شعر المرأة ليس عورة



أشرف عبد القادر
2006 / 12 / 10

عندما تقرأ كتاباً جيداً لمفكر متميز، وتعيد قراءته مرة أخرى بعد فترة تطول أو تقصر، تجد فيه ما هو جديد وكأنك تقرأه لأول مرة، لأنه لعمق فكره وحلاوة أسلوبه كالمعين الذي لا ينضب، بل إنك كلما اغترفت منه أتاك الماء حلواً عذباّ. كنت أعيد ترتيب كتبي، فوقع في يدي كتاب هرم مصر الرابع وشافعي مصر كما كان يسميه أديبنا الكبير توفيق الحكيم، المستشار محمد سعيد العشماوي"حقيقة الحجاب وحجية الحديث"وأثناء تصفحي له توقفت عند باب معنون بعنوان "شعر المرأة ليس عورة" ص 71 يقول فيه العشماوي:" تقوم فكرة وضع المرأة غطاء للرأس، يسمى خطأ بالحجاب، على نظر يري أن شعر المرأة عورة، فيتعين عليها أن تغطي هذه العورة ولا تكشفه (...) ويتساءل العشماوي في فصله الرائع قائلاً"ولماذا يعتبر شعر المرأة عورة؟ ومن الذي يقول بذلك؟". فيعود بنا إلى جذور نشأة هذه الفكرة قائلاً:" نشأ لدي المصريين القدماء ، منذ عصور موغلة في القدم ، اعتقاد – صدر عن فكر غيبي – بأن شعر الإنسان هو مظهر القوة ورمز الفخار، ولما كان الكهنة هم الذين يدخلون وحدهم قدس الأقداس في المعابد، كما أنهم يهبون كل حيواتهم للآلهة فيعيشون ويقيمون في هذه المعابد، فقد صار من طقوسهم الدينية أن يحلقوا شعر رؤوسهم تماماً، دليلاً على الضعف ورمز للاتضاع أمام الإله(...) وقد تسرب فكر قدماء المصريين إلى أنحاء كثيرة من العالم وإلى حضارات مختلفة متباعدة (...) ففي اليهودية لأن موسى عليه السلام (القرن الثالث عشر قبل الميلاد) كان قد نشأ وربي في مصر فقد تأثر بفكر وحضارة قدماء المصريين، وعندما خرج من مصر مع العبرانيين (اليهود) وبعض المصريين، كانوا جميعاً ينتهجون نهج قدماء المصريين في أشياء كثيرة، منها عدم إظهار شعر الرأس أمام الإله تدليلاً على الخضوع والخنوع (...) وفي المسيحية لم يتكلم السيد المسيح عن الشعر – بالنسبة للرجل أو المرأة – على الإطلاق، ربما لأنه عني بالجوهر لا بالمظهر، وركز على القلب والضمير لا على الشكل والمظاهر. لكن بولس (الرسول) تناول مسألة شعر الرأس في رسالته إلى أهل كورنتس" فقال :" كل رجل يصلى أو يتنبأ وله على رأسه شيء يشين رأسه. وأما كل امرأة تصلى أو تتنبأ ورأسها غير مغطى فتشين رأسها ... إذ المرأة إذا كانت لا تتغطي فليقص شعرها ... هل يليق بالمرأة أن تصلى إلى الله وهي غير مغطاة ...". (الإصحاح الحادي عشر :4_14) ومفاد كلام بولس (الرسول) أنه لا ينبغي للمرأة أن تصلى (لله) ورأسها غير مغطي (...) فشعر المرأة في المسيحية وفي اليهودية، وفي غيرها، لا يعد عورة، لكنه يعتبر رمزاً للقوة ومظهر للاعتزاز، وينبغي على الرجل والمرأة، في اليهودية ، وعلى المرأة وحدها في المسيحية، تغطية شعر الرأس عند الصلاة لله (...) أما في الإسلام ، كان النبي ( ص) يحب مخالفة أهل مكة (المشركين) وموافقة أهل الكتاب، ومن ثم فقد كان يفرق شعره على عادة أهل مكة عندما كان يقيم فيها، فلما هاجر إلى المدينة، ورأي أن أهل الكتاب يرسلون شعورهم أرسل شعره (...) إن مسألة الزي والملبس من مسائل العادات والتقاليد التي تضرب بأصولها في مجتمعات بعيده وأعراف قديمة، وتتداخل وتتشابه رغم اختلاف المعتقدات والشرائع".
أشد على يدي صديقي المستشار وأقول له "لا فض فوك وسلمت يداك"، فقد أوجزت وأنجزت، فمتى يفهم المتأسلمون أن أصول الإسلام خمسة وما عداها متروك للعباد والاجتهاد وللعادات والتقاليد، وكيف يسمع الناس صوت العقل بعد أن شاع صوت اللاعقل في كل مكان: من إعلام إلى تعليم إلى خطب الجمعة، فقد تمكن المتأسلمون من السيطرة على كل المنابر الإعلامية السمعية والبصرية، ومن خلالها أذاعوا ضلالهم الذي ينسبونه للإسلام والإسلام منهم ومن فتاويهم المغرضة برئ، فقد جعل الشيوخ "المودرن" أمثال عمر خالد ومن على شاكلته من "الحجاب" سلعتهم الرائجة التي يرتزقون منها ويعيشون بها، حتى أنهم جعلوه ركناً سادساً من أركان الإسلام، ويكفرون من يقول بغير ذلك، وحجتهم أننا ننكر معلوماً من الدين بالضرورة، الحجاب لم يكن أبداً من معلوم الدين كما يدعي المتأسلمون، بل هو من تقاليد بابل الوثنية نقله عن البابليين اليهود ثم المسيحيون، ولباس الأخوات المسيحيات هو "الحجاب الشرعي". وقد قلد فقهاؤنا الراهبات المسيحيات بينما هم يزعمون أن تقليد "الكفار" كفر! لذلك قال صديقي شيخ الإسلام جمال البنا " لم يفرض الإسلام الحجاب على المرأة،بل فرض الفقهاء الحجاب على الإسلام"، وهنا أسأل المتأسلمون لماذا يهيجهم شعر المرأة إلى هذه الدرجة، ولا يهيج سكان المعمورة ؟ أفلا يدل ذلك على كبتهم الجنسي، وهوسهم بجسد المرأة الذي يستثيرهم بمجرد رؤية شعرها فيفكرون في اغتصابها، أم أن شعر المرأة يذكرهم بشعر عانتها فيريدون إخفاء شعرها بل وجسدها كله لأنه "عورة" يجب أن تستر ، وتكفينها حية في كفن الحجاب والنقاب المتحرك. فلا عجب وهم المهووسون بعداء المرأة ويردون قتلها معنوياً وجسدياً، معنوياً بإقناعها أنها "ناقصة عقل ودين"، وجسدياً بدفنها حية في كفن الحجاب وقبرها في المنزل ، حتى أنهم جعلوا لها خرجتين، واحدة من بيت أبيها إلى بيت زوجها، والثانية من بيت زوجها إلى القبر، إنها كما يريدونها "حية ـ ميته" هذه هي المرأة التي يريدها المتأسلمون في أوائل القرن الحادى والعشرين، ولكن هيهات ... فعجلة الزمن لا تدور أبداً للخلف،فقد خرجت المرأة من المنزل ولن تعود إليه، ولن تستطيعوا مهما حاولتم لي أعناق النصوص القرآنية والاستناد إلى أحاديث ضعيفة سجن المرأة المسلمة التي حررها الإسلام وسجنها الفقهاء بفتاويهم المغرضة، يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ، ويأبي الله إلا أن يتم نوره ولو كره المتأسلمون،فشعر المرأة ليس عورة رغم أنف المتأسلمين، والحجاب ليس من الإسلام ولو كره المهربون الدينيون، فبضاعتهم بائرة ، فإلى مزيد من الحقوق أيتها المرأة العربية المسلمة، فشعرك ليس عورة وجسدك ليس عورة، فملبسك وجسدك ملك لك ، وأنت حرة فيهما.ناضلي من أجل مساواتك بالرجل في حقوق المواطنة حتى تلتحقي بالمرأة في العالم. لماذا تكون المرأة في جميع بلدان العالم – باستثناء الراهبات المسيحيات- سافرة ، وتكونين أنت أيها المرأة المسلمة في كفن الحجاب الحزين؟!.
[email protected]