ذكرى النكبة ال - 75 - وديمومة الصراع



علي ابوحبله
2023 / 5 / 14

المحامي علي ابوحبله
لم تستطع الحركة الصهيونية أن تحقق حلمها في بسط سيطرتها وهيمنتها على فلسطين ولم يستطع اليهود المغتصبين لفلسطين الانصهار بل أن الصراعات بين مختلف القوميات اليهودية هم أبعد ما يكونوا عن الانصهار وقد طغت الصراعات فيما بينهم إلى السطح بتلك الاحتجاجات ضد حكومة الائتلاف الصهيوني ورفض غالبية اليهود للإصلاحات القضائية ومحاولات إضفاء ألصبغه الاصوليه اليهودية على المجتمع الإسرائيلي وبذلك لم تتحقق نبوءة بن غوريون - كما تنبأ بن غوريون وغيره من القادة الصهاينة - أن تصهر اليهود الذي أحضروا من مختلف بقاع وشعوب وقوميات العالم، ولعل من أهم العوامل
في ذكرى النكبة، لا جديد بالقول إن النكبة ما زالت مستمرة، وإن المشروع الصهيوني قطع شوطًا كبيرًا على طريق تحقيق أهدافه، بدليل إقامة " إسرائيل " على 78% من مساحة فلسطين التاريخية واحتلال الباقي في العام 1967، ولن تدخر جهدا الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على التوسع الاستيطاني ومصادرة الأراضي وهدم المنازل وسياسة الترحيل ألقسري من أجل تهويد الضفة الغربية وضمها، وتهجير غالبية سكانها ، بما يتم وصفه بمخطط تصفية القضية الفلسطينية من مختلف جوانبها.
ويمكن القول أن الانجاز الذي تدعي الحركة الصهيونية تحققه احتواءُ الحركة الوطنية الفلسطينية، كما تحقق في توقيع اتفاق أوسلو، وما تسعى لتحقيقه ترسيخ الانقسام بين الفلسطينيين والذي تحقق بفصل غزه عن الضفة الغربية باقتتال الفلسطينيين 2007 اثر الانسحاب الاحادي الجانب من غزه بموجب خطة شارون ، هذا الحدث المشئوم والمستمر منذ ذلك التاريخ، ويتعمق باستمرار، ويتحول إلى انفصال دائم ضمن سياسة فرض أمر واقع دون أن يلوح في الأفق أي أمكانيه للمصالحة وإنهاء هذا الانقسام المشئوم
المشروع الصهيوني على الرغم من ذلك ما زال مفتوحًا على كل الاحتمالات ، وتعمل الحركة الصهيونية على استكمال بقية الأهداف بضم بقية الأرض، وتهويدها، وطرد أكبر عدد ممكن من السكان، وإقامة إسرائيل الكبرى من النهر إلى البحر.
إسرائيل التي تبدوا في أضعف حالاتها، ما زالت تملك من القوة وقادرة على العدوان ، بل تملك فائضًا من القوة يجعلها تتقدم في مخططها ألتهويدي للأرض الفلسطينية من دون عوائق تعترضها ، وخلقت حقائق على الأرض تجعلها تقترب من استكمال تحقيق أهدافها، وساعدها على ذلك الاتفاقات الإبراهيمية التي جسدت اختراقًا صهيونيًا جديدًا كبيرًا للعرب، ظهر فيه العرب المطبعون وكأنهم تخلوا عن القضية الفلسطينية والفلسطينيين، وحتى عن "مبادرة السلام العربية" التي كانت تنص على انسحاب كامل مقابل سلام كامل، وظهروا كأنهم مستعدين لتجاوز التطبيع البارد وإقامة سلام حار وتحالف عربي إسرائيلي سياسي اقتصادي عسكري في مواجهة الخطر الإيراني.
