-جرائم الشرف- كوسيلة للأدمة بالأنظمة الإسلامية القومية في العراق والمنطقة



اسيل سامي
2024 / 3 / 19

ازدادت في الآونة الأخيرة، ظاهرة قتل النساء والفتيات بداعي "غسل العار" في العديد من بلدان المنطقة، واخر هذه الجرائم ما حصل في العراق وسوريا، اذ قتلت فيهما فتاتين بذات الطريقة من قبل ذكور اسرهن امام المارة على خلفية ما يسمى "بجرائم الشرف وغسل العار" وبفارق زمني لا يتجاوز الخمسة أيام. جريمتان بمدينتين مختلفتين، ولكن المشترك بينهما هو الذكورية والوصاية على أجساد النساء والتحكم بمصائرهن.

▪القوانين كأداة لإدامة تلك الجرائم

ان تشريعات وقوانين حكم الإسلاميين في العراق ليست فقط لا تحمي النساء من العنف والاضطهاد؛ بل انها تسمح بارتكاب الجرائم ضدهن، كما تدفع النساء حياتهن ثمن اختيار طريقة حياتهن، او لمجرد الظن انهن قد اقمعن علاقة عاطفية او حتى إذا تم الشك بأنهن تعرضن للاغتصاب. مقابل السماح لمرتكبي تلك الجرائم بالإفلات من العقاب.

بينما نعيش الان في القرن الحادي والعشرين تعود الانسانية الى الوراء بقرون، اذ تساهم القوانين في العراق كتصريحات علنية بقتل النساء وتسحقهن وتهمشهن، فمنذ العام 1991 والى غاية الان ما يقارب 4000 امرأة وفتاة ضحايا عمليات القتل تحت مساميات "الشرف" كما ان هنالك ما لا يقل عن 150 امرأة تقتل سنوياً بسب ذلك المفهوم في العراق بحسب تقارير من منظمات دولية. ما يعني استهتار الأنظمة الرجعية والذكورية بحياة الالاف من النساء وما تحمل من قيم وعادات وتقاليد قروسطية لا تتناسب مع العقل العصري للكائن البشري؛ التي باتت تطمر جثث النساء تحت التراب بشكل علني. ناهيك عن العديد من حالات القتل التي لا يتم الإعلان عنها وتغلق قضيتها وكأنها شيء لم يوجد.

حسب المادة 409 من قانون العقوبات في العراق والتي تتناول القتل تحت مسمى "جرائم الشرف"، اذ تسمح المادة للرجل بقتل زوجته او احدى معارفه في حال مس جسدها غير زوجها حتى لوكان الامر خارج عن ارادتها كما في حالات الاغتصاب مثلا.

فتحمي القوانين الذين يقتلون النساء وتودعهم في السجون لفترات قصيرة لا تتجاوز الـ 3 سنوات بدلا من ان يكون الحكم كحال احكام جرائم القتل الاخرى، وتحت مظلة تلك المادة قتلت العشرات من النساء لأسباب عديدة من قبل ذكور اسرهن وبمجرد ما تسجل الجريمة تحت ذلك البند، يتم استبعاد كل الأسباب الجنائية الأخرى، وتحسم لصالح المجرم، اذ يتهاون القضاء فور سماعه ذلك المفهوم، ويضع ويخفف العقوبات ومدتها، ليعود القاتل بعدها حاملا بيده راية النصر تكريما لنفسه ولأسرته وعشيرته، ما يشجع الكثيرين بارتكاب المزيد من الجرائم.

إضافة الى ان المادة 128 من قانون العقوبات تعطي حكم مخفف للقاتل إذا ما قام بعملية القتل لأسباب " الشرف" ذاتها ووفق تلك المادة حكم على قاتلي طيبة العلي ونوزان الشمري " وهما من ضحايا القتل الذكوري في العراق" بقضاء فترات قصيرة داخل السجون، وخرج قاتل نوزان بعدها حر طليق كأنه لم يفعل شي.
وقد تم استغلال تلك المواد القانونية وسيلة لتصفية حسابات الذكور مع نساء اسرهم، كما أن الكثير من تلك الجرائم لا يتم الإبلاغ عنها بصفة جرائم قتل، إنما حالات انتحار.

▪مدافن سرية للمقتولات بحجة " الشرف" ومن دون أسماء

وحتى بعد قتل النساء في حالات جرائم ما يسمى " بالشرف" فأنهن لا يحظين بمراسم الدفن التقليدية، ما يعبر عن عقلية بدائية ورجعية تجاه المرأة حتى بعد الموت، اذ انتشرت ظاهرة تشييد قبور للنساء في العراق من ضحايا ذلك المفهوم بشكل يثير الاستغراب خصوصا في اخر ثلاثة عقود من الزمن. وعادة يتم اختيار أماكن مهملة ونائية في مناطق بعيدة عن الأنظار، ليتم دفن النساء فيها. كما يمنع غسل جثامين الضحايا لاعتقادهم بان الوصمة والعار الذي لحق بهن لا يغسل، إضافة الى عدم ذكر اسماءهن على القبور، أو حتى تواريخ وفاتهن، كما هو ما متعارف عليه في المقابر الأخرى، كتعبير عن رفض المجتمع لهن حتى بعد مماتهن.

"تلال المخطئات" في ذي قار جنوب العراق، و"المنبوذات" في السليمانية بإقليم كوردستان، احدى أشهر المقابر التي دفنت فيها الالاف المقتولات، وإلى جانب قبور تلك النساء هنالك قبور لفتيات حديثات الولادة! او ما يطلق عليهن "لقيطات" عثر على جثثهن ملقاة في أماكن نائية كالوديان أو في مجاري الصرف الصحي. وهذا تعبير واضح وصريح عن مدى اضطهاد النساء وقمعهن وقتلهن منذ نعومة اضفارهن بل وحتى عندما يكن اجنة في بطون امهاتهن.

