الصراع في السودان يتهدد الأمن القومي العربي وتداعياته تقسيم السودان



علي ابوحبله
2023 / 4 / 25

الصراع في السودان يتهدد الأمن القومي العربي وتداعياته تقسيم السودان
المحامي علي ابوحبله
الصراع في السودان لا ينحصر بين قوتين عسكريتين بقيادة عبد الفتاح البرهان ومنافسه "حميدتي" بل يتعداه إلى المنطقة برمتها ويتهدد أمن دول حوض النيل وبالأخص مصر العربية وليبيا وإثيوبيا
إسرائيل في معادلة الصراع الذي يشهده السودان ، ومسعاها لا ينفك عن الهيمنة على مياه حوض النيل والاستحواذ على ثروات السودان ، فهي لا تغيب عن السودان، وقد لا تغادر أرضه، وتستغل هيئاتٍ عدة ووجوهاً مختلفة ، وهي لا تعمل في السودان وحدها، بل تساعدها مؤسساتٌ دولية أخرى تدعي الإنسانية، وتصف نفسها بالحيادية والعدلية، وهي من كل ذلك براء، ما جعل من إسرائيل حاضرةً دوما .
السودان بموقعه الاستراتيجي المطلّ على البحر الأحمر وموارده الطبيعية هي مطمع الساعين إلى مصالح أو نفوذ في المنطقة. وتأتي الاستثمارات الروسية والإماراتية مثالا على ذلك، إذ يستثمر البلدان في قطاع الموانئ، وفي التعدين والذهب، القطاع الذي تسيطر عليه بشكل كبير قوات الدعم السريع بقيادة دقلو المعروف بـ"حميدتي".
في 2021، نفّذ قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع معا انقلابا أطاح بالمدنيين من السلطة الانتقالية التي بدأت بين العسكر وقادة الحركة الاحتجاجية ضد الرئيس السابق عمر البشير بعد سقوط هذا الأخير في 2019.
لكن لكل منهما شبكة من العلاقات والحلفاء نسجاها منذ سنوات خلال توليهما مسؤوليات مختلفة حتى خلال حكم البشير، ولكل منهما موارده المالية الخاصة.
ويملك "حميدتي" ورقة اقتصادية قوية، إذ تدير قواته، بحسب مركز أبحاث المجلس الأوروبي حول العلاقات الخارجية، العديد من مناجم الذهب في السودان الذي يعتبر ثالث منتج للذهب في إفريقيا. وتؤكد الولايات المتحدة أن قوات "فاغنر" الروسية المسلحة الموجودة في دول إفريقية عدة مجاورة للسودان، تعمل مع قوات الدعم السريع في تلك المناجم. وتعدّ الإمارات أكبر مشتر للذهب المنتج بشكل رسمي في السودان.
يثير الصراع الدائر في السودان قلق الدول المجاورة والولايات المتحدة وبلدان أخرى، سواءً على صعيد مياه النيل المشتركة وخطوط أنابيب النفط، أو بسبب شكل الحكومة الجديدة وأزمة إنسانية تلوح في الافق نتيجة تداعيات الصراع
والصراعات التي يشهدها السودان ليست بالحدث المستجد فهو يعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية، لكن القتال هذه المرة يمزق عاصمة السودان الواقعة في منطقة غير مستقرة على تخوم البحر الأحمر ومنطقتي الساحل والقرن الأفريقي.
وشهدت خمس من سبع دول مجاورة للسودان، وهي إثيوبيا وتشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى وليبيا وجنوب السودان، اضطرابات سياسية أو صراعات في السنوات القليلة الماضية.
وأدى القتال الذي اندلع في الخرطوم بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية في 15 أبريل/ نيسان إلى تقويض خطة مدعومة دولياً للانتقال إلى الحكم المدني بعد الإطاحة في عام 2019 بالرئيس عمر البشير، الذي تولى هو نفسه السلطة في انقلاب عام 1989.
