ما العلاقة بين الشرف والتحرش؟



عدوية السوالمة
2023 / 5 / 7

الارتباط المعقد بين مفهومي التحرش والشرف يعود في بداياته الى تشكلات السلطة النفسية والاجتماعية القائمة على حصار الاقوى وتمتعه بالقدرة على فرض منظومة مفاهيمية ما ئعة لما هو جائز وما هو غير جائز وفق تقديراته المنسجمة مع مصالحه الخاصة القاضية بزج الاضعف في دوامة البحث الدائم عن دليل براءته وطهره وإلباسه ثوب العار الابدي لمجرد انه خلق كجنس مختلف .
هجوم نفسي استباقي بتأييد اجتماعي واسع يضمن هيمنة كاملة على الاضعف اي المرأة ,فتبدي بما يبدو وكأنه تعبيرا عن ارادة حره نوعا من تشكلات نماذج سلوكية تمجد فيها الخضوع حتى تسكت صوت الاثم داخلها كونها مصدرا للخزي والعار لمجرد انها انثى.
مجتمعاتنا الأبوية بالاساس تنتظم حول كل ما يجده الراعي مناسبا ,سواء اكان شطحات خيال بلا منطق , او يتبع اسس معينة تلزمه خطابا عقلانيا . وبكل الاحوال الامر عائد الى ما يروق له وهو ما نراه انطلاقا من رب الاسرة على الصعيد الفردي حتى راس الهرم المجتمعي الكل عليه ان يتبع راعيه دون الكثير من التفكير وبالتالي فان الكثير من اللامنطق والتضارب المعرفي يصبح مقبولا وسائدا بلا اي محاولة للمراجعة وإلا كيف اتفق ان نجد ذلك الالتقاء بين مفاهيم متضاربة كالتحرش والشرف في ذات الوقت .

في البحث بطبيعة العلاقة التي تربط بين كلا مفهومي الشرف والتحرش نجد اننا امام شيئين متناقضين ولكنهما متساوقين فنبيح التحرش وندين كل مايسيء للشرف , فكيف يمكنك ان تتحدث عن الشرف في حين ان التحرش مباح ضمنا وعلنا في مجتمعاتنا . كيف يمكن ان نأبى الحديث عن امهاتنا او اخواتنا ونرفض حتى التلميح بشأنهن وفي نفس الوقت نتباهى امام انفسنا والاخرين كذكور بشتى انواع التحرش .
ومع ان الشرف كمفهوم اشمل يشير الى مجموعة صفات حميدة في آن معا كالصدق والامانة والشجاعة والنزاهة وغيرها من الصفات التي تعتبر كهاد اخلاقي لنا في حياتنا إلا أن الشرف بالعموم في مجتمعاتنا يشير حصرا الى السمعة المتأتية عن السلوك النسوي المتعلق بنمط العلاقة المحرمة مع الذكور مع الاخذ بعين الاعتبار انه سابقا كان مجرد الحديث الى الذكور يصنف في باب المحرمات ايضا .
بالمفهوم الاخلاقي العام لدينا الكذب الغش المكائد السرقة كل ذلك يعتبر جزءا من الخصال الاخلاقية السيئة ولا يشير الى انعدام الشرف . يتأذى الشرف فقط عندما يتعلق الامر بمسلكيات النساء التي لها علاقة بطبيعة التعاطي مع الذكور الاخرين . يمكننا ان نلاحظ ان الاحساس بالاستقواء المشرعن قد دفع باتجاه استسهال خلق فصل في عرى المنظومة الاخلاقية الاتفاقية طالما انها تتعلق بالنساء بحيث صار هناك منظومة اخلاقية تخضع النساء فقط للمسائلة بشأنها ولا يهم طبيعة التضاد التي تشكلها طالما أنها خصصت لفئة همشت وأبيح استغلالها .
الخلط والضبابية الاخلاقية المفاهيمية تجعل من مرتكبي هتك الحرمات في حل من المسائلة الاخلاقية الذاتية والمجتمعية .
في المنظومة المفاهيمية الاخلاقية يعتبر التحرش انتهاكا صارخا لها وليس شيئا منفصلا عنها ولكنه سقط مع سبق الاصرار منها كونه متعلق (بشيء) يجب أن يتم ضمان خضوعه لمنقحي القوانين الاخلاقية طالما أنهم الرعاة لها .
الامر الذي يدفعنا للقول بوجوب اجراء ثورة مفاهيمية تطيح بكل طرح يشجع على عصيان القوانين الاخلاقية بمجملها دون محاباة لأي جهة أو جنس .ثورة مفاهيمية تترجم بقوانين على ارض الواقع ونظم سلوكية تؤسس لها المؤسسات التربوية بعيدا عن التغافل الذي يؤكد على الاستعلاء الذكوري .
فالمتحرش منتهك الحرمات يجب ان تنزع عنه سمة الشرف وليس منحه لقب (صياد باعتبارها تسمية محببة يوسم بها الذكور المتحرشين بين اقرانهم )تمجيدا له على قدراته في استغلال ظروف الاضعف ودفعه نحو الرضوخ .
لايمكن ان تكون هناك مروءة يتخللها استغلال وضع ,وفرض سيطرة لا يمكن من الاساس ان يكون هناك تضاد في النظم الاخلاقية ولا أن يكون للذكور امكانية صياغة خطابهم الاخلاقي االخاص بهم .
التشجيع على الصمت تجاه التحرش بحجة الحرص على السمعة هو اقرار ضمني بوجوبه , ودفع النساء بالقبول به دون اعتراض والحفاظ على استمراريته المستقبلية دون اي تفكير بتبعاته .
التشجيع على الصمت تعني ان جميع النساء بلا استثناء مهما حاولنا فرض اجراءات احترازية سيتم التعرض لهن بشكل او بآخر وبالتالي مجتمعاتنا ستكون فاقدة للشرف طالما أن الشرف قد حوصر بزاوية ضيقة جدا نحاول حمايته بطرق مبدعة بالسطحية .
في التربية من المهم ان نقوم بايلاء عناية كبيرة لترسيخ مفاهيم مثل احترام الذات واعلاء قيمة الذات لكونها مفاهيم تقي من اي انهيارات محتملة ولكونها قادرة على وضع حدود للتعامل فيه مع الذات والاخرين وهو ما يجب التركيز عليه اثناء التنشئة وخاصة للاناث فهي مفاهيم يمكنها أن تصوغ تعاملاتهن مع انفسهن وتعيد اعتبارهن لانسانيتهن التي تسحق في حادثة التعدي عليهن .مفاهيم تضع كل من يحاول الاساءة أو الالغاء موضع مسائلة ومحاسبة بدون اي محاولة للتغاضي او التجاهل او السماح بالاساءة كنتيجة لفهم يدور حول أحقيته باعتباره الاقوى نفسيا ومجتمعيا فتصبح حتى كلمة لا صعبة او غير واردة لكونها ترجمة لتمرد منع من الاستخدام اصلا في سنوات الطفولة التي رسخت طاعة المرأة وحرصت على تناول كلمة حاضر لأي فتاة يكثر طالبيها للزواج من قبل الذكور وامهاتهم مستخدمين عبارة (إلها تم ياكل ما إلها تم يحكي ).
الفم الذي لا يتكلم لن يتكلم حتى عندما يجب ان يتكلم ويدافع عن ملكيته لجسده الذي تعلم ان يقول دائما نعم لن يستطيع قول لا لأنه ببساطة غير قادر على الدفاع عن نفسه .
من غير اللائق بمجتمعات توسم بالمحافظة ان تدفع باتجاه الصمت والتستر واخفاء جرائم التحرش حتى وان كانت مجرد كلمة ومن غير اللائق ان نمارس تنشئة للفتيات تسهل جعلهن ضحايا مستقبليات تحت مسمى (مطيعة) ومن غير اللائق الاشارة الى الرجولة على انها قدرة اخضاع نسوي واستغلال ظرف ومن غير اللائق تحشيد قوى مجتمعية لاسكات من تعرضت لانتهاك حرمة بتهمة الفضيحة او درءا لصراع تزج به ذكور قبيلتها .
بالنهاية الاخلاق لا تجزأ ولا يمكن ان تكون منحازة لعرق او جنس وجدت في قالب واحد لتحمي الجميع بعيدة عن اهواء ورغبات الاقوى وتضعه في حيز المساواة مع الاضعف .