أثر الثقافة العربية السائدة في تراجع دور المرأة العربية



رولا حسينات
2023 / 5 / 7

الموروث الثقافي والحصيلة الدينية المختلطة كان لها الدور الكبير في تفعيل فكرة أن المرأة مجرد كائن لا نفع منه وهو أقرب إلى الشر منه إلى الأخير بل هو الحد الأدنى من المواصفات التي تستحق أن تكون بشرية.

قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ (24) قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25)سورة الأعراف.
لم يتمعن أحد بالنص القرآني الذي قرن الخطيئة بآدم وحواء واكتفى العقل العربي بإسقاطاته مستعينًا بالموروث الثقافي؛ فكانت النظرة المسيئة للمرأة باعتبارها الخطيئة أبعد من ذلك بكثير فهي أرث لحضارات تأثرت بها الثقافة الإسلامية أولاً والثقافة العربية ثانيًا ووقعت ضحيتها المرأة.
الاتهامات المختلقة كانت تصبُّ في مصلحة المجتمع الذي يتسيده الرجل من أجل إضعاف من تحت إمرته وكن النساء الحلقة الأضعف في ثقافة سي السيد،
والسادية...غير أن علينا التفرقة بين الثقافة العربية ككل التي أكنت للمرأة الاحترام ووثقت انجازاتهن عبر العصور (الإمام النووي والسيوطي)، وبين الثقافة العربية،
التي رسَّختها مفاهيم شعبية كانت الأكثر تأثيرًا لتماسها المباشر مع الواقع وهو الأكثر أهمية بطبيعة الحال.
وما أثبته الموروث الشعبي كرس صورة نمطية مسيئة للمرأة يصعب الخلاص منها.
فقد رسخت في الذاكرة الشعبية صورة سلبية للمرأة، تربط بينها وبين الخيانة والمكر والمراوغة والخداع. كما أن مفهوم "الطبيعة الأنثوية" مطبوع في أذهان الناس، فالمرأة "جاهلة"، و"عاطفية"، و"ضعيفة"، وهي لا تستطيع التحكم في أفعالها، كما أنها رقيقة، وحساسة، وحنون، وكل هذه الصفات مرتبطة بالتركيب الجسدي للنساء،
وبأنها ملحق للرجل، كونها ضلعًا قاصرًا كابنة، أو زوجة، أو أم.
والاستناد في ذلك لاعتبارها ناقصة عقل أو دين والتباهي بأمور لم يهتم الكثيرون بتبيانها ومازالت لدى الكثيرين أمرًا مسلمًا فيه كما هو متناقل بينهم.

وهو الذي يفرض حقيقة عدم قدرتها لعدم أهليتها لأن تفعل أيَّ شيء فما بالك لو أنها تولت مناصب سياسية مثلاً؟!
وإن كان التعلق بالشريعة في زواج الرجل مثلاً لأربع محكوم بقواعد وأحكام، ولم تترك الأمور على علاتها كما الشهوة والمتاع.
بالمختصر ما تمَّ تناقله من أحاديث وردت عن الرسول عليه الصلاة والسلام فيما كان يتعلق بالمرأة هو الأضعف ونص تواتره مجروح وبعضه لا صحة له.

وقد يكون ما تم دسه من المستشرقين أو الشيعة كزواج المسيار أو المتعة أو النكاح من الدبر أو غيرها من الأمور المختلف عليها والمشرعة من قِبل أسيادهم وفق تجيير نصوص شرعية غير أنها مخالفة لما هو منصوص عليه أو غيرها بهدف أو لآخر، لعل أهمه إبقاء الفتنة مشتعلة والقضايا الأساسية غير محسومة لإحداث
الخلل المجتمعي، والسعي للهث وراء الشهوة من قبل الكثيرين يبرر أن يكونوا في النهار ضد وفي الليل مع.
إن كانت القضية الجدلية بأن المرأة بنصف عقل ونصف دين فهي مسألة محكومة لأسباب ترجع لقدرتها العقلية على أن تجمع بين بيتها ومسؤولياتها وبين أن تقبل شهادتها بما يجري خارج هذا الإطار وهو في الواقع خارج عن قدرتها. فجعلت شهادتها في الأمور النسائية الخاصة التي تطلع عليها كالحمل والرضاع. أما نقص دينها في الحيض والنفاس.

