إخضاع المرأة والمجتمع



فريدة النقاش
2006 / 12 / 6

يمثل اختيار المرأة للباسها حقا شخصيا من حقوقها فلها أن تتحجب إن شاءت ولها أيضا أن تكون بغير حجاب.. ولكن هل الحجاب فى حالتنا وبانتشاره الواسع الآن هو اختيار أم إجبار، أتمنى من كل قلبى أن تسأل بعض النساء المحجبات الذكيات هذا السؤال، وأخص هؤلاء اللاتى لم يسبق لهن وضع الحجاب ثم وضعنه مؤخرا تحت مجموعة من الضغوط يعرفنها جيدا، فهن إما يعملن فى مؤسسات الإمبراطورية الاقتصادية للإخوان المسلمين، والحجاب هو جزء من شروط العمل، وإما أنهن تجاوزن سن الزواج كثيرا بسبب الأزمة الاقتصادية الطاحنة ولم يتزوجن وحيث يدعى المجتمع الذى امتلأ بالنفاق أن عنوان الأخلاق وعلاقتها هو مظهر شكلى للغاية مثل وضع الحجاب الذى يتبارى فقهاء الوهابية فى الإفتاء بأنه ركن من أركان الإسلام رغم أننا نعرف جيدا أن أركان الإسلام خمسة وليس من بينها الحجاب، وهنا يأتى العنصر الآخر والأخطر والذى يتمثل فى تخويف النساء من عذاب الآخرة وأحيانا عذاب القبر إن هى خالفت شرع الله كما يفسرونه لها، وتنهال على النساء أشكال الزجر والتعنيف وصولا لحد الإيذاء البدنى فى بعض الأحيان وحتى لإهدار معنى الطفولة والاعتداء عليها بإجبار طفلات لم يتجاوزن السادسة من العمر على ارتداء الحجاب لأن الشعر عورة، وبوسعنا أن نتصور الآثار النفسية والتربوية المدمرة لا للطفلات فقط وإنما حتى لزملائهن من الصبيان الذين يتعلمون منذ الصغر أن المرأة عورة فنغرس فيهم منذ الصغر مفاهيم وأفكار غير صحيحة تتسبب فى تعقيد العلاقات الاجتماعية وتشويهها.
ليس بوسعنا إذن فى مثل هذا السياق الإرهابى أن نقول إن انتشار الحجاب بهذه الصورة الواسعة هو اختيار شخصى من قبل النساء وعلينا أن نحترم حرية الاختيار فلا هو اختيار ولا يحزنون، وعلى ذلك فإن حرية المحجبة فى أن تضع الحجاب لابد أن تقابلها حرية أخريات لا يضعنه.
كانت النساء المصريات قد خلعن الحجاب فى ظل ثورة 1919 باعتباره لباسا تركيا ورمزا للاستعمار العثمانى وذلك بعد أن سقطت نساء شهيدات فى مواجهة جنود الاحتلال، وكانت الحركة النسائية التى بدأت فى نهاية القرن التاسع عشر قد نضجت وبلورت مطالبها فى برامج وصحف ومنظمات، تلك الحركة التى يقول عنها بعض تجار الدين الآن إنها مستوردة وأصبح الحجاب منذ ذلك الحين شيئا من الماضى.
وعاد الحجاب ليغزو البلاد منذ ثلاثين عاما وبعد فورة النفط وتراجع دور مصر السياسى والثقافى فى ظل السياسات الساداتية التى انقلبت على مشروع التحرر وهجرة المصريين بكثافة - دون مشروع - إلى بلدان النفط الغنية والرجعية وإذ تراهن المملكة العربية السعودية على قيادة المنطقة بفلوسها ومشروعها المحافظ التابع، وانتعش الإخوان المسلمون مجددا فى هذا السياق بعد الانحسار الكبير فى العقود الثلاثة السابقة على حرب أكتوبر وبعد أن أصبح الدين المحافظ أحد أدوات السياسة الاستعمارية على الصعيد العالمى.
وهم يؤججون نيران الحرب ضد وزير الثقافة الآن بسبب تصريحه الرافض للحجاب تعبيرا عن موقف أصيل وثابت ضد حرية الفكر والتعبير والرأى والاعتقاد وحرية المرأة والذى يمكن أن يتضمنه كتاب أسود كبير منذ قتل فرج فودة ومحاولة قتل نجيب محفوظ والتحريض على مصادرة الكتب والأفلام واللوحات.. إلخ.. وإجبار النساء على ارتداء الحجاب.
ويدافع الإخوان المسلمون فى نفس الوقت عن رمزهم السياسى الذى يمشى على قدمين أى الحجاب، فهم يبدأون بإخضاع الحلقة الأضعف فى القوى الاجتماعية وهى النساء تمهيدا لإخضاع المجتمع كله عبر مشروعهم السياسى الاستبدادى الاستغلالى باسم الدين، ويساندهم الحزب الحاكم الذى دفعت سياساته البلاد إلى أزمة عميقة فى كل الميادين وليس أدل عليها من هذا البرلمان - الفضيحة الذى هو تجسيد حى للتردى العام الذى حدث فى البلاد بعد ربع قرن من الاستبداد والفساد والنهب والمتاجرة بالدين والطوارئ والتعذيب والتزوير، ويسعى الآن لاكتساب شرعية حجبها عن الشعب منذ زمن طويل إذ يقول للناس ليس الإخوان المسلمون هم فقط من يدافعون عن الدين بل إننى أنا الأكثر تدينا لعله يجد حلا للأزمة.