نحو حوار مجتمعي يعالج العنف ضد النساء



عايدة توما سليمان
2006 / 11 / 27

غالبية النساء اللواتي يتعرضن للعنف الجسدي أو الكلامي، يحافظن على صمتهن. هذا معطى يفرض تكثيف النضال ضد تعنيف النساء...
ناضلت الحركات النسوية في العالم كله وفي بلادنا بما يشمل الحركة النسوية الفلسطينية على مدار عقد كامل حتى نجحت بترسيخ الاعتراف الدولي والمحلي بأن المجتمعات الانسانية كلها تعاني من ظاهرة العنف ضد النساء، العنف بجميع أنواعه الجسدي والجنسي والنفسي والاقتصادي. وسجلت هده الحركات في سجلاتها أنجازا حين أعترفت المؤسسات الدولية والهيئات ومواثيق حقوق الانسان أمامها أن العنف المسلط ضد النساء هو خرق بشع لحقوق الانسان يتحمل مسؤوليته مرتكب العنف داته وجميع المؤسسات الرسمية والدولة بجميع أدرعها عندما لاتضع المعايير والانظمة والقوانين والمؤسسات التي من شأنها أن توفر الحماية للنساء والفتيات والطفلات من العنف، فهل بامكاننا حقا نحن التنظيمات النسوية، ومؤسسات حقوق الانسان أن نفرح لهدا الانجاز وأن نعلن أن بامكاننا الان الخلود للراحة فحياة النساء بأمان؟
من الواضح أن زمن الراحة كما يبدو بعيدا، ففي عامنا هدا الذي لم ينته بعد قتلت 6 نساء وفتيات عربيات في أسرائيل ونجت 3 أخريات على الاقل من محاولات قتل. بالمقابل استقبلت الملاجئ أكثر من مائتي امرأة عربية وأطفالهن بسبب معاناتهن من العنف وتوجهت 520 امرأة لمركز مساعدة ضحايا العنف في جمعية نساء ضد العنف واشتكين تعرضهن للعنف. ولو وقف الامر عند هذه الاحصائيات وحدها لكان الامر بحد ذاته خطيرا ويستحق الاستمرار بالعمل الا أنه وللاسف فأن هذه الاحصائيات غيض من فيض وما زالت الاغلبية من النساء والفتيات اللواتي يعانين العنف بجميع أشكاله صامتات.
في وضعية من هذا النوع لابد أن نشير أمامنا وعلى جدول أعمال مجتمعنا بأن النضال ضد العنف ضد النساء ما زال في بداياته.
بالاضافة الى ذلك فان النضال من أجل الاعتراف بالمشكلة ما زال مستمرا إذ أننا بدأنا نواجه في السنوات الاخيرة توجها جديدا نعترف بأن النوايا من ورائه في غالبيتها نوايا ايجابية أد تطلق المؤسسات المختلفة على اليوم العالمي لمكافحة العنف ضد النساء، الخامس والعشرون من شهر تشرين الثاني، اسم اليوم العالمي لمكافحة العنف في العائلة وعندما نتساءل عن تغييرهم للاسم تأتينا الاجوبة مختلفة ولكنها في الاساس اما تشير الى أن تغيير الاسم ينبع من كونهم يريدون أن يكون للاسم وقع أفضل على المجتمع بحيث لا يربطه البعض بنضالات الحركة النسوية وكأن نضال هذه الحركات ضد العنف ضد النساء فيه ما يعيب أو هو ضد مصلحة المجتمع.
مجموعات أخرى تفسر تغييرها للاسم بكون العنف ظاهرة تسيطر وتنتشر في السنوات الأخيرة وهناك عنف بين الاخوة، كما حدث في مدينة الطيرة قبل يومين حين اعترف الاخ بقتل أخيه أو حيث العنف ضد الاطفال أو المسنين في عائلاتنا أو عنف بين العائلات أو بين الشباب، وما لا ينتبه اليه أصحاب هدا التعليل بأن العنف ضد أولئك جميعا لا يتم لكونهم ينتمون لجنس معين (نساء) وإنما لاسباب أخرى بحيث لا يفترض مرتكب العنف سلفا أن له الحق بالقيام باعتدائه الذي لا يراه اعتداء أصلا وفرق أضافي أنه في كل حالات العنف الاخرى لا يقدم المجتمع أعذارا أو تفهما أيا كان لمرتكب العنف بل يقوم بالمقابل بلوم الضحية أو يحملها مسؤولية تعرضها للعنف كما يحدث في حالات العنف الموجهة ضد النساء.
