تحجّبن كالراهبات إن كُنتنَّ حقاً مؤمنات!



شاكر النابلسي
2006 / 11 / 6

-1-
كانت الغاية الأساسية من حجاب المرأة في الأديان السماوية الثلاثة، هي حجب زينة المرأة عن الرجل، وحجب جزء من جسد المرأة (شعرها وصدرها وأذنيها ربما) وهو ما كان مثار شهوة الرجل البدائي في القرن السابع الميلادي، في زمن لم يكن للرجل شاغل يشغله غير نكاح النساء ومعاشرتهن. ولكن هذا الرجل العربي – كما قلنا في مقال سابق – وبعد مضي 1400 سنة ويزيد، ارتقى بذوقه وشهوته نحو المرأة، وأصبح ينظر إلى عينيها فتثار شهوته، وينظر إلى شفتيها فتثار شهوته، وينظر إلى وجنتيها فثار شهوته. ولم يعد الحجاب المخفي للشعر والأذنين والصدر قادراً على صد هذه الشهوة، بدليل أن كثيراً من الاعتداءات الجنسية تتم على النساء المحجبات وعلى الفتيات المحجبات. وبهذا انقلب هدف الحجاب الفعلي من عدم الإبهار والإغواء والفتنة الى حب الفضول والنظر والتمحيص في وجه المرأة، وما تُخفي العيون.

-2-

وفي هذه الزمان، أصبحت المرأة المُحجبة أكثر ذكاءً في كيفية لفت نظر الرجل إليها مما كانت عليه قبل 14 قرناً، والتلذذ بالنظر إلى وجهها وجسدها. وكأن الحجاب قد علّمها كيف تأتي إلى الرجل من النافذة بعد أن أراد الحجاب أن يخرجها من باب الرجل. فاختصرت الحجاب إلى غطاء الرأس فقط، وزركشت هذا الحجاب وزيّنته بالألوان والرسوم والتشكيل المختلف وكتبت عليه رسائل غرام ملتهبة. واهتمت بكحل عينيها، وحمرة شفتيها، وتوريد وجنتيها. ولبست أضيق الثياب وأكثرها ربما شفافية. وإذا كانت صغيرة الثديين أجرت جراحة لتكبير ثدييها وابرزهما بشكل مثير. وإذا كانت صاحبة ثديين كبيرين كثديي البقرة الهولندية، صغّرتهما بجراحة تجميلية ليصبحا كثديي العنزة. وأصبحت أكثر زينة وجمالاً وجذباً للرجل من السابق. وهذه هي فطرة الحياة التي لا مهرب منها. فالمرأة خُلقت للرجل والرجل خُلق لها. وكل مخالفة لقانون الطبيعة هذا يعتبر شذوذاً. وهكذا أصبح الحجاب جزءاً من اللعبة بين الرجل والمرأة. وقالت فتاة محجبة: "الحجاب موضة جذب إليه البنات وأحببن شكله، لذلك ارتدين الحجاب، ولم يصبح خاصاً بالملتزمات فقط." ومن هنا تفننت دور الأزياء الباريسية والايطالية في تصميم الحجاب، وأصبحت تُنتج في كل عام أنواعاً واشكالاً مختلفة من لباس الرأس أو ما يطلق عليه دينياً "الحجاب"، الذي لم يعد حجاباً ساتراً بقدر ما أصبح دليلاً كاشفاً لجمال وجه المرأة. فنرى المحجبات من الممثلات والمذيعات والبنات الارستقراطيات على وجه الخصوص، وقد تحجبن فعلاً بأكثر أنواع الحجاب شياكة وأناقة وأغلاها ثمناً. ووضعن على وجههن المساحيق المختلفة، ومنهن من أجرين جراحة تجميلية لأنوفهن، ونفخن شفاههن ببعض الدهن لكي تصبح هذه الشفاة أكثر سماكة وبروزاً، وأكثر اغراءً وجذباً للرجل، ومثيرة للشهوة، وربما للاعتداء الجنسي في بعض الأحيان. ولو علمت نساء النبي عليه السلام والمسلمات في صدر الإسلام بأن الحجاب سيكون زينة اضافية فوق زينة المرأة العادية وجاذباً لشهوة الرجل، وسبباً في زيادة متاعب المرأة نتيجة للتحرشات الجنسية في الأسواق والطرقات والمكاتب لما لبسنه في ذلك الزمان. ولكنهن اضطُررن إلى لباسه في ذلك الوقت، لقلة الماء في الصحراء العربية لغسل شعرهن كل اسبوع مرة أو مرتين، ولعدم اكتشاف الشامبوهات والكنديشنرات في ذلك الوقت. واضطرت معظم النساء العربيات – وخاصة العاملات في مختلف المجالات - في هذا الزمان لارتداء الحجاب توفيراً للوقت في الصباح، حيث يستدعي تسريح الشعر إلى وقت طويل، ولعدم توفر الماء لغسله كل يومين أو أكثر (الميه ما بتوصلش الدور الرابع في العُمارة) ولعدم وجود نقود كافية لشراء الشامبو والكنديشنر ( قارورة الشامبو أو الكنديشر المتوسط الجودة بأكثر من عشرة دولارات، وهي متوسط دخل الفرد لمدة ثلاث أيام في معظم الدول العربية، ما عدا دول الخليج، حسب تقرير مجلة الإيكونوميست السنوي الأخير.)

