دفن - ذات - المرأة فى عيدها العالمى



شريف حتاتة
2023 / 3 / 24

دفن " ذات " المرأة في عيدها العالمي
-------------------------------------
لجميع النساء المقهورات ، أكتب هذا المقال احتفالا بيـوم 8 مارس، يـوم المرأة العالمي. أكتبه تضامناً معهن لنيل حقوقهن المهدرة من الاستعمار العالمي الجديد والأنظمة العربية التابعة لها، من قوى سياسية تتستر بالإسلام ، لتسكت كل صوت لا يوافق على آرائها وتريد أن تفرضها علينا باسم الخالق ، حتى تبسط علينا سلطانها. قوى سياسية تغلغلت فـي أجهـزة الدولـة ومؤسساتها، في مجلسي الشعب والشورى، في وسائل الإعلام والنشر، في أجهزة التعليم والتشريع والقضـاء والشرع، في القطاع المـدني، والنقابـات المهنيـة، والجمعيات الأهلية المنتشرة في كل ركن مـن أركـان القطر.
أكتب هذا المقال تضامنا مع " نوال السعداوي " ، ودفاعـاً عن رفقة عمر دامت ثلاثة وأربعين سنة، ولأقف ضد القـوى السلفية التي تريد أن تخضعها لحكم الردة في القرن الـحـادي والعشرين، هذا الإجراء الذي يؤكد أننا أصبحنا دولة دينيـة لا مكان فيها للرأي أو للفعل الحر. أكتب ضد قوى إجتماعيـة أبويـة طبقية ترى أن المرأة جسد بلا عقل يجب أن يسجن في البيت، أو أن يصبح سلعة في السوق الحرة والملـذات، أن تخضـع لأوامر الرجال ونزواتهم الجنسية، أن تربي أطفالهم بينما هـي محرومة من المعرفة، فلا تعرف عن التربية شيئا. إنها قـوى إجتماعية، تبدو أحيانا متناقضة، قوى معادية لحقـوق المـرأة وكيانها، وفي الوقت نفسه معادية لحقوق الرجل ومصالحه،متسترة بالدفاع عن كيانه الذكوري، كرسته مختلـف ديـانـات الأرض وشرائعه، بينما الذكورية هي ضـد إنسـانية الرجـل وسعادته.
فى يوم ۸ مارس 1908 فى نيويورك ، خرجت آلاف النساء في مظاهرة حاشدة احتجاجا على اجورهن وظـروف العمل المتدنية ، خرج ما يزيد عن عشرين ألف من العاملات طالبن فيها بخفض سـاعات العمل التي وصلت إلى أثنى عشر وأحياناً أربعة عشرة ساعة ، وبرفع قيمة المعاش الذي تحصلن عليه. كما طـالبن بإيقـاف تشغيل الأطفال، وحق الإقتراع في الإنتخابات. وكـان الشـعار الذي رفعته المتظاهرات متخذا من مقولة "ماركس" الشهيرة "الحياة تحتاج إلى الخبز والورود ".
لكن عندما جاء عصر الإنفتاح الساداتي ، قررت الحكومـةأن يكون يوم الإحتفال هو 16 مارس بدلا من 8 مارس. فيوم 16 مارس سنة ١٩١٩ تظاهرت أكثر من ثلثمائة "سيدة" بقيادة هدی "هانم " شعراوي ضد الإحتلال البريطاني لمصـر. وفـي رأيي أن هذا التغيير كان خطوة إلى الوراء، فيوم 8 مارس كان يمثل تحركا إجتماعيا مرتبطا بكيان المرأة ذاتهـا وحقوقهـا، وتعبيرا عن التضامن بين النساء على نطاق العالم ، الذي أحوج ما نكون إليه لمواجهة القوى الإقتصادية والعسكرية والسياسية للاستعمار ، خصوصا في عصر العولمة. بينما الإحتفال يوم 16 مارس ، لم يكن تعبيرا عن الإهتمام بالمرأة وحقوقها، وإنما عن الرغبة في إلحاقها كجزء من الحركة الوطنية علـى حسـاب كيانها المستقل ، كإنسان لها ذات ومطالب خاصة بها، في حـين أن إعلاء شأنها يجعلها تصبح قوة فعالة فـي المعركـة ضـدالاستعمار وأعوانه، ومن أجل تطوير المجتمع، كما كـان فـي الوقت نفسه تطبيقا لشعار فرق تسد ، الذي طالما لجأ إليه الحكام لاضعاف مقاومة المحكومين ، وذلك بفصل نضال النسـاء فـي مصر ، عن نضالهن على نطاق العالم.