ففي البحث الدي قامت به جمعية نساء ضد العنف "مواقف من قضايا وحقوق المرأة الفلسطينية في أسرائيل" أتضح أن 30,1 بالمائة من جمهورنا العربي بامكانه أن يتفهم أو يتفهم جدا القتل على خلفية ما يسمى بشرف العائلة، أي بمعنى أخر أن هؤلاء بامكانهم أن يتفهموا قتل امرأة، إنهاء حياتها والقضاء عليها. ومن ناحية أخرى أجاب المشاركون بالبحث أن 37,9 – 22,2 بالمائة بامكانهم تفهم قيام الزوج بضرب زوجته لسبب أو لآخر.
لقد أعلن حوالي ثلث مجتمعنا بحسب هدا البحث أنهم يتفهمون العنف ضد النساء ويتفهم تعني هنا أيجاد الأعذار والموافقة إما العلنية أو الصامتة وهو أمر مثير للقلق جدا إذا أخذنا بعين الاعتبار بأن هذه الاحصائيات تعكس أولئك الذين كانوا على استعداد لكشف مواقفهم الحقيقية بينما قد يكون آخرون، وهذا شبه مؤكد، قد خجلوا من اعلان تفهمهم أو موافقتهم على ظواهر العنف ضد النساء. والسؤال الذي يبقى معلقا كم هم أولئك الذين يتفهمون ويؤيدون العنف بشكل عام وضد ضحايا آخرين في مجتمعنا؟
في وضعية مثل هذه لا يمكننا أن نتلاعب بالاسماء فالتسميات موقف والموقف سياسة ونهج وتغيير الاسماء فيه تغيير للموقف وللممارسة.
آخرون يقولون لنا أن في تحديد اليوم للنضال ضد العنف ضد النساء هنالك توجيه اصبع اتهام واضحة ضد الرجال، ونحن نتساءل لو وقعت أي جريمة ضد أي إنسان ألا نريد أن نعرف مرتكبها؟ ألا نريده أن يتحمل مسؤولية جريمته؟ فاذا لماذا نريد غض الطرف أو عدم الاشارة بصريح العبارة وباصبع الاتهام ضد مرتكبي جرائم العنف ضد النساء وهم في تسعين بالمائة من الحالات على الاقل من الرجال؟ بمصلحة من يصب هذا التعويم للمسؤولية والحدود. لقد قال لينين: "لا يمكنك حل مشكلة دون مواجهتها". ونعم، جزء كبير من المسؤولية يقع على عاتق الرجال مرتكبي العنف ضد النساء وجزء أخر يقع على مسؤولية النظام المجتمعي الذي يشرع لهذه الجرائم ويكسب الرجل المكانة التي تخوله بالاعتقاد بأنه يملك المرأة في حياته أيا كانت، زوجة أو أختا أو أما أو أبنة أو صديقة أو زميلة، جسدا وروحا ونفسا وعقلا.
وكما لا نعطي الاعذار للعنصريين بذاتهم حين يرتكبون المواقف والتصرفات العنصرية ضد مجموعة قومية، مثلا الجماهير العربية، بقولنا أن الاجواء كلها عنصرية، إنما نحملهم المسؤولية الشخصية ونسعى في الوقت ذاته لتغيير الاجواء العنصرية ولاجتثاث هده الآفة مجتمعيا وقانونيا فالأمر ذاته في نضالنا ضد جريمة العنف ضد النساء.
