![]() |
غلق | | مركز مساواة المرأة | |
![]() |
خيارات وادوات |
كريمة مكي
!--a>
2025 / 2 / 18
كنتُ مغرمة بالفنان الزبير التركي غرام ابنة بأبيها و أخفيت أجمل إحساس سندني في مِحني خوفا على محمود و طبعا على بية سارة!
كنت أرى في الزبير التركي الأب و المرشد و المعلّم و تمنيت الالتقاء به لأنسى خيبتي مع أبي و مع زوجي.
حب الأب لابنته و خوفه عليها لم أعرفه لا مع أبي و لا مع محمود و وجدته في رسام تونس الأجمل و الأرقى.
تخيّلته أبي و تماهيت مع الدور الذي اخترعته له في حياتي حتى صرت أعرض عليه لوحاتي ليناقشني فيها بأريحيته المعروفة و بلطفه و عطفه على الرسامين المبتدئين.
كنت في أحلك أوقاتي أشكو له قسوة أبي الراحل و حِدّة هذا الزوج المأخوذ بالبحث عن السراب في الخارج و هو لا يدري أن الكنز الحق كان في بيته و بالذات في قلب امرأة تفديه بنفسها و لكنه كان أعمى عن النظر إلى الداخل.
لقد عرّفني أبي على الزبير التركي من حيث لم يقصد فارتميت في بحر الفن الذي نهل منه الرسام حتى صرت أستاذة في الفن التشكيلي و أبي يتصوّر أنني مشروع أستاذة في التاريخ إلى أن مات!
كنت أحب الرسم من صغري و لكن حين اشترى لنا أبي كتاب ʺأمك صنافةʺ ليُهيئنا أنا و نورة و علياء لأدوارنا القادمة كزوجات و أمّهات، تعرفت لأوّل مرة على ريشة رسام تونس الأكبر فكان أن انبهرت بالرسومات حتى نسيت المقادير و الوصفات!!
كانت تصاوير الزبير التركي أمامي ناطقة و متحرّكة: صورة المرأة التونسية الممتلئة الجميلة بقبقاب في رجليها و بتقريطة على رأسها و يدها في القِدر تحرّك الطعام في انتظار رفعه و إطعام العائلة،
أو صورتها في قسم المحلّيات و الميدة المستديرة أمامها و هي تشكل بالعجين أنواعا عدّة من الحلو التونسي و خاصة ذلك الكعك التقليدي البسيط و الشهي.
صور تونسيّة صرفة لم يحسن التقاطها بالحبر الصيني أو بقلم الرصاص إلا ذلك الرسّام... ذلك الفنّان...ذلك الإنسان.
كم أحببت رسوماته التي توثق لعاداتنا التونسية الأصيلة في كتاب الطبخ ذاك الذي كان أوّل لقائي به إلى أن كان لي معه موعد قدريا حاسما عندما التقيت به ثانية في روايات محمود المسعدي في الباكالوريا!
وقتها قرّرت اختيار الرسم لدراستي الجامعية فمن يقرأ ʺحدّث أبو هريرةʺ و ʺالسُّدʺ و يتملّى تصاوير الزبير فيهما، ينسى الدّين و فكرة الخلود ليعيش المغامرة أوّلا في أرض الوجود!
و لكن كيف لي أن أُقنع أبي المتزمت باختيار الرسم كدراسة هو الذي لا يحبّ أن يعترف بالفنون و أصحابها رغم أنه عاشق متيّم بفريد الأطرش و سامية جمال!
اخترت أولا و خوفا من إغضابه دراسة التاريخ و كان أبي يفضل أن أدرس العربية و لكن معدّلي لم يسمح إلّا بالدخول لشعبة التاريخ و حمدت الله وقتها لأنّ التاريخ عندي كان أفضل من تلك العربية القديمة و قواعدها الثقيلة.
دخلت التاريخ دخول المجبرة على خسارة عام من عمرها و قلت لنفسي أن عام بحاله يبقى قليل أمام عمر الحب الطويل الذي ينتظرني إن نجحت في دراسة الرسم الذي أحبه.
درست التاريخ بعناية لأعرف كيف أجيب أبي إذا سألني عنه شيئا و لم يكن يسألني أبدا ليس لأنه لا يحبه بل لأنه لا يحب أمي و لا يحبنا!
هكذا فهمت مشاعر أبي تجاهنا وقتها و إن كنت أجده يميل لأختي الكبرى نورة التي حزن جدا عند سفرها إلى الجزائر للإقامة مع زوجها الجزائري رغم أنه كان سعيدا في البداية لأن الجزائريين عنده متشدّدين في دينهم و أخلاقهم و ليس كالتوانسة الذين ميّعهم بورقيبة!
هكذا كان أبي يرى ... في حقد كبير علينا و على كلّ النساء.
سامحه الله و ليسامحني إن كذبت عليه أو بالأصح لم أعلمه يوم أعدت التوجيه و نجحت في التوجه لكلية الفنون الجميلة.
كانت المغامرة الوحيدة التي ارتكبتها في حياتي و ليتها تعدّدت في حياتي المغامرات!
المغامرة تعطي للإنسان أجنحة فيشعر بأحاسيس لا يمكن أن يدرك مداها أصحاب النفوس الخامدة أو القلوب الضعيفة الخائفة.
كم خفت من أبي...خفت أن يقاطعني... أو يطردني من البيت أو... و لكن ما شجعني على المضي، في صمت، على درب المسعدي الكبير هو أنني كنت في بيتنا فتاة ملتزمة دينيا و جِد مطيعة للأب و الأم على عكس أختاي، فكان أبي يحرص على مراقبتهما أكثر مني لأنه وجد، بعد أن نصب لي فخاخا كثيرة، أني لا أحب إلّا الدراسة و الكتب!
رحمه الله...لم يكن يدري ما تفعل بنا الكتب خاصة إذا كانت منقوشة بمِداد أديبنا الرائع الفريد محمود المسعدي.
لقد توفي أبي و أنا في سنتي الثانية في كلية الفنون و كان أن تصوّرت وقتها أني قد تجاوزت حاجزا كبيرا أمام حريتي و لكن هيهات... لقد وقعت بعده مباشرة أمام حاجز أعلى و أصعب فانحنيت أمامه طويلا و كان قلبي الأحمق وحده سبب انحنائي!!!
يتبع
دعوة للانضمام الى موقعنا في الفسبوك
نظام تعليقات الموقع متوقف حاليا لاسباب تقنية نرجو استخدام تعليقات
الفيسبوك
|