ويدور الصراع بين رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وبين القائد الثري لقوات الدعم السريع غير النظامية الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وهو أيضاً نائب البرهان في مجلس السيادة.
السودان في ظل احتدام الصراع بين المتخاصمين يتهدده خطر التقسيم والولايات المتحدة التي أخلت رعاياها وأغلقت سفارتها وتبعتها غالبية الدول لم ولن تتوقف عن تنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد أو سيكس-بيكو٢ الذي رسم خطوطه وخرائطه المستشرق اليهودي البريطاني برنارد لويس والحديث في هذه المناسبة عن السودان والذي سوف يتم تقسيمه الى أربع دويلات: الجنوب المسيحي الذي انفصل سنة ٢٠٠٥ وأطلق عليه جمهورية جنوب السودان, الشمال السوداني في العاصمة الخرطوم والمناطق المحيطة فيها, دارفور وأخيرا النوبة التي سوف يتم ضم أجزاء من مصر إليها وقد تم إختيار الأشخاص الذين سوف يعينون في المناصب الهامة والتفاوض مع أحدهم في العاصمة السويسرية لوزان والذي سوف يصبح رئيس تلك الدويلة.
والسودان غني بأراضيه الزراعية وثرواته الطبيعية خصوصا النفط واليورانيوم والذهب. وبالمفهوم القومي العربي يعد السودان "سلة غذاء الوطن العربي" حيث أراضيه التي يمكن زراعتها بمحصول القمح سوف يكفي دول الشرق الأوسط مع فائض للتصدير الى الخارج. الشركات الأمريكية سارعت الى وضع يدها على الأراضي الزراعية الخصبة في جنوب السودان بعد الانفصال و بأبخس الأثمان. ومواقف الشعب السوداني من القضايا العربية والقضية الفلسطينية معروفة منذ هزيمة حزيران وقمة الخرطوم واللاءات الثلاث ، ورغم محاولات المجلس السيادي العسكري الممثل في ألبرهاني وحميدتي للتطبيع مع إسرائيل إلا أن غالبية مكونات الشعب السوداني تقف في وجه التطبيع
إن السودان بموقعه الاستراتيجي وثرواته الطبيعية والأهم ثروته البشرية يشكل خطرا على المصالح الأمريكية والصهيونية في المنطقة والتي ما انفكت الصهيونية العالمية عن ترديد مقولة "أرض إسرائيل من الفرات إلى النيل". السودان هو ساحة مصر الخلفية و حليف مهم في مواجهة الأطماع الأثيوبية في نهر النيل حيث تم بناء سد النهضة والبدء في مرحلة الملء الرابع بما يخدم أهداف دولة الكيان الصهيوني التي تسعى لحصار مصر من عدة جوانب والأهم منها هو موارده المائية.
أول تقسيم للسودان هو وصول الإخوان المسلمين الى السلطة سنة ١٩٨٩ تحت قيادة عمر البشير عسكريا و حسن الترابي سياسيا ودينيا وذلك من خلال ما يسمى الجبهة الوطنية للإنقاذ وثورة الإنقاذ الوطني. كانت السياسة التي بدأ في تنفيذها ثنائي البشير والترابي في السودان تستهدف المسيحيين خصوصا في جنوب السودان تحت مزاعم تطبيق الشريعة. كما أن الوضع الاقتصادي بدأ في التدهور حيث كان الدولار الأمريكي يساوي ٣ جنيه سوداني خلال فترة حكم الصادق المهدي وأصبح خلال بضعة سنين من وصول البشير الى السلطة يعادل ٢٠٠٠ جنيه سوداني.