والحركة النسوية الفلسطينية شأنها شأن كل الحركات المجتمعية السياسية الناضجة ترى أيضا المسؤولية الرسمية للدولة بمجمل أجهزتها على تغيير الواقع وحماية المواطنين وفي هذه الحالة المواطنات من أي عنف أو انتهاك لحقوقهن أو لإنسانيتهن، كل هذا رغم أننا نعي واقعنا المركب كوننا جزء من أقلية قومية مضطهدة تعاني من التمييز الرسمي الدي تمارسه الدولة ضدنا، إلا أننا ومرة أخرى، كما لا نتنازل عن تحميل الدولة مسؤوليتها رغم كل ذلك تجاهنا كمواطنين أبناء لهذه الاقلية القومية، ليس بإمكاننا إعفاءها من المسؤولية عن سلامة وحياة النساء بيننا.
وفي هذا المضمار أيضا ورغم كون الدولة قد سنت قوانين وأسست مؤسسات لحماية النساء الا أن الطريق ما زالت طويلة بل وآخذة بالتعقيد أكثر فأكثر في السنوات الاخيرة.
أن السياسة العسكرية العدوانية التي تمجد الحرب والقوة والعنف تجاه أبناء شعبنا الفلسطيني وشعوب المنطقة كلها هي السياسة ذاتها التي تقتنص المزيد من الميزانيات المخصصة لرفاهية المواطنين والمواطنات وتقوم بتحويلها للمزيد من العسكرة والمستوطنات، ولعل أكبر شاهد على ذلك ومما يعتبر مفارقة أنه خلال النقاش على ميزانية الدولة لهدا العام ادعى جميع الوزراء دفاعهم عن ميزانيات وزاراتهم واستردوا جزءا من هده الميزانيات من وزارة "الأمن" ما عدا وزير الرفاه الذي لم يحرك ساكنا ولم يسترد شيئا لوزارته والسبب أن وزير الرفاه هو نفسه رئيس الوزراء ايهود أولمرت، وهنا اتضحت أولوياته بشكل جلي، فبقيت الملاجئ والبرامج العلاجية والوقائية من العنف ضد النساء بميزانيات أقل من السابق مما يستدعي التقليص وشد الحزام والعودة عن الكثير من الانجازات في هذه المجالات.
في وضعية كهذه بالامكان الركون الى الراحة والقول بأننا أنجزنا انجازات في هذا النضال الهام. نعم بامكاننا تسجيل الانجازات من باب شد العزيمة ومن باب الإيمان بقدراتنا وطاقاتنا إلا أنه لا يمكننا الا أن نشحذ الهمم وننظر من جديد في خارطة المصاعب الجديدة ونرتب الاوراق وننظم المهم ثم الأهم وعلى رأسهم الحارق من بين النضالات وهو برأيي أثارة الحوار المجتمعي الذي من شأنه أن يطرح القضية، العنف ضد النساء من جذورها ويعالج مسبباتها جاعلا الحراك المجتمعي باتجاه إقصاء العنف ومرتكبيه وبناء حضارة حوار وندية إذ أنه من الواضح أن بإمكاننا أن نؤثر داخل مجتمعنا أكثر مما بإمكاننا التأثير في هذه المرحلة على أجهزة الدولة.
ولا يكفي اليوم بأن لا نعلن تفهمنا، ولا يكفي اليوم بأن لا يعجبنا التصرف العنيف بل نحن في مرحلة الحوار الصريح الذي يحمل المسؤولية المجتمعية عن واقع فيه 91 بالمائة من المجتمع يعتقدون بأن على المرأة المعنفة أن تصالح زوجها وعمليا أن نرضى بأن يكون 50- 80 بالمائة من أطفال هؤلاء النساء ضحايا للعنف بأنفسهم وممارسين له في المستقبل.
إن قياداتنا السياسية والاجتماعية جزء مهم من هذا الحوار المجتمعي ومقولتهم الواضحة والمبادرة في هذا الشأن لها تأثير كبير ونود أن نراهم معنا في هذا النضال كما رأيناهم يتصدون مؤخرا لدعوات تعدد الزوجات وتحويلنا نحن النساء الى أرحام لولادة الاطفال، فقد رأينا تأثير مقولتهم الواضحة ووقفتهم الصلبة الى جانب تصدينا لمثل هذه المحاولات.
وكل يوم ونضال جديد وتجديد لنضال لم ينته بعد.

*كاتبة المقال مديرة جمعية نساء ضد العنف