|
غلق | | مركز مساواة المرأة | |
|
خيارات وادوات |
شريف حتاتة
!--a>
2024 / 9 / 13
تقسيم العمل في مصر
تتميز مصر بأنها أكثر البلاد العربية تطورا ، وأنها مرت بتجربة فريدة بين الدول العربية أثناء العهد الناصري تركت آثارا هامة في التركيب الاقتصادي الاجتماعي القائم الآن.
وعملية الخصخصة ، وتسليم الاقتصاد للشركات المتعددة الجنسيات . وإخضاعه لمصالحها ، وسياساتها بدأت في أيامنا هذه . فاصبح وضع المرأة في مرحلة انتقال لم يُصبها حتى الآن إلا جزء من التطورات الاقتصادية المرتبطة بها وبعملية العولمة التي تستهدف امتصاصنا تماما في السوق العالمى . ولكن هذه التطورات الجزئية قد تسمح لنا بأن نستشرف بعض التغييرات المتوقعة في عمل المرأة.
الأرجح أن نسبة العمالة فيما يتعلق بالمرأة ستنخفض في المرحلة القادمة . وأنه سيتكون خزين من العمالة النسائية تنتظر فرصا للعمل نتيجة لتدني وضعها فإذا ما تمت بعدها تطورات مثل تلك التى حدثت في بعض بلاد الأطراف يمكن أن تتزايد هذه النسبة لكن يصعب معرفة المدى الذي يمكن أن تصل إليه . فالملاحظ إننا فى الفترة الحالية دخلنا في مرحلة رواج مالی نسبی نتيجة بيع شركات القطاع العام بمختلف أنواعها، وتدفق الأموال لشرائها مما يذكرنا إلى حد ما بالفترات الأولى من الانفتاح فى عهد السادات ، وهو رواج كاذب بالطبع لأنه لا يعالج مشاكل الوضع الاقتصادى إلا على السطح . وفي السنين القادمة ستتزايد البطالة النسائية (والرجالية أيضا ) وذلك للأسباب الآتية :-
1- تطبيق قانون الإيجارات الزراعية الذى يبيح للملاك طرد المستأجرين من أرضهم مما سيترتب عليه خلق قوى عاملة إضافية في الريف وتدني مستوى دخل الأسر التي تعمل في الزراعة. وهذا سيدفع بأعداد جديدة من العاملات ، والعاملين إلى سوق العمل. وقد أظهرت بحوث العمالة بالعينة التي تم اجراؤها عام ۱۹۹٦ ، عن العمالة الزراعية، بما فيها العمالة غير المدفوعة الأجر، والعمالة في القطاع غير الرسمى عام ١٩٩٣ أن 65.12% من العمالة النسائية تتركز في قطاع الزراعة مقابل ٣٤,٨% من الرجال . كما أظهرت نفس الدراسات أن نسبة مساهمة العاملات من النساء في قطاع الزراعة هي فی ٥٠,٧% مقابل 49.2% للرجال في عام ١٩٩٣.
2- إغلاق أو تحديث بعض الصناعات التي تعمل فيها النساء بكثافة عالية مثل صناعات الغزل والنسيج والملابس والأدوية . وقد دلت بحوث العمالة بالعينة علي أن نحو 7.11% من إجمالي قوة العمل النسائية تعمل في الصناعات التحويلية (۱۹۹۳) ، وأن ٢١٫٥٪ من قوة العمل في الصناعات التحويلية من النساء مقابل ٧٨,٥% من الرجال في نفس العام . ودلت مؤشرات أخرى مستخرجة من قواعد بيانات المنشآت الصناعية المسجلة في التأمينات الاجتماعية أن ٠٫٥٨٪ من قوة العمل النسائية تعمل في صناعة الغزل والنسيج و 15.5% في صناعة المواد الغذائية ، و٦,٤٪ تعمل الحكومي في الصناعات الكيماوية والدوائية.
3- تقلص البيروقراطية الحكومية نتيجة فقدان الدولة لكثير من وظائفها في الخصخصة . والنساء تشكلن ٣١% من إجمالى العاملين المدنيين بالجهاز الحكومي ، أي 918 ألف أمرأة.