كانت هدى "هانم" شعراوي تنتمـي إلـى الأرستقراطية المصرية، والدليل على ذلك أنه عندما ذهبت إليها مجموعة من النساء الفقيرات لتشتكين من ظـروفهن الصـعبة وإهمـالـهن ، طردتهن من مقر الاتحاد النسائي. وإن كان هذا لا يعني إنكـار الدور الوطني الذي لعبته في ذلك الوقت.
بالإضافة إلى كل ما سبق ، فان الإحتفال بيوم المرأة العالمي يجب أن يكون في الوقت نفسه احتفالا بالمرأة الكاتبـة. ذلـك أن الزيادة المضطردة في عدد النساء اللائي أصبحن يكتـبـن فـي مصر في مجـال الروايـة، والقصـة القصـيرة، والشـعر وسيناريوهات الأفلام الروائية الطويلـة والقصيرة، وأحيانـا التسجيلية، وفي المسلسلات التليفزيونية هو ظاهرة ملفتة للنظـر بعد قرون طويلة من القهر ، وفي مجتمع أصابته ردة خطيـرة خصوصا فيما يتعلق بوضع المرأة والنظرة إليهـا. وبصـرف النظر عن التفاوت في قيمة هذه المساهمات ، فإن إمساك المرأة بالقلم يحتاج إلى شجاعة ، خصوصا إذا عبرت عن عالمها بقدر من الصدق لا يفهمه نقادنا الرجال ولا القراء ، لأنه جديد عليهم، ويتعارض مع مقايسهم النقديـة الأبوية الموروثة.
المرأة بحكم قهر المجتمع وتهميشه لها، وتعاملـه غيـر الإنساني مع مشاعرها وأفكارها ، فرض عليهـا نـوعـا مـن الإنطوائية والخوف من التعبير. لكن ربمـا في هذا ميزة ، لأنها تعبر فى كتاباتها عن تجربة خاصة بهـا لـم يعشـهاالرجال، والانطواء في أحيان كثيرة ، يساعد على التأمل والتعمق في أشياء كثيرة تتعلق بالحياة، خصوصا أن المراء الكاتبة، والمرأة ، عموما لا تعيش كثيرا في العالم الخارجي، ولا تخضع لتأثيراته بالقدر الذي يخضع لها الرجال.
في السنين الأخيرة زاد الطابع الذاتي في الكتابات الروائية والقصصية والأدبية عموما، وهذا على نطـاق الـعـالم، ربما بسبب قهر العولمة الرأسمالية المتزايـد فـي حيـاة النـاس ، وحرمانهم من وسائل التعبير عن أنفسهم، كمـا أن الذاتية ظاهرة ملحوظة في كتابات النسـاء، ومـن بيـنـهن كتابات المصريات. ولذلك يعاملهن الكثيرون من النقاد العرب بإزدراء. ويصفون أعمالهن بأنها إرهاصات أدبية، أو بدايات ساذجة، أو محاولات ليس فيهـا أركـان الكتابـة الروائيـة والقصصية الناضجة، هذا إذا لم ينجذب الناقد إلى الكاتبة لأسباب أخرى ، لا علاقة لها بالإبداع.
في هذا العصر أصبحت العلاقة بين الرجل والمرأة ، الشغل الشاغل للكثيرين من الرجال الكتاب، بصرف النظر عن الجدية في هذه النظرة وعمقها، وخصوصا فيمـا يتعلـق بـالجنس والجسد. قفزوا على هذا المجال ، وكأنه يصعب عليهم أن يتركوا أي شيء يفلت من سيطرتهم، حتى وإن كان مجال المرأة الذي لا يعرفون عنه الكثير.
إن إبداع المرأة تهدده مخاطر كثيرة ، لن تستطيع النسـاء الإفلات منها ، إلا إذا تسلحن بالشجاعة المعنوية وبالصدق فـي التعبير عن أنفسهن مهما كان الثمن.
من كتاب : " يوميات روائى رَحال " 2008
-------------------------------------------------------------------