محمد الثورة والقضية



عماد الطيب
2023 / 7 / 14

كانت للمرأة العراقية في انتفاضة تشرين دورا متميزا ومشرفا . شاركت الرجل من اجل الاطاحة بالحكومات الفاسدة من خلال وقفتها ودعمها اللوجستي . وكانت اشارة الى ان المجتمع العراقي بدأ يعي دوره الحقيقي في اهمية التغيير وبناء مستقبل اقضل لابنائه . فضلا عن حرص المرأة على حقوقها كفرد فاعل في المجتمع التي صادرته الحكومات وظل حبر على ورق في صفحات الدستور دون تفعيل . وثورة تشرين كما اطلقت عليها افرزت الكثير من المواقف للمرأة العراقية التي اثبتت شجاعة امام الرصاص الحقيقي والقتل والاغتيالات والخطف من قبل ميلشيات مرتبطة بأجندات خارجية لاتريد من تغيير الاوضاع ويصبح حكم الشعب بيد ابناءه الحقيقيين . في مقالتها " هلوسات الوحدة والمرض في موسكو " كشفت الكاتبة امل عجيل الحسناوي عن الحنين للوطن وهو يشهد نيران غاضبة مستعرة من قبل شعبه في ظل انتفاضة كبيرة عمت مدن العراق . فبرد موسكو وصقيعها لم يخمد نيرانها تجاه وطنها هي وولدها محمد الذي يرمز الى الثورة والتغيير . واسمه الدال عليه وعلى مافي نفسه . تقول امل عن ذلك " بامكاني ان اتحدى الريح العاصف بملامحي الكئيبة دون ان اخشى احدا يسألني : ما بكِ ؟ وانا نفسي لا اعرف ما بي ،، بعض المشاعر لا يمكن صياغتها بحوار . ) نعم انه التوهان وهي بعيدة كل البعد عن ارض الوطن . فتحولت المدينة الكبيرة ككائن يفترسها ( كل مدينة لها سر لا يستطيع تفسيره احد : مدينة تكتم على انفاسك ,,واخرى تحتويك ,,وواحدة تلفظك خارج مداراتها لا تسمح لك بالدخول . ) وتشبه حالها ( كمسيح تائه , احمل صليبي الثقيل واسير في طرقات لا تنتهي بحثا عن جلجلة تشبه السراب , اعجز عن الوصول اليها تجلدني الذكريات , تفتح بقسوة ، الجراح التي لا تندمل وتسكب فوقها الخل والملح ) انه الحنين بسببه لايمكن غرس نفوسنا بغير ارضنا . حتى حداثة المدن وبهرجتها التي تستقطب السياح فهي غير راضية عنها لان البلد يشتعل بالثورة ( شوارع موسكو الباردة ودواخلي الملتهبة . جمرة النار المستقرة في اعمق زاوية من سراديب روحي , تتكاثر وتتشظى وتحّول شرايين ذاكرتي الى افاعي ميدوزا تخنقني . ) انها شعور المرأة الذي لايخطيء .. احساسها ينبؤها بشي كبير يحدث فماعاد يستهويها أي شيء . عليها المغادرة وترك تسلية المدن لتنضم الى تلك الجموع الغاضبة لتقول كلمتها . ( وصلنا بغداد في اول الليل وحثني أخي على الاسراع اذ كان في نيتي ان اغادر الى (النجف حيث سكنت منذ مدة بسبب ظروف عملي) لان الناس ستخرج وتدعم المتظاهرين بعد تهديد الحكومة لهم وتزدحم الطرق , كان العراق يفور ويتقد بطاقة الشباب الذين انتفضوا يريدون (وطن) , واحتضنت عيوننا قوافل السيارات التي خرجت مكتظة بالنساء والاطفال والاعلام العراقية الجميلة من حي القادسية حيث بيت أخي الى اطراف بغداد، وتكرر المشهد في مجسرات الثورة في بابل وصولا الى النجف . ) مثلت نفسها بأبنها