المرأة والعمل المنزلي



نساء الانتفاضة
2023 / 4 / 21

((ان المطبخ بالنسبة لملايين النساء واحد من أكثر المؤسسات إنهاكا وتضييعا للوقت والجهد: إنه يهدم صحتهن ويصيبهن بالاكتئاب، كما أنه مصدر إزعاج مستمر لأولئك –وهن اللاتي يشكلن الأغلبية- اللاتي لا يملكن إلا مصادر فقيرة. وسيكون إلغاء المطبخ الخاص خلاصا لعدد لا يحصى من النساء. فالمطبخ مؤسسة بالية شأنها شأن ورشة الحرفي: كلاهما ينطوي اليوم على سوء الإدارة وضياع الوقت والجهد والحرارة والضوء والمواد الغذائية، الخ)) اوغست بيبل...1840-1913....من كتاب.... مجتمع المستقبل.

في البدء يجب الاعتراف اننا لسنا استثناء من هذا الواقع، لكننا نطمح بشكل صميمي الى تغييره، ولن يكون هذا التغيير بشكل فردي، انه انجاز ثوري يأتي بالبديل الحقيقي، الذي يقيم علاقات مساواتية فعلية.

انتقل للتو الى القسم القانوني من الشركة، يرى زميلاته الموظفات وهن يتزاحمن امام غرفة رئيس القسم عند الساعة الثانية عشر، خصوصا المتزوجات منهن، للتوقيع على ورقة السماح بالمغادرة، يسمعهن وهن يتحدثن فيما بينهن، احداهن تقول: "بس لا اتأخر اليوم، تعرفين أني كلشي ما مسويه، بعدني لا طابخه ولا محضره شي، وفد شويه يجون الولد والبنات من المدرسة، وأبو البيت يجي وراهم، بس همزين أني تسوگت من البارحة".

ترى الكسندرا كولونتاي 1872-1952، "ان الأعباء الرئيسية التي تقوم بها ربة المنزل هي: شؤون النظافة "مسح الأرض ونفض الغبار، والتدفئة، والعناية بالإضاءة الخ" والطبخ والغسيل والاعتناء ببياض ثياب الاسرة" ترى كولونتاي ان هذه الاعمال تمثل "أعباء مرهقة مؤلمة تستغرق كل وقت وتستنفد كل قوة المرأة العاملة المضطرة الى بذل ساعات عمل طويلة في المصنع".

الموظفة الأخرى قالت: "لعد أني أحسن، سويت جدورة دولمة وباميا وفاصوليا ودجاج، وخليتهن بالفريز، ومن اروح للبيت بطريقي اشتري بس الخبز، ومن أوصل اكبسلي جدر تمن وشيردون انطيهم، يمعوده ترى إذا تبقين هيج متحلگين، سوي مثلي أحسن، ولا تخلين العايلة والرجال يطنطنون ويدردمون، ويظلون يرددون "ترى المره مكانها بيتها"، خلينا نشتغل ونشوف الدنيا.

(تعود جذور العمل المنزلي كما نراه اليوم لنشأة الرأسمالية التي عملت على التخلّص من عبء إطعام العمال والغسيل والرعاية الصحية والجسدية مع ما تكلّفه هذه الأعمال من مجهود عضلي ومادي، ورمتها على عاتق النساء. ونظراً لأهميتها بالنسبة لإستمرار عجلة الإنتاج الاقتصادي كان لابد من تصريفها بطريقة تزيح عن كاهل المنظومة، ليس فقط العبء المادي وإنما أيضاً أي محاولة للتمرّد العمالي على واقع الاستغلال والعنف الذي يعيشه العمال داخل هذا النظام، حيث صنعت العمل المنزلي كنموذج أنثوي يوفّر خدمات مجانية نابعة من الحب والعطاء....وهنا تمّ التطبيع الاجتماعي مع هذه الأعمال كعمل أنثوي، ورُبِطَت بالحب وخدمة الأسرة والطبيعة الأنثوية)هذا ما تراه الباحثة النسوية سعاد اسويلم، التي تضيف بشكل صائب: (كما أن النظام الرأسمالي لم يجعل الأعمال المنزلية «فرضاً» على النساء فحسب “بل تحوّلت إلى صفة طبيعية من صفات جسدنا وشخصيتنا الأنثوية، إلى حاجة داخلية، وإلى طموح، يُفترض أنه يأتي من عمق شيمنا الأنثوية).

