من وراء نقاب !!



أمل زاهد
2006 / 12 / 3

من وراء نقاب !!
دعونا نعترف أن مجتمعنا يعج بمشاكل اجتماعية جسيمة الخطورة تشكل علاقة الرجل بالمرأة محورها الرئيس، فالمرأة لا تعدو أن تكون في نظر كثير من الرجال مخلوقا محركا للغرائز يتوجب تغطيته من رأسه حتى أخمص قدميه درءا للفتنة وتجنبا للغواية . فهم لا يستطيعون رؤيتها خارج هذا الإطار ، كما أنها هي ذاتها لا تستطيع أن تطالع نفسها خارجه ، مما يفتئت على إنسانيتها ويفقدها الثقة في نفسها وفي دوافعها السلوكية !! وهذه النظرة أيضا تسيطر على عقول الرجال لتجعل من مجرد مرور عباءة سوداء أمامهم مثيرا لغرائزهم ومشعلا لكوامن الفتن في نفوسهم ، فيتحول الرجل إلى عينين نهمتين تتوقان إلى تمزيق العباءة السوداء ورؤية ما ورائها وقد نجد في هذا تفسيرا لظاهرة المعاكسات والمغازلات الملحوظة بكثرة في مجتمعنا ، والتي تتعرض فيها المرأة لانتهاك كرامتها والانتقاص من إنسانيتها والتعدي - الذي قد يصل للتحرش الجنسي أحيانا- عليها ! في حين أنه لو تعود الرجال على رؤية وجوه النساء فلن تثير هذه الرؤية في نفوسهم شيئا، فالعادة تقضي على الدهشة وتقتل الانبهار. فالملحوظ أن المرأة في مدينة ساحلية مفتوحة كمدينة جدة تستطيع التجول بحرية كاشفة وجهها دون أن تشعر أنها بؤرة تتركز عليها الأنظار الجائعة والعيون النهمة ! فقد تعود الرجال والنساء على كشف وجه المرأة فألفت العيون سفور الوجه ووضوح الملامح ، وفقد إسدال النقاب وتغطية القسمات غموضه وقدرته على إشعال الخيال وتحريك خوامده لمحاولة كشف ما وراء النقاب والوصول إلى ما يختفي خلفه من ملامح !وفي تقديري أن القضية هي قضية الاحتشام ليس فقط في المظهر ولكن في السلوك، فذلك الاحتشام هو الذي يمكن المرأة من فرض الطريقة التي يتعامل بها الرجل معها وتحديد نظرته لها سواء كشفت وجهها أم غطته!
وقد دارت مساجلات وحوارات على صفحة نقاشات بجريدة الوطن بين الشيخ الفوزان وعدد من القراء الواعين عن الحكم الشرعي لكشف وجه المرأة ، وقد قدم الشيخ الفوزان حججا مدعومة بنصوص دينية تعزز وجهة نظره القائلة بوجوب تغطية وجه المرأة ، بينما قدمت الأطراف الأخرى حججا مدعومة أيضا بنصوص دينية تعزز وجهة النظر القائلة بجواز كشف وجه المرأة ! مما يؤكد أن المسألة جدلية ومختلف فيها شرعا ، وأنها تخضع لفهم النصوص وتفسيرها من القائلين بوجهتي النظر المختلفة ، أي لقراءة النص الديني وفهمه . وأن الأمر يجب أن يخضع لدراسات اجتماعية ونفسية كي يتم تحديد الأنفع للمجتمع السعودي والأكثر مواءمة للزمن الذي نعيش فيه ، حتى تتغير كثير من الأعراف المتحكمة بنسقنا الاجتماعي والتي لا تمت للدين بصلة ولكي نسيطر على كثير من المشكلات الاجتماعية التي تلقي في وجهنا بجديدها كل يوم .
دعونا نعترف أيضا أن النقاب والغطاء لم يحمِ مجتمعنا من آفات اجتماعية خطيرة وسلوكيات منحرفة، بل لعل الغطاء والإخفاء يزيد من ولع الرجل وشغفه برؤية وجه المرأة فيلاحقها بنظراته التي تعريها وهي داخل براقعها المتينة وحجابها الأسود ! بل إن بعض السيدات يستخدمن النقاب كوسيلة لزيادة مساحة المتخيل عند الرجال ، فيتفنن في طراز العباءة وقماشها وطريقة وضعها وفي وضع مساحيق التجميل التي تبرز جمال العينين وفتنتهما من خلال ما يبديه النقاب منهما !
وقد سبق وأن استخدم النقاب في عدد من الحوادث الإرهابية في بلدنا كأداة يتخفى بواسطتها الإرهابيون ، فإدعاء الأنوثة والتخفي بالنقاب مكّن الإرهابيين من الهرب متواريين خلف غطاء الوجه ، فيتمكنون بسهولة من الانسلال عبر الأنوثة المزعومة إلى حيث يتخفون عن أعين السلطات أو إلى حيث يرتكبون جرائمهم !
