عشرون عاماً من تكسير المجاذيف... عن خرافة تمكين المرأة في العراق



حنان سالم
2023 / 10 / 20

كنتُ في العاشرة من عمري عندما سقط ذلك الصنم، لم أكن اعي حينها أنني جزء من شريحة ستواجه تحدياً يضاف الى قائمة التحديات التي تواجه كل من يعيش على ارض العراق، وهو ان أكون امرأة.
ولعل الوسيلة الأكثر فاعلية لمواجهة هذا التحدي الجلل من وجهة نظر الذين حلوا محل الصنم، هو استحداث وزارة مختصة بشؤون المرأة، ب 18 موظف والفي دولار بدل نثرية.
ولا حاجة لهذه الوزارة بحقيبة وزارية فيكفي ان يُقسِم صاحب الشأن دون ان يوضح كيف، انه سينهض بواقع النساء ويضمد جراحات الزمن الغابر، لنحلم بمستقبل أفضل.
والواقع اننا كنساء لسنا بحاجة لهذه الوزارة من الاساس، فما حاجتنا بوزارة لا تؤمن وزيرتها بحق المرأة في العيش كإنسان كامل الاهلية، لا عجب في ذلك فهذه الوزارة جزء لا يتجزأ من منظومة "بعد ما ننطيها" التي لم ترَ غيرها على الساحة يوماً.
الحل اذاً في حل الوزارة واستحداث دائرة لتمكين المرأة في مجلس الوزراء، وشعباً واقساماً لذات الغرض في مختلف مؤسسات الدولة عبر مبادرة البنك المركزي العراقي، وبالتعاون مع رابطة المصارف العراقية ومنظمة الأمم المتحدة لشؤون المرأة، ليكون تمكين المرأة بذلك "عملاً شعبياً" لا لَبْس في تحقيق أهدافه.
لن اذكر عناوين الندوات التي اقامتها اقسام تمكين المرأة في الجامعات العراقية والوزارات في السنتين الاخيرتين فلستُ بصدد كتابة مقالٍ ساخر، لكني سأوضح ما وصلنا اليه بعد عشرين عاماً من التمكين.

تمكين ولا في الاحلام
لن يتسع هذا المقال ولا عشر مقالات اخرى لوصف مدى سوء وضع المرأة في العراق، لكني اتساءل، هل يعرف من يجلس خلف مكتبه متحكماً بمصائر النساء معنى التمكين؟ هل يعي ان تمكين المرأة الحقيقي يعني الاستثمار بثروة وطنية تتجاوز ال 20 مليون نسمة؟ وهل يدرك ان أساس هذا الاستثمار هو تشريع قوانين منصفة يتبعه تمكين اقتصادي واجتماعي؟
تتسنم المرأة 17% فقط من المناصب الإدارية في المؤسسات الحكومية عامةً، ولدينا وزيرة واحدة لوزارة سيادية في الحكومة الحالية، واللواتي يمتلكن عملاً لا يتجاوزن ال 18% من مجموع النساء في العراق.
اجور العمل غير متساوية بين الرجال والنساء خصوصاً في الاعمال الشاقة كجمع الملح وصنع الطابوق، بل ان قانون العمل غير مفعل في الكثير من مواده ومن تعمل في القطاع الخاص لن تأكل في اليوم الذي تتوقف فيه عن العمل حتى ولو كانت تجر خلفها خمساً من الايتام.
نسبة الاميات من النساء تتأرجح بين 18% و20% بحسب جهات حكومية ومنظمات دولية، و2% فقط من الريفيات يعبرن الى ما بعد التعليم الثانوي. اما العنف فقد تعددت اشكاله وتفننت جهات عدة في ممارسته ضد المرأة بدءاً من العنف الثقافي مروراً بالعنف الاسري الى العنف الجنسي الذي مارسته المجاميع الإرهابية في مختلف مناطق العراق، فما نلبث ان ننسى حالة حتى تشتعل مواقع التواصل الاجتماعي بأخرى أكثر اجراماً.
والجدير بالذكر ان لا محكمة تمنع سياط العنف عن 49% من سكان العراق (النساء) فتأسيس محكمة خاصة بهذا الشأن يحتاج الى توافق سياسي بين أطراف معنية قادمة من خلفيات عشائرية لازالت لا تكيل للمرأة بميزان.
ولكي يطمأن القارئ أكثر، فجرائم الشرف في تزايد وباتت تستخدم لأغراض شخصية كالاستيلاء على الميراث على سبيل المثال لا الحصر، كما ان قوانين مجلس الثورة التي تحمل تمييزاً ضد النساء هي هي ذاتها لم تتغير والمادة 409 من قانون الأحوال الشخصية لازالت مفعلة وتُبحر بالقاتل الى بر الأمان. علاوة على ذلك فالبرلمان العراقي يؤكد لنا في كل دورة انتخابية ان محاولات تشريع قوانين تحمي النساء هي تمرد وقفز على تقاليدهم التي ما انزل الله بها من سلطان.
وعلى مدى عشرون عاماً دخلنا عدة حروب داخلية ومع مجاميع إرهابية، وبدأت الاسر بالتفكك وأصبحنا نتسابق مع باقي الدول في تسجيل حالات الطلاق فأصبح لدينا حصيلة من الارامل والمطلقات تكفي لتأسيس جيشين، براتب رعاية اجتماعية لا يتجاوز المئة دولار.
محاولات تزويق صورة السلطة امام المجتمع الدولي عن طريق ابتداع دوائر ووزارات فشلت و"فاحت ريحتها" فلم يعد مجدياً ادعاء انهم لا ينتهكون حقوق كل من يستطيعون انتهاك حقوقه وتقارير المنظمات الدولية في السنوات الأخيرة وضعت العراق في موقف محرج، فعشرون عاماً تكفي للوصول الى نهاية حبل الكذب مهما طال، فيا ترى أي "بلتيقةٍ" تنتظرنا للعشرين سنة القادمة؟