اكول ليش ما تزوجين واحد من الولد، وتجيبولكم چنه معدله تساعدچ بالبيت، حتى تستقرين هنا بالشغل وما تفكرين شسوي اليوم وشسويت، واني وداعتچ اعرف بنية مؤدبة وحلوه وصغيرة، ومو بس هاي، وشلون تطبخ طبخ، هنياله لياكل من يدها، يعني معدله، كامله مكمله، وابنكم تره كٌبر، ويريدله مره ادرايه، تطبخله وتغسل هدومه وتشوف حاجته، ويخلفولكم عيال تملي عليكم البيت، شتكولين.

فردريك انجلز 1820-1895، وفي كتابه "أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة" يؤكد على ان (العائلة المفردة الحديثة ترتكز على استعباد الزوجة المنزليّ، سواءً أكانت تلك العبودية سافرةً أم مقنّعةً، وليس المجتمع الحالي إلّا كتلةً تتألألف، بوجه الحصر، من عائلاتٍ مفردة هي بمثابة جزيئاتها)؛ ويضيف (لقد اضمحل العمل المنزلي امام عمل الرجل في كسب المعيشة. عمل الرجل أصبح كل شيء، وعمل المرأة أصبح ملحقا تافها).

ما اعرف شگول، خلي احچي ويه أبو البيت واشوف، يجوز ميقبل، ويجوز ابني نفسه ميقبل؛ لأن هو مره سمعته يگول "اريد وحده موظفه"، عدها راتب، تساعدني"، لچ عيني احنا الموظفات مرغوبات هسه، تعرفين ليش؟ لأن هم راتب من الشغل وهم طبخ ونفخ، بالدائرة نستلم راتب، بس بالبيت لو نحصل عاشت ايدچ لو ماكو.

تكتب الناشطة والمؤرخة الامريكية شارون سميث:(استنادًا إلى مفاهيم ماركس، لا يُنتج عمل المرأة المنزلي غير المأجور فائضَ قيمةٍ في حد ذاته، إلّا أنه ضروريٌّ للغاية في الحفاظ على النظام الرأسمالي).

وهو يستمع الى هذا الحوار، دفعه فضوله الى ان يتدخل ويبدي رأيه: طبعا أني اسف، بس چنت استمع لحديثچن، وهسه بديت افهم أنتن ليش اطلعن من وكت، يعني هاي كلها علمود شغل البيت، يابه هاي غير حياة، كلها تعب.

((يُقدِر صندوق الأمم المتحدة للسكان العمل المنزلي غير المأجور الذي تقوم به المرأة بنحو ثلث الإنتاج الاقتصادي في العالم. وتزداد ساعات عمل المرأة على ساعات عمل الرجل في البلدان النامية بنسبة 30 في المئة)).

ترد عليه احدى زميلاته في العمل: ليش هو قابل بس الموظفات يتعبن، زين انت من تروح للبيت مو تلگاه نظيف ويلمع، وملابسك وملابس العايلة كلها مغسولة ومنشوره، وتلگه الاكل جاهز، والأطفال مسبحيهم ومدرسيهم، هذا كله منو عبالك يسويه، غير زوجتك واختك وبنتك وحتى أمك إذا بعدها عايشه.

(نحو 586 مليون امرأة، بحسب منظمة العمل الدولية، التي تُشير إلى قيام المرأة بأعمال منزلية ورعوية غير مأجورة تفوق ما يقوم به الرجل بمرتين ونصف مرة على الأقل).

سكرتير رئيس القسم يأتي بأوراق المغادرة، يأخذن الأوراق ويغادرن، مودعات زميلهن ومبتسمات بوجهه، وهن يقولن له: سلمنا على زوجتك.
#طارق_فتحي