وإن كان خروج آدم من الجنة لم يكن بسبب حواء وتلك التفاحة فقد كانت الوسوسة لكليهما ولم تكن من احدهما او وفق طلب لاحدهما القضايا الجدلية هي مفصولة.

المشهد لا يحتمل التهدئة بقدر ما يحتمل المساومة، وفي الأساطير القديمة، ترد المرأة والحية والشيطان وجوهاً للبطل نفسه، كما تتركز الأسطورة التي أوردها الطبري أن إبليس بعد أن عرض نفسه على دواب الأرض، في أن تحمله لدخول الجنة، بعد أن منع من دخولها؛ لم تحمله سوى الحية، بعد أن وعدها بالحماية من بني آدم، فحملته إليه، فكلم إبليس حواء، فكانت الخطيئة الأولى، وعقابها المعروف، هو الطرد من الفردوس، وإدماء حواء الشهري، المتمثل بالحيض، وذلك العداء الأبدي بين الرجل والمرأة والشيطان والحية. أما بالنسبة لخلق حواء من ضلع الرجل، فهي
أسطورة مستقرّة ومنتشرة بكثرة، على طول الشرق الأوسط، تؤكد سيادة الرجل، وتنقص من مساواة المرأة به، وتوحد بين المرأة والحية والشيطان والجنية. وحين نعود إلى القرآن الكريم، لنبحث عن أثر هذه الأسطورة؛ لا نجد أثراً لها؛ إذ إن الله تعالى يؤكد أن مصدر الخلق واحد، وأنه خلق الرجل والأنثى من نفس واحدة: "يا
أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء" .سورة النساء آية1.
وهنا تبرز أهمية نشر هذه الثقافة وترسيخها، حتى تقف في مواجهة الثقافة السائدة، التي نال منها العلم الحديث، حين أكد أن التركيب الفسيولوجي للمرأة لم يعد تبريراً مقنعاً لتقسيم العمل المنزلي أو الخارجي (عمل الرجل) على أسس جنسية .

إن الأصل في اختلاف الطبيعة الأنثوية وكونها أكثر هدوءًا ورقة غير أنه لا يمكن بالضرورة اعتبارها ثوابت غير قابلة للتغير، بل الكثير منها هي في الواقع صفات مكتسبة وليست ثابتة. ما يفرض اختلافًا كل تسكن النفس للنفس ويتم البناء والاعمار في البنيوية الأسرية.

من الضروري أن تجري غربلة الموروث والمحصلة الدينية، ضمن نظرة نقدية للتراث، تضع الإيجابي منه في الصدارة، وتعيد امتلاكه، على أساس معرفيّ علمي معاصر .
بعض هذه القيود تأسست على المعتقدات الدينية، ولكن العديد من هذه القيود ترجع إلى الثقافة كما تنبع من التقاليد أكثر من كونها قائمة على المعتقدات الدينية وتمثل هذه القيود عقبة نحو حقوق وحريات المرأة، وتنعكس بالتالي على القوانين والتشريعات المتعلقة بالعدالة الجنائية والاقتصاد والتعليم، حيث يمكن القول أن المرأة عربية مظلومة بكل المعايير والمقاييس.
عندما رفض الإسلام عادة وأد البنات كعادة جاهلية ترجع أصولها إلى الموروث الثقافي عند بعض العرب؛ حيث كانوا يدفنون الإناث أحياء بعد مولدهن مباشرة،

"وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُمْ بِٱلاْنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَىٰ مِنَ ٱلْقَوْمِ مِن سُوء مَا بُشّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِى ٱلتُّرَابِ أَلاَ سَآء مَا يَحْكُمُونَ" سورة النحل 58:59 .
فحوربت تلك القيود الثقافية والموروثات الجاهلية بالتوجيه الرباني بأول تشريع بحق الحياة وحق الوجود.
عن أم المؤمنين عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يلي من هذه البنات شيئًا فأحسن إليهن كنّ له سترًا من النار"
يصف ويليام مونتغمري أستاذ الدراسات الإسلامية التحول في وضع المرأة بعد الإسلام قائلًا: " صحيح أن الإسلام لا يزال، في نواح عدة، دين ذكوري، لكني
أعتقد أنني قد وجدت أدلة في بعض المصادر حديثة العهد بالرسالة؛ والتي توضح أن وضع المرأة قد تحسن كثيرًا في ظل الإسلام. ويظهر ذلك في بعض الأجزاء من
شبه الجزيرة العربية ولا سيما في مكة، حيث كان نظام الانتساب للأم أو ما يعرف بالطوتمية موجود عند بعض القبائل، ولكن في ظل الإسلام تحول إلى نظام الأب الواحد"
"وتعتبر المؤرخة السعودية هاتون الفاسي أن حقوق المرأة العربية تضرب بجذورها في عمق التاريخ، و تستعين بذلك بأدلة من الحضارة النبطية القديمة الموجودة في
الجزيرة العربية، فقد وجدت أن المرأة العربية، في ظل هذه الحضارة كانت تتمتع بالشخصية القانونية المستقلة، وأشارت الفاسي إلى أن المرأة فقدت الكثير من
حقوقها في ظل القانون اليوناني والروماني قبل دخول الإسلام، وقد تم الإبقاء على هذه المعوقات اليونانية الرومانية في ظل الإسلام.
وتقول آن ماري شيمل: " بالمقارنة مع وضع المرأة قبل الإسلام، فإن التشريع الإسلامي يعني تقدمًا هائلًا؛ حيث أصبح للمرأة الحق وفقًا للنصوص الإسلامية أن تدير ثرواتها التي حصلت عليها عن طريق الإرث أو التي كسبتها من عملها الخاص".
ويقول ويليام مونتغمري: " بأنه إذا ما نظرنا للتاريخ وقت بداية الإسلام فسنجد بأن النبي محمد؛ كان الشخصية التي شهدت لصالح حقوق المرأة وساعدها على تحسين أوضاعها بشكل كبير".

ويفسر ويليام مونتغمري ذلك " بأنه في الوقت الذي ظهر فيه الإسلام، فإن ظروف المرأة كانت في وضع مروع؛ فلم يكن لها الحق في التملك، وإنما هي جزء من ممتلكات الرجل؛ إذا مات ورثها أبناؤه من بعده" بالرغم من ذلك المناخ السائد عند
دخول الإسلام إلا أن النبي محمد أعطى للمرأة حقوق الملكية، والتعليم، والحق في الطلاق وأعطى لها بعض الضمانات الرئيسية، والتي تتأسس على منحها حقوقًا
وامتيازات في مجال الحياة الأسرية، حيث الزواج والتعليم والمكانة الاقتصادية، إلى جانب الحقوق التي تساعد على تحسين وضعها في المجتمع."
كانت رجسًا من عمل الشيطان وقد كانت الشيطان بعينه لدى الكثير من الحضارات.

مما أدى لأن تسقط عليها أحكامًا مازالت عالقة بالموروث الثقافي العربي، وفي النص القصصي المتلفز والروائي السينمائي والاجتماعي المروي وفي الفكر الذي يحكم العلاقات الاجتماعية، وعلى وجه التحديد العلاقة بين الرجل والمرأة.
والتي حمَّلت المرأة مســؤولية إغــواء الرجــل والخطيئــة الأولــى؛ وبســـببها طُـــرد الإنســـان مـــن الجنـــة، بســـبب تلـــك الخطيئـــة عوقبـــت بالحمـــل والـــولادة كمـــا عوقبـــت بتســـلط الرجـــل عليهـــا.