى منهنّ يطرح السؤال لِمَ هنّ موجودات أصلا في المشهد الإعلامي المرئي أليس الإعلام رسالة ومسؤوليّة؟
ولا تقتصر هذه الصورة المبتذلة للنساء في إعلامنا عند هذا الحدّ بل تزيده بعض الإعلاميّات وبرامجهنّ ترذيلا عندما يخصّصن برامج للنساء تخاطب أجسادهنّ لا غير وتنمّط أدوارهنّ من قبيل برامج الطبخ والتجميل وإعادة التجميل وبيع المواد التجميليّة الاصطناعيّة منها والطبيعيّة، وكأن لا برامج للنساء أخرى سوى ما صلة له بالبطن والقدّ والخدّ. ولا تسل عن بعض البرامج التي تخصّص الإعلاميّة فيها حصصا من أجل تربية النساء على أن يكنّ دمى متحرّكة، لا رأي، لا موقف، لا شخصيّة، ولا رؤية إنسانيّة ومواطنيّة..
إعلام بهذه المواصفات عار من رسالته، يعرّي النساء عن جوهرهنّ، والنساء فيه عاريات حسّا ومعنى غير قادرات على صياغة خطاب يحترم تحدّيات اللواتي سبقتهنّ من النساء المناضلات، هنّ في المشهد الإعلامي هادمات لأنفسهنّ ولجيل من المراهقات والناشئات، ووجودهنّ مخرجات لما مضى ويا ويلنا من مخرجاتهنّ فيما سيأتي. وحتّى لا نتّهم فقط الخطاب الإعلامي الديني بذكوريته المقيتة، فالخطاب الإعلامي الذي يقدم برامجه على الأساس المذكور آنفا هو أيضا متّهم بذكوريّته مع قضيبيّته وهو أخطر لأنّه يضرب مفهوم الحريّة في مقتل ويخلق جدلا مقيتا مضاعفا يطرح فيه السؤال التالي: كافحت المرأة من أجل حريّتها فماذا فعلت بها؟