الحجاب : بين الحرائر والإماء : تغاير مفهوم النظرة



محمود الزهيري
2006 / 12 / 5

في البدء يجب التنويه عن أن النظرة المحرمة التي تحدثت عنها النصوص المقدسة في الدين الإسلامي وما تحمله من رسالة الغرض منها هو عدم إثارة الشهوة والغريزة الجنسية لدي الناظر للمرأة وعلي أساس أن النظرة سهم مسموم من سهام إبليس وأن النظرة مرسال أو رسول الزنا ويتوجب علي المسلمين والمسلمات أن يغضوا من أبصارهم ومن أبصارهن درءاً للفتنة والدخول إلي أبواب الحرام والزنا , أو ترك شئ ما في النفس يثير الحسرة والألم في نفس الناظر ومن ثم كان الحض علي تحريم النظر للنساء ؟
فهل النظرة التي تم تحريمها تم إقتصارها علي الحرائر فقط من المؤمنات ؟
وهل النظرة تحل أي تصبح حلا لاً لغيرالحرائر أي الإماء ومن ثم يرفع الحرج عن المؤمنين حينما ينظروا إلي النساء ما دمن إماء وليس في هذا النظر أي نوع من أنواع الحرام أو درجة من درجاته بداية من المنهي عنه والمكروه كراهة تحريمية أو كراهة تنزيهية ؟!!
وهناك مجموعة من التساؤلات التي يتوجب علينا بصفتنا مسلمين أن نبحث لها عن إجابات خاصة مسألة الحجاب والخمار والنقاب لأن هذه المسائل تثار حولها الخلافات وتختلق الأزمات بشأنها من حين لآخر بالرغم من أن هذه المسائل تمثل نوع من أنواع الحرية الشخصية التي يري البعض أنها مرتبطة بمجموعة من النصوص الدينية التي توجب الفرضية حسب التفسير والتأويل , والآخرون يروا أنها ليست من فرائض الإسلام وذلك حسب التفسير والتأويل أيضاً !!
والذي لا خلاف عليه علي الإطلاق هو العفاف والطهر للرجال وللنساءعلي حدٍ سواء لأن كلا النوعين له أب , وأم , وأخ , وأخت , أو إبن , أو إبنة , أو زوج , أو زوجة , ولايمكن أن يرضي عاقل أن تنتهك حرماته أو أن تتبذل نساؤه , أو يتبذل الرجال علي السواء , فالعفة والطهر والأخلاق السامية النبيلة مطالب بها الجميع نساءاً ورجالاً علي السواء بينهما .
وإذا كان الأمر كذلك ولا محل للخلاف في هذا , فمن أين تأتي الأزمة ؟!!
أعتقد أن الأزمة كامنة في طبيعة فهم النصوص الدينية المقدسة التي تحدثت عن أمر من الأمور الدينية ومثالها الحجاب والخمار والنقاب ومدي التعريف بعورة المرأة التي حيرت الدنيا كلها بداية من تغطية الشعر حتي إخمص القدمين , وكأن المرأة وعورة المرأة تمثل الهاجس الدائم والمستمر لإثارة الغرائز والرغبات الجنسية التي تكون غالباً مكبوتة لدي نوع معين من المرضي النفسيين والشواذ نفسياً التي يثيرهم شعر إمرأة حينما يشاهدوه أو يشاهدوا منها زراعاً أو ساقاً وكأن الشيطان كامن في جسد المرأة بداية من الشعر حتي إخمص القدمين !!
ولأن الغرض من الحجاب كما أراد البعض التفسير له هو لحجب النساء عن نظر الرجال ولسترهن وستر عوراتهن من أعين الرجال المرضي بمرض المرأة وعورة المرأة , فماذا يمكن أن نفسر ونعلل ماورد من أحاديث في شأن الإماء من النساء ؟!!
