|
غلق | | مركز مساواة المرأة | |
|
خيارات وادوات |
كريمة مكي
!--a>
2024 / 1 / 23
دخلنا سوية الى محل الحلاقة الشاغر صباح الأحد... كلّ منّا تستعجل دورها لتُلاقي بعده أعباء يومها، استقبلتنا الحلاّقة مُرحّبة و معتذرة عن عطب في سخان الماء لكنها استسمحتنا في بعض الوقت حتى تصعد للطابق العلوي لتبحث مع صاحبة المحل عن حل.
بَدَتْ لي امرأة متميزة في بساطتها بنحافة زائدة و بملامح جميلة زادَها الحُزن حسنا!!
كانت امرأة عميقة الحزن و كنتُ عينا تستشعر الحزن من أوّل نظرة.
لم أكن قد قابلتها هنا قبلا لكن و كما لو كنت أفتح بابا للحديث قلت و أنا آخذ مجلة بيدي:" يبدو أننا من حيث أردنا ربح الوقت قد أضعناه..لِنُطالع اذن" أخذت بدورها مجلة تتصفحها و تقلب أوراقها بعصبية زائدة و فجأة انقطع التقليب و تركزت عيناها على صفحة بعينها. عدت لما بيدي بعد أن هدأت ريح أوراقها و ما كدت أنتهي من قراءة ما بدأته حتى صرخت في وجهي: " كلهم خائنون..أعرف أنهم جميعا يخونوننا..."
- من؟؟ حُكّامنا؟!
- بل رجالنا..انظري إلى حكاية هذه المرأة ..بعد أن ضحّت لأجله بعملها و عائلتها و بعد أن أشبعها وعودا و كلاما معسولا و بعد أن طلّق زوجته ليتزوجها فما عاد لها شك في حبّه..ها هي تضبطه يتبادل الغزل و الغرام مع امرأة جديدة..يا لنذالتهم!
- ليسوا كلّهم على كل حال، قلت و أنا أصبغ بلون الاعتدال كلامي.
- لا بل كلهم و اسأليني أنا عنهم.
- و هل عرفت كثير منهم؟
- بل هو واحد فقط و منه عرفت كلّ الرجال، إنهم في الخيانة سواء بل إن الخيانة تسري في عروقهم كما الدماء !!
- لا تبالغي فلكلّ و احد منا عذره رجلا كان أم امرأة.
- عذر؟ عن أي عذر تتحدثين، حقا ما أسهل عندكم التنظير!
هكذا قذفت في وجهي حِمم غضبها المستطير بنظرة حادّة متوترة لا يمكن أن تكون إلا لأنثى مغلوبة على أمر قلبها.
اعتدلت في جلستي بعد أن فاجأني نعتها الأخير. أجبت بما يشبه تهكمها : عفوا على التنظير، هلا أسمعتني صوت الممارسة؟
قالت بنفس النبرة الحادة المتوترة: "تفضلي اقرئي حكاية هذه المرأة"..قاطعتها و أنا أضع المجلة على الطاولة القصيرة " دعك من حكايات المجلات فأغلبها ملفق و مختلق من أجل الترفيه عن همومنا بهموم أغرب و أشد..هات حكايتك أنت "؟
كنت أعرف أنها إنما كانت تمهد لحكايتها بشهادة تلك المرأة فاختصرت عليها الحديث. و جاءني صوتها.. ثائرا هادرا كجرح نازف يأبى الالتئام :" لا أمر من خيانته سوى كذبه..ما أفظع الكذب حين يأتيك من أقرب قريب لقلبك و لا تعرف له داعيا واضحا...
عرفته في الشركة التي أشرف على حساباتها و كان هو أحد أهم عملائنا، كان يجمعنا اختصاص علمي واحد فقد كان محاسبا مثلي ثم جمعنا فيما بعد أجمل ما يمكن أن يجمع بين امرأة و رجل أو هكذا تخيلت....
كنت أسقط في غرامه دون وعي أو إرادة مأخوذة باهتمامه الزائد بي، بكلامه العذب الرقيق، بهداياه الجميلة و بوعده الأجمل... الوعد بالزواج ثم الزواج فعلا فهل لي أن أشك لحظة في صدق إحساسه؟
كانت مسترسلة في الحديث لا تأبه لدخول الحلاقة أو خروجها أكثر من مرة مجددة لنا اعتذارها و متمتمة بعبارات التطيّر من هذا الصباح الذي تخشى أن لا ينتهي رباح!! فهذه مساعدتها لم تصل بعد و ستعتذر لها كالمعتاد بمحنة المواصلات في إقليم تونس الكبرى و هذا سخان الماء يأبى أن يشتغل في انتظار وصول ابن صاحبة المحل التي وعدتها باستقدامه لمساعدتها في إصلاحه و بين هذه و تلك كنت في سِرّي أتمنى لو تتركنا الحلاقة لوحدنا حتى أنتهي من استيعاب تفاصيل هذه الحكاية التي أدهشتني صاحبتها وهي تتحداني بغضب حقيقي كما لو كان بيننا سابق معرفة و كما لو كانت تريدني أن أنتهي من سماعي لها مُصدّقة حتما لما تقول.
أردت أن أستوقفها حتى تعيد علي ما ضيّعه سمعي حين كنت أعطي أذنا للحلاقة لكنها كانت كقطار لا يأبه لما في طريقه حتى أني خشيت إن أنا استوقفتها أن تُنهي الحكاية في منتصف الطريق فهي من ذلك النوع الصارم الذي لا يمكنك التنبأ بردّة فعله و لم أكن لأعرف بالضبط إن كان ذلك هو طبعها أم هو فقط من أثر تلك الخيانة التي طبعت نفسيتها بالتوتر و الحدة....(يتبع)
دعوة للانضمام الى موقعنا في الفسبوك
نظام تعليقات الموقع متوقف حاليا لاسباب تقنية نرجو استخدام تعليقات
الفيسبوك
|