اوضاع النساء والحراك النسوي في العراق من 2003-2019



طيبة علي
2023 / 4 / 12

لم تخلوا أخر ثلاثين سنة قبل سقوط نظام البعث الديكتاتوري من المطبات والتحديات على جميع الأصعدة، حيث احتفت النساء بسقوط النظام السابق وخرجت الى ساحات الاحتفال معلنة عن سقوط هذا النظام المجحف الذي ساهم بإرجاع المرأة عقودًا الى الوراء. مكللة بعادات وتقاليد بالية فرضت دونية المرأة عليها، وأغطتها بطابع ديني لا يجب المساس به او المناقشة بشأنه.. فماذا واجهت النساء العراقيات بدورهن بعد إزاحة صدام من دفة الحكم وهل تطور الحراك النسوي في المنطقة وأين تركزت جهوده؟
بدايةً سنتكلم عن الاحتلال وما خلفه على اوضاع النساء في عام 2003، فقد تزايدت أعداد السجينات في السجون العراقية بشكل ملحوظ بعد الغزو الأميركي لا سيما من المحافظات الشمالية والغربية التي شهدت حركات مقاومة ضد الأميركيين وسجنت اعداد كبيرة من النساء بسبب تهم كيدية او لصلة القرابة بينهن وبين اتباع النظام السابق واجهت اوضاع النساء في العراق تذبذب مستمر و وضعت النساء في دائرة استهداف مباشرة انتجت خوف دائم ساهم في اضعاف التواجد النسوي في المنطقة وحتى بالشارع. ثم اخذت بالتراجع اكثر بعد عمليات العنف المسلح التي حدثت بعد الدخول الاميركي للعراق الذي جاء مناديًا باحلال العدالة الاجتماعية وتحرير النساء من القمع الذي واجهته خلال السنوات الثلاثين المنصرمة، تحت تبريرات سياسية او بسبب فتاوى صدرت من الجماعات المتشددة دينيًا. وطالت هذه الاعمال شرائح مختلفة من النساء تحت الذرائع نفسها ومنهن الموظفات والصحفيات بعد ان اصبح الشارع يشكل بيئة خطرة لا يمكن ان تظهر فيها المراة دون ان تتعرض الى الاعتداء الجسدي او على الاقل المعنوي، الذي يلزمها بارتداء الحجاب بسبب هيمنة الجماعات المسلحة والمتشددة التي حلت محل مؤسسات الدولة، مما ادى الى عزل المراة ومنعها من الظهور. حتى وصل الامر الى تعرض الطالبات الجامعيات الى الاختطاف والتهديد ان استمرن في الدراسة وعدم عزلهن عن الذكور لدوافع دينية وتقليدية. وفي بعض المدارس اصبح الحجاب يفرض على الفتيات الصغيرات في الابتدائية فانتشرت بالشوارع مظاهر الاضطهاد هذه دون وجود حسيب واصبحت هوية النساء عبارة عن جلابيب سوداء ومرقطة لا تعبر الا عن وجود ازمة جديدة اتضحت تجلياتها على النساء. وبذلك اصبح العنف اشد خطرًا في المرحلة الانتقالية على المراة ودورها في المجتمع بشكل عام، مما جعلها تنظوي تحت مظلة العشيرة والطائفة، بعيدا عن اللجوء الى حماية الدولة المدنية وبذلك اعتبرت العشيرة وبعدها الدين هما الحجر الاساس لهيكلة المجتمع العراقي الجديد. وبشكل رئيسي وقعت المراة فريسة ممارسات اجتماعية تقليدية وعادت ظاهرة الفصلية والنهوة العشائرية دون حماية او رعاية من ادارة الدولة. وقد خلفت جرائم النظام السابق عدد ارامل يتراوح حسب الاحصائات مابين المليون والنصف مليون مما جعل خمس منظمات دولية تضع العراق متصدر لاعداد الارامل، ويشير تقرير التنمية البشرية لعام 2008 الى ان نسبة النساء اللواتي تعرضن للقتل 5 في المئة من بينها من الاكاديميين والاساتذة و 7 بالمئة من بين الصحفيين، منذ عام 2003 ولغاية 2006. مما ادى الى غياب المراة عن الساحة والشارع نظرا للخطر الذي يلاحقهن والتجئ بعض منهن الى الزيجات المؤقتة(زواج المتعة او المسيار) من اجل المقابل المادي، و ازدادت حالات الطلاق والهجر بشكل ملحوظ واضطرت النساء للتعايش مع الاوضاع رغمًا عن ارادتهن.
