- أنا واخي- العمل الرعائي كمساهم في الاخوة الهشة



منال حميد غانم
2024 / 3 / 13

تولد الانثى ولا تعلم انها ستصبح خادمة مجانية وحتى ان علمت لا تريد ان تتقبل هذا الوصف , مع ان وصف المركز هو الخطوة الأولى للاعتزاز به او رفضه ومقاومته , تلك المقاومة التي تتجلى بأساليب متعددة منها عدم اعادة انتاجه مرة اخرى , فقد لا تمتلك القدرة على رفض نظام ما ولكنك في الوقت ذاته تمتلك الارادة في عدم تقويته على الاقل .
هذه الخادمة تعمل في ثلاث اماكن ذات طابع اسري على امتداد حياتها , المكان الاول هو بيت اهلها وعملها يبدأ منذ السادسة من العمر الى سن الزواج المتعارف عليه مجتمعيا وفي العراق فأن ثلث النساء المتزوجات هن نتاج تزويج طفلات فقد بلغت نسبتهن 24.8% حسب وزارة التخطيط العراقية عام 2021 يعني انها قد تخدم ما لا يقل عن 6 سنوات لتنتقل الى مكان عملها الثاني وهو " بيت العيال" او العائلة الممتدة لتقدم خدماتها بشكل مشترك مع عاملات اخريات( كنات) بفترة تقدر من 3 سنوات الى 40 سنة في الحالات النادرة, والمكان الثالث هو بيتها المستقل المملوك لزوجها بالغالب الاعم , وهنا تخدم زوجها وعائلتها بالشراكة مع بناتها الى مماتها .
في المكان الاول ,الام والاخوات يقدمن خدمات الرعاية غير مدفوعة الاجر الى الذكور في العائلة والذين لا تتدرج سلطتهم بحسب المراكز الاسرية فالأب والاخوة يقفون على مستوى واحد من حيث السلطة والهيمنة والرغبة بإخضاع نساء العائلة لهم , لكن النساء هي من ترى بأن الاب هو من يملك سلطة مشروعة بينما الاخ لا يملكها وعند اظهاره لأي قرار جائر نسمع جمل من قبيل ( ابوية ما مات / انت مو ابوية ..) , فهن يرغبن بأخ قوي لكن ليس بحضور الأب كرغبة ضمنية بالمساواة امام سلطة اعلى وهي سلطة الاب ,فلا يرغبن بقوة تساوي مستوى قوة الاب او تعلى عليه , مع ان واقع الحال يظهر انه يتقاسمون تلك السلطة لمصالحهم المشتركة ويخططون ويتعاونون وينفذون الاعمال التي تضمن طاعة النساء وولائها لا لعادات العائلة وتقاليدها فقط بل حتى لأفكارها ورؤاها حول المفاهيم المجتمعية والدينية والسياسية .
فعندما يغيب الاب لظرف مؤقت او دائم يجعل من أحد الذكور خليفته, وحتى اذا لم يقرر ذلك صراحة , هم يصرحون بذلك بأنفسهم او يمارسونه دون الحاجة الى بيانه , فتعمل الفتيات والنساء طوال النهار لتنفيذ طلبات الاخوة والعناية بهم بشكل قسري لكنه في اطار مشحون بعواطف الاخوة وتماسك الاسرة والتي يبدو ومن خلال الواقع المعاش ان النساء هي من تتولى الحفاظ على ذلك التماسك وديمومته وليس الرجال . فتتكون علاقة الاخوة بطعم المر الممزوج بقطرات عسل لتستطيع النساء تقبل هذا الواقع المعاش المليء بالعمل المذل واسلوب " افعل ولا تفعل " الابوي ليجعلها تصل ان تختم القران عشرات المرات وتدعي الله من كل قلبها لتخرج من المكان الاول ( الاسرة ) للثاني ( بيت اهل الزوج ) في حكاية العمل المنزلي العراقية لتوهم نفسها انه مختلف وهين .
وفي المكان الثاني وهو عائلة الزوج الممتدة فهي تقدم نفس الخدمات لكل لعائلة زوجها واخوته , حيث يرغمها السياق العرفي الى اعتبارهم اخوة ايضا لها وهم امتداد لأخوتها, فبالتالي تقدم نفس الخدمات لهم من طاعة و رعاية او عمل منزلي غير مدفوع الاجر في اطار من الاخوة الاسمية في الغالب والتي لا تحمل اي امتنان او عرفان لها بالعمل ولو الشيء البسيط فهي "كنة" ومهما كانت من الاقارب فهي غريبة وهذا واجبها .
اما المكان الثالث فهي بطلته وتتحول فيه الى صانعة منتجة لهذا النظام لتعيد تجديده على بناتها مع اخوتهن عاكسة فيهن كل هذا البؤس والاذى وخالقة مع النظام الابوي ككل متمثل برؤية الاب والاعمام والمدرسة ونادي اللعب والشارع علاقة اخوة رخوة اخرى .