أعتقد أن هذا الحديث يثير الكثير من القلاقل واللغط , لأنه يعتبر من الأحاديث المسكوت عنها في الفقه والفكرالديني المعاصر , لأن هذه الأحاديث تفرق في مدي حرمة النظر للإماء عن حرمة النظر للحرائر , وكأن الأمة ليست بإنسانة خلقها الله سبحانه وتعالي , ولكن دواعي الأسر في الحروب أو أسر الأب أو الأم وتملكها هي وأهلها لفرد من الأفراد في المجتمع الإسلامي تملك من قبيل الرقيق والملكية الخالصة للسيد الذي هو في الغالب الأعم يقتصر الحديث عنه علي أنه من المسلمين المؤمنين الذي يتوجب عليه غض بصره وتحصين فرجه بل ومعاملة الناس معاملة الإنسان لأخيه الإنسان دون تفرقة بسبب من دين أو جنس أو لون أو نوع , مراعياً في فعله هذا أنه من قبيل الطاعة والعبادة لله سبحانه وتعالي .
وهذا حديث من جملة مجموعة من الأحاديث التي تثير في النفس التساؤلات الجديرة بالتوقف عند حدود النص وهذا الحديث بني علي إباحة نظر السيد للأمة وإلي جميع بدنها بالكامل بل وتلمس العضو التناسلي للأمة والنظر إليه في حالة بقاؤها ملك للسيد الذي هو في الغالب الأعم مسلم آمن بالله رباً وبا لإسلام ديناً وبمحمد صلي الله عليه وسلم نبياً ورسولاً , ولكن الغريب في الحديث المنسوب للنبي محمد صلي الله عليه وسلم أنه يبيح النظر للأمة بعد زواجها إلي مافوق السرة وماتحت الركبة !!
وفي هذا يقول إبن قدامة المقدسي في كتابه المغني :
ويباح للسيد النظر الى جميع بدن امته حتى فرجها لما ذكرنا في الزوجين وسواء في ذلك سريته وغيرها لانه مباح له الاستمتاع من جميع بدنها فابيح له النظر اليه فان زوج امته حرم عليه الاستمتاع‏,‏ والنظر منها الى ما بين السرة والركبة لان عمرو بن شعيب روي عن ابيه عن جده قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏‏(‏ اذا زوج احدكم خادمه عبده او اجيره‏,‏ فلا ينظر الى ما دون السرة وفوق الركبة فانه عورة ‏)‏‏)‏ رواه ابو داود
فهل حسب مفهوم الحديث ومنطوقه أن عورة الأمة التي هي إمرأة قد تكون من النساء الحسان الجميلات الرائعات في الحسن والجمال والبهاء , هل معني ذلك أن عورتها مافوق السرة وماتحت الركبة فقط ويباح للناظر من المسلمين أن يري بقية أعضاء وجسد المرأة دون أن يكون في هذا الأمر مجالاً للحديث عن تحريم النظر للإماء بل والإستمتاع بالنظر إليهن ؟!!
وما الفرق بين النظرة للحرة والأمة في هاتين الحالتين خاصة إذا كانت الحرة ذميمة المنظر والأمة حسنة المنظر ؟!!
ولماذا هذه التفرقة من الأساس إذاً ؟
وهل للأمة شأن في كونها أمة ؟!!
وهل كانت ترغب في أن تكون مستباحة بداية من الإتجار بها والتربح من تجارة الإماء والعبيد إلي الإستمتاع بها والأمر لها بالتبذل وإظهار عوراتها ومفاتنها للمسلمين وغير المسلمين لأنها إمرأة أمة مملوكة لأحد المسلمين ؟!!
