تنازُل الأُنثى وعَودة المرأة (1 – 2)



غريب عوض
2023 / 5 / 6

بقلم: Azzurra Rinaldi

ترجمة: غريب عوض

لا تزال المسؤولية عن الأُسرة والمنزل، غالباً أثناء الاحتفاظ بوظيفة، تُعتبر إلى حدٌ كبير من عمل المرأة. عندما تضرب الأزمات ويلوح الركود في الأُفق، يميل أولئك الذين يعملون في وظائف محفوفة بالمخاطر إلى المعاناة أكثر من غيرهم. في إيطاليا، وقع عبء التداعيات الاقتصادية على عاتق المرأة. ولكن فطنة المرأة وراء هذا التحول.

لم تكن إيطاليا يوماً بلداً سهلاً يكون فيه الشخص امرأة. لسوء الحظ، فإن الجائحة قد زادت الأمور سوءاً، حيثُ عدلت بُنى القمع المُعقدة بدلاً من تفكيكها. لماذا كان هذا هو الحال؟

على المُستوى الثقافي، يُمكن أن تُعزى محنة المرأة إلى التقسيم الجنساني (الجندري) للأدوار داخل الأُسرة وفي سوق العمل، مما يُعيد إنتاج وجهة نظر أبوية للمساهمة التي يمكن للمرأة أن تقدمها في كل من هذهِ المجالات. يقع العمل غير مدفوع الأجر في المنزل عادةً على عاتق المرأة (في إيطاليا 75% من هذا الواجب وفقاً للبيانات الحديثة)، بينما يقوم الرجل بالعمل مدفوع الأجر الذي يتم خارج المنزل. ويشمل العمل غير مدفوع الأجر الذي يُثقل كاهل المرأة رعاية الأطفال وكبار السن، فضلاً عن إدارة الأسرة.

من العوامل الأساسية لإرهاق المرأة في هذا الدور المُحدد، السياق التنظيمي والمؤسسي الذي تؤديه فيه. ضع في اعتبارك، على سبيل المثال، الأبوة والأمومة. بموجب التشريع الحالي تدوم إجازة الأمومة الإجبارية خمسة أشهر، ومع ذلك، لا تتجاوز إجازة الأبوة عشرة أيام، حتى قبل بضع سنوات، كان يُمنح الآباء في إيطاليا سبعة أيام فقط. قد يعترض البعض على أن المرأة تتعرض للحمل وأنها مسؤولة بلا شك عن الولادة، وفي الأشهر التالية للولادة، الرضاعة الطبيعية. ومع ذلك، فحتى لو رضعت جميع الأمهات (وهو ما لم يقمن بهِ)، فلا داعي لأن تُصبح ولادة الطفل وقتاً تُترك فيه المرأة وحدها مع أعباء الرعاية. ناهيك عن أنهُ في الأشهر الأولى من حياة الطفل، يمكن أن يحدث وجود شخص آخر في المنزل فرقاً حقيقياً في خلق بيئة هادئة.