إذا ما قارنا ذكرى النكبة في هذا العام بالعام الماضي وما سبقه من أعوام ، سنجد أن هناك واقع مختلفًا تمامًا ، فإسرائيل اليوم وبعد تشكيل أكثر حكومة تطرفًا في تاريخ إنشاء هذا الكيان تبنت برنامجًا للضم والتهويد والتهجير والعدوان المم نهج في ظل سياسة التغول والاجتياح واستباحة الدم الفلسطيني ومحاولات فك وحدة الساحات كما ظهر ذلك جليا في عدوانها الأخير على غزه ومحاولات الاستفراد بحركة الجهاد الإسلامي واستهداف قيادات في الصف الأول ، هذه الحكومة تسعى إلى تنفيذ مخططها بسرعة عن طريق خطة الحسم، ومع ذلك هي في أضعف حالاتها ويعود ذلك بسبب تفجر الخلافات الداخلية إلى حد والانقسام بين تياريْن أساسييْن: واحد يريد أن تبقى إسرائيل كما كانت منذ تأسيسها دولة يهودية ديمقراطية، والآخر يريدها أن تتحول إلى دولة الشريعة اليهودية بالكامل.
وما يمكن البناء عليه أن إسرائيل تعيش مأزق عميق بنيوي، كاد أن يصل يوم 27 آذار 2023 إلى عصيان مدني وحرب أهلية، لولا تدخل الدولة العميقة والدولة الأم الولايات المتحدة؛ حيث جُمِّدَتْ خطة الحكومة لإضعاف القضاء لصالح الكنيست والأغلبية في محاولة للتوصل إلى تسوية من الصعب التوصل إليها، فالكثير من الناس في دولة الاحتلال يقولون إنه لا يمكن العودة إلى الوضع قبل الإصلاح القضائي، وإذا جرى التوصل إليها فستكون مؤقتة وقابلة للانقسام في أي وقت لاحق.
رغم مرور 75 عاما على إنشاء الكيان الإسرائيلي إلا أن الحركة الصهيونية لم تستطع - كما تنبأ بن غوريون وغيره من القادة الصهاينة - أن تصهر اليهود الذي أحضروا من مختلف بقاع وشعوب وقوميات العالم، بل يبدو الآن أنهم أبعد عن الانصهار من أي وقت مضى، ولعل من أهم العوامل التي ساعدت على تحقيق ذلك أن القضية الفلسطينية وأداتها الحركة الوطنية لم تعد ذلك الخطر الوجودي الذي كانت تمثله؛ لذلك أدى تراجع الخطر الخارجي الذي يهدد وجودها وشرعيتها من الجذور إلى تقدم، بل تفاقم الخلافات والتناقضات الداخلية.
ووفق كل ذلك فان ألسمه البارزة أن المفجر الرئيسي للمأزق الصهيوني الراهن هو الصراعات الداخلية حول هوية إسرائيل ودورها، وعلى من هو اليهودي، وبين المتدنيين والعلمانيين، والشرقيين والغربيين، وليس المقاومة الفلسطينية، فهي الآن – أي المقاومة - ليست في أحسن حالاتها، على الرغم من البطولات والتضحيات الغالية، وظهور جيل المقاومين الجدد، وامتلاك المقاومة الصواريخ وحفرها للأنفاق، وتقدمها في السنتين الأخيرتين.
لقد كانت القضية الفلسطينية في السابق في وضع أفضل، وكانت المقاومة في السبعينيات من القرن الماضي أقوى، لا سيما عندما صنفت الأمم المتحدة الحركة الصهيونية بوصفها شكلًا من أشكال العنصرية والتميز العنصري عام 1975؛ إذ شهدنا في تلك الفترة النهوض الوطني الفلسطيني الذي بدأ باندلاع الثورة الفلسطينية التي حوّلت اللاجئين إلى ثوار، ووحدت الشعب في كيان وطني واحد.