بل والغريب في الأمر أن عهد عمر بن الخطاب كان منهي للإماء أن تحتجب أو تقنع بل وضرب إحدي الإماء لأنها كانت مخفية لعورتها حسب تحديدها في المفهوم الإسلامي للعورة , وفي هذا يقول إبن قدامة المقدسي في كتابه المغني :
والامة يباح النظر منها الى ما يظهر غالبا‏,‏ كالوجه والراس واليدين‏,‏ والساقين لان عمر رضي الله عنه راى امة متلثمة فضربها بالدرة وقال‏:‏ يا لكاع تتشبهين بالحرائر , وروى أبو حفص باسناده أن عمر كان لا يدع أمة تقنع في خلافته‏,‏ وقال‏:‏إنما القناع للحرائر ولو كان نظر ذلك منها محرما لم يمنع من ستره بل أمر به .
بل .. وروي عن أنس ‏(‏‏(‏ ان النبي -صلى الله عليه وسلم- لما اخذ صفية قال الناس‏:‏ لا ندرى اجعلها ام المؤمنين‏,‏ ام ام ولد‏؟‏ فقالوا‏:‏ ان حجبها فهي ام المؤمنين وان لم يحجبها فهي ام ولد فلما ركب وطا لها خلفه‏,‏ ومد الحجاب بينه وبين الناس ‏)‏‏)‏ متفق عليه وهذا دليل على ان عدم حجب الاماء كان مستفيضا بينهم مشهورا. وأن الحجب لغيرهن كان معلوما وقال اصحاب الشافعي‏:‏ يباح النظر منها الى ما ليس بعورة وهو ما فوق السرة وتحت الركبة .
بل والذي يبيح النظر إلي الأمة دون حرمة هو ماتم القياس عليه في الخطبة وما يباح للخاطب في النظر إلي مخطوبته وهذا ماورد ويبيح التفرقة بين النساء حال كونهن من جنس واحد وهذا ماورد في المغني لإبن قدامة المقدسي :
وقد روى جابر قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏‏(‏ اذا خطب احدكم المراة‏,‏ فان استطاع ان ينظر الى ما يدعوه الى نكاحها فليفعل قال‏:‏ فخطبت امراة فكنت اتخبا لها‏,‏ حتى رايت منها ما دعاني الى نكاحها فتزوجتها ‏)‏‏)‏ رواه ابو داود وفي هذا احاديث كثيرة سوى هذا ولان النكاح عقد يقتضي التمليك فكان للعاقد النظر الى المعقود عليه‏,‏ كالنظر الى الامة المستامة ولا باس بالنظر اليها باذنها وغير اذنها لان النبي -صلى الله عليه وسلم- امر بالنظر واطلق وفي حديث جابر‏:‏ ‏"‏ فكنت اتخبا لها ‏"‏ وفي حديث عن المغيرة بن شعبة انه استاذن ابويها في النظر اليها‏,‏ فكرها فاذنت له المراة .
وفي هذا الحديث إباحة النظر للمخطوبة كإباحة النظر للأمة علي حد سواء لافرق بينهما في النظرة مع العلم بأن النظر للأمة فيما هو بين السرة والركبة حلال وليس فيه حرمة ومن هنا يباح النظر للمخطوبة بالقياس علي مايباح فيه النظر للأمة !!
بل خطورة الأمر فيما روي عن سفيان الثوري أنه قال: لا بأس بالنظر إلى زينة نساء أهل الذمة وإما نهي عن ذلك لخوف الفتنة لا لحرمتهن .
وهذا ماورد في تفسير إبن كثير في شرح الأية الكريمة 59 من سورة الأحزاب , وهذا ماقاله سفيان الثوري الذي يبيح النظر إلي زينة نساء أهل الذمة من اليهود والنصاري وقال في ذلك لا بأس بالنظر ليس من باب الحرمة وإنما مباب الخوف علي المسلمين من الفتنة والمهم في بيت القصيد أن النظر لنساء أهل الذمة ليس بحرام وليس فيه بأس , وفي هذا قمة الخطورة إذ تتم التسوية بين نساء أهل الذمة وبين الإماء من النساء والتفرقة بين الإماء ونساء أهل الذمة والحرائر , وهذا كلام فيه خطورة سواء وقت التفسير وفي زمانه أو في وقتنا الحاضر !!
