حول النظرة الحنبلية-العبرانية الرعوية للمرأة



أحمد الجوهري
2023 / 4 / 25

بكل أسف يسود مجتمعاتنا الناطقة بالعربية خطاب رجعي شديد العداء للمرأة علي أساس جنسي بحت لمجرد كونها امرأة حيث يتصور البعض أن دورها مقتصر على القيام بالمهام المنزلية او لاعتبارها أداة في يد الذكر لإشباع رغباته الجنسية.
لقد اخذ هذا التصور في الظهور تدريجيا عندما أدرك الذكر دوره في عملية الإنجاب بناء علي الدراسات الأنثروبولوجية، فمن خلال تتبع الحضارات القديمة مثل السومرية والبابلية والمصرية القديمة سنجد أن المرأة كانت تحظى بتقدير كبير وتم كتابة ونسج أجمل السطور الأدبية في تبجيلها وتم تصويرها بأنها إلهة مثل الإلهة (تعامة المياة) الأولى التي انبثق من رحمها الوجود وكذلك الالهة عشتار.
بعد ذلك حدث انتقال تدريجي في عملية تطور المجتمعات البشرية حيث التحول الذكوري للألوهية مع بقاء مكانة المرأة الكبيرة وسط أديان العالم القديم وأساطيره,ولكن حين بدأت الديانة العبرانية في التشكل بعد عودة العبرانين من السبي البابلي وبما أنهم على أفضل تقدير كانوا مجموعة رعوية تعيش علي أطراف بلاد الشام فقد حملوا معهم طبيعتهم حينما شرعوا في نقل أساطير بلاد الرافدين كمرجع لكتابة نصهم الديني الجديد "التناخ-الكتاب اليهودي المقدس" حيث نقلوا الأساطير بكافة تفاصيلها مع الأخذ في الاعتبار أنهم قاموا بتغير الأسماء إلا أنهم أعادوا صياغة الأساطير الخاصة بالمرأة كما في قصة الخلق التوراتية "حواء" وأنها خلقت من ضلع أعوج من ضلعي الرجل والثانية هي أسطورة الصراع بين المزارع والراعي البدوي.
وهنا لا أنتقص من قدر أي منهما ولكن في أساطير العالم القديم كان الانتصار دائما للمزارع علي حساب الراعي، أما في النص العبري تمت إعادة هيكلة الأسطورة فنجد في أسطورة هابيل وقابيل في سفر التكوين أن انتصار المزارع على الراعي هو انتصار مؤقت ومع تطور النص نجد أنه تم تهميش المزارع وتقريب الإله القومي للشعب العبراني "يهوه" للراعي وتفضيله على المزارع. (يمكن العودة إلى كتاب مغامرة العقل الأولى لفراس السواح حيث توجد مقارنة بين أساطير العالم القديم والنص اليهودي المقدس)
في واقع الأمر ومن خلال ملاحظة بسيطة لحياة البدو نجد أن البعض منهم له نظرة مغايرة للمرأة عن سكان المدن, ثم تلا ذلك مرحلة انتشار الديانة العبرانية الجديدة علي نطاق أوسع ظهر أسلوب الانتقاص من قدر المرأة وظهور فكرة القوامة ( يحتاج تتبع مراحل تطور النظرة الدينية للمرأة إلى مباحث منفصلة أكبر من هذا) وبالانتقال إلى الثقافة الإسلامية السائدة الآن فمن السهل تتبع تطور العقائد داخل الدين الاسلامي والمدارس العقائدية لنجد أن هناك تطابقا تاما في العقيدة بين الحنابلة "نسبة لأحمد ابن حنبل وإن كان المؤسس الفعلي لتلك المدرسة العقائدية والتي تبلورت تلك الافكار علي يده هو( أحمد بن تيمية) وبين العقائد اليهودية, حيث تتطابق النظرة الكلاسيكية ما قبل الإصلاحية للمرأة في اليهودية وعند الحنابلة حيث أنهم يعتقدون أن المرأة أقل من الرجل في التكوين العقلي والجسدي, كما أنهم قاموا بنقل نصوص من الكتاب المقدس والتلمود وأعادوا صياغتها في صور جديدة ونسبوها إلى رسول الإسلام فيما عرف لاحقا بالحديث النبوي حيث أن المنظومة الفقهية مبنية بشكل كبير على الأحاديث والمرويات والتي هي بدورها منقولة من اليهودية فقد ورثوا عن اليهودية الأرثوذكسية تلك النظرة الدونية للمرأة.- وأيضا هذا الشق لو استرسلنا فيه لأخذنا وقتا اطول-.
لنعد إلى الشق الاجتماعي بعد أن انتشرت تلك الأفكار في العقل الجمعي في مجتماعتنا نجد في القرى أن لهم نظرة عدائية سلطوية للمرأة ويرفضون وجودها في المجال العام بل ويستنكرون وجودها في المقاهي والمسارح والأماكن العامة ويمتعضون من الفكرة لأن المرأة في عقلهم يجب أن تتواجد في منزلها فقط, لتقوم بأداء الأعمال المنزلية وتساعد زوجها في نمط الحياة الزراعية السائد في القرى الريفية.
