بطاقةٌ موحَّدة



سارة سامي
2024 / 2 / 27

بطاقة موحَّدة

المكان دائرة أحوال المنصور
الزَّمان كانونُ الأبيض بتوقيتِ بغداد

- عمي آنه حاجز اليوم موعد وكل المستمسكات جايبها بس ناسين شهادة الجنسية. يصير يدزوها عالواتساب وتسحبها؟
- لا عمي مايصير. لازم تجي وتجيبها غير يوم
-لا حول ولا قوة الا بالله

كانت تطقطقُ بكَعبِها وتَتمايل بتَنُّورتُها القَلَم، وحولَ رَقبتِها وفَوهَتِها إلتَفَّ إيشاربٌ أشقر. تَلتَفِتُ يميناً وشمالاً بحثاً عن شُبَّاكٍ يستلِمُ إستمارتها. لا أدري لِمَ تخيلتها عانساً لم يُحالفها الحظ لتتزوج. او لرُبَّما حالفها فبَعضُنا يعتبرُ نفسه محظوظاً حين لا يقعُ بمصيدةِ احد.

- هل أوراقُكِ كاملة؟

الجنسية وشهادةُ الجنسية. الوثائِقُ التِي أثْبَتت عراقيتنا لعقود أصبحتِ اليومَ غير نافذة.
الجميعُ هنا يبحثُ عن بطاقةٍ موحَّدة.

أخذ عمِّي أوراقي القَديمة ووَقَف في طابُور. إجلسي هناك. إستثمرتُ الوقت بالكتابة. القاعة مُكتظةٌ بالمراجعين. هنا تلتقي بالعراقيين كما هُم. بلا فلاتر ولا رُتوش. وكُلُّ ملامِحِهم الحادَّة تصرخُ بوجهِك "إبتعد".
النِّساءُ مُتَجَهِمات وصامِتات، التجهُّم هنا رمزُ الحِشمة، والصمتُ يقي صاحِبه مغبةَ الحديثِ عن نفسه.
لا أحد يبتسمُ بوجهِ أحد. ربما بوجوهِ الأطفال حين تقع أعينهم على خدودهم الناعمة وضحكاتهم البريئة. ولكونهم مخلوقاتٍ لا تنتمي لمنظومتنا الكونية يكون التعامل معهم أبسط، فالأطفال ما
دون سن السابعة لا يُشبهون البشر!

يطوفُ فضولك في زوايا المكان وتفتحُ عدستك أبوابها ليدخل المارة بكلِّ قسماتهم الى شبكيَّتك. ولأنَّك مهاجرٌ مُغترب تبقى تتمعن بما آل اليه ناسُك ومجتمعُك.
بعضُ الوُجوه باهتة تفتقرُ الى التورُّد وبعضُها تتصبغ بألوانٍ
صارخة حيثُ مكحلةٌ تغفو برمتها بين أجفانِ صاحبتها.

سارة سامي عبد ال...

إلتَفَتُّ الى الصَّوت. كان مُوَّظفاً بزيٍّ زيتونيّ من وجههِ القَمحي تهربُ التعابير.
إذهبوا الى مُدخِل البيانات رقم 30. وطابورٌ جديد وقفَ به عمي. ليقول لي من جديد "إجلسي هناك". الرَّجلُ هنا يأخذُ على عاتقِهِ حمايةَ المراة. يصدُّ بصدرهِ العريض نظراتِ العالم اليها. ويتركُ جبهَتَه تتعرَّق لترتاح هي، فتُجازيه حين يعودُ الى البيت تخدمُه وتطعِمُه وتربِّي أولاده. وأحيانا أخرى تُجازيه بالمُلاسنة والعصيان.

المرأةُ هنا تعملُ وتكسِب. الجامعاتُ تكتظُّ بالدارسات والكفاءاتُ
النسوية تملأُ المؤسسات. لكنَّ المرأة هنا نصف والرَّجل واحد!

لا يمكن لإمرأةٍ أن تُصدر جوازَ سفرٍ لأطفالها دون موافقةِ زوجها،
لكنَّه يستطيع أن يصدِره دون مُوافقتها فهو وليُّ أمرهم وهي لا!

لا تزال المرأةُ ترثُ نصف ما يرثُهُ الرَّجل. ولا تزالُ شهادتُها منقوصةً إزاء شهادةِ الرَّجل. لا يحقُّ للمرأةِ حضانةُ الأطفال إن تزوَّجت، بينما يحقُّ للرجل حضانتِهم وإن تَزَوج.

والقائمة من هذا الهراء تطول.

فقد صَدَقوا حين قالوا بأنَّ المرأةَ نصفُ المجتمع، لأن الرَّجل هنا
المجتمع بأكمله.

إنتظارٌ.. ثم إنتظار.. الوقتُ يمرُّ ببطء

على الحائطِ كان هناك صُندوق أحمر وبمنتصفِهِ زرٌ أبيض. كُتب تحتَهُ "الرَّجاء عدم الضغط على الزِر".

تُرى هل كنتُ الوحيدة التي إنتابتها رغبةٌ بالضغطِ عليه؟!