قضية تجنيس أبناء الأردنيات.



منى الغبين
2023 / 5 / 30

" قضية تجنيس أبناء الأردنيات "
تجنيس أبناء الأردنيات قضية جدلية تقاسمتها الآراء والأهواء , وغابت حقائقها بين المزايدات والمبالغات , وأختلط فيها السياسي بالإنساني حتى أصبح الاقتراب منها كالسير في حقل من الألغام , ونظرا لغياب الإحصاءات الموثوقة فإنّ عدد هذه الشريحة لا يزال مجهولا وهو بين مبالغ يتحدث عن مئات الألوف , ومهوّن من شأن ذلك إذ يتحدث عن بضعة آلاف , ومهما كان العدد فهي قضية إنسانية تعاني منها شريحة من النساء الأردنيات اللواتي تزوجن من رجال عرب تلبية لمطلب فطري إنساني بتكوين أسرة أسوة بغيرهن من النساء , ولم يجدن في ذلك عيبا ولا حرجا حيث رضعن مع حليب الأمهات أن بلاد العرب واحدة , وأنهم شعب واحد , وأن تمزيقهم هو بفعل العدو المستعمر , وأن الأردن هو حامل المشروع الوحدوي الذي قامت على أساسه الثورة العربية الكبرى التي ما قامت إلا لتوحيد العرب في دولة واحدة بحسب ما تعلمنه في المدارس , وسمعنه من الإعلام الأردني منذ سنّ الطفولة.
لقد تشكّل العقل الأردني منذ بدايات تأسيس الدولة الأردنية على تلك المفاهيم الوحدوية التي كانت تدرّس في المدارس والجامعات , ويروّج لها الإعلام , ويسير عليها النهج السياسي للنظام , فهل نعتبر أنّ هؤلاء الأردنيات وذويهن ممن ارتضوا مصاهرة عربا كراما أكفاء كانوا ضحية لخداع تربوي جعلهم يقدمون على هذا الفعل منطلقين من تلك المفاهيم؟؟ وهل تساءل الغيارى على الهويّة الأردنية عن الأسباب التي دفعت الأردنيات للزواج من غير الأردنيين؟؟ وهل وقفوا عند الإحصاءات الرسمية التي نشرت قبل أعوام والتي تتحدث عن وجود أكثر من مائة ألف عانس فوق سنّ الثلاثين؟؟ وهي نسبة لا تقل عن 7% من عدد النساء اللواتي تجاوزن سنّ الثامنة عشرة!! وهل فكّر هؤلاء الغيارى بالأسباب التي جعلت الشباب الأردني يعزف عن الزواج حتى ارتفعت نسبة العنوسة بهذا الشكل الخطير؟؟ أم أنّ الوطنية هي مجرد شعارات ومزايدات لخدمة الطبقات الحاكمة المترفة التي تتعامل مع الوطن باعتباره مجرد مزرعة للسلب والنهب , ولا تكترث للنتائج المرعبة لمثل هذه الظاهرة إن لم تكن تخطط لها.
إنّ الأردن بلد مفتوح لجميع الجنسيات للإقامة والعمل بدون تعقيدات , وأمر طبيعي أن تنشأ علاقات إنسانية بين المجتمع الأردني وهؤلاء الوافدين من مختلف الجنسيات العربية والإسلامية , وأن يتزوج الأردنيين من نساء تلك الجنسيات والعكس صحيح , فيأتي القانون الظالم بمنح أبناء الأردني جنسية الأب الأردني وتحرم الأمّ الأردنية من ذلك بدعاو غير مقنعة , وترفع في وجوههن شعارات " الخوف على الهوية الوطنية " والوطن البديل , وخدمة المخططات الصهيونية وما إلى ذلك من شعارات أعتاد مروجوها أن يطلقوها في وجه كلّ من يرفع صوته حول قضية إنسانية أو إصلاحية فيقمعونه ثمّ يعودون إلى سباتهم وينامون قريري العين غير آبهين لمعاناة المظلومين والمسحوقين؛ لأنّ قضيتهم التي يعيشون لأجلها ويناضلون دونها هو الحفاظ على راحة الناهبين والفاسدين , أمّا هموم الشعب وأوجاعه وآلامه فإنهم لا يحبون سماعها ولو سمعوها مجبرين فإنهم لا يسمحون لها أن تدخل في عقولهم أو تلامس مشاعرهم.
إنهم لا يحبون أن يسمعوا أنّ نسبة كبيرة تزوجن من جنسيات عربية غير فلسطينية فلا علاقة لهن بالوطن البديل وتفريغ فلسطين!! وأنّ الغالبية تزوجن من طبقات عاملة فقيرة جاءت لطلب الرزق هنا واستقرت هنا , أفنت زهرة شبابها في بناء هذا الوطن بسواعدها!! ولا يحبون أن يفهموا أنّ الأمّ هي التي تصنع هوية الطفل وثقافته وهواه , وأنّها هي الأقدر على تنشئة أبنائها ليخرجوا للدنيا مواطنين صالحين منصهرين بالهوية الوطنية!! إلاّ إذا كانوا يؤمنون بأنّ الهوية التي يتحدثون عنها هي مجرد شعار خال من المضمون؟؟
إنّ الوطنية الحقيقة أول ما توجب على الوطني الصادق أن يكون لديه الإحساس بمعاناة أبناء وطنه , عارفا بأوضاعهم , متألما من أوجاعهم , عاملا فاعلا على حلّ مشكلاتهم , والتخفيف من معاناتهم , وثاني واجبات الوطني الصادق ألا يساوم على الدستور الذي يتغنى به ولا يقبل بخرقه , وهذا الدستور الذي ينصّ في مادته السادسة على أنّ ((الأردنيين أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين)) ....... وما يجري في هذه القضية هو خرق صريح فاضح لهذه المادّة!!
وتتضاعف المأساة في هذا الملفّ عندما تجد حالات يكون فيها الزوج أردنيا متزوجا أردنية فيفقد جنسيته بسبب تعنت موظف أو استهتاره ثمّ يصبح خطأ ذلك الموظف مقدّسا محميّا غير قابل للتعديل والتبديل!!
ويزداد الشعور بالغبن والظلم عندما يحرم أبناء الأردنيات من حمل جنسية أمهاتهم وهم يعيشون بأحضانهن في هذا الوطن الذي لا يعرفن غيره , ولا يرغبن بتركه في الوقت الذي تفوح فيه روائح عفنة حول ملفات تجنيس لمن هبّ ودب مقابل المال؟؟
وختاما أقول لأصحاب شعارات الحفاظ على الهوية والخوف عليها إنّ الخطر الحقيقي على الهوية يتمثّل في تفريغ الدولة من مضمونها , وانقلابها على عقدها الاجتماعي , وبيع مقدرات الوطن وجعلها نهبا مشاعا للفاسدين , أمّا تجنيس أبناء الأردنيات وصهرهم بثقافة وطنية جادّة فهو علاوة على حلّ تلك المعاناة الإنسانية فهو رفد للوطن بطاقات بشرية تساهم في عماره وإعماره , وأذكّر بأنّ الاختلاط بين الشعوب العربية والهجرة فيما بينها كان منذ فجر التاريخ ولا يزال مستمرا وإن تقلص بسبب قيود الحدود التي وضعها الاستعمار الحديث.