لتأخذ النساء هذا الانطباع عن الاخوة الى اي مكان اخر غير الاسرة فمثلا في اماكن العمل ولأعتبارات عرفية ودينية تنادي النساء الرجال او العكس بمفردة " خوية "وعندما يرغب زميل العمل "الاخ" بإظهار اخوته فهو يحاول ان يسهل لها عملا او يزكيها لدى الرئيس الاعلى, لكنها عندما تظهر ولائها لأخوته فهي تحضر له اكلة معينة او تصنع الشاي او الفطور حتى , في عملي كنا عدة موظفات وكنا نصنع فطورنا الجماعي بشكل تشاركي لكنهن يطلبن من الذكور الذين " لا يشاركون في احضار مواد الافطار او طهوها او صبها" ليبذلوا جهدا في تناولها فقط ليفرحن بكلمات الشكر والرضا عن مذاق الطعام لا اكثر وعندما اعترضت احداهن , رفضت الاخريات قطع تلم السُنة و قلن وبأسلوب ما هو مسلم به ( هم اخوتنا ,انت تخلين اخوج يطبخ؟ , هم زلم شلون يحضرون اكل من كل عقلج ) .
في الاسرة قد يكون لتلك العلاقة الهشة منفعة محتملة متمثلة بالحماية لكن ما جدوى تلك العلاقة وبذل الجهد عليها خارج نطاق الاسرة سوى ان انها اغراق في الابوية والذكورية وغياب مراجعة ما هو مفرغ منه .
"انتِ بنية ؟ وظيفتج تخدمين اخوج" , لو ولدت الانثى لعائلة تضم ذكورا اكبر منها ستكون هي الخادمة المنتظرة التي تتمنى العائلة قدومها لتعين والدتها على طلبات الذكور وابيهم , واذا كانت قد ولدت في عائلة ضمت ذكورا بعد ولادتها ستتحول الى ام صغيرة رغما عنها تحت يافطة مساعدة والدتها في تربيتهم ايضا فبينما تمارس الام العمل المنزلي تمرر جزء من مهامها في العمل الانجابي الى طفلتها ويبدأ ايكال هذا النوع من الاعمال من عمر ست سنوات فما فوق فتتعلم حمل الاخ وتحميمه وتغيير ملابسه او حفاظته وحمايته من نفسه اذا حاول تجربة تسلق مرتفع او تناول شيء مضر او وسخ نفسه .
واذا كانت قد ولدت بكرية فهي فرحة الام وحزن الاب كما هوم دارج فالأم تفرح لأنها ستحصل على مساعدة احتياطية في كل رحلتها لإنجاح اسرتها او زواجها فالطفلة ستتولى ما لا تطيق الام القيام به . واذا ولدت كتوأم له أو اصغر/ اكبر سنة واحدة فقط اي بضع شهور ستتحول الى خادمته ايضا لكن مع مشقة نفسية مضاعفة اكثر بكثير كونه ندا لها من كل النواحي واهمها العمر .

وخلال رحلة الام التربوية لإعادة انتاج النظام الذكوري كمتسبب اول في تعاستها ومهدد حتى لفرص ضمان حقها بالحياة تستخدم بناتها في ترسيخ تفوق الذكر وكفاءة نوعه واهمية حياته وراحته , حيث يتم اجبار البنات على معاملته كمدلل فقط , لأنه هو الذكر لتقوم الاخت بفرش فراش نومه ولمه او تعديل سريره واحضار الاكل ورفعه من امامه وتحضير الشاي وتقديم الماء له متى احتاج " كومي جيبي ماي لأخوج عطشان "
فتقوم الام بمقاطعتها في حال جادلته في تلك المهام او رفضتها بل وحتى تعنيفها اذا تسبب ولو بمقدار نملة في اغضاب الاخ , تقول احدى البنات ( مرة رفضت تنفيذ طلباته وقلت انا لست خدامة له فتم ضربي من والدتي حتى قلت انا خدامة له لكي تتوقف ) , وخدمة الاخ تلك اذا كانت لشخص لأخ اكبر منها سنا وعلى الرغم مما يتضمنه من اضطهاد واذلال كونه يتدرج من رفع كأس الماء من امامه و جلب ريموت التلفزيون الى راحة يده الى غسل ملابسه وحتى مسح حذائه فهي اهون من تنفيذ نفس الطلبات لمن هم اصغر منها سنا و هي لفترة من حياتها كانت اشبه بأم صغيرة له , شعور من الاذلال لا يوصف ليصل مستوى التمادي في السلطة الممنوحة له لان يمنعها هذا الصغير اذا خرجت من المنزل دون علمه .

