نظريات العنف_ بمناسبة اليوم العالمي لمحاربة العنف ضد النساء



لمسلم رشيد
2006 / 12 / 6

نظريات العنف -3
مدرسة التحليل النفسي

منذ نشأة علم النفس كعلم مستقل ضمن مجالات علمية وفكرية وتحديده لموضوعهم المتمثل في دراسة السلوك اتجه علم النفس في الاعتماد الطريقة العلمية في البحث

واستعان بالعلوم الأخرى.
*عند ذكر مدرسة التحليل النفسي لابد من الإشارة إلى الطبيب النمساوي سيجموند فرويد (1856 - 1939) الذي وضع أسس هذه المدرسة، ويكون العدوان أحد أهم جوانب نظريته العامة لتغيير السلوك البشري ولأنه تأثر كثيرا بالنظريات التي كانت تسيطر على التفكير العلمي في عصره، فإن "الدارونية" بارزة في أعماله، غلب فرويد العوامل البيولوجية الوراثية في شكل سيطرة الغرائز والدوافع والحاجات وأرجع العدوان لغريزة الموت والتي تتقاسم وغريزة حب الحياة، السيطرة على جميع النزوات البشرية وعليه يبدو العدوان كخاصية بيولوجية ويصبح العنف استجابة طبيعية، لكن لابد من الإشارة إلى أن تطورات كثيرة حدثت في مجال التحليل النفسي يقلل بعضها من قوة تأثير الخصائص الو راثية ويفسح المجال لتأثير عوامل من البيئة، وتتمثل جوانب القوة في نظريات التحليل النفسي للعدوان بأنها تقدم تفسيرا واضحا للعنف. فالعدوان خاصية تمتد جذورها إلى الطبيعة البشرية وهي بذلك موجودة في وضع كمون إذا اعترض نشاط الفرد أو حتى الحيوان المتمثل في سلسلة من الاستجابات الموجهة نحو هدف معين وعندما تستثار نزوة العدوان فإنها تأخذ أشكالا متعددة من بينها العنف.
.......................................................................................................
* مصطفى عمر البشير: العنف العائلي – الطبعة الأولى _ الرياض دار النشر-

وفي هذه الحالة يصبح العنف استجابة طبيعية كغيرها من الاستجابات الطبيعية للفرد، ويصبح ما يمكن أن يفعله المجتمع لا يتعدى بعض البرامج التي تستهدف تشجيع الفرد على التستر على نزواته العدوانية وحفظها في الداخل والإحجام عن التعبير عنها في شكل فعل من أفعال العنف، وتصبح معدلات العنف المنخفضة مؤشرا على نجاح هذه البرامج المجتمعية وبنفس الكيفية تعكس المعدلات المرتفعة للعنف فشل نفس البرامج*.
ويبدو هذا التحليل في منتهى الوضوح ويتمتع الذين يقبلونه براحة ذهنية، لكن الإشكالية الأولى في هذا اللون من التحليلات أنها لا تستند إلى بيانات مستقاة من الواقع فهي مقامة أساسا على مجموعة من المسلمات والمقولات التي لا يمكن إختبارها وتعريضها للتجربة أو مقارنتها بوقائع لأنها طورت في شكل مقولات فلسفية ولم تبنى على ضوء بيانات يمكن مشاهادتها.

فالقول بأن العدوان لا تحركه إلا دوافع غريزية تجعلنا نتوقع نفس الاستجابة من مختلف الأفراد الذين يتعرضون لنفس الميزات وهذا لا يحدث في الواقع وبنفس المنطق يتوقع أن يعبر الفرد بنفس الاستجابة كلما تعرض إلى إحباط ويصبح رد الفعل عبارة عن استجابة آلية وكأن الفرد لا يفكر ولا يقدر.
هناك عوامل أخرى تؤخذ في الحسبان مثل نوع الإحباط وشدة الرغبة في الوصول إلى الهدف وقوة الإمكانيات الداخلية للسيطرة على الانفعالات وطبيعة رد الفعل المتوقعة.
فالإحباط يتسبب فقط في إثارة نزوة العدوان، وأن ظروف أخرى تتدخل وتحدد إمكانية التعبير عنها في شكل فعل من أفعال العنف، لكن درجة النزوة حسابا خاصا في درجة تحولها إلى عنف فكلما ارتفعت هذه الدرجة وكلما طالت المدة الزمنية، كلما ارتفعت درجة احتمال تحولها إلى العنف.

• مصطفى عمر البشير: العنف العائلي – الطبعة الأولى _ الرياض دار النشر