واشتدت المطالبات بانشاء دولة مدنية إلا أن الحملة الايمانية بلغت ذروتها بعد الاحتلال الذي شهد وصول الاحزاب الاسلامية المتشددة الى السلطة وصعود الأسلام السياسي، وعلى هامش الانتخابات البرلمانية خرج حزب الفضيلة الشيعي بمطلب اخضاع قانون الاحوال الشخصية للفقه الجعفري حصرًا. وكما معروف ان هذا الفقه يسمح من ضمن اشياء اخرى بزواج الفتيات من دون سن التاسعة باعتباره سن البلوغ، نددت المدافعات العراقيات عن حقوق المراة بهيمنة الاجواء الاجتماعية الدينية المحافظة فاطلقت (جمعية نساء بغداد) حملة لمواجهة الزيجات التي تعرف بزواج السيد والتي يعقدها رجال الدين، ولاتنفك تتزايد لاسيما في الاوساط الفقيرة لاعمار تتراوح بين ال12-13عام. فتم تجميد مسودة مشروع قانون الاحوال الجعفري ويعتقد بأن هذا القرار قد جاء نتيجةً لحملات الضغط من قبل النسويات والحراك المدني العراقي. فقد فاقم الاحتلال الاميركي وماتلاه من حروب طائفية من اشكال الاستغلال والعنف وانعدام الامن وقد ادت هذه الاحداث العسكرية الى تدهور وضع النساء في العراق بحيث وثقت هيومن رايتس واتش من عام 2003-2011 موجة من العنف الجنسي والاختطاف في بغداد، ويذكر التقرير حينها بان انعدام الامن والخوف من الاغتصاب، والاختطاف، ساعد بتعزيز التخلف الاجتماعي للمراة وساهم بابقاء النساء في منازلهن بعيدًا عن المدارس والجامعات وحتى وظائفهن، وعلى الرغم من اختطاف الرجال أيضًا الا ان النساء المختطفات واجهن وصمة عائلية اجتماعية ومعيبة، بسبب مفهوم الشرف وعبئه الاجتماعي عليهن والنظرة اللاحقة لذلك. وسلط التقرير الضوء على الارامل واللواتي يتم الاتجار بهن ويجبرن على الزواج المبكر ويتعرضن للضرب في منازلهن ويتم التحرش الجنسي بهن اذا مانزلن الى الشارع، بما في ذلك من عنف جنسي ضد الناشطات السياسيات. واعتبرت معظم الناشطات في الحركة النسائية ان الغاء اقرار القانون الجعفري شكل اول انتصار لهن بعد عام 2003. وكانت اول المطالبات التي تكاتفت بها جهود المنظمات ونادت بها الحركات على اختلاف موقفها من النظام. وعلى الرغم من النضال الهامشي والبسيط الذي خاضته النساء في تلك الفترة الا انها لم تشغل اي من المناصب السيادية الاربعة العليا، فكان وجود النساء في العملية السياسية مجرد مؤشر رقمي دون اي جدوى سياسية. وكما نعلم بان العراق بلد ريعي يعتمد اقتصاده على النفط فان عمل النساء بالقطاع النفطي لا يكاد يتجاوز ال10 في المئة من هذا المجال ولم تساعد الورشات والندوات بتسليط الضوء على هذه النسب التي تجعلنا نتسائل عن مساهمة النساء في القطاعات الحكومية الأخرى وهل وصلت هذه النسب إلى أن تعادل الكفة بين الرجل والمرأة من ناحية التمكين الاقتصادي.
أما الكوتا والتمثيل النسائي في البرلمان فقد اعطى الدستور العراقي للمراة العراقية الحق في ممارسة العمل السياسي في عام 2005 وان المشاركة السياسية للنساء تعني تعزيز دور المراة ويعتبر من المؤشرات الدالة على تطور المجتمع وديموقراطية النظام الحاكم في الدولة واكد لها نسبة 25% بواقع 83 مقعد، وتعتبر الكوتا نقلة نوعية للمراة في مجال العمل السياسي ومشاركتها في عملية صنع القرار.. ولكن هل احدثت هذه المشاركة تغيير على ارض الواقع وحققت مشاركة سياسية نافعة ؟
لم تكن مشاركة النساء السياسية مشاركة مستقلة أنما خرجن من كتل، وأحزاب، ولم يكن تمثيلهن نسوي، أنما كان تمثيل نسائي من أجل التوزيع الجندري لنسب النساء والرجال في البرلمان.
