التناقضات في تهنئة المرأة بعيدها



محمود عباس
2024 / 3 / 12

سنة بعد أخرى، وخاصة في مناسبة يوم المرأة العالمي، تهيمن الكتابات السطحية والتي تطفو عليها لغة التزلف لحقوق للمرأة، على الكتابات الهادفة لتوعية المجتمع عامة، وبشكل خاص ما تكتب بيد النساء ويقال بلسانهن، وتتكرر ديباجة ما قيل وكتب وبنفس الأساليب الكلاسيكية الجامدة، من الدفاع عن حقوقها إلى تهنئتها في عيدها، خاصة في العقد الأخير مع انتشار سهولة النشر في وسائل التواصل الاجتماعي، وحيث المبالغة، والتضخيم والذي في عمقه اعتراف ضمني غير مباشر على أن أغلبية الذات المدافعة تريد إقناع نفسها قبل إقناع المرأة على أنه يؤمن بحريتها الكلية وأن حقوقها يجب أن تكون على قدر حقوق الرجل، وهو بذاته في الواقع ليس حرا، فكيف لسجين يعطي الحرية لسجين أخر، إلى درجة يشعر القارئ بأن الرجل، الشرقي خاصة، يتباها وهو في ذاته غير مقتنع بالحقوق التي تنسخ خارج المساحات الدينية، أو يكتبها لأنه يشعر بأنه لا يؤمن بمنطق التنازل عن حقوقه كرجل أمامها، كما وتنتشر كتابات وأقوال تعكس عكس المقال، وتتبين بين سطورها بعض الدلالات على قناعته بوجود غبن بالمكون وهو جزء مشارك أو يؤمن بهذا الغبن.
وفي الواقع، الكتابة ونشر القوانين والأحكام في هذا المجال تكثر وبتلك الأساليب الضحلة في الدول والمجتمعات التي تؤمن بعدم المساواة، وبتعدد الزوجات وزواج القاصرات، وغيرها من المآسي، وترى سيادة الرجل حق لا بد منه، والأغلبية من شعوب هذه الدول لا تؤمن بها بل تعارضها، وبالتالي تلك المجتمعات تعيش المآسي ما بين النظرية والتطبيق، ومن الغرابة أن نسبة عالية من نساء هذه المجتمعات حتى المدافعات عن حقوقهن غارقات ما بين القول والفعل، أو بين المنطق وابتذال الحرية مقابل شريحة الرجال الذين يتأرجحون ما بين المنطق وعدمية الحرية، وجلها نتيجة ضحالة الوعي، وهيمنة الثقافة الدينية المطلقة، وهذا ما يجعل الرجل بحد ذاته مقيد ولا يملك القدرة على قبول حرية المرأة أو تقديمها، لذلك المرأة لا تحتاج إلى التهنئة بقدر ما تحتاج إلى توعية المجتمع، والكتابات التنويرية والتي يجب أن تتجه إلى الهدف.
لا شك الظروف الاقتصادية إلى جانب عامل الثقافة الدينية والاجتماعية؛ خلقت طوال القرون الماضية، حاجزا منيعا حول المرأة وجعلتها تمتنع ذاتيا المطالبة بالمساواة مع الرجل، هذا الطابو بدأ ينكسر اليوم وبسرعة غريبة على خلفية الحرية المتوفرة عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي وتحسن الواقع الاقتصادي، أو لنقل سهولة الاعتماد على الذات، وفي الحقيقة هذه العوامل أخرجت شريحة من النساء عن سجونها فاندفعن ليس نحو الحرية بل العبث بها، لا تقل عن عبث شريحة الرجال المبتذلين للقيم، وكثيرا ما تم هدم صروح عائلية، تحت حجج متنوعة. لكنها ومن جهة أخرى، نورت مفاهيم شرائح واسعة من الجيل الشاب بغض النظر عن جنسهم. لذلك يمكن القول أن وسائل التواصل الاجتماعي هي ذاتها حركة تنويرية بقدر ما هو عامل للتدمير الاجتماعي، مع أو دون دعم المتنورين.
