و من كان يتصور لتونس أياما كهذه؟!



كريمة مكي
2025 / 2 / 25

كنت طوال الطريق أدعو الله ألاّ يعرفني أحد...و في الطريق انفجرت شلاّلات عيوني: كم حبستها في البيت خوفا عليه و لكني في الطريق الخالي كنت أبكي و أشهق من هذا الحال المريع الذي سقطنا فيه و لا ذنب لنا فيه... على الأقل: أنا.
ماذا فعلت...؟؟؟
ماذا ربحت من هذا الزواج غير الحزن و الكمد و الآهات و كنت أظن أني الأسعد حين فزت يومها بحضرة الأستاذ المساعد معشوق الطالبات!
ماذا ربحت من هذا المناصب الكثيرة غير القلق و الفجعات و الغصرات...
إلى من ألتجىء اليوم و قد فقدت الأب و الأم...
إلى أخواتي البنات الكارهات لي و الحاقدات؟!
أختي الكبرى اتصلت بي من الجزائر كما لتطمئن على عائلة أحد رجال المخلوع المحترقة بنار ثورة الياسمين!
قبل اتصالها بقليل كنت قد فكّرت في فرضية تهريبه إلى الجزائر مستذكرة قصة هروب محمد مزالي إليها خوفا من حبل مشنقة كان يجهّزه له بورقيبة بعد أن عزله.
قلت في نفسي لعل أختي تحن علي و تساعدني خاصة و أن إخوتنا في الجزائر يعرفون الأصول و يكرمون اللاجئ إليهم و المحتمي بهم و تاريخنا معا يشهد فلقد أجاروا و أكرموا محمد مزالي و من قبله أحمد بن صالح.
من يدري لعلّ محمود يكون ثالثهما؟!
لاحظت أختي صوتي المنهك فذهبت بأملي فيها و زادت في إنهاك صوتي و قلبي و أعصابي.
قالت لي بشماتة مغلّفة بحكمة قاسية لم تكن أبدا ما كنت أحتاجه منها و أنا و عائلتي في ذلك الظرف القاسي الأليم !!
لقد اكتفت بأن قالت بمنتهى البرود لأختها في محنتها: من تتزوّج سياسيا يجب أن تستعد لأيام كهذه!
و من كان يتصور لتونس أياما كهذه؟!
أقصى ما تصورته و ما تمنيته من صميم قلبي أن يعزله بن علي فيعود لعمله الأول و نعود لحياتنا البسيطة فننام بلا مهدّئات و نتناول طعامنا بشهية و بلا منغصات و نشرب قهوة العصر في ʺالبركونʺ و نحن نلعب الشطرنج كما فعلنا في البدايات.
أما أن تقوم ثورة لتنتهي بهذا الشكل فلم أفكر فيها مجرد التفكير.
قرأت كثيرا عن الثورات و خاصة الثورة الفرنسية و تعلّقت بمبادئها السامية و أحببت كل الثوار الأحرار كتشي غيفارا و باتريس لوممبا الذي يحمل شارع بيت أبي إسمه.
و تمنيت من كل قلبي أن ينتهي نظام بن علي القمعي ليحل محله نظام عادل لا يظلم الناس و لا ينتهك الكرامة و الحريات...
حلمت كثيرا بهذا فأنا حالمة منذ الأزل أما أن أحلم بثورة تنتهي بهذا الشكل المرعب فلا...
كيف لي أن أتوقع هذا السيناريو المفجع لتونس البلد الهادئ الآمن... فحتى الانقلاب الوحيد الذي عاصرته في تاريخ تونس كان راقيا و مهندسا بطريقة دقيقة لدرجة أنه لم تسل فيه قطرة دم واحدة بل خرجت فيه الجماهير تُهلّل لصانع التغيير رغم حبها و وفائها لصانع الاستقلال أبوهم بورقيبة الحنين.
*مقتطف من قصة ʺكنت سأكون زوجة للدكتاتورʺ تونس2011