الكتاب الذي لم تقرأه النساء…(تحرير المرأة)



قحطان الفرج الله
2023 / 6 / 5

عندما عاد قاسم أمين إلى منزله في ذلك المساء بعد نشره (كتاب تحرير المرأة) أدرك أنه ارتكب غلطة فظيعة . لقد توقع قاسم أمين أشياء كثيرة .. ولكنه لم يتوقع هذا المنظر الذى يراه أمامه داخل منزله في شارع الهرم بالقاهرة .
رجل غريب ... يقول لقاسم أمين ببساطة شديدة :
أنا عاوز الست بتاعتك ! - نعم ؟! - إيه ! . . أنا عاوز الست بتاعتك . و بهدوء شديد سأل قاسم أمين : عاوزها في إيه ؟ - عاوز اجتمع بيها (وانام معاها) . ... عاوز أختلط معاها . . عاوزها تخرج معايا ... ومرت لحظات صمت ووقاحة قبل أن يستأنف الرجل الغريب حديثه مستفزاً قاسم أمين: ألست تدعو إلى سفور المرأة ؟ إلى اختلاطها بالرجال ومساواتها بهم؟ ألست تنادي في كتابك بأن تنزع المرأة الحجاب وتكسب حريتها كاملة؟
ورد قاسم أمين ببساطة : نعم هذا كتابي . ولكنك أسأت فهم أفكاري في هذا الكتاب .
رحل عن هذا العالم قاسم امين وهو في ريعان الشباب، في الثالثة والاربعين، 1908م مات في غير موعده بالسكتة القلبية، أو كما اسماها الصحفي المصري محمد عوض (السكتة القلمية) وظل اسئلته الجدلية عن اللب والقشور، الجوهر والمظهر، الحب، والرغبة تدور في فلك مقفل حتى اليوم ….هذا الكتاب الذي مر على تأليفه أكثر من قرن من الزمان تقريبًا، لم يكن ضد الحجاب كما صورت آلة المنع والقمع والتكفير ،ولم يبرر الرذيلة أو التبرج، والابتذال، انه يناقش وبكلّ علمية منطقية أمراض اجتماعية خطيرة، ويقدم الدليل بعد الدليل على تحرير نظرة الدين إلى المرأة، إنه يحاول تجريد مفهوم التحجب أو الحجاب الجسدي من مغالطة الحماية الوهمية، في رده على المجتمع الذي يرى إن الحجاب مانع للفتنة !؟!؟ وهنا يطرح هذا السؤال الجوهري (أحذف الفتنة إذن هذا الحجاب؟!) إن اسباب الفتنة ليست في ما ظهر من أعضاء المرأة وما خفي، بل في ما يصدر عنها من افعال …قاسم امين لم يكن يهاجم حجاب الجسد أنه كان يهاجم حجاب العقل الذي يراد له أن يُغلف بالجهل والحرمان من التعليم، الحرمان من ممارسة الحياة الطبيعية بكل حرية، ولا نقول بكل فوضوية …
العفة والشرف والصدق فضائل يختارها الإنسان بإرادته، "ولا يوجد إنسان فاضل أو غير فاضل قبل أن يمتلك حق الاختيار، قبل أن يكون حرًا" وإذا سجن الانسان فلا حق له بالاختيار… يتسأل امين "لا أدري كيف نفتخر بعفة نسائنا، ونحن نعتقد انهن مصونات بقوة الحراس واستحكام الاقفال وارتفاع الجدران، إيقبل من مسجون دعوه، انه رجل طاهر، لانه لم يرتكب جريمة، وهو في الحبس" والحبس هنا ليس اللباس، الحبس هو الجهل التخلف الشعور بالدونية والامتهان للجسد، المرأة اليوم وبعد قرن من هذه الصرخة تعاني ابشع أنواع التخلف والجهل، ولا يمكن لاي حجاب أو لباس أن يستر ما نشاهد في الشوارع والجامعات و الحانات، وفي وسائل التواصل من اسفاف وانحطاط وسخف، إن حرية الإنسان في تعليمه، في حريته المختارة، في قبوله للمختلف، في أحترامه لخصوصية الاخر، حرية المرأة في استقلالها لا في استغلالها …
إن التخندق وراء المظاهر من اقبح امراض المجتمع ولعل من طريف ما يفسر ذلك ما ورد في حديث الشاعر الفرنسي بودلير عن(لويز فيلديو) وهي عاهرة بخمسة فرنكات كما يقول رافقته ذات يوم في زيارة إلى متحف (اللوفر) وكانت تلك أول مرة تزور فيها هذا المتحف، فاحمرَّ وجهُها وراحت تغطيه بكفّها وتجذبه من كم السترة، متسائلةً أمام اللوحات الخالدة: كيف أمكن عرض كلّ هذه العَوْرَات على الناس؟!!! التناقض في المواقف بين ما نريد وما يفرض، ما نحب وما نكتم، ما نقول، وما نفعل هو سر صرخة قاسم امين الخالدة … دعونا نرفع شاعرا من اعمق ما لمست في اقوال أستاذي الراحل العبقري سليمان العطار "علموا بناتكم الاستقلال الاقتصادى حتى يبحثن عن رفيق للحياة، وليس عن عائل، وعلموا أبناءكم الاستقلال المنزلى حتى يبحثوا عن حبيبة وليس عن خادمة منزلية"…