زواج المرأة



نساء الانتفاضة
2023 / 5 / 8

ملاحظة:
"لسنا استثناء من هذا الواقع"

يذكر ادوارد وسترمارك 1862-1939 في موسوعة تاريخ الزواج ان "نساء شعب الداياك البحري ينظرن الى الزواج على انه وسيلة للحصول على رجل يعمل من اجلهن".

في النظر الى واقع مجتمع-نا الحالي نستطيع تلمس نظرة نساء شعب الداياك، فالزواج قد يشكل الهدف النهائي للمرأة، او انه المصير المحتم عليها وخلاصة وجودها، فقضية بقاء المرأة دون زواج تعد قضية سيئة بالنسبة لها، فهي لا تمتلك الحقوق والحريات الموجودة لدى الرجل، أي ان معيشتها صعبة جدا دون "معيل"، فقضية عمل المرأة في هذا المجتمع صعبة جدا، و"مؤسسة الزواج اكثر من رابطة جنسية منظمة، انها مؤسسة اقتصادية" كما يقول وسترمارك؛ وهي أيضا لا تستطيع ان تمارس حريتها الجنسية خارج إطار الزواج، فهذا خط احمر قد يؤدي الى قتلها، ولا تستطيع حماية نفسها من مخاطر الحياة، بالتالي فأن الزواج عند المرأة وسيلة لتحقيق هذه الأهداف: "معيشة، جنس، امان".

هناك معايير يتطلب وجودها في المرأة التي تكون هدفا لمشروع زواج، هذه المعايير حددها الذكر كقوة مهيمنة في المجتمع، قد يكون "السن والجمال" ابرز المعايير، دون صرف النظر عن بقية الخصائص منها "شريفة-بالمعنى الجنسي-، ذات عائلة سمعتها جيدة، تعرف إدارة شؤون البيت من طبخ وغسل وتنظيف"، وعندما يتأكدون من وجود هذه الخصائص في امرأة معينة، فأنها حتما ستكون هدفا مشروعا للزواج؛ قد يغض احدهم نظره عن بعض تلك المعايير، أي من الممكن ان يتغاضون عن سمعة العائلة او عمل البيت، اذا ما وجدوا امرأة فيها مواصفات جمال عالية مع صغر السن؛ مع ملاحظة ان الرجل غير خاضع لأي من تلك المعايير.

الأكثر بدائية في مشروع الزواج هو عملية الزواج ذاتها، فعندما يقع الاختيار على فتاة ما، بعد رحلة بحث مضنية تقوم بها نساء من أقارب الرجل، وبعد معاينة شديدة للفتاة، وبحث كل تفاصيلها الجسدية، يتفقون على المقدم والمؤخر "مهر-سعر"، وهذا "المهر-السعر" يكون موضع خلاف في العادة، وهو يتفاوت بين المرأة المطلقة او الارملة او غير الجميلة او الكبيرة في السن، فلكل واحدة "مهر-سعر".

قد يكون أسوأ شي في مؤسسة الزواج هنا هو زواج القاصرات، فبعد تسلم الإسلاميين للسلطة انتشر بشكل كبير هذا النوع من الزواجات، فتيات بعمر 13 او 14 يتم تزويجهن، تحت يافطة "الستر للبنية"، ويتم عقد الزواج هذا خارج المحاكم "عقد سيد"، وقد حاولت سلطة الإسلام السياسي المتخلفة سن قانون يعطي الصفة الشرعية لمثل زواج كهذا، ما سمي في وقته "القانون الجعفري"، الذي يبيح الزواج من المرأة "الطفلة".

داخل مؤسسة الزواج هذه ابيح للرجل الخيانة، أي انه من الممكن له ان يقيم علاقات جنسية خارج إطار الزواج، في مقابل ذلك فأنه منعها وحظرها بشكل تام على المرأة، ف"غيرته" لا تسمح للمرأة بمثل أفعال كهذه، ويرى الكثير من المفكرين والباحثين ان "الشعور بالملكية كان أساس الغيرة"، لهذا فأن الرجل ينظر للمرأة "الزوجة" على انها جزء من ممتلكاته، بالتالي فهو يرى ان الخيانة التي تقوم بها الزوجة على انها "سرقة".

من المعروف في هذه المجتمعات عادة ما يسمى "تعدد الزوجات"، وهو أحد التقاليد البدائية الموروثة، والتي يحافظ عليها الرجل كأحد اهم المكتسبات بالنسبة له، ويرفض بشكل تام مناقشتها، وقد أعطاها بعدا دينيا، حتى يضيف لها قداسة من نوع ما، فيحق له -وله فقط- ان يتزوج أكثر من امرأة، خصوصا إذا توفر لديه شرط القدرة المالية، وهذا الشرط كفيل بمعرفة "تسليع المرأة".

نستطيع ان نجد مشتركات كثيرة بيننا وبين المجتمعات البدائية، فشعب الداياك في إندونيسيا يعيش على تقاليد وعادات عمرها أكثر من ثلاثة الاف عام، وها نحن نلتقي معهم في قضية الزواج، ومن الممكن إذا ما درسنا أكثر، او وجدت أبحاث أخرى، فحتما سنجد أنفسنا نعيش حالة بدائية تامة.

لا يمكن القضاء على هذه التقاليد والعادات دون تشريع قوانين متطورة ومتحضرة، تكفل حرية ومساواة المرأة، وذلك لا يتم دون إزالة سلطة الإسلام السياسي والقومي والعشائري الرجعية.
#طارق_فتحي