للمرأة الفلسطينية كل الإجلال



صالح سليمان عبدالعظيم
2006 / 11 / 12

لا أدرى إذا كان الكثيرون ممن شاهدوا هؤلاء النسوة الفلسطينيات المندفعات لإنقاذ أبنائهن قد تخيلن أمهاتهم في مثل هذا الموقف، وهن يتلقين بأجسادهن الطاهرة نيران الدبابات الصهيونية الغادرة. وإذا كنا قد تبلدت أحاسيسنا تجاه الفلسطينيين، وإذا كانت مشاهد الموت التي يطالعنا بها الإعلام العربي البارد ليل نهار قد باتت جزءا عاديا، لا يحرك فينا شعورا، ولا يشعل فينا الغيظ أو حتى الحسرة، فلا أعتقد أن مشهد هؤلاء النسوة وهن يندفعن نحو المسجد المحاصر فيه أبنائهن، يشبه غيره من المشاهد التي تبلدت مشاعرنا عندها.

علينا فقط أن نفكر في أمهاتنا، ونتخيلهن بحجابهن البسيط، وهن يواجهن الرصاص ونيران الدبابات. علينا أن نتخيلهن وهن منكفئات على وجوههن في الثرى، يلفظن أنفاسهن الأخيرة. علينا أن نفكر في ذلك، وعلينا ونحن نفكر أن نعى أننا، نحن أبناؤهن، محاصرون لا نملك لهم نفعا ولا نملك لهم خلاصا. وعلينا في هذا السياق أن نتحرر من تلك البلادة التي أصابتنا، وتلك الأنانية العربية المزمنة التي تجعلنا نتخيل أن ما أصاب هؤلاء النسوة الفلسطينيات بعيد عنا ولن يصيبنا.

وإذا كانت البلادة العربية قد وصلت إلى مستويات غير مسبوقة تجاه الفلسطينيين وما يحدث لهم، وإذا كانت الصفاقة الأمريكية قد اعتبرت أن ما تقوم به إسرائيل المتخمة بالأسلحة المحرمة دوليا مجرد دفاع عن النفس، فإن ما قامت به هؤلاء النسوة يفتح آفاقا جديدة لضرورة عدم الخوف من إسرائيل، وعدم تقديم أية تنازلات لها، إذا كان من سمة تنازلات جديدة يمكن تقديمها لها. لم يحمل هؤلاء النسوة أية سلاح، ولم يخططوا لعمليات استشهادية أو فدائية أو انتحارية، هذه هى المسميات الثلاثة لتلك العمليات، وتعتمد درجة قبول كل منها على مستوى الحس الوطني، وعلى درجة القرب أو البعد من المشروع الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة!!

كل ما قامت به هؤلاء النسوة أنهن استجبن لنداء استغاثة من احدى القنوات المحلية الفلسطينية طلبا لإنقاذ المقاومين المحتجزين من قبل القوات الصهيونية الإسرائيلية في أحد المساجد الواقعة في بلدة بيت حانون بغزة. المحتجزون أبناؤهن، مقاومون أو ارهابيون، فدائيون أو مجرمون، هم أبناؤهن. لم تفكر هؤلاء النسوة في أية مسميات، ولم يفكرن في تلك الخلافات العقيمة بين فتح وحماس، ولم يفكرن في أبومازن أو هنية، وربما حتى لم يفكرن في فلسطين، والقضية الفلسطينية، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، كل ما فكرن فيه هو انقاذ أبنائهن، وربما الموت بديلا عن هؤلاء المحاصرين.

ووفقا لصحيفة الجارديان البريطانية، قالت السيدة الهام حماد، 48 عاما، أنها خرجت في تمام الساعة الخامسة يوم الرابع من نوفمبر، مع ابنتاها لانقاذ ابنها، 30 سنة، المحاصر من قبل القوات الإسرائيلية. وأضافت قائلة، كنا حوالي 30 إمراة، استطعنا تجاوز الدبابات الإسرائيلية، وكنا نحمل رايتين بيض اللون، لم يطلبوا منا أن نتوقف، لكنهم فجأة أطلقوا علينا النيران، أصبت في جبهتي وصدري، ولم تكن هناك أية عربات للإسعاف، حيث حملني زوجي على عربة يد، وأوصلني إلى المستشفى.

