جريمة الإتجار بالبشر بين النصوص الدولية والقانون العراقي



سرود محمود شاكر
2024 / 2 / 22

تعتبر جريمة الإتجار بالبشر - الأشخاص - الانسان من أخطر الجرائم التي تواجه الإنسان وتشكل انتهاكا صارخا لحقوقه، وهدم كرامته، وتعد هذه الجريمة من أشكال العبودية الحديثة حيث تخطت بيع البشر كسلعة تُباع وتُشترى.إن هذه الجريمة أصبحت جريمة عالمية عابرة للحدود الوطنية تؤرق المجتمعات والحكومات،اذن هي ليست مشكلة دولة ما بل مشكلة دولية تمس المجتمع الدولي برمته. حيث التعاون الدولي لمكافحة هذه الجريمة، عن طريق إبرام مجموعة من الإتفاقيات الدولية لمنع الإتجار بالبشر، أهمها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والتي اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 25 / 55 الدورة الخامسة والخمسون المؤرخ في 15 تشرين الثاني/2000 حيث المادة 1 من الاتفاقية بينت (بيان الغرض-
الغرض من هذه الاتفاقية تعزيز التعاون على منع الجريمة المنظمة عبر الوطنية ومكافحتها بمزيد من الفعالية).ثم الحقت بالاتفاقية اثنين من البروتوكولات وهما: بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال، المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية الذي اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 25 الدورة الخامسة والخمسون المؤرخ في 15 تشرين الثاني/2000 حيث ديباجة البروتوكول أكد
(إن الدول الأطراف في هذا البروتوكول،
إذ تعلن أن اتخاذ إجراءات فعالة لمنع ومكافحة الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال، يتطلب نهجا دوليا شاملا في بلدان المنشأ والعبور والمقصد، يشمل تدابير لمنع ذلك الاتجار ومعاقبة المتّجرين وحماية ضحايا ذلك الاتجار بوسائل منها حماية حقوقهم الإنسانية المعترف بها دوليا.. ) كما أن البروتوكول عرف الجريمة في
المادة 3 (المصطلحات المستخدمة
لأغراض هذا البروتوكول:
(أ) يقصد بتعبير "الاتجار بالأشخاص" تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيواؤهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة استضعاف، أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال. ويشمل الاستغلال، كحد أدنى، استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي، أو السخرة أو الخدمة قسرا، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق، أو الاستعباد أو نزع الأعضاء؛
(ب) لا تكون موافقة ضحية الاتجار بالأشخاص على الاستغلال المقصود المبيّن في الفقرة الفرعية (أ) من هذه المادة محل اعتبار في الحالات التي يكون قد استُخدم فيها أي من الوسائل المبيّنة في الفقرة الفرعية (أ)؛
(ج) يعتبر تجنيد طفل أو نقله أو تنقيله أو إيواؤه أو استقباله لغرض الاستغلال "اتجارا بالأشخاص"، حتى إذا لم ينطو على استعمال أي من الوسائل المبينة في الفقرة الفرعية (أ) من هذه المادة؛(د) يقصد بتعبير "طفل" أي شخص دون الثامنة عشرة من العمر) .وجاء هذا التعريف في نطاق تطبيق إتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة وبروتوكول الإتجار بالأشخاص الملحق بها، حتى تصاغ على أساسه القوانين الداخلية للدول بشأن الأفعال الإجرامية. إلا أن البروتوكول لم يبيّن ما هو القصد من الإستغلال بل عدد أشكاله على سبيل المثال، إضافة الى أنه اعتبر جميع الأشخاص عرضة للوقوع كضحايا لهذه الجريمة، ولم يجعل نطاقها مقصوراً على الأطفال والنساء وإن كانوا عرضة لذلك اكثر من غيرهم . إضافة الى ذلك لاتكون موافقة ضحية الإتجار بالأشخاص على الأفعال المبيّن أعلاه محل إعتبار في حالات يكون قد إستخدم فيها أي من الوسائل المبيّنة في التعريف لأن في كثير من حالات الإتجار بالأشخاص توجد موافقة أولية أو تعاون أولي بين الضحايا والمتاجرين ثم يعقب ذلك ظروف القسر أو الإساءة في المعاملة أو الإستغلال في مرحلة لاحقة. لكن أية موافقة أولية تكون معدومة وباطلة نتيجة الخداع الأولي ووقوع القسر لاحقاً أو أي إستغلال للسلطة في مرحلة ما أثناء عملية الإتجار، وذلك وفقاً للمادة (3/ب) من البروتوكول مكافحة الإتجار بالأشخاص .