في حين أن مسألة الإجازة من العمل مدفوع الأجر قد تبدو كعامل ثانوي، فإن الصراع الذي تمثله بين الرعاية ومشاركة المرأة في سوق العمل يمتد إلى قضايا الوصول والتقاعد والتقدم. وفيما يلي، سوف أتناول بالتفصيل تأثير كلٌ من الدور المؤسسي للمرأة كمقدمة للرعاية ووضعها الثقافي بشكل عام على هذهِ النواحي الثلاث لعدم المساواة في العمل. وأخيراً، سوف أُشير إلى التداعيات الاجتماعية والاقتصادية السلبية لعدم المساواة هذه، وسوف أقترح عدة حلول مُمكنة. سواء كانت من خلال قضايا الوصول أو الاحتفاظ، فإن مُشاركة المرأة في سوق العمل منخفضة نسبياً في السياق الإيطالي. في عام 2020، توقف معدل توظيف الإناث في إيطاليا عند 49% (مُقارنةً بالمُتوسط الأوروبي 63%). هناك تفاوتات إقليمية كبيرة هُنا، بمعنى أنهُ في بعض المناطق، أقل من نصف النساء يعملن بأجر. ووفقاً لتقرير حديث عن خطة التعافي والصمود الوطني، في حين أن متوسط مُعدل التوظيف للنساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 إلى 64 عاماً في شمال إيطاليا يبلغ 60%، فإن الرقم في الجنوب يصل إلى 33%. المُعدل العام هو 18% أقل من الرجال، مُقارنةً بـ 10% في جميع أنحاء دول الإتحاد الأوروبي. ربما يجدر التذكير في هذهِ المرحلة بأنهُ في عام 2000، حددت ما سُمِيت استراتيجية لشبونة مُعدل توظيف الإناث بنسبة 60% كهدف يجب تحقيقه بحلول عام 2010. ما زلنا بعيدين عن تحقيق هذا الهدف.

بالتحول أولاً إلى قضايا الوصول، أضأت الجائحة حاجزاً أساسياً أمام المُشاركة. إن حالات عدم اليقين التي تواجهها المرأة المُرتبِطة برعاية أطفالها، الذين ربما لم يكن بمقدورهم الذهاب إلى المدرسة من يوم إلى آخر، أجبرت العائلات على اتخاذ خيارات جنسانية (جندرية) من حيثُ الدخل. لم يتم وضع مثل تلك الخيارات لأسباب تتعلق بالتمييز الجنسي داخل العائلات، إنما تقديرات اقتصادية عقلانية تُشيرُ إلى تحيّز جنسي أكثر ترسخاً ثقافياً. من في الهيكل العائلي يكسب أكثر المال؟ من لديه الوظيفة الأكثر استقراراً؟ من لدية أكثر الفُرص الوظيفة؟ في معظم الحالات، الإجابة هي الشريك الذكر. عندما يكون للمرأة أطفال تخسر وضعها كشخص فرد وتتحول إلى كائن أسطوري يُسمى “أم“. والأُم، في إيطاليا، تُعتبر مُقدمة الرعاية الأساسية (إن لم تكن الحصرية). ووفقاً لبيانات نظام التقاعد العام الإيطالي INPS حول إجازة COVID-19 لأولياء أمور الأطفال القُصَر المُصابين بجائحة كورونا 80% من طلبات الإجازات كانت من الأُمهات.

إذن، الرعاية، هي إحدى القضايا الأساسية التي لا يمكن إنكارها المسؤولة عن عدم المُساواة بين الجنسين المستمرة نراها في بلادنا والحضور المنخفض هيكلياً للجنس الأنثوي في سوق العمل. وكما قد رأينا، فقد تفاقم هذا بسبب الجائحة والأزمة الاقتصادية التي تلت ذلك. أثرت الجائحة بشكل عنيف في توظيف المرأة حتى أن البعض أخذ يتحدث عن “ركود – هي”، أو الركود الأُنثوي بالكامل تقريباً. يوضح رقمان بشكل صارخ: أولاً، في ديسمبر/كانون الأول 2020، غادر سوق العمل 101000 شخص، 99000 منهم من النساء. ثانياً، أنخفض عدد النساء العاملات من 9869000 في عام 2019 إلى 9516000 في نهاية عام 2020. وبعبارة أُخرى، تم فقدان ما مجموعه 440,000 وظيفة في ذلك العام، 98% من تلك الوظائف للنساء.