الوجه هو هوية الإنسان سواء كان رجلا أو امرأة، وتغطيته تحجب هذه الهوية وتساهم في خلق مناخ متبادل من الريبة والغموض والشك بين الناس. فالمرأة التي ترتدي النقاب وتغطي به ملامح وجهها تفترض أن في قسماتها وملامحها ما يثير الفتنة ويحرك الغرائز ويقود الرجل إلى الغواية فهي تتعامل مع ذاتها كشيء مثير للفتن مؤجج للغرائز ، ولا تستطيع أن تخرج من دائرة الأنوثة الضيقة إلى رحاب الإنسانية الفسيح الذي يرى في كل من الرجل والمرأة إنسان تحدد ملامحه وقسماته هويته التي يُعرف بها ! والرجل الذي يطالب المرأة بتغطية وجهها يفترض أيضا أنها كشفته لإغوائه وإثارة غرائزه، كما يفترض أن رؤيته لوجه المرأة سيجعله يخرج عن مسارات سيطرته على نفسه ، وهنا يدخل الرجل في دائرتين متداخلتين من الشك والريبة إحداهما دائرة الشك في الجنس الآخر والأخرى محورها نفسه ذاته ووضعها تحت مجهر التشكك والخوف من ردود أفعالها إذا ما تعرضت لفتنة رؤية قسمات المرأة !!
و رغم أنني أقف في جانب الحرية دائما ومع ممارسة الفرد لمفردات هذه الحرية إذا كانت لا تتشابك مع حريات الآخرين أو لا يشكل تحقيقها إيذاءا أو تجنيا على أحد من البشر ، إلا أنني أستطيع أن أتفهم ما قاله ( جاك سترو ) عن النقاب وعن كونه يشكل عائقا في طريق التواصل بين الناس . فعندما قالت له تلك السيدة المسلمة أنها سعيدة بلقائه وجها لوجه لم يستطع أن يعتبر ذلك لقاءا وتواصلا لأنه لم يطالع تعبيرات وجهها ولم يلمح أثر ذلك اللقاء على قسماتها ، وأعتبر أن النقاب يضع حاجزا بين الإنسان وبين من يتحدث معه مانعا عنه رصد ردود أفعاله وقراءة ملامحه وقسماته وبالتالي تحديد أثر هذا اللقاء عليه . أستطيع أن أتفهم حديث سترو لأنني وأنا الناشئة في ثقافة تفصل بين الجنسين فصلا تاما وقد تعودت عيناي على رؤية العباءة السوداء وغطاء الوجه الذي يحجب ملامح المرأة تماما لا أستطيع أن أتواصل مع سيدات يصررن على ارتداء النقاب حتى وهن في أوساط نسائية خالصة ، وأتعجب أيما تعجب عندما تصر كثير من السيدات على ارتداء النقاب وهن في غرف انتظار السيدات في العيادات أو المستشفيات ، حيث لا أعين رجالية جائعة ترقبهن ولا نظرات ظامئة تعريهن !! ولطالما تساءلت أي عقلية متوجسة تلك التي تسيطر على عقولهن وتتحكم فيهن فتجعلهن يحكمن على أنفسهن الغطاء ويضيقن على أنفسهن بين النساء !؟ وكأنهن قد استمرأن ظلمة الغطاء وأحببن صلدة سواده حتى وهن بين أعطاف نساء من نفس الجنس ؟! ولست هنا في مقام الدفاع عن وجهة نظر سترو ولا الدخول في متاهات حقوق المسلمين في الدول العلمانية ، ولكنني أتفهم رؤيته وهو الذي يعيش في ثقافة لا ترى في كشف وجه المرأة إثارة للفتنة أو تحريكا للغرائز المكبوتة ، لكن تشكل قسمات الوجه إحدى أدوات التعريف بالشخصية وإيضاح الهوية !
وفي إحدى الفعاليات الثقافية في نادي المدينة المنورة الأدبي توجست خيفة من إحدى السيدات التي ظلت ترتدي نقابها في القاعة النسائية المنفصلة تماما عن قاعة الرجال بل لقد ضرب بين القاعتين النسائية والرجالية بسور له باب. وعندما طلبت منها خلع نقابها وقلت لها أنها في وسط نسائي لا وجود للرجال فيه وأنها يمكنها التنفس بحرية واشتمام أنفاس لا يضيق عليها فيها نقاب ! واجهتني بقولها أن مايمنعها من خلع النقاب هو عملية جراحية في عنقها ، ورغم أنني لم أجد حجتها منطقية إلا أنني سكت على مضض ! وإن بقي التوجس متأججا في نفسي وعلامات الاستفهام تعلو وتنخفض في عقلي تتساءل عن السبب في إصرار تلك المرأة على ارتداء النقاب !
توجس وشك.. يدعمه إحساس بالتميز والتفوق على من لا ترتدي النقاب ، يخالطه شعور بالضعف الشديد والرغبة في الحماية يحققه غطاء الوجه لسيدات تربين على أنهن مواد خصبة لإثارة الغرائز وتحريك الفتن !!
أمل زاهد
[email protected]