من الأدوار الجندرية إلى التشاركية.. هل ينجح الرجال؟



امال قرامي
2024 / 4 / 13


نُشرت أخيرًا مجموعة من الدراسات والبحوث التي أُجريت أثناء أزمة كورونا في عددٍ من البلدان، وذلك للنظر في مختلفِ التحوّلات الاجتماعية والثقافية والفكرية. وقد أثبتتْ بعض البحوث التي اتخذت المنظور الجندري إطارًا للتحليل والفهم، تغييرًا في سلوكِ مجموعات من الرجال، وفي نمطي التفكير والعيش ومنظومة القيم. فقد حضر الزوج في المطبخ المنزليّ وانشغل بالطبخ وغسل الأطباق واهتمّ بالتنظيف.. إلى غير ذلك من الأعمال التي تنسبها الثقافة للنساء وفق تصوّر اجتماعي يُوزّع الأدوار على قاعدة الذكورة/ الأنوثة، فتغدو أدوارًا مُجندرة (Gender Role).

وبالرجوعِ إلى أسبابِ ولوجِ الرجال المطبخ أثناء أزمة كورونا، نتبيّن أنّها متعدّدة. فمن الرجال فئة ملّت الركود والسكون والسلبيّة، فراحت تبحث عن وسيلةٍ لكسرِ رتابةِ اليوميّ، فكان إعداد أطباق متنوّعة، طريقةً مرحة لتجاوز المخاوف. ونعثر على فئةٍ من الرجال وجدت نفسها "مضطرة" لتقديم "المساعدة" بعد استغاثةِ الزوجات اللواتي أضحين غير قادرات على تحمّل المزيد من الأعباء (الحرص الشديد على التنظيف، الرعاية النفسية والتربوية للأطفال والمسنّين..) ولسان حالهن يردّد: تعبت.. ما تفوتنيش أنا وحدي.. خلّي شويه عليّ وشوية عليك.. عشان المركب تقدر تمشي بيّ وبيك". ولا يمكن التغافل عن سببٍ آخر من أسباب إرباك منظومة الأدوار التقليدية، ويتمثّل في بروز وعي مختلف عن السائد، إذ اعتبرت فئة من الأزواج أنّ فترة الحجر الصحيّ هي فرصة للتواصل الإيجابيّ مع كلّ أفراد العائلة، فكان الكنس والتنظيف والطبخ.. فعلًا تشاركيًا يعزّز الروابط العلائقية، ويبني أنموذجًا "للرجل الجديد".

وأيّا كانت الأسباب: التعاطف مع الزوجة أو المنّ عليها أو "جبر الخواطر" أو الاضطرار أو قتل الوقت ، فإنّ القدرة على الإفصاحِ عن خصوصية التجربة اختلفت من زوجٍ/ شريك إلى آخر. فبينما كتم أغلبهم ما كانوا يقومون به من أعمال في البيت أثناء فترات الحجر الصحيّ، معتبرين ذلك أمرًا مُشينًا يمسّ من "هيبة الرجل ، راح عدد من الأزواج ينشرون صورهم على منصّات فيسبوك أو إنستغرام أو تيك توك، متباهين بالمهارات الجديدة التي اكتسبوها، متلاعبين بالصور النمطية والتمثّلات الاجتماعية لـ"الرجل الشرقيّ".

بقي المطبخ في المتخيّل الجمعيّ، "مملكة النساء في مقابل الفضاء العامّ مملكة الرجال حيث تدبير الشأن العامّ

غير أنّ حضور هؤلاء الرجال في المطبخ، الذي يُعدّ وفق المتخيّل الجمعيّ، فضاءً أنثويّا بامتياز، ظلّ مُناسباتيًا، إذ نلحظ جنوح فئة من الرجال إلى "مساعدة الزوجات في شهر رمضان أو في الأعياد فقط، ثمّ سرعان ما يركن هؤلاء إلى التسييج الذي فرضه النظام التقليدي لتوزيع الأدوار. وهنا حُقّ التساؤل: ما الذي يَحول دون تبنّي هذا التوّجه خيارًا في الحياة الزوجية أو العائلية أو في بنية العلاقات الرضائية؟

إنّ المسألة مرتبطة، في اعتقادنا، بأنموذج التنشئة الاجتماعية التقليدية القائمة على التمييز والمفاضلة واللامساواة بين الذكور والإناث، وبالنظام التراتبي الهرميّ. فإلى اليوم، تُعيد النساء إنتاج علاقات تمييزية تجعل البنت في خدمة الذكور بينما يبقى طلب إسداء الخدمات استحقاقًا خاصًّا بالصبيّ، متماهيًا مع امتيازاته الذكورية. يُضاف إلى ذلك الاستمرار في نسبةِ مجموعةٍ من الصفات والأدوار إلى النساء على أساسِ أنّها "فطرية" و"طبيعية"، بحيث يعسر تغييرها، ولذلك ظلّت أعمال الخدمة والرعاية مرتبطة بالنساء، وبقي المطبخ في المتخيّل الجمعيّ، "مملكة النساء مقابل الفضاء العامّ مملكة الرجال حيث تدبير الشأن العامّ (السياسة والاقتصاد..).

إنّ تأسيس العلاقات على قاعدة التشاركية هو المنطلق إذ لا يمكن أن نتحّدث عن المشاركة السياسية أو الاقتصادية أو الفكرية المتميّزة للمرأة في ظلّ منظومة لا عادلة تُوزّع فيها الأدوار على أساس الجندر، وتُمنح فيها الامتيازات للرجال على حساب النساء. ومتى اقتنع الرجال بضرورةِ إعادة التفكير في مسارِ بناء رجولتهم ومراجعة أسس العلاقات مع الشريكات بعيدًا عن منطقِ الهيمنة، زالت عبارات من قبيل أساعد زوجتي ، "أنا رحيم بها ، "أنا أتعاطف معها .. لتحلّ محلّها عبارات تؤسّس لولادةِ رجلٍ متوازنٍ ومتصالحٍ مع نفسه: أنا أقوم بمختلف الأدوار لأنّني تحرّرت من الزوج أنوثة/ ذكورة وصرت متحمّلًا لمسؤولياتي، ومدركًا لدلالات التشاركيّة.