ويمكننا تلخيص أهم اسباب ضعف مشاركة النساء واستمرارية التشابك بالعمل النسوي، بسبب هيمنة القيادات الحزبية والكتل السياسية على النساء بشكل خاص. والتشكيك الدائم بقدرات النساء واعتبار انهن يفتقدن الى الرؤية الكاملة. وعدم توفير مستلزمات تطوير وتاهيل العناصر النسوية ودعمها والاعتماد على الورشات والندوات المقامة بميزانية محدودة.
وسيطرة الصورة النمطية في وسائل الاعلام على وجود الرجال في الاماكن القيادية وحصر دور المراة بالأشكال النمطية المعتادة للام والعناية بالأسرة كأولوية وربط قضية المرأة بقضايا الطفولة.
وطبيعة العادات والتقاليد في المجتمع وتاثير الخطاب الديني الذي اشتد بأخر فترة.
وقد دفع التشدد الطائفي المدعوم بقوة السلاح والارهاب الى التهجير القسري لكثير من العوائل التي كانت قد واجهت جميع اشكال العنف، وقد ترملت معظم نساء تلك العوائل فاصبحت النساء بذلك تواجه مسؤولية اعالة نفسها واسرتها، وفي الوقت الذي اعتاد العراقيون أن يطلقوا كلمة "المسطر" على أماكن تجمع العمال الرجال، فإنهم لم يعتادوا على سماع كلمة (مساطر النساء) إلا في عامي 2007-2008 عندما اضطرت شرائح فقيرة من النساء تحت ظروف الفقر والحياة القاسية التي أفرزتها الحروب المتتالية والاحتلال والتهجير القسري للعمل في مهن صعبة.
وحسب تقرير تم نشره في شبكات اخبارية فقد نشات في مدينة كربلاء ساحات في المناطق الفقيرة تتجمع فيها النساء الراغبات في العمل بالأعمال اليدوية الصعبة وتدعى هذه الأمكنة بمساطر النساء على غرار الأماكن الخاصة بالرجال. وتفاقمت ظاهرة البغايا والاتجار الجنسي في مناطق عدة، بحيث لم تجد اغلب هذه النساء بدائل اخرى جراء الوضع الاقتصادي السيء، واستغلت الجماعات الارهابية اوضاع النساء فقامت تلك الجماعات بتجنيد انتحاريات وتفجير انفسهن في مواقع محددة، وكانوا يختارون النساء التي عانت من مشاكل في الادراك او متخلفات عقليا او مدمنات مخدرات. وقد ابلغت السلطات عن 28 عملية تفجير في مختلف انحاء العاصمة و31 عملية اختطاف واتجار بالمخدرات قامن بها نساء، ولم تكترث السلطات العراقية لمعرفة الاسباب التي الت بتلك النسوة للتوجه لمثل تلك العمليات الارهابية او توفير العلاج الكافي لهن، بغض النظر عن تدهور اوضاعهن داخل السجون. وابلغت نساء من طوائف دينية مختلفة الجهات الامنية عن تعرضهن لاعتداءات، وخاصة المسيحيات حيث اكد احد القائمين بكنائس بغداد عن شيوع ارغام المسيحيات من الزواج من تنظيمات مسلحة، وحدوث ثلاث حالات اغتصاب لنساء مسيحيات في منطقة الدورة وقتلت اثنان منهن حتى ان اجبرت بعد ذلك النسوة المسيحيات على ارتداء الحجاب على غرار النساء المسلمات ومنعن من الاختلاط بالرجال. ولى تبدي النساء اللواتي يعملن في مؤسسات الدولة أي نضال ملموس على ارض الواقع لتحسين ظروف حياة المرأة العراقية بالارياف، فقد تركزت الجهود في مراكز المدن، ومعظم عضوات مجلس النواب حصلن على مناصبهن عبر الكوتا ولسن من الناشطات النسويات، كذلك تلتزم الوزيرات وعضوات اللجان النسائية الصمت حيال القوانين التي تميز بين الجنسين.
وقد ساهمت مشاركة الناشطات النسويات في الربيع العربي قضايا عدة ومنها قضية المفقودين، والسجناء المغيبين، وحرية التعبير، الاستقلال عن التدخل الأجنبي، او لتنديد بانتهاكات حقوق الإنسان، مشاركة النساء في الحراك الشعبي باسم الحراك النسوي حاولت من خلالها إيصال رسالة للسياسيين مضمونها أن النساء ترفض العنف بجميع اشكاله وأندرجت تحت المطالب الوطنية. ومن أهم المنظمات النسوية التي ظهرت للساحة بعد ال2003 شبكة النساء العراقيات وتضم 90 جمعية نسوية.