وتعتبر إتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية وبروتوكول الإتجار بالأشخاص الملحق بها هو الأساس القانوني لتعريف جريمة الإتجار بالبشر وتحديد مفهومها، وتستند الدول الأعضاء في تشريعاتها الجنائية على هذه الإتفاقية لتحديد أحكام الجريمة.
ويجب أن لا ننسى ان بروتوكول مكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو المكمِّل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية الذي دخل حيز التنفيذ في 28 شباط 2004. اعتبارا من تشرين الثاني حيث بين في أحكامه العامة المادة 1العلاقة باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية وان هذا البروتوكول يكمِّل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، ويكون تفسيره مقترنا بالاتفاقية.و شدد في المادة 2 من البروتوكول - بيان الغرض
(أغراض هذا البروتوكول هي منع ومكافحة تهريب المهاجرين، وكذلك تعزيز التعاون بين الدول الأطراف تحقيقا لتلك الغاية، مع حماية حقوق المهاجرين المهرَّبين) . وفي المادة 3 من البروتوكول
المصطلحات المستخدمة أكد على الدخول غير المشروع لشخص الى دولة أخرى من أجل الحصول، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، على منفعة مالية أو منفعة مادية أخرى.، هذا السرد انفا كان في مجال عمل المجتمع الدولي في مواجهة جريمة الإتجار بالبشر حيث يجب أن لاننسى ان المشرع العراقي عرف جريمة الاتجار بالبشر في قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 28 لسنة 2012 حيث التعريف ( تجنيد أشخاص أو نقلهم أو إيوائهم أو إستقبالهم، بواسطة التهديد بالقوة أو إستعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الإختطاف أو الخداع أو إستغلال السلطة أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سلطة أو ولاية على شخص آخر بهدف بيعهم أو إستغلالهم في أعمال الدعارة او الإستغلال الجنسي، أو السخرة أو العمل القسري أو الإسترقاق أو التسول أو المتاجرة بأعضائهم البشرية أو لأغراض التجارب الطبية).حيث أن تعريف المشرع العراقي مأخوذ من التعريف الوارد ببروتوكول منع وقمع ومعاقبة الإتجار بالأشخاص وبيّن فيه عناصر الجريمة وصوره مع وجود بعض تغييرات فيه، فعلى سبيل المثال لم يرد المشرع العراقي فعل النقل و إستغلال حالة إستضعاف و الممارسات الشبيهة بالرق و الإستبعاد، و حصر الغرض من الإستغلال في جريمة الإتجار بالبشر بـ( أعمال الدعارة، الإستغلال الجنسي، السخرة، العمل القسري، الإسترقاق، التسول، المتاجرة بأعضائهم البشرية، لأغراض الطبية) في حين النص الوارد في بروتوكول الدولي جاء على سبيل المثال لا الحصر،
ومن هنا ان جريمة الاتجار بالبشر جريمة بكل الأركان ضد الانسان حيث يسلب الحق في الحياة وان حياة الانسان مقدس واكدها القران الكريم والكتب السماوية ناهيك عن المواثيق والاتفاقيات والعهود الدولية والدستور العراقي المادة (١٥)
(لكل فرٍد الحق في الحياة والأمن والحرية، ولا يجوز الحرمان من هذه الحقوق أو تقييدها إلا وفقاً للقانون، وبناءً على قرارٍ صادرٍ من جهة قضائيةٍ مختصةٍ ).