يقودنا هذا إلى مسألة الاحتفاظ، وهو عامل رئيس آخر في عدم المُساواة بين الجنسين في سوق العمل. يُقدم تقريراً نشرتهُ منظمة Save The Children في عام 2022، من بين رؤى أُخرى مثيرة للاهتمام، بيانات تتعلق بالاستقالات في عام 2020، بناءً على الأدلة التي جمعتها مُفتشية العمل الوطني. ليس من المُستغرب، في عام 2020، أن 77% من جميع إجراءات الاستقالة تتعلق بالأمهات العاملات (في عام 2019، شكلت نفس الفئة 73% من الاستقالات). لا تؤكد هذهِ البيانات فقط على أن الأمومة هي عامل أساسي يستبعد النساء الإيطاليات من سوق العمل، ولكنها تُظهر أيضاً أن الوضع حرج بشكل خاص للنساء العاملات اللواتي هُنَ أمهات لأطفال من 0 إلى 3 سنوات من العمر: 77% من الاستقالات الطوعية في عام 2020 لها صِلة بالأُمهات، و23% فقظ لها صلة بالآباء.

وبشكل عام، في عام 2020، كان عدد طلبات الاستقالات المُقَدَمَة من النساء ثلاثة أضعاف عدد الطلبات المُقَدَمَة من الرجال. إذا قُمنا بتحليل الأسباب المُعطاة لذلك، وجدنا أنهُ بالنسبة للنساء، 98% من الطَلَبات كانت مدفوعة بصعوبة الموازنة بين العمل وتقديم الرِعاية. بالنسبة للرجال، كانت الاستقالات تتعلق أساساً بنقلهم إلى شركات أُخرى. وهكذا يستمر الرجال في العمل، ولكن في أماكن أُخرى؛ والمرأة ببساطة تترك سوق العمل (ربما لا تعود أبداً).

والعوامل الأُخرى في انسحاب المرأة من سوق العمل تشمل الدقة التعاقدية وليست الظرفية. وفقاً لتقرير السياسات الجنسانية الصادر عن المعهد الوطني للسياسات الجنسانية، فإن التعافي المُقدر للعمالة في عام 2021، استنادا إلى بيانات المعهد الوطني للدراسات العُليا للعقود الجديدة في النصف الأول من عام 2021، يكشف عن فجوة كبيرة بين الجنسين من حيث الأمن الوظيفي. ومن بين العمال الذين استقرت عقودهم منذُ انتشار جائحة COVID-19 (أصبحت دائمة)، هُناك 38% فقط من النساء.

في كثير من الحالات، بغض النظر عن مطالب تقديم الرعاية الفعلية، ليس أمام المرأة خيار سوى القيام بعمل بدوام جزئي. في النصف الأول من عام 2021، كان 36% من إجمالي العقود بدوام جزئي، وأظهرت مرة أُخرى فجوة كبيرة بين الجنسين: العقود الجديدة تضمنت العمل بدوام جزئي لـ 50% من النساء و27% من الرجال. وفي 61% من الحالات، يكون العمل بدوام جزئي هو الخيار الوحيد للمرأة. تتأثر النساء الإيطاليات الأصغر سناً بشكل خاص: ما لا يقل عن 73% يعملن بدوام جزئي بشكل غير طوعي. وفي أوروبا، المعدل هو 22% فقط.

هذهِ الظاهرة ليست غير مرتبطة بالجانب الثالث لدينا من عدم المساواة في العمل، ألا وهو التقدُم. جزئياً، تتم إعاقة التقدم الوظيفي بسبب الترسيخ الثقافي لدور تقديم الرعاية. ووفقاً لأفضل تقرير لعام 2021، الذي صاغتهُ ونشرته المعهد الوطني الإيطالي للإحصاء ISTAT ومُخصص للرفاهية العادلة والمُستدامة للأزواج الإيطاليين الذين تتراوح أعمارهم بين 25 إلى 44 عاماً، حتى عندما يعمل كِلا الشريكين، فإن النساء هن اللاتي يتحملن في الغالب مسؤولية تقديم الرعاية بينما يقوم الرجال بـ 37% من هذا العمل. وفي الجنوب تبلغ مُساهمة الرجال 30.1% فقط من هذهِ الأنشطة.