4- إلغاء قطاع الأعمال العام الذي حل محل القطاع العام مؤقتا وتأثير هذا الإلغاء على الشركات والصناعات التابعة له . وتظهر قواعد بيانات العاملين بقطاع سنة ١٩٩٤ أن عدد العاملين في الصناعة بلغ 679.3 ألف عامل منهم ٨٤,٧ ألف من النساء
بنسبة12 %، وتتركز العمالة النسائية في قطاع الأعمال العام الصناعى فى الغزل والنسيج والملابس (٤٣%) والصناعات الغذائية (٢٤%) والأودية والمستلزمات الطبية (13%) وأقل نسبة عمالة فى النساء توجد في قطاعات التعدين والحراريات (3%) والصناعات المعدنية (4%). ومن الملاحظ أن عدد النساء العاملات في الصناعات التحويلية انخفض بمقدار 7% في السنوات الخمس الأخيرة.
وإذا تتبعنا التطورات التي حدثت بين النساء منذ تطبيق سياسة الانفتاح سنة ١٩٧٤ يمكننا ملاحظة نشوء ظواهر تشبه ما حدث في بلاد الأطراف نتيجة عملية العولمة التي حدثت فيها :
1- ظاهرة الاستهلاك المتزايدة بين نساء الطبقات الثرية والمتوسطة بمختلف مراتبها، وظهور أنماط الحياة، وقيم هي امتداد الاقتصاد ، وثقافة السوق العالمي ، وتشمل الاهتمام المتزايدة بأنواع الاستهلاك الترفي السطحية ، وامتلاك آخر صيحة في المقتنيات، والتربح غير المشروع، وتغلغل الجنس في الإعلام ، والإعلان. وقدر متزايدة من التحرر في العلاقات الجنسية دون فهم سليم المعنى التحرر والمسئولية.
ويقابل هذا استشراء التيارات السلفية الأصولية وفرضها مختلف أشكال التزمت والحجاب ، والانسحاب، والانغلاق ، على حياة المرأة ، وهذا التمزق بين تيارين في السلوك والنظرة إلى نشاط المرأة ودورها في الأسرة ، والعمل والمجتمع هما وجها العملة الواحدة التي تمهد للعولمة طريقها ، وتسمح لها بتمزيق القوى الحية للمجتمع وامتصاص جهدها في دوائر التراكم المتعددة حسب احتياجها.
2- انتشار الدعارة بين النساء وعلى الأخص صغار السن من الفتيات والشابات وهذه الدعارة تتخذ أشكالا متعددة سافرة ، ومستترة أو مقنعة ، تحت ستار من الزواج للمتعة ، أو الرفقة، أو القبول ، أو في شكل البيع لكبار السن أو الخدمة في البيوت، أو التمريض ، أو رعاية المسنين أو غيرها. والدعارة نشاط ذو أبعاد دولية وتجارة الرقيق الأبيض لها تنظيماتها العالمية تتداخل مع الجريمة والمخدرات والرهونات والترفيه والسياحة وأنشطة أخرى متعددة، وتشكل إحدى ركائز عملية العولمة.
3- انخراط النساء بشكل متزايد في بعض المهن مثل الخدمة في المنازل، والمطاعم والفنادق والسياحة ، والبنوك.
4- بداية التوسع في قطاعات من العمل غير المنظمة ، وغير الرسمية التي لا تخضع للتعاقد، أو التأمينات أو للضمانات المعتادة ، والتي زاد فيها عدد العاملات من خمسين ألف إلى أكثر من ثمانمائة ألف عاملة خلال العشر سنوات الماضية.
5- ظهور الصناعات التجميعية في مجالات مختلفة مثل السيارات والإلكترنيات وغيرها . وتصنيع الحلى من الأحجار نصف الكريمة ، أو الفضة أو معادن مناسبة . تصفيف الزهور ، وتطريز الملابس الفاخرة ، وإعداد الوجبات ، والحلويات في البيوت، والكتابة بالكومبيوتر ، وأعمال السكرتارية ، وجزء كبير من هذه الأعمال تصلح لها القوى العاملة النسائية.
6- الاهتمام المتزايد بإقامة مناطق حرة لا تخضع لقوانين البلاد وتسمح للشركات المتعددة الجنسية أن تفعل فيها ما تشاء ، وأن تجذب إليها من تريد.
7- التركيز على أن يصبح الاقتصاد المصرى موجها للتصدير أي أن يقوم على خدمة الشركات المتعددة الجنسية، فيصدر لها ما تريده منه ، ويكرس نشاطه الإنتاجي والزراعى لاحتياجاتها ، ولبعض احتياجات الاستهلاك في سوق البلاد الصناعية المتطورة.