▪المنظومة الذكورية والعشائرية الحاضنة الاساسية لجرائم قتل النساء في المنطقة

تسلط الأنظمة الابوية أسلحتها على رقاب النساء كشرط أساسي لتضمن بقاءها كما فرضت قيود قاسية عليهن لحماية علاقات القرابة ونقل الملكية ضمن افراد العائلة، وسخرت الرجل باعتباره الحكم الذي يقيم ويقرر تصرفات المرأة وملبسها وطريقة مشيها وحديثها، وكل متعلقات وضعها الاجتماعي، الامر الذي أصبح جدل رئيسي يتصاعد مع كل حادثة قتل لامرأة نسمع عنها هنا وهناك.

في ظل الانظمة المتعاقبة على العراق، عانت النساء لعقود من الزمن من القهر والظلم والحرمان، كتحصيل حاصل لسيطرة قوى قومية وعشائرية واسلامية إضافة للحروب والحصارات التي عاشتها البلاد، فأصبح التخلف الاجتماعي السمة الأساسية للمجتمع؛ وما رافقه من تعمق للعشائرية والبطريركية وسيطرتها على البلاد حتى بلغت ذرواتها خلال العقدين الأخيرين ومنذ الاحتلال الامريكي، وهذا كرس الهيمنة والاستغلال من خلال قمع شريحة لشريحة أخرى.

وبتظافر جهود الذكورية والعشائرية والقومية أمنت تلك الأنظمة مواقعها وسعت لإدامة هذا الاستغلال وانتاجه عبر مراحل. فانتهج النظام السابق تلك الأساليب لسحق النساء بالتشريعات والقوانين بذرائع دينية وعشائرية قبلية، لتكبلهن وتلغي حقوقهن المدنية وكذلك الاقتصادية، وخير دليل على ذلك النهج هو الحملة الإيمانية التي أطلقها صدام آنذاك، اذ أصدرت قرارات تعسفية على ضوءها كمنع النساء من السفر خارج البلاد الا بصحبة ازواجهن او اخوانهن، إضافة الى قيادة العديد من الحملات الشرسة المعادية لإنسانية الكائن البشري. وأشهرها تلك الحملة التي قادها عدي صدام حسين في خريف عام 2000، اذ تم قطع رؤوس المئات من النساء اللواتي يعملن في دور البغاء؛ نتيجة الجوع والحرمان الذي أرغمهن لممارسة تلك المهنة، كما استغلت السلطة ذلك، وقد استخدمت هذه الذريعة للعديد من النساء اللواتي يحملن اراء معارضة للنظام منهن طبيبات ومهندسات ومعلمات.

وخلال المرحلة الجديدة التي تلت زوال النظام الديكتاتوري، ومجيء النظام (الديمقراطي) حاملا معه تشكيلة سياسية جديدة مكونة مجموعة من رجال الدين والقوميين، ليكملوا على ما بدأه النظام السابق. فالأحزاب الإسلامية والعشائرية والقومية التي تحكم البلاد وبمجرد استلامها دفة الحكم كشرت عن انيابها، واعطت النساء الحصة الأكبر من القهر، حاملة بجعبتها صناديق من التشريعات القامعة لهن تارة بتزويجهن وهن صغيرات، وتارة بسلب حضانة اطفالهن، محاولة لإقصائهن وركنهن خلف الجدران، ودعمت تلك القوانين كل ما من شأنه مراقبة النساء منذ الصغر والتحكم في مسار حياتهن وتزويجهن واتخاذ القرارات بالنيابة عنهن حتى وفاتهن، بيد انهم يحتاجون اصواتهن في الانتخابات فقط، ثم يطالبونهن بالعودة الى المطابخ والمنازل وادامتهن تحت وصاية الرجال.

▪الاشتراكية طريقنا الأمثل لمجتمع المساواة

بطبيعة الحال لا يخفي على أحد بان الدوافع الموجهة الى اقتراف تلك الجرائم كلها مرتبطة بمنظومة من الأيدولوجيات الذكورية والعشائرية التي تفرض على النساء وظائف الزوجة، والأم وكل ما يتطلب من ذلك من عمل منزلي غير مدفوع الأجر باعتبارهن وسيلة لإنتاج المزيد من الافراد كعمال مستقبليين، كما ان هذه الهيمنة تثبت هذه المنظومة، ما يجعل منهن كائنات ثانوية ينظر اليهن دون الرجال وتفرض عليهن الوصاية وحالات التبعية القانونية والاجتماعية.

ان النظام الاشتراكي الذي ننشده يضع حداً للاستغلال والقهر والظلم الملازم للإنسان. فلا تحرر للنساء دون تحرر المجتمع ككل من جميع القوى والأنظمة البرجوازية الحاكمة، كما وان الحل الجذري لخلاص النساء من التمييز وحالات التبعية وعدم المساواة يكمن بنظام تسوده الاشتراكية والعدالة الاجتماعية الذي يتساوى فيه جميع افراد المجتمع نساء ورجال، لينعم الجميع بثروات البلاد دون تمايز او تفاضل على أساس الجنس او العرق او اللون.
وان المسؤولية التي تقع على عاتق الحركات الاشتراكية ولتحررية التي تسترشد بالمنهج الماركسي في المنطقة والعالم، ان تظافر جهودها وتقوي نضالها الثوري والعابر للحدود، تجاه جعل قضية المرأة احدى القضايا المركزية في نضالها ابان مسيرتها لتحقيق المجتمع الاشتراكي.

اسيل سامي