و ان جريمة هذه الجريمة تؤثر بشكل مباشر على صحة الانسان بما فيها من تجارة الأعضاء البشرية وانتهاك صارخ للحق في الصحة حيث ان هذا الحق مكفول في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والاتفاقيات ذات الصلة وكذلك الدستور العراقي المادة ((٣١)اولاً :- لكل عراقي الحق في الرعاية الصحية،) وحيث ان الإستغلال الجنسي وعمل السخرة أو العمل القسري والاسترقاق من اشكال جريمة الاتجار بالبشر وهذا يشكل خطر على الانسان وخاصة المرأة والطفل وان هذه الاعمال المذكورة محظورة حسب الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان بما في ذلك اتفاقية مناهضة التميز ضد المرأة واتفاقية حقوق الطفل والدستور العراقي وفي مواده 29 و30 وكذلك المادة ((٣٧)أولاً :-أ - حرية الانسان وكرامته مصونةٌ ). و إشارة الى مما سبق ذكره ان هذه الجريمة تعتبر انتهاك صارخ لجميع الحقوق والحريات المكفولة في العهود والمواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان والتي صادق عليها العراق وعليها التزامات بهذا الصدد وكذلك باب الحقوق والحريات في الدستور العراقي عامة والمواد الخاصة بكفالة الحق في الحياة والصحة والوقاية في الدستور عليه نقترح في هذا المجال بعض النقاط :
١ تعديل بعض مواد قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 28 لسنة 2012 وفق إتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية وبروتوكول الإتجار بالأشخاص الملحق بها حيث يعتبر الأساس القانوني لتعريف جريمة الإتجار بالبشر وتحديد مفهومها
٢ بما أن جريمة الإتجار بالبشر من الجرائم المنظمة العابرة للحدود، فقد تستدعي من الدول الأعضاء في منظمة الإنتربول مواكبة تطورات التكنولوجية والمعلوماتية خاصة في مجال تحصين وضبط الحدود ومراقبته.
٣ تعزيز التعاون بين الجهات كالمفوضية العليا لحقوق الانسان والوزارات المعنية بمكافحة الجريمة كالوزارات الداخلية والهجرة والمهجرين و الخارجية والصحة والعمل والشؤون الإجتماعية والنقل والمواصلات والإدارات الحدودية والكمركية والشركات الخطوط الجوية والبرية والأمن الوطني والمخابرات .
٤ لمكافحة جريمة الإتجار بالبشر نفضل تفعيل نصوص الصكوك والإتفاقيات الدولية التي أبرمت في هذا الشأن وتنفيذ بنودها بحذافرها، والسعي لإنشاء سياسة تعاونية مشتركة بين الدول الإقليمي وتعاون الدول فيما بينهم وبين المنظمات الحكومية وغير الحكومية الموكولة بمكافحة هذه الجريمة.
٥ تصديق إتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية وبروتوكول الإتجار بالأشخاص الملحق بها من قبل الدول التي لم توقع على الإتفاقية بعد.
٦ـ من الأفضل تبديل"كلمة الأشخاص" ب "كلمة البشر" في إتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة وبروتوكول الإتجار بالأشخاص الملحق بها، لأننا نرى أنها أكثر تناسباً وموافقاً مع محل الجريمة. فمن المعلوم أن كلمة "الأشخاص" تشمل شخص طبيعي وشخص معنوي في آن واحد، فالشخص الطبيعي هو يكون ضحية جريمة الإتجار بالبشر فمن المستحيل إصباغ صفة الضحية على الشخص المعنوي في هذه الجريمة.

المصادر
ورقة بحثية مقدمة إلى جامعة جنان بأشراف الدكتور مازن شندب 2021
-د أوزدن حسين دزه - م.م فينك جعفر حسين /جريمة الإتجار بالبشر ودور الشرطة الجنائية الدولية ـــ الإنتربول ــ في مكافحتها(دراسة تحليلية) كلية القانون/ جامعة صلاح الدين ـــــــ أربيل
-الدستور العراقي
- قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 28 لسنة 2012
-موقع الأمم المتحدة
-موقع جامعة منيسوتا.
-اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والتي اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 25 / 55 الدورة الخامسة والخمسون المؤرخ في 15 تشرين الثاني/2000.
- بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الإتجار بالأشخاص، بخاصة النساء والأطفال، المكمل لإتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لسنة 2000.
-بروتوكول مكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو المكمِّل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية الذي دخل حيز التنفيذ في 28 شباط 2004.