ومن المتوقع أن تتزايد البطالة في بلادنا نتيجة الخصخصة ودخولنا في دائرة العولمة . وهذه البطالة ستشمل النساء قبل الرجال لأنهن سيكن أول من يستغنى عنهن . ولكن على المدى البعيد ربما نشاهد تطورات مثل تلك التي جرت في مناطق أخرى من العالم ( آسيا ، وأمريكا اللاتينية أساسا ) عندئذ قد تنشأ صناعات وأنواع من النشاط تجذب منخ ن العمل النسائي أعدادا متزايدة ، وتعيد تشكيل أنماط تقسيم العمل خصوصا إذا ما تحقق ما يحلم به أنصار السوق الشرق أوسطى.
المرأة ركيزة التحرر
المرأة تدخل في صميم نسيج المجتمع ، في الاقتصاد والثقافة ، في العمل والقيم ، في التراكم الرأسمالي وعمليات العولمة في إعادة تقسيم العمل ، في الأسرة ، والأطفال والصحة والمرض. إنها الحياة بكل تعقيداتها وعلاقاتها واحتمالاتها الجميلة ، والمزعجة. إنها محور تدور حوله اهتماماتنا ولكننا نحن الرجال تسعى دائما إلى الزج بها جانبا لأننا استمرأنا وضعا وظللنا نتمسك به.
إن كل ما يحدث اليوم في عملية العولمة يجر المرأة إلى قلب المعركة . يجعل لها مصلحة في أن تتحرر، ويضع بين أيديها أسلحة المرأة هي التي ستحرر نفسها . لن يحررها أحد. لن يحررها الرجل. لكن الرجل المستنير الذي يفكر فى مجتمع مختلف ، في فك الارتباط بالاستعمار الجديد والعولمة لابد أن يتوجه إلى الشعب ، إلى الذين يشكلون ملايين وملايين المجتمع . والمرأة تشكل نصفهم . المرأة جزء لا يتجزأ من عملية التراكم التي خلقت الشركات المتعددة الجنسية ودعمت هيمنتها ، وهذه الشركات تريد لها أن تستمر في قطيع الإنتاج ، والعمل، أن تظل مطيعة لا تفكر بعقلها .
والأصولية السلفية تمثل خدمة كبيرة للرأسمالية العالمية ، وقوى الاستعمار الجديد .. فهي تخضع المرأة ، وتستأنسها ، وتجعلها قوة عمل طيعة للعمل في البيت أو خارج البيت خصوصا في البلاد والقارات الفقيرة وبين المهاجرين والأقليات وهى تغرق المجتمع في صراع ضد المرأة ، وكل ما يتعلق بها فتنحرف به إلى دروب بعيدة عن مواجهة ما تفعله بنا الشركات المتعددة الجنسية ، وهى تنشر قيم التقشف وكبح جماح الرغبات في بلاد الجنوب حيث تحتاج الرأسمالية إلى تحويل أغلب النساء إلى قوة عمل رخيصة تعمل في مختلف أنواع النشاط الاقتصادي الموجهة للتصدير.
المرأة ربما ساهمت بقسط من التراكم أكبر من ذلك الذي ساهم به الرجل فعملها غير المدفوع الأجر، أو المدفوع بنصف أجر، لم يقدره أحد. المرأة تستطيع مع الرجل أن تغير هذا ، أن يصب جهدها لصالح البشر ، أن تشارك في مراحل التطور الديمقراطى المتتالية . لكن خريطة المجتمع تغيرت الطبقات لم تعد هي الطبقات ، ساحت على بعضها وتداخلت ، أصبحت سائلة، والتحالفات تغيرت.
إن التطور غير المتكافئ يوسع الهوة بين البلاد والمناطق . يصنع أطرافا وأطرافا للأطراف . وعالما ثالثا ورابعا ربما ستنطلق منهما بؤر للمقاومة لتصنع الأوطان التي نريدها ، ولتتلاحم فى موجات متتالية لتغزو الأحواش الخلفية لعملية العولمة . لكن من يدرى من أين سيجئ التغيير. ربما من كل الأمكنة. فالعولمة تزيد من قبضة وصلابة وسيطرة المركز لكنها تخلق مشاكل واحدة وتجربة متقاربة، ووعيا متدرجا ، ووسائل ، ودواع توحد جهود الملايين ضد الخطر الأكبر.
لكن أيا كان شكل التحالفات التي ستنشأ فلابد أن تكون المرأة مع الرجل جزاً لا يتجزأ من قلوبها النابضة ومن تشابكاتها الواصلة إلى أبعد الأطراف. أصبح علينا أن نفكر ، ونعيش ونجرب ونصارع بطريقة مختلفة.