![]() |
غلق | | مركز مساواة المرأة | |
![]() |
خيارات وادوات |
كريمة مكي
!--a>
2025 / 2 / 28
مرّت خمسة أشهر على وجوده بالسجن...
كيف أصف امرأة وحيدة في قلب العاصفة!
حتى ابنتي أظهرت لي وجها أكثر حدّة مما قاسيته منها في بداية مراهقتها!
تخبرني فجأة بقرار سفرها للدراسة بالخارج بعد حصولها على منحة دراسة.
أقول لها بفزع: و تتركينني لوحدي؟
تقول أنها ذاهبة لتدرس و تعمل و لن تعود إلا حين يحين وقت الانتقام:
ʺسأنتقم لي و لأبيʺ!
أسألها باكية : أي انتقام: لا تدخلي نفسك في هذه الدوامة...أنت مازلت صغيرة.
تقول لي :ʺ أنت لا تعرفيني لأنك لا تدري بالنار التي بداخلي!
أنا لست مثلك... أنا لا أسامح ابدا!!
سترينهم يوم يأتون تحت قدميʺ.
يوم نجحت لم ترد أن تذهب لأبيها في السجن.
قالت لي و هي تنتفض من القهر والألم :ʺلا أريد أن أراه مقهورا... سأذهب لأدرس و أعمل و بخاصة لأثأرʺ.
أقول لها كيف تتركي تونس و تتركيني؟
تقول:ʺ و هل مازالت تونس تونس... أنا لست مصدقة كيف نجوت هذا العام و كيف نجحت...لولا لهيب الانتقام الذي كان يحرقني باستمرار لأقاوم لما صمدتʺ!
و أبتسم فخورة بها و بإصرارها و فجأة تنفجر دموعي!
تواسيني قائلة: ʺأنت امرأة مستقلة و معتمدة على نفسك...أعرفك قوية...ستصمدي... و إن شاء الهو يخرج ʺباباʺ قريبا و يؤنسكʺ.
أريد أن أقول لها إني لست قوية كما تتصور و إني سأشتاقها بل قد أموت من الشوق إليها!
أتراجع و أسالها إن كانت ستقدر على الغربة و على مغالبة الحنين للبيت و الوطن!
تجيبني بارتياح يزيد في قتلي :ʺ نعم سأقدر..سأقدر على كل شيء و يوم أنجح ستتذكرين قولي هذاʺ.
ثم تتركني و تخرج مسرعة لإتمام بقية شراءاتها قبل السفر.
و حان وقت السفر...
ظللت أمامها ثابتة...
لم أشأ أن أذهب معها إلى المطار... خفت أن أنهار!
حمدت الله أنها ستسافر مع طالبة مثلها تعرفت عليها عند الإعداد لإجراءات الترسيم بالجامعة الأجنبية.
ظللت و أنا هائمة أجمع لها كل ما يقع بين يدي من أشياء البيت لعلها تحتاجه: مناشف، شراشف، صابون، كؤوس، توابل... و ذلك الدب الصغير الذي كانت تحتضنه حين تنام منذ كانت طفلة.
قالت لي:ʺ لاتتعبي نفسك فقد وفّروا لنا كل شيء في غرفة السكن الجامعيʺ.
و زاد ألمي: يأخذون أولادنا منا و يُغرونهم بالمنحة و بالإقامة و أولادنا فرحون و أصحابهم لهم حاسدون و هم لا يدرون أنه نوع من الاستعمار أقوى و أخبث من ذلك الذي كان...
كانوا يأتون عندنا ليستعمرونا و يأخذوا خيراتنا... الآن يستدعوا أعظم خيراتنا- أنجب أولادنا- فينطلقوا إليهم طائعين حالمين.
ما أصعب أقدارنا...
ما أتعب قلوبا ترمي بأكبادها خارج ديارها...
ما أحزن أوطاننا!!
و أقول لها و أنا آخذ الدبدوب بيدي: و هل سيوفّروا لك أيضا ʺحبحوبʺ هناك؟؟؟
و تتجه إلى النافذة تكتم دمعا:ʺ يجب أن أكبر...يجب أنسى كل ما يذكّرني بهذه البلاد!!
لن أعود إلا و أنا منتصرة لأنتقم من كل من أراد أن يهينني و يهين أبي.
صحيح أن أبي كان يتمنى أن يكون له ولد لكنني سأجعله يفخر بابنته و سأرفع رأسه عالياʺ.
و التفتت لي تسألني إن كان معي مائتي دينار لحاجتها الأكيدة إليها.
لم يبقى معي وقتها من ذهب أمي الذي بعته إلا القليل الذي لم يعد يكفي لخلاص بقية أتعاب المحامي.
أعطيتها كل ما كان معي.
قلت في نفسي سيفتحها الله كما كان يقول أبي حين تتعسر الأمور.
(يتبع)
دعوة للانضمام الى موقعنا في الفسبوك
نظام تعليقات الموقع متوقف حاليا لاسباب تقنية نرجو استخدام تعليقات
الفيسبوك
|