-3-

المضحك فعلاً ، أن العرب والمسلمين خلال 14 قرناً مضت، لم يهتموا كثيراً بأمر الحجاب. ولم ينهمك رجال الدين وفقهاؤه كما انهمكوا هذه الأيام بموضوع سخيف كالحجاب، حتى أن منهم من ألّف كتباً كاملة حول موضوع الحجاب، كما فعل جمال البنا، الذي انهمك في موضوع الحجاب، وانتهى فيه إلى أن الحجاب فُرض على الإسلام ولم يفرض الإسلام الحجاب. ولا أدري ما هو الفرق؟ وأصبح سوق الحجاب هو الرائج ملابساً ، وأغطية رأس، وأزياءً، وأحاديث تلفزيونية، ومقالات، وكتباً. فكتب الشيخ السعودي ابن العثيمين كتاباً آخر نقض فيه ما قاله البنا، وأكد فيه أن الحجاب من صُلب العقيدة الإسلامية. واثنى عليه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني بكتاب آخر عن الحجاب. وتبعه الشيخ خالد العنبري بكتاب آخر عن الحجاب، واثنى عليه بكر أبو زيد بكتاب (حراسة الفضيلة) وظهرت عشرات الكتب عن الحجاب كما لم تظهر في أي عصر من عصور النور أو الظلام. وفكرت أنا أن أكتب كتاباً عن الحجاب بعنوان (غرام الأحباب في ارتداء الحجاب) ولكني اكتشفت أن العشرات من "الفقهاء" كتبوا كتباً قيمة فيه، وسوف لن يكون لكتابي قيمة تذكر. وبلغ الهذيان في موضع الحجاب كآخر قلعة باقية من قلاع العفَّة العربية المتهاوية، أن اعتبرت خيرية الحارثي الباحثة السعودية، أن تدريس كتاب (الحجاب) لابن عثيمين في المدارس السعودية من أساس اصلاح نظام التعليم السعودي لأهمية وعظمة الحجاب، وأنه من الأمور الدينية التي لا يمكن التنازل عنها، مع بيان تاريخ الحجاب في الدول الإسلامية، وكيف كان، وكيف أصبح بفعل "المؤامرة على المرأة المسلمة" كجزء من مشروع استعماري شامل لتغيير وجه الحياة في البلدان العربية، واقتلاع المجتمع الإسلامي من جذوره.

يا لطيف..!

ووصلت معارك الحجاب الظافرة الى أعلى المستويات في بعض البلدان العربية. فرئيس الوزراء السوري منع التعامل مع داري نشر "إيتانا" و "بترا" لنشرهما كتاب (فليُنزع الحجاب ) للكاتبة الايرانية شاهدورت جافان وترجمة المغربية فاطمة بلحسن. وكادت أن تنشب أزمة سياسية بين فرنسا وبعض البلدان العربية لمنع الرئيس شيراك الحجاب في المدارس الفرنسية. وكاد العرب – من قلّة عقولهم وقُصر نظرهم - أن يدخلوا معركة الحجاب على الحدود الفرنسية أشبه بمعركة "بواتييه" أو "تورز" الشهيرة التي وقعت في القرن الثامن الميلادي بين المسلمين والفرنجة.

-4-

خلاصة الكلام، إذا كان من بين نساء المسلمين من أردن ارتداء الحجاب فعلاً تديناً، وخوفاً من الاصطلاء بنار جهنم، فعليهن النظر إلى الراهبات المسيحيات في الأديرة المختلفة شرقية وغربية، كاثوليكية وارثوذوكسية، ويتعلمن منهن طقوس ارتداء الحجاب الديني وليس الحجاب الخليع. وهو حجاب أسود، بلا ألوان، وبلا زركشة، وبلا مساحيق على الوجه، وبلا كحل للعينين، ونفخ بالدهن للشفتين، وتوريد للوجنتين، ويتقين الله فينا وبأعصابنا وبأنفسهن.

فهل يستطعن إلى ذلك سبيلاً، إن كُنَّ حقاً مؤمنات؟!

السلام عليكم