نسبة واسعة من مجتمعنا الكوردي يدرج بين هذه المجتمعات، على خلفية الثقافات الدخيلة، وخاصة الإسلامية التي لا تزال تعاني من ثقافة العصر العربي الجاهلي، وهي سمة تتعارض مع ثقافة الشعب الكوردي الأصيلة وحتى مع روحانيات دياناته القديمة، علما أن بعض الفقهاء يدعون إن الإسلام أعطى المرأة حقوقها الكاملة وأحيانا أكثر من الرجل، ربما هذه في النظرية والنص، وأنا أشك فيها، ولكنني لا أجزم لأنني لست ضليعا في الفقه والشرع، لكن في الواقع العملي يتبين عكس المقال، ومظاهر الحياة الاجتماعية في الدول الإسلامية خير مثال. وما يجري في جنوب كوردستان ومؤتمرات تلبيس المرأة الحجاب، القاصرات بشكل خاص، تقليد لثقافة تلك الدول الرائدة في تطبيق الشريعة، والحجاب هي بداية إقناع المرأة بالرضوخ لقوانين الرجل، وعلى أنها عورة، وما أبشع هذه الكلمة من حيث المعنى والمضمون، علما أن الحجاب كان في العصور الوسطى نوع من الأرستقراطية وتعال على الرجل، وحصانة سلبية في الديانة المسيحية تكاد تشبه الحجاب في الإسلام.
قبل عدة عقود كانت المرأة في الدول الحضارية الأن، تعاني من غبن كارثي لا يقل عما هي عليه الدول المتخلفة الأن وعلى رأسها الإسلامية، كعدم السماح لهن بالتصويت والترشيح لمناصب سياسية، كانت ولا تزال الرواتب غير متعادلة، ونتذكر كيف أن بعض الروائيات لم يكتبن أسماؤهن على رواياتهن لأن الكتابة كانت تجلب العار للعائلة، وقصص نساء عائلة برونتي معروفة للجميع، ولا زالت رواسب التمييز موجودة لكن مع ذلك المرأة في مجتمعات هذه الدول تجاوزت مرحلة المطالبة بحقوقهن إلى مرحلة فرض الذات، ليس فقط لأنها كسبت المعركة بذاتها ورسختها في الدساتير بل لأن حركات التنوير زرعت الثقافة الحضارية وهذه بدورها خلقت طفرة في ذهنية الرجل، وأصبحت المعادلة تعرض ليست عن الحقوق على أنها غير كاملة؛ بل حول التقدير بما تقدمه المرأة للمجتمع، بعكس حقوقها في المجتمعات الإسلامية التي لا زالت تملك نصف حق الرجل في الوراثة وكشاهدة وغيرها، وهذه المعادلة تعتبر جريمة قانونية في المجتمعات الحضارية.
تضخيم الدفاع عن المرأة وحقوقها، وعيدها، دون تنوير المفاهيم، ومن باب المطالبة بحقوقها وليس تقديرها، بأكثر من المطلوب انتقاص من قيمتها، والتفخيم الزائد لواقع معروف يؤدي إلى تكوين حالة عكسية، فالمرأة في المجتمعات الحضارية بلغت مراحل متطورة من المساواة، تقدم لها الهدايا ومن النادر يتم الحديث عن حقوقها. والتذكير المكرر لواقع معروف لدى الجميع، بأن المرأة هي الأم والأخت والزوجة والبناء عليه لقول ما يراد قوله، جدلية ساذجة، تظهر هشة وبدون تأثير على الرجل، والمحاولة من خلالها في إعادة تبيان ما قدمته وتقدمه للعائلة والمجتمع فاشلة على الأغلب، لأن جلها يجب أن توجه لإقناع الذات قبل المرأة.
الأغلبية تتناسى الجدلية البيولوجية والنفسية، ولا يتم دراستها من أبعادها المنطقية وحيث التكوين الأبدي للمرأة والرجل، تنجح في كتابة الدساتير ووضع القوانين، لكنها تفشل في خلق التوازن بين الجنسين، وبأنه لكل طرف حدود لقدراته، فكما هو معروف هناك مجالات لا تجد المرأة ذاتها فيها، ومن النادر أن تقتحمها، النظرة عامة ولا تعني عدم وجود استثناءات، كما وللرجل سمات تعزله عن أداء أدوار في المجتمع، مع عدم تغييب المراحل الزمنية الطويلة التي مرت بها البشرية، ووضعت الظروف المعيشية المسايرة مع التكوين البيولوجي المكونين في مناطق عملية مختلفة؛ كل يبدع فيها بشكل أفضل وأنسب للتطور الاجتماعي وللإنسانية عامة.

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
10/3/2024م