وكذلك منظمة حرية المرأة
وجمعية نساء بغداد التي كان الهدف منها توفير الدعم للناجيات من العنف بعد الغزو الأمريكي ودعت إلى تنفيذ القوانين الداعمة للمرأة في سبيل زيادة مشاركتها السياسية. اما ابرز التنظيمات النسائية في إقليم كردستان هي، اتحاد نساء كردستان المرتبط بالحزب الديمقراطي الكردستاني.
وينظر الكثير من العراقيين لهذه المنظمات على أنها واجهة لا أكثر، وأنها ذات انتماء حزبي أو طائفي لا انتماء نسوي بالمعنى الحقيقي، فلا يمكن نمو الحركة النسوية في ظل صعود الأحزاب الدينية في أي بلد في العالم، حيث أنها محاربة بشكل كبير من قبل الأحزاب الدينية باعتبارها تنظيمات ماسونية تسعى لهدم المبادئ الدينية والأسرية وغيرها من الاتهامات الموجهة للحركة النسوية في العالمين العربي والإسلامي. فضلًا عن دور المنظمات النسوية بنشر الوعي الديموقراطي وخلق جيل من الناشطات المطالبات بحقوق الانسان والنساء وتكثيف جهودهن بالفترة الاخيرة عن طريق القيام بورشات وندوات من اجل تعليم المهارات القيادية ودخول النساء في مناصب السلطة والقيام بحملات صحية توعوية معنية بالجانب الاغاثي.
اما وزارة المرأة التي تأسست في عام 2004 واستمرت حتى عام 2015، كان الهدف من انشاءها مساندة المرأة وقضاياها الملحة ولم تسلم من التدخل الحزبي، مع أن تلك الوزارة لم تملك الكثير من الصلاحيات وعوملت كمكتب ملحق ولم تمتلك ميزانية خاصة حتى، فانها لم تستطع الوقوف بالضد لمواجهة استبدال قانون الاحوال الشخصية بقانون يمنح الرجل حق الولاية "القوامة" على المرأة ويعطي للطوائف حرية التصرف بأحوال النساء بحسب مرجعياتها. وانتقلت بعدها اوضاع النساء من الحرب الطائفية الى الدولة الاسلامية في العراق، فقد الدخول الغاشم لتنظيم داعش مشاكل عدة في حياة العامة بالعراق، ولكن خلف هذا الدخول مشاكل اكبر بالنسبة للنساء حيث اعادنا بالذكريات الى تنظيم القاعدة وحكم طالبان في افغانستان. وكشفت مقابلات جديدة مع نساء هربن مؤخرا من قبضة التنظيم، عن تعرضهن للتعذيب والإتجار فيهن بين عناصر الدولة الإسلامية. وعرضت إفادات الضحايا أيضا قيودا ممنهجة تنتهك حقوق نساء وفتيات عراقيات أخريات، وتحد كثيرا من حرية تنقلهن وحصولهن على الرعاية الصحية والتعليم، في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة، بحسب هيومن رايتس ووتش. وأمضت العديد من الإيزيديات المختطفات على يد داعش -أواسط 2014- أكثر من سنة في الأسر. وصفن بهذه اللقاءات تحويلهن قسراً إلى الإسلام واستخدامهن في الرق الجنسي وبيعهن وشراءهن في أسواق العبيد وتنقلهن بين ما يصل إلى 4 عناصر من داعش وقد تعرضن للبيع والشراء، وللاغتصاب، والفصل عن أطفالهن. أما قيود داعش على النساء السنيات، فقطعتهن عن الحياة والخدمات العادية بشكل "شبه كامل". هذه القواعد التي نُفذت بالضرب وفرض الغرامات على الأقارب الرجال أدت لعزلة النساء عن الحياة العائلية والأصدقاء والحياة العامة. وعانت النساء أيضًا من ارتفاع أسعار الطعام والعجز النقدي، وتقييد حصول النساء على الرعاية الصحية والتعليم بسبب سياسات داعش التمييزية، وشملت قواعد تمنع الأطباء الذكور من ملامسة أو رؤية المريضات أو الانفراد بهن. وفي المناطق الريفية منعت داعش الفتيات من ارتياد المدارس. وكان مقاتلوا داعش وعناصره النسائية من "شرطة الآداب" يقومون