وعندما تتقابل تلك الأفكار مع الأصولية الدينية السائدة في مجتماعتنا علي يد الاسلام السياسي وبالأخص السلفيين وهم في حقيقة الأمر حنابلة أصولا وفروعا نجد تأثرهم التام باليهودية مع تلك النظرة الريفية فأنتجوا بذلك أكثر خطاب عدائي للمرأة في تاريخ أي مجتمع بشري حيث أنهم يرون المرأة ناقصة عقل أي أنها أقل من الرجل في القدرات العقلية وأنها أقل منه أيضا في التكوين البشري كما أشرت في أول المقال في قصة الخلق التوراتية, وعلى الجانب الآخر من الإسلام السياسي نجد أن جماعة الإخوان المسلمين لديهم فكرة سامة ألا وهي أستاذية العالم وجاهلية المجتمع عن طريق خلق جماهير دوجماتية تم نسج عقولهم بواسطة التلقيد والتنفير من أي فكر نقدي ووصفهم له بتهم أخلاقية ورميه بالهرطقة والابتداع حتى يسهل عليهم إبعاد هؤلاء الأشخاص عن أي فكر نقدي ،مما يدفع الأشخاص الجدد الذين تمت السيطرة عليهم من قبل الجماعة شخصيات دوجماتية بامتياز يدافعون عن أفكار دون وجود أي دليل على صحتها وحتى إن ظهر لهم دليل مادي يفند أفكارهم لاعترضوا عليه أشد اعتراض واتهموا الناقد لهم بأبشع التهم,ولكي يتمكنوا من السيطرة على تلك المجتمعات فإنهم يؤدلجون (أقصد هنا الأيديولوجيا بالمعنى السلبي)الجماهير المنتمية إليهم بتلك الأفكار لأن تربية الأجيال النسوية الجديدة تتشكل وفقا لهذه القواعد، فيقومون بإلغاء عقولهن وإقناعهن بأنهن ناقصات عقل وأقل من الرجل في كل شئ ويجب عليهن فقط الالتزام بالحياة اليومية من المهام المنزلية وتربية الأطفال أما المجال العام فهو محرم عليهن لأنه للرجال فقط ، وتلك هي فكرتهم الأساسية للسيطرة على المجتمعات بالسيطرة على المرأة أولا.
لننتقل من الشرح العام إلى نموذج خاص وهو المجتمع المصري للنظر إلى خطاب كهنة الدين الإسلامي سواء الاخوان أوالسلفيين أو حتى كثير من رجال المؤسسة الكهنوتية الرسمية "الأزهر" سنجد أن إنتاجهم بشكل كبير يركز علي المرأة وذلك بتحجيمها مقارنة بالرجل والانتقاص من حقوقها في التساوي مع الرجل كما هو الحال في المجتمعات التي تسود فيها أفكار تقدمية.
فمنذ نهاية السبعينات تفشت ظاهرة جديدة على المجتمع المصري ألا وهي الحجاب-طبقا للأبحاث الأنثروبلوجية غطاء الرأس أو ما عرف لاحقا بالحجاب هو عادة عربية أقدم من الإسلام بزمن سحيق- حتي بالنظر إلى مشايخ الأزهر سنجد أن زوجاتهم وبناتهم قبل تلك الحقبة لا وجود للحجاب في صورهن.
فالحجاب مجرد أداة سياسية ظهرت في عصر الرئيس محمد أنور السادات أو كما كان يحب أن يلقب نفسه بالرئيس المؤمن.
تقول روزا لوكسومبرج "حرية المرأة هي علامة علي وجود حرية اجتماعية." فتحرر المرأة جزء اساسي من طريقنا للتقدم وللأسف الشديد تبذل تلك التيارات الرجعية الظلامية كل ما في وسعها لتحارب تحرر المرأة بشيطنة وتكفير الحركات النسوية واليسارية وحتى الليبرالية المنادية بتحرر المرأة ليصبح المجال العام خاليا تماما أمام جماعات الإسلام السياسي التي تدمر العقول وتعيق التقدم .
يحتاج الأمر إلى بذل كثير من الجهد في نشر الوعي ورفع مستوى التعليم في بلادنا لأننا لا بد من أن نبدأ بتحرير كافة الطبقات في المجتمع من أسفل لأعلى من خرافات الإسلام السياسي عندما تمتلك تلك الطبقات عقلا نقديا لن يكون هناك وجود للإسلام السياسي ونظرته الرجعية للمرأة وحينها سوف نتمكن حقا من تحرير المرأة ، وعلميا لا يوجد أدنى فرق في تكوين الدماغ البشري بين الرجل والمرأة عكس ما هو مشاع وهذا ما تشير إليه كافة الأبحاث العلمية.
لكي نصل إلى المجتمع المدني المنشود علينا تحرير المرأة من الرجعية وإشراكها وتمكينها بصورة أساسية في كل مجالات الحياة العامة بشكل متساو مع الرجل.