تعمل الاخوات طوال الوقت ليستطعن خدمة ذكور متعددين ويحاولن ان يلتزمن بدراستهن ايضا ويتفوقن , ويسرقن الوقت للعب ورؤية الاقران , وبضغط الوقت هذا هناك متسع كبير لدى للأولاد من الذكور, يتفننون بعيشه وهدره بساحات لعب كرة القدم او المشي او لقاءات الاصدقاء او الدراسة بدون مشتت منزلي , ولشدة مللهم يجدون طرقا مبتكرة للعراك معهن وتصريف الطاقة بهن ينتج عنها المزيد من العنف البدني واللفظي والاغراق في الاذلال العمد , تحت يافطة ( اني اخوها واربيها ) , فيسارع الوالدين لتعزيز هذا الوضع عبر نظام مكافئات احادي الرؤية حيث يُقدم الثناء للذكر الذي يعتبرونه ذكي ولكنه لا يدرس ومع ذلك حظي بالنجاح ومن حقه الخروج بسفرات للنهر او للمدن السياحية خلال العطلة المدرسية والبنات اللواتي نجحن في ظل ضيق الوقت ملومات على عدم "تفوقهن" : ( انتن كاعدات بالبيت لا شغلة ولا عملة , تالي تنجحن بخمسينات ) , لتتجلى عدم العدالة بحبسهن في البيوت واطلاق العنان لآخوهن, ليحرمن من رؤية الشوارع وتنفس الهواء الطلق .
يتم بناء علاقة الاخوة ومنذ الصغر بشكل تراتبي فيتم وضع الذكور بمرتبة اعلى من الاناث لا لشيء الا بسبب نوعهم , وتتصف علاقة الاخوة بذلك بعدم التساوي بميزان القوى بين الطرفين , عدم التساوي هذا هو ما يصنع علاقة رخوة كالخاصرة , اي ضربة قادرة ان تصيب صاحبها بعاهة مستديمة او وفاة , ان العلاقات التي يكون احد اطرافها مستقوي والاخر مستضعف لا يمكن ان تندرج ضمن العلاقات الانسانية الحميمية , فتلك مبنية بلبنات من المساواة والاحترام يضمن متانتها لأطول فترة زمنية ممكنة بينما في علاقة الاخوة فهي مبنية على المصالح , فالذكور ينتفعون من عمل الاناث الرعائي والمنزلي غير مدفوع الاجر والذي يجعلهم يشعرون بتضخم الأنا وتمددها التي تجعلهم مخدومين حتى لو كانوا فقراء معدمين ولا يقدمون اي منفعة تذكر للعائلة او لإناثها اللواتي يقدمن خدماتهن منذ الصغر وحتى الزواج , والنساء تنتفع منهم بجعلهم فزاعة تخيف بها الزوج واهله اذا بطشوا بها , اي حماية مزعومة , غالبا ما يخيب الرجاء بها فأكثرية النساء اللواتي غضبن عند اهلهن من استغلال الازواج واجرامهم يتم ارجاعهن صاغرات الى بيوت ازواجهن اتقاء لخطر الطلاق ووصمته .
الاناث تقدم عمل يمتد لسنوات مقابل موقف محتمل , اي ان الاخ قد يقف معها او لا كما هو الحاصل . شكل التعامل السلطوي هذا هو ما يضع قبضة الرمال الرطبة فوق الاخرى تبني علاقة الاخوة , فالذكور في العائلة يعتقدون ان اخواتهن راضيات عنهم تمام الرضا وهو اعتقاد أبله نوعا ما كون الاناث مجبرات على تقديم العمل المنزلي والرعائي كعمل عاطفي لا تظهر من خلاله النساء غضبهن وسخطهن كون " قلبة الوجه" هذا قد تتسبب بإيذاء لفظي او بدني او حتى تخريب مائدة الطعام وتكسير الصحون .