فلماذا الحجاب إذاً إذا كانت هناك نساء من أهل الذمة من اليهود والنصاري ومن الإماء يباح النظر لهن دون الحرائر !!
خاصة وأن النظرة المحرمة تم قصرها علي الحرائر فقط دون الإماء ونساء أهل الذمة كما قال الثوري !!
والغريب أن هذه الإجتهادات والتفسيرات والتأويلات تمت في مجتمع دولة المدينة المنورة التي كان للإسلام فيها دولة وأصبحت للدولة أركان وأن هذه الأحكام القرآنية والأحكام النبوية لم تكن لها وجود إلا في فترة القرآن المدني الذي إشتمل علي الأحكام والحدودوالقصاص والتعزيرات وكان هذا المجتمع هومجتمع الصفوة الذي طالما حلم به المؤمنين بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلي الله عليه وسلم نبياً ورسولاً !!
ومع ذلك يرد في تفسير بن كثير : وروي عن سفيان الثوري أنه قال: لا بأس بالنظر إلى زينة نساء أهل الذمة وإما نهي عن ذلك لخوف الفتنة لا لحرمتهن، واستدل بقوله تعالى: {ونساء المؤمنين}، وقوله: {ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين} أي إذا فعلن ذلك عرفن أنهن حرائر، لسن بإماء ولا عواهر، قال السدي: كان ناس من فساق أهل المدينة يخرجون بالليل حين يختلط الظلام إلى طرق المدينة، فيتعرضون للنساء وكان مساكن أهل المدينة ضيقة، فإذا كان الليل خرج النساء إلى الطرق يقضين حاجتهن، فكان أولئك الفساق يبتغون ذلك منهن، فإذا رأوا المرأة عليها جلباب قالوا: هذه حرة فكفوا عنها، وإذا رأوا المرأة ليس عليها جلباب قالوا: هذه أمة فوثبوا عليها، وقال مجاهد: يتحجبن فيعلم أنهن حرائر فلا يتعرض لهن فاسق بأذى ولا ريبة، وقوله تعالى: {وكان اللّه غفوراً رحيماً} أي لما سلف في أيام الجاهلية حيث لم يكن عندهن علم بذلك، ثم قال تعالى متوعداً للمنافقين وهم الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر {والذين في قلوبهم مرض} قال عكرمة وغيره: هم الزناة ههنا، {والمرجفون في المدينة} يعني الذين يقولون جاء الأعداء وجاءت الحروب، وهو كذب وافتراء، لئن لم ينتهوا عن ذلك ويرجعوا إلى الحق {لنغرينك بهم} قال ابن عباس: أي لنسلطنك عليهم، وقال قتادة لنحرشنك .
هذه هي الحقائق المسكوت عنها في التراث الإسلامي من ناحية المسكوت عنه في التفسير والتأويل والمنطوق والمقرؤ والمعهود به من تفسيرات وتأويلات لنصوص دينية مقدسة تم مطها لتستوعب تفسيرات ما أنزل الله بها من سلطان ثم يأتي من يقول بأن الحجاب يعتبر من الأمور المعلومة من الدين بالضروة ومن ينكره كافر يستوجب إقامة الحد عليه وحتي الأن لم نعرف ماهو حد من لم تلتزم بالحجاب !!
فهل يمكن لنا أن نجتهد ونعيد قراءة النصوص الدينية من جديد حتي نخرج بفقه عصري وتفسرات عصرية تعيد للإنسان قيمته وتعلي من شأنه في رحاب الإيمان بالله وبعيداً عن التفسيرات العنصرية القائمة علي التمييز والعنصرية بين البشر بعضهم البعض , وعلي ضوء ماسبق يمكننا تعريف ماهو الحجاب وماهو الخمار وماهو النقاب !!