بضرب وعض ووخز النساء بعصي معدنية في الأماكن العامة لو تناغزن او سمعت اصواتهن، مما ساعد في تسييس الخوف ومنعن من التماس الخدمات التي يحتجن إليها. وتعرضت النساء الى الكثير من الانتهاكات، ومنها التعذيب، والاسترقاق الجنسي، والاحتجاز التعسفي. سميت هذه الممارسات -جرائم حرب- لانها ارتكبت في سياق نزاع مسلح، أو -جرائم ضد الإنسانية- وليس جرائم ضد النساء. كما أفادت نساء أن عناصر داعش أخذوا أطفالهن منهن، وأساؤوا بدنيًا إليهم وأجبروهن على الصلاة وأطلقوا أسماء إسلامية عليهن. فان هجمات داعش على النساء والفتيات لا سيما الإيزيديات، هيأت أزمة جديدة ومرعبة للنساء والفتيات في كل المناطق. و وصفت النساء والفتيات الاحداث الحاصلة في سنجار وكيف فصلت داعش النساء والفتيات عن الرجال، ثم قسمتهن حسب العمر أو بناء على الحالة الاجتماعية، وحسب نضوجهن الجسدي وجمالهن، ثم نقلن إلى سوريا، أو إلى مواقع متعددة عدة مرات، مثل سجون أو مدارس مستخدمة كمراكز احتجاز. وكيف أنه تم الاحتفاظ بالنساء وبيعهن في سوق عبيد بالرقة. وأعيد بيع بعض النساء كـ "عبيد" للجنس أو العمل المنزلي وتم تداولهن فيما بين أعضاء داعش. وكما تشير شهادة معظم الناجيات بان داعش اختطف اعداد مأهولة من الايزيديات بين 1400-6000 ايزيدية ولم يعرف ماهو مصيرهن الى الان. وأصدرت داعش بيانات تقر بأسر نساء وفتيات "كغنائم حرب". وسعت لتبرير العنف الجنسي تحت اسباب دينية. و وصفت الأسيرات لأكثر من عام الاحتفاظ بهن كجاريات، مع إجبارهن على أداء الأعمال المنزلية وتعرضهن مرارا للاغتصاب. واجبارهن جميعا على الانتقال من مكان لآخر عدة مرات، وتعرضن للضرب والإهانة الشفهية، وتم احتجازهن في ظروف شاقة، تشمل الحبس مع نساء أخريات في حجرات لأيام وأسابيع، وإعطائهن القليل من الطعام. قال بعضهن إنهن تم بيعهن وشرائهن عدة مرات. وكان لهن "مُلّاك" مختلفين، وقد اغتصبهن أغلب هؤلاء الملاك.
واجبرت النساء على ارتداء النقاب الذي يغطي الجسد كله، والوجه والرأس، مع غشاء على عيونهن وقفازات وجوارب، كلما خرجن من بيوتهن. جميع الملابس يجب أن تكون سوداء دون أي زينة.
وبعد التحرير والهروب من قبضة داعش، تم توفير بعض الخدمات للنسوة اللاتي هربن مع توفر خدمات رعائية للنساء الحوامل اللواتي بدأ حملهن أثناء الأسر، لكن لم تتوفر خدمات الإجهاض الآمن والقانوني. ولم يتم تعديل او استثناء القوانين بما يسمح على الأقل بالإجهاض الآمن للنساء والفتيات اللواتي تعرضن للعنف الجنسي والاغتصاب ومن يرغبن في إنهاء حملهن. فقد صادرت الجهات الحكومية أيضا أوراق الهوية الخاصة بهن عند دخولهن الى المخيمات. وتم منعهن من الخروج لتحصيل رعاية صحية مناسبة. ولوحظ بهذه الفترة ان استجابة المنظمات افتقرت للتنظيم، وعدم توفير الدولة الرعاية النفسية والاجتماعية بشكل مناسب لتلك النسوة. ولا نجهل عن ذكر الاعتداءات التي قد سجلت قبيل عام 2017. بعد دخول الميليشيات والجيش العراقي من اجل تحرير الاراضي من سيطرة داعش، و الحالات التي قامت بالابلاغ عن تعرضهن لمضايقات من قبل العساكر. و وثقت هيومن رايتس ووتش بعض من هذه الشكاوى التي اندرجت بطبيعتها ايضا تحت اسم -جرائم الحرب-. اما عمل المنظمات كان محدود واعتمد على حملات الاغاثة والتطوع والتمويل التي تتلقاها المنظمات العاملة بتلك المناطق من الجهات المهتمة.