كما كانت المقاومة الفلسطينية في أفضل حالاتها أثناء الانتفاضتين الأولى والثانية، وأكثر تأثيرا مما هي عليه الآن، مع أن صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته المستمرة والباسلة وبقاء القضية حاضره وديمومتها مستمرة ومحور صراعها القدس والديموغرافيا الفلسطينية هي من أهم الأسباب التي تؤرق الحركة الصهيونية وإبقاء القضية الفلسطينية حاضره في الوجدان الفلسطيني والعربي هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، فإن كون إسرائيل في أضعف حالاتها ومهددة بتحول الانقسام إلى تقسيم؛ لا يعني أنها لم تعد خطرة أو غير قادرة على العدوان، بل يبقى العدوان ضد الفلسطينيين أحد المخارج التي تلجأ إليها في تصدير أزماتها لتأجيل انفجار صراعاتها وما تعانيه من مأزق داخلي ، وهي تتهيأ لشن عدوان أكبر ضد الفلسطينيين بحكم أنهم الحلقة الأضعف في أعداء إسرائيل. لذا، يجب استمرار الحذر والاستعداد لمثل هذا السيناريو، وعدم الاعتماد أكثر ما ينبغي على وحدة الساحات، وتوازن الرعب والردع وقدرات محور الممانعة.
الذكرى الخامسة والسبعون للنكبة ووفق كل المؤشرات تدلل على انحسار المشروع الصهيوني رغم المكابرة الاسرائيليه ومعها الحركة الصهيونية العالمية ، ولنجعل من الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة بداية العد العكسي للمشروع الاستعماري الاستيطاني العنصري الاحلالي للاحتلال ، الذي جسدته إسرائيل، من خلال العمل على وقف التعامل الدولي مع إسرائيل بوصفها دولة فوق القانون الدولي، والشروع في اصطفاف دولي لإسقاط الحكومة الإسرائيلية الحالية، وعزلها، ومحاسبتها، وفرض العقوبات عليها، ومحاكمة إسرائيل على كل الجرائم التي ارتكبتها ضد الفلسطينيين والعرب منذ تأسيسها وحتى الآن.
حكومة الائتلاف اليمينية المتطرفة الفاشية باعتقادها وهي حكومة أصوليه دينيه تتصور أنها قادرة - بعد تجاوز المأزق الحالي، أو من أجل التهرب منه وتوحيد الإسرائيليين خلفها - على حسم الصراع بسرعة مع الفلسطينيين، وليس بشكل بطيء، من خلال صيغ خادعة عن إشاعة وهم إمكانية التوصل إلى تسوية وفق المقاس الإسرائيلي ضمن مفهوم إدارة الصراع وسياسة التهدئة ، وهي كلها صيغ تهدف إلى تحقيق هدف واحد، وهو تصفية القضية الفلسطينية من مختلف جوانبها وأبعادها. وتراهن حكومة نتنياهو على الوقت وعلى اليمين واليمين المتطرف في الولايات المتحدة، والغرب عمومًا، وعلى المسيحيين المتصهينيين ، وتراهن على عودة دونالد ترامب أو رئيس جمهوري آخر في الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة في تشرين الثاني من العام 2024 يمكن الحكومة الإسرائيلية من تحقيق أهدافها وتوسيع قاعدة اتفاقات أبراهام
ورغم كل المحاولات لتصفية القضية الفلسطينية إلا أن ديمومة الصراع ومحوره القدس والديموغرافيا الفلسطينية يكسب القضية الفلسطينية زخم كبير وأن احتفالية وفعاليات ذكرى النكبة لهذا العام التي تكتسب صبغه أمميه يلقي فيها الرئيس محمود عباس كلمه فلسطين لتؤكد من جديد أن القضية الفلسطينية تكتسب زخم كبير وتثبت للجميع أن لدى الفلسطينيين، والعرب، وأنصار الحرية والعدالة والتقدم والديمقراطية في كل العالم ما يولي القضية الفلسطينية اهتمامه ويعتبرها مفتاح الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة .