جسور أمل



عماد الطيب
2023 / 10 / 17

امل عجيل الحسناوي .. اديبة عراقية من اللواتي قدمن عصارة جهدهن من أجل قراءة تستوعب الحاضر والماضي وتستشرف المستقبل . قدمت العديد من النصوص الادبية السردية .. فضلا عن مقالات وقصص واشعار. امتازت تجربة الحسناوي في البحث عن الهوية المفقودة في الشخصية الانسانية في ظل صراعات نفسية واجتماعية واخلاقية وحتى سياسية . وعرفت بكتاباتها التحليلية حيث تتعامل مع المضمون وفق آليات خطتها لنفسها . لذا نرى الغموض يسود فضاء النص الادبي لدى الكاتبة .. فهي تحادث شخصيات تكاد تكون مخفية عن القاريء ولكن توظفها بشكل دراماتيكي تجعل من القاريء يلاحق الاحداث بوتيرة متسقة .. فقد كشفت في نصها السردي " خوارزمية الجسور " عن مدى استخدامها للرمزية في الاحداث ودلالات نفسية واخلاقية اسقطتها الكاتبة على مفردة الجسر الذي اعطى اكثر من مغزى ومعنى في حكايتها . فقد لعبت الجسور لعبتها الكبيرة السعيدة منها والمحزنة معها منذ ان كانت طفلة تعيش في بلدة صغيرها تحيطها الجسور من كل جانب ..( ان اجمل شيء في طفولتها هو ذلك الجسر الذي يقطع مدينتها الى شطرين ، الاول يقع فيه السوق الكبير والمناطق الشعبية بدرابينها الضيقة وتعرجاتها المتشعبة ، والثاني للاحياء الراقية حيث الشوارع العريضة والبيوت المليئة برائحة الرازقي واغصان النارنج وعرائش العنب .. شكل عبور الجسر اعظم متعة بالنسبة لها حيث انعكاس الوان غروب الشمس على صفحة الماء وتلك الجزرة على جانب النهر التي جربت النزول اليها وارعبها غوص قدميها في الطين .) فالجسور في مفهومها الطفولي الصغير اكتشاف لعوالم جديدة وانها ايضا اداة لتقسيم المدينة بين احياءها الشعبية واخرى لمناطق الاغنياء . فالطفلة التي تلعب بحارتها المتكونة من دروب ضيفة يحدها النهر فلا معبر لها سوى جسورها العتيقة . وتكبر تلك الطفلة وتتغير مفاهيمها للحياة واتخدت الجسور منحى آخر في حياتها . بعدما كانت الجسور اداة لاكتشاف عالمها الصغير . تحولت الى اداة مرعبة في حياتها العامة (ارعبتها الجسور التي لاتحمل روح النهر في داخلها ) فهنالك جسور لاتحمل معنى الحياة والتغيير في الرؤى اوالارتقاء الى فضاءات فسيحة .. وانما اصبحت لديها كائن خرافي مخيف .. بعدما مدت جسورها مع الاخرين سواء في العمل اومع حبيب مجهول الهوية يحمل دلالة رمزية تلاعب في مشاعرها فكان رمزا في الغدر والخيانة بعدما كان يمثل لها الحياة والامل . (صعد هو الى جانبها ذات صباح خريفي دافيء وقال : الامر بسيط ولا يدعو للخوف . لم يكن الامر بسيطا بالنسبة لها بل كان هاجسا مرعبا ، لكن وجوده معها هو من جعله كذلك واخذت تقطع الجسور واحدا تلو الاخر بأطمئنان وهي تسترق النظر الى عينيه المليئة بالحب والتقدير فيدخل الامان والهدوء اليها ، وقد اطلقت المرأة (تسميات خاصة) على تلك الجسور لم تخبره بها ،،،عبرا معا ,,,, جسور المدينة كلها ،، تلاشى الخوف بلمسة يد ,,ونظرة عين.
كانا ينتظران بعضهما في نهاية وقت عمله وعملها، فيقود سيارته امامها وتقود سيارتها خلفه دون تدبير او تخطيط منهما ويسيران في طريقهما المشترك ، قاطعين ثلاثة جسور ، آخرها جسر ( الفراغ ) كما اطلقت عليه ، حيث تنحرف يمينا لتدخل في الشارع المؤدي لبيتها بينما يكمل هو طريقه البعيد بعد ان يلوح لها بيده وابتسامته ، فتشعر ان كونها فارغ تماما بدونه .
امتد بينها وبينه جسرا فريدا من الشعور الانساني ،، هناك ود ،، وهناك قرب ،، وحب وصداقة ،، وهناك في النادر جدا : شعور اعمق من كل ذلك يخرج عن نطاق التسميات المعروفة للمشاعر، يأتي من دون اسباب ،، وليس له شروط ،، هو الحياة نفسها,, ولهذا حين غادرها فجأة ، غادرتها الحياة معه ، وأصبح الكون يخلو من الالوان والموسيقى والعطر ،،، باهت وبلا طعم ،، كحساء بارد في فم محموم . ) هذا الجسر الانساني الذي فتحته لبعض البشر كان وبال عليها فكانت تتصرف بحسن نية وبراءة مع الاخرين وكان الامل الكبير في حياتها المتمثل بالحبيب المجهول الذي اشاع في نفسها رهبة الحياة وما تحويها من غموض ورعب وانكسار .. وكأنها تعيش اسوء كوابيسها . ( كان خذلانه مضاعفا كمن يحمل سكينا مسننا يعاود الطعنات فيها على جرح مفتوح .لم يفزعها رحيله بقدر ما أوجعها ان تضيع مشاعر عظيمة دون مبرر حقيقي وان يتحول من كان اقرب اليها من نبضها ومن الدم الذي يتدفق في شرايينها الى مجرد (غريب) . لم تستخدم الكاتبة في نصها الادبي التسلسل الزمني في ادوار حياتها دائما . وانما لجأت احيانا الى تبني مفهوم الفلاش باك خاصة في مرض والدتها ووفاتها ويقظتها من كابوسها المفزع الذي ترك آثارا نفسية .. مما دعاها الى توظيف تلك الانتكاسات الى نجاح وعبور لكل جسورها المعيقة .. والوصول الى المنطقة الآمنة في حياتها . استطاعت الكاتبة في توظيف امكانياتها اللغوية بأستعارة المفردات بشكل بلاغي لاسيما وان رمزية الاحداث منحت مناخا عاصفا من الاثارة والترقب . واقول .. من يرمينا بحجر نهدي له غصن زيتون .. هكذا تكون الحياة .!!!