إن بداية تمرد جنوب السودان في عهد عمر البشير إنطلق من بلدة بور في جنوب السودان وهي مسقط رأس قائد المتمردين جون قرنق وامتد الى جميع اراضي الجنوب وصولا الى إتفاق نيفاشا واستفتاء سنة ٢٠٠٥ حيث أختار أهالي الجنوب الانفصال تحت مسمى جمهورية جنوب السودان. قائد تمرد الجنوب جون قرنق توفي سنة ٢٠٠٥ في حادث تحطم مروحية كان يستقلها عائدا من أوغندا تحوم حوله الكثير من الشبهات وهناك مقولات تترَدَّدُ هنا وهناك أنه كان يتفاوض على حكم ذاتي للجنوب وأنَّ توجُّهَهُ خلال المفاوضات لم يكن انفصاليا وهو ما لا تقبل به دوائر صنع القرار الأمريكية التي كانت متورطة في الشأن السوداني بالتعاون مع دولة الكيان الصهيوني وأذرعهم الأمنية والعسكرية.
الربيع العربي وصل إلى السودان ٢٠١٨ حيث بدأت مظاهرات في مدن عطبرة وبورتسودان احتجاجا على الغلاء وارتفاع الأسعار وكان السبب الرئيسي هو قرار حكومي بزيادة أسعار المشتقات النفطية خصوصا البنزين والديزل. الجيش السوداني تدخل وعزل عمر البشير في إبريل/٢٠١١ بعد عدة أشهر من الاضطرابات والمظاهرات و وضع البشير قيد الإقامة الجبرية وتم اعتقال جميع الوزراء في الحكومة. كما تم تشكيل مجلس عسكري انتقالي برئاسة الفريق أول عبد الفتاح برهان الذي تولى أيضا منصب وزير الدفاع خلفا للوزير السابق الفريق أحمد عوض بن عوف.
إن جذور الأزمة الحالية التي يمكن أن نعتبرها بداية حرب أهلية تعود الى الخلافات التي تفاقمت بين وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح برهان وقائد قوات الدعم السريع بقيادة محمد حسان دقلو(حميدتي) التي لعبت دورا رئيسيا في فض الاشتباكات والاعتصامات وارتكاب تجاوزات ضد المتظاهرين والشعب السوداني. قوات الدعم السريع عبارة عن إعادة تسمية ميليشيات الجنجويد التي تأسَّست رسميا سنة ٢٠١٣ وشاركت في المعارك ضد الإنفصاليين في دارفور والنيل الأزرق وكردفان. ولكن الخلافات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع وصلت الى ذروتها منذ أيام قليلة بسبب تعزيزات وصلت إلى الأخيرة عبارة عن ١٠٠ عربة مسلحة حاصرت بها مطار إستراتيجي في مدينة مروي حيث تتمركز قوات عسكرية وجوية مصرية في إطار تدريبات مشتركة.
الاشتباكات العنيفة متواصلة في مروي, أم درمان والعاصمة الخرطوم ومدن أخرى بين قوات الجيش السوداني والدعم السريع الذي تنشر بعض وسائل الإعلام والمصادر أن قائده حميدتي يتلقى الدعم من الولايات المتحدة.
الأيام القادمة سوف تكشف عن الكثير من الأحداث والمفاجئات والسودان في حالة ضعف وهناك قوى إقليمية و دولية تستغل ذلك.
كل المؤشرات تدلل وتؤكد إلى احتدام الصراع ويبدوا أن لا نهاية له بعد سحب الرعايا الأجانب وإغلاق سفاراتها وأن السودان يتجه إلى تقسيم أخر في مسلسل مخططات الشرق الأوسط الجديد وسايكس-بيكو ٢ التي رسم ملامحها عراب السياسة الخارجية الأمريكية اليهودي برنارد لويس.
وما لم تتدارك ألجامعه العربية مخاطر ما يتهدد السودان والأمن القومي ويتهدد أمن دول المنطقة ، وما لم تتحرك مصر بثقلها السياسي والسعودية والجزائر لوقف الصراع في السودان فان الخطر يدهم هذه الدول العربية وهي مهدده بالتقسيم وفق خطة برنار ليفي بحيث بات الصراع في قلب إفريقيا