انتهت عملية تحرير المحاصرين، بمقتل اثنين وجرح عشرة نساء. وبالطبع تعللت اسرائيل باندساس المسلحين الفلسطينيين وسط النساء، كما أكد الناطق باسم البيت البيض حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها، بينما ظل العرب في سباتهم العظيم. لن تكون هذه آخر المذابح الإسرائيلية ضد الفلسطينيين الذين قُتل منهم العشرات هذا الأسبوع، ولم يحرك أحد ساكنا. ولن تقف معاناة المرأة الفلسطينية عند هذا الحد. فوفقا لتقرير منظمة العفو الدولية للعام 2005، فقد عانت المرأة الفلسطينية من العديد من المضايقات والانتهاكات من جانب قوات الاحتلال الإسرائيلي، إضافة إلى ما تعانيه أصلا من معاناة على مستوى الجانب الفلسطيني حيث التفاوتات بين الرجل والمرأة.

يفيد التقرير إلى العديد من المضايقات التي تعرضت لها المرأة الفلسطينية عند عبور الحواجز المختلفة التي أقامتها قوات الاحتلال الإسرائيلية في كل مكان. وتزداد معاناة المرأة الفلسطينية حينما تضطر إلى عبور هذه الحواجز من أجل الوضع. ومن أشهر تلك الحالات حالة السيدة رولا اشتية التي احتجزت قرب بيت فوريك أثناء توجهها الى المستشفى للوضع، فاضطرت الى الوضع على الحاجز الذي أقامه الإسرائيليون. تقول رولا، وفقا للتقرير، "استلقيت على الأرض وزحفت للاختفاء وراء حاجز أسمنتي بغية ستر نفسي ومن أجل وضع المولود على الأرض، وفي التراب مثل أي حيوان. حملت الطفلة لفترة وجيزة ثم ما لبثت أن فارقت الحياة على ذراعي". ويؤكد التقرير أن رفض الجنود السماح لرولا بالمرور فيه خرق لميثاق جنيف الذي ينطبق على إسرائيل كقوة احتلال.

لا تقف المسألة عند هذا الحد، فالمرأة الفلسطينية شريك كامل للرجل في معركة المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني. ففي فترة الانتفاضة الفلسطينية الأولى ووفقا للباحث غازي صوراني، قدمت المرأة الفلسطينية نسبة 7% من شهداء الأعوام 1987ـ1997 ، و2% من جرحى الانتفاضة، وأكثر من 500 معتقلة فلسطينية في السجون الإسرائيلية طوال مرحلة الاحتلال والانتفاضة. إضافة إلى ذلك لا يمكن تجاهل الدور الضخم الذي تلعبه المرأة الفلسطينية في مقاومة الاحتلال سواء بالمساعدات غير المباشرة أو من خلال المشاركة الفعلية في العمليات العسكرية. كما أن دور المرأة الفلسطينية في إدارة شؤون العائلة في ظل الغياب شبه الكامل للكثير من المقاومين الفلسطينين، إما هربا من الصواريخ الإسرائيلية، وإما بسبب وجودهم في السجون الإسرائيلية، دور كبير وهائل في ظل تدني الأوضاع الاقتصادية في فلسطين المحتلة.

إن ما تواجهه المرأة الفلسطينية من عنت وظلم إسرائيلي يفرض على الحركات والتنظيمات النسائية في العالم العربي دورا كبيرا في مساعدتها بشتى الطرق والوسائل المختلفة. فبديلا عن ثرثرة هذه الحركات، واجتماعاتها الفاخرة يمكن توجيه قدر ما لمساعدة المرأة الفلسطينية، على الأقل التنويه بأدوارها البطولية ومقاومتها المستمرة لذلك الاحتلال الصهيوني الغاشم.

أخيرا، أليس من الغريب الآن ألا نسمع كلمة من هؤلاء الذي يروجون للخطاب الأمريكي في المنطقة عن تلك المجازر التي تحدث للفلسطينيين في غزة وبيت حانون. أليس من الغريب والمريب في الوقت نفسه أنه لو حدثت عملية عسكرية ضد إسرائيل الآن، فإن الأصوات الغربية والعربية على السواء سوف تدين وتشجب. من الغريب أننا لا نسمع الآن صوت هؤلاء الذين شجبوا وأدانوا عملية حزب الله ضد اسرائيل، وصمتوا وإسرائيل تدمر لبنان، كما يصمتون الآن واسرائيل تذبح الفلسطينيين، وتمرمغ النساء في الثرى!! يا سادة لا تخافون إسرائيل، كما لم تخف منها هؤلاء النساء الفلسطينيات، كفاكم صمتا وخوفا فلن يطيل الصمت والخوف أعماركم، ولن يجعلكم في مأمن من الهول القادم. وعلينا أن نتذكر قول الشاعر الفلسطيني الراحل معين بسيسو حينما قال، الصمت موت. إن قلتها مت. وإن لم تقلها مت. قلها ومت.
د. صالح سليمان عبدالعظيم
كاتب مصري
[email protected]