محمد الذي انضم هو ايضا الى الانتفاضة (الوقت الذي مر بعد ذلك كان من اصعب فترات حياتي ,قضيته في قلق وتوتر وخوف وترقب بعد ان بدأت الوحوش البشرية في قمع الشباب وتصفيتهم ( وابني معهم ) . كان خوفها على محمد الذي يمثل مستقبل العراق مع اقرانه فهم فئة الشباب حملوا الموت على اكتافهم غير خافين من طيش الرصاص الذي يدوي ويصيب القلوب والحناجر لاسكات الثورة . محمد اسم مثل الثورة بكل ابعاده فهو الشاب الذي اصر ان يغادر موسكو للعودة الى البلد وكأنه يقول عندما يغلي البلد علينا ان لانهرب في مدن الهجرة والاغتراب . كانت امل – الام تبحث عن محمد وكأنها في ذلك تبحث عن مستقبل العراق لتحافظ عليه . ( كنت اقود سيارتي في طرقات اعاودها مرة بعد اخرى مليئة بالاطارات المحترقة ، ورائحة الدخان التي تشعل عيوني الكليلة بألم لا يطاق ، وبشباب يشبه الورد ملأوا انفاق المدينة وشوارعها برسوماتهم وكلماتهم البديعة . ) تغلبت مشاعر الامومة التي تريد ان تحتضن ولدها وتبعده عن كل مكروه كما هي حال الامهات في المواقف العادية الى ايثار واصرار وتضحية ومستعدة على تقبل فكرة الموت ما دام محمد يدافع عن قضية عادلة ونبيلة ( تغلبت امومتي على كل المشاعر الاخرى التي كنت اعتقد انها الاغلى والاثمن عندي , كنت واثقة انها تضحيات ثمينة دون ناتج ، وارواح مهدورة بلا هدف محقق، في ظل جبروت العصابة التي تحكمنا ,,وعشت في داخلي معركة عنيفة بين شخصيتين ,تشعر الاولى بالجذل انها اخرجت الى العالم رجلا شجاعا له موقف ورأي وقضية ,, وتريد الثانية ادخاله في حجرة محصنة وتقفل عليه ) انه الشعور الصادق الذي يجعل من الام في هكذا مواقف ان تقف وسط تقاطع طرق واختيارات . وهنا اخذت الهواجس في مخيلتها تلعب دورا من شدة قلقها على محمد .. اين انت يا بني (من قال اننا نموت مرة واحدة ؟ هل جرب من قال ذلك ألم الفقد ؟ هل شعر بالفجيعة لغياب وجه يحبه ؟ هل شرب وأكل وتعايش مع حنظل غيابه ؟ ) ورغم ذلك فقد كشف صوت التحدي مايعتمر في النفوس ليس على محمد بل على شباب العراق الذين راحوا ضحية مبادئهم (لانحتاج احيانا الى البكاء ، بل الى العواء ، كما الذئاب حين تعوي بصمت كبريائها وهي تثبّت نظرها بعين قاتلها حتى تطلع منها الروح ) انه التحدي بكل ابعاده .. انها صرخة الام والاخت والزوجة . رجع محمد سالما الى بيته وهو ينزف الف جرح في نفسه على فقدانه اعز الاصدقاء وعلى شباب العراق الذين ذهبوا ضحايا رصاص الغدر . ولكن ام محمد لن تعود كسابق عهدها بل صارت اكثر نضجا واندفاعا نحو المصاعب ( قضيت عمري وأنا ممتنة للمصاعب والمصائب والازمات فلولاها لبقيت مجرد امرأة تافهة مدللة ، وكأن سكين الوجع حين يشقنا يبعث فينا عنقاء جديدة أقوى واصلب . ) قصة ام محمد تمثل كل قصص الامهات والزوجات تتشابه العواطف والمشاعر لاشخاص اعزاء يواجهون غول الطغيان . سلام عليك ام محمد وسلام على كل امهات العراق اللواتي دفعن ثمنا من اجل حرية العراق .