أيّهما الأهم: الأنثى في المرأة أم الأمّ (2/3)



كريمة مكي
2024 / 1 / 25

أردت أن أستوقفها حتى تعيد عليَّ ما ضيّعه سمعي حين كنت أعطي أذنا للحلاّقة لكنها كانت كقطار سريع لا يأبه لما في طريقه حتّى أني خشيت إن أنا استوقفتها أن تُنهي الحكاية في منتصف الطريق فهي من ذلك النوع الصّارم الذي لا يمكنك التنبأ بردّة فعله و لم أكن لأعرف بالضبط إن كان ذلك طبعها أم هو من أثر تلك الخيانة المُرّة التي طبعت نفسيتها بالتوتر و الحِدّة.
و لأني كثيرا ما أعجب بكل شخص استثنائي و صادق في غضبه العارم فإنني أسكتُ لساني في حضرة صدقها الغاضب و بإشارات مساندة صامتة تركتها تُواصل.
" في السنة ثالثة زواج حدثت الكارثة، كنت في قمة سعادتي حين أنجبت ابني الثاني فقد كنت أريد أن أنجب منه أطفالا بلا عد، ما كانت مشاق الحمل و الولادة و لا دِقّة و صعوبة عملي و لا أي عائق آخر لِيُثنيني عن تكوين عائلة كبيرة أعتني بها في كلّ كبيرة و صغيرة، كنت امرأة مُحبّة للحياة فائقة الحركة و كان حبّه يمنحني طاقة خرافية للعطاء فأعطي بلا حد و ما أشكو... حتى جاء ذلك اليوم المشؤوم".
صمتت فجأة مُحوِّلة بصرها الى السّقف..كانت تغالب غصّة تخنقها و دمعا يُريد رغما عنها أن يجري.
"تصوري مع من؟"
واصلتْ :" مع الخادمة...نعم...البنت التي ائتمنتنا عليها أمّها المترملة و التي كان يقول أنها ابنته و يأتيها بأكثر من هديّة كلّما سافر و قد كانت كثيرة بحكم العمل أسفاره...
ما كنت لأشك فيه و هو يتأخر في الخروج لعمله بدعوى أنه يريد البقاء مع الأولاد و ملاعبتهم خاصة و أنه غالبا ما يجدهم نائمين عند العودة من العمل ليلا..."
كان وجعها قد بدأ يصل الى أقصاه و هي تتذكر تلك الحادثة و ما أظنها قد نسيتها لحظة من يوم حدوثها لكن ربما كانت تسمعها لأول مرة بصوت عال بعدما كانت تستحضرها سِرًّا كل هذه المدّة.
عمّتها حالة كآبة مريرة بفعل شدة الطعنة التي تلقتها في ذلك اليوم و التي تَجَدّد وقعها الدّامي الآن و سيظل يتجدد كلما نشطت في تذكّرها ذاكرة ترفض أن تنسى... فترحم.
فكّرتُ في أن أخفف عنها إيقاع الوجع أو حتى أن أعيدها لحالة الغضب الأولى فالغضب على الأقل أفضل للنفس من الحزن فإذا كان الأول يطرد الألم إلى خارج القلب فان الحزن يدعوه إلى الداخل... إلى أن يظل في القلب مُقيم!!
قلت :" ألا تكونين قد قصّرت معه بشكل من الأشكال إذ يقولون بأن خيانة الأزواج في حالات كثيرة تكون بتقصير من الزوجات؟"
واصلت طريقها كأنها ما انتبهت لسؤالي أو كمن تعمّدت تجاهلي فارضة عليَّ تتبّع سردها حتى أجد بمفردي إجابات لفضولي.
واصلت بالفرنسية هذه المرة و إليكم أُتَرْجِمْ:
" أطردته من حياتي،،، أطردتها من بيتي،،، أطردتُ الأنثى منّي!!
ما عدتُ بعده امرأة تصلح للحبّ...
انظري إلى وجهي، يدي عاجزة على أن ترفع إليه قلم كحل أو أحمر شفاه...
ما عادت بي أدنى رغبة للتزيّن، لِمن زينتي إن لم تكن لنظرة أشتهيها من عيني رجل أحبّه؟؟ الحب...يا له من وهم كبير، يالني من حمقاء‼ كم تزيّنت له و كم أنفقت من أجله وقتي و مالي و صحتي... كنت أحرص كل يوم على العودة قبله إلى البيت لأكون في انتظاره و كلّما عاد من سفر فاجأته بديكور جديد ، بالورد الذي يحبه، بالأكل الذي يحلو له من يدي و كان يأخذ في أسفاره موظفة انتدبها للغرض.. هكذا حدّثوني بعد طلاقي.. يا للحقارة ‼
كيف أجاد كل ذلك الكذب و لماذا إن لم يكن حقا يحبّني... لكم يحرقني هذا السؤال."
ما عاد بي أدنى أمل في إيجاد عذر لهذا المتهم الحاضر أمامي بالغياب فقد تصورتُ فعلته الأولى حبّا صعقه لتلك البنت التي هي في حمايته و في الحب الصاعق تضعف مناعة الأخلاق عند الإنسان لكن ها أنه كالبهائم لا يتردد في ممارسة حيوانيته في أكثر من مكان و إن حرص في فعله على أن يحتاط.
(يتبع)