ومع ان جملة " اخوج سندج" لا تتفق مع جملة ( رجلها ويربيها احنا شنو , او رجال ومرته يتمالخون يتكاتلون احنا شنو ) بل وتستطيع الجملة الثانية تفريغ الاولى من محتواها , مع ذلك تستمر تلك العملية في جعل الاخوات خاضعات لهيمنة الذكور وسلطتهم كأدوات خلقت من اجل راحتهم , لتجد نفسها قادرة ان تتحمل اي ظلم كان في بيت زوجها كونه ليس الا محض امتداد لمركزها في بيت اهلها وبالغالب لا تحاول عمل تجريب لجملة " اخوج سندج "كون المفاجأة الناتجة عن هذا الفحص تجردها من فزاعة الحماية التي تلوح بها امام زوجها وعائلته .

ولأنها علاقة لم تبنى على الاحترام والتعاون بل على المنفعة الاحادية فلا يمكن ان يجدي نفعا تذكيرهم بعبئ التربية او الرعاية التي قدمتها الاخت كونه يعتبر امر مفروغ منه , ففي اطار العلاقة بين صاحب العمل والعاملة المنزلية لا تستطيع ان تذكره بجودة اعمالها ولا بسهرها ولا بلذة طبخها اذا قرر ان يتوحش ويعنفها مثلا .
يتم تربية الذكور ليلعبوا دور الوصي او (الوصي الظل) عن الاب على الاخوات ومن الطبيعي ان يتحكموا بهن بشكل حرفي من حيث مواعيد الخروج وقبول الخاطبين واعطاء اراء تبدو لأول وهلة غير ذات اهمية كتلك المتعلقة بالتملك والتحصيل العلمي والتنقل والخصوصية لكن بمجرد رفضها او عدم تنفيذها هذا يعني فتح الضوء الاخضر للإيذاء حتى لو كانوا اصغر منها ايضا .
يتدرج الايذاء الذي تتعرض له الاناث من اخوانهن اصحاب المعالي الابوية من العنف اللفظي الى القتل
فمن الوارد جدا اذا كنتِ عراقية ان تسمعين بحوادث القتل غسلا للعار منذ بداية تحسسك لهذا العالم ولا تخفي العائلة تلك القصص عنك بل على العكس تماما ربما يزيدون من رهبتها بنظرات او ايحاءات تهديدية تقول بشكل صارخ سوف نقتلك بوحشية اذا فعلتِ كما فعلت صاحبة القصة والمنفذ غالبا احد الاخوة.
كنت اسمعها ولا يتبادر الى ذهني سوى لحظات القتل لا قبلها ولا بعدها , احاول ان اتخيل كيف من الممكن قتل اخت ؟ الاخوات التي عرفتهن بحياتي كن امهات من طراز رفيع , فأنطبعت بمخيلتي صور عن علاقة الاخوة بالأخوات وهم كبار مليئة بالعاطفة والحب المفرط , وعند قص تلك القصص تظهر في مخيلتي التقاء اعينهما وهو يحاول غرز السكين في بطنها او خطها على رقبتها , سماعه لصوت انفاسها الاخيرة والتي لم تستطع ان تذكره بنومه بالقرب منها أو تحديق عينيها بعينيه عندما يخنقها بمخدة او كيس دقيق , تلك العيون التي زمجرت بنفس القوة عندما خاض عراكاته امام البيت مع شركاء اللعب , او عندما وقع من مرتفع او غمس اصبعه في كوب شاي حار , كيف صارع جسدا كرس قوته البسيطة الطفولية ليتبنى دور الام في الاحتضان واللعب ومتابعة النجوم عند النوم في الاسطح , كيف عارك ايدي احتضنت كفه بالكامل لتعلمه مسكة القلم الاولى بشكل صحيح , كيف تحمل رفسات ارجل كانت ارجوحة له عند الملل من الالعاب او شحتها . لكن اجابات تلك الاسئلة لخصتها صديقة انبارية لي عندما قالت " الرجال يقتلوا اخواتهم ليغسلوا عارهم ثم يحتفلون بأنجازهم بعد ذلك مع الغانيات" , كلها سلوكيات تشير ان العمل الرعائي والمنزلي لم ينفع علاقة الاخوة بل ضرها وصادر اهميتها ما دامه غير تشاركي ومبني على مفهوم الاستقواء وغير مثمن او معترف به حتى على صعيد المجاملات وذكر الفضل .