وبعد ما ارتفعت وتيرة العنف على النساء طيلة السنوات الممتدة، أشتدت معها مطالب النسويات بتشريع قانون يحد من العنف الاسري، ورغم اطلاع مجلس الوزراء العراقي على مسودة مشروع قانون الحماية من العنف الاسري الا ان القانون مايزال ينتظر التصويت عليه رغم استمرار مطالب النساء وتفاقم حالات العنف الاسري وارتفاع نسب الجرائم بحق الاناث ومازالت النساء تقتل وتحرق وتطعن في المنازل وتتعرض لكافة انواع الاضطهاد الا ان جميع الوجوه السياسية الحاكمة قد تغيرت واستبدلت ورغم ذلك قد تجاهلت المطالبات التي استمرت منذ 12سنة الى الان باقرار هذا القانون. فيجب ان تكون المبادرات النسوية شاملة على جميع الاصعدة، ومن المهم ان توفر الدولة للناجيات من العنف الرعاية الطبية والمساندة القانونية والدعم النفسي وان تكون هنالك بيوت امنة للناجيات من العنف الاسري والجنسي، سواء كانت هذه البيوت تابعة للحكومة او منظمات المجتمع المدني التي بدورها تخضع لاشراف، لضرورة عدم تكرار تجربة العنف بعيدا عن البيئة والاسرة والعائلة. باعتبار الملاذات الامنة والملاجئ الخاصة للمعنفات هي اداة من ادوات تمكين المراة.. فهل بامكان المنظمات النسوية تحقيق ما عجزت الدولة و القانون عن احقاقه بخضم هذا الصراع؟ وبذكر ذلك، فانه لاتوجد في البلاد سوى 5 ملاذات (بيوت) امنة للنساء المعنفات، 3منها في اقليم كوردستان واخران في بغداد والانبار. وتوفر الملاذات الآمنة الحماية القانونية والاجتماعية وتقدم التوعية النفسية والتمكين الاقتصادي للنساء بحيث يشعرن فيه أنهن محميات من الأذى الجنسي والجسدي وسوء المعاملة، مع دعمهن للوصول الى حلول لمشكلاتهن اجتماعيًا وقانونيًا. ورغم قصور الدعم الحكومي وعدم توفر ملاجئ للنساء في المحافظات التي شهدت ارتفاعًا ملحوظًا بسبب النزعة العشائرية والاجواء الاسرية القائمة على فرض الرقابة والتسلط من افراد الاسرة الذكور على النساء، حتى وان كانوا يصغروهن بالسن، فلم تتمكن معظم هذه النسوة من التكلم عما يتعرضن له من عنف، فما بالنا بان تتقدم بشكوى او تلتجئ لمنظمات معرضةً نفسها بذلك لخطر اكبر. فكل الحلول المقدمة لمشاكل النساء المعنفات حاليا، حتى إذا كن في ملاذات آمنة او في منازلهن، تعتبر غير فعالة ولا تجدي نفعا لأننا لا نمتلك قانونًا لحماية الاسرة من العنف بضوابط صارمة، وجميع الحلول هي ترقيعية مادامت السلطات عاجزة عن اتخاذ اي خطوات جادة بشان مايحدث مع النساء. بسبب رفض القانون من الكتل السياسية باعتباره يخل بالأعراف والشريعة الدينية والمجتمعية التي اعطت "حق التاديب" بما ينص عليه الشرع وباعتبار الدستور العراقي ينص على ان الاسلام دين الدولة ويعود المشرع عليه باتخاذ قوانينه حتى وان كانت مجحفة.
أما عن استجابة الحكومة والمؤسسات ففي منتصف عام 2019 قامت الجهات الامنية بمقابلة النساء من حملة الشهادات العليا بالشتائم و بخراطيم المياه، مما سبب غضب شعبي تلته ثورة اكبر في تشرين صاحبها وجود نسوي قوي في ساحات التظاهر. ومثلت المراة دورها في المجتمع كمواطنة وامرأة تفتقر الى ابسط مقومات الحياة وسبل الامان بان تتواجد في الساحة على الاقل دون مضايقات وطالبت بحقوقها بان يكون لها تمثيل نسوي وشرعي في البرلمان، وأعتبر عام 2019 نقلة نوعية للحراك النسوي العراقي فقد تزايدت اعداد الناشطات وظهرت منظمات حشدت وعززت التواجد النسوي في الشارع واضافت له شرعية أكبر.