حقوق المراة في العراق والتعديلات الدستورية



ناصرعمران الموسوي
2007 / 1 / 20


لايمكن لموضوع اخذ في التمشكل والتمفصل شارطا ومشروطا ، عائما ومرتكزا ، مثل موضوع ( حقوق المرأة في الدستور العراقي ) . ولايمكننا لاختلاف رؤانا ورغباتنا منساقين ــ ربما ــ وفقا لايديولوجياتنا السياسية حينا وعقائدنا الفكرية والدينية حينا اخر ، ولكي نضع النقط على الحروف فاننا لابد وان نعترف بان حقوق المرأة ماتزال مبهمة حتى لدى المرأة ذاتها ، وماتزال ( الديكتاتورية الذكورية ) ترخي بسدولها على مساحات من اليومي في حياتنا بل لانغالي حين نقول ان ( المازوشية الانثوية ) تحتل علامة فارقة بتركيبة الانثى في مجتمعاتنا في لوقت الحاضر ، ولم يأتِ ذلك من فراغ بل له جملة من الاسباب الكثيرة بعضها سياسيا وبعضها اقتصاديا وكل ذلك ضمن بوتقة اجتماعية وفكرية غطت مسيرة الحياة بالوانها التي احبت ان تظهر بها ، ورغم هذه التوطئة البسيطة فلايمكن لنا ونحن نكتب عن حقوق المراة ان نحرق مراحل مهمة من تاريخ نضال المرأة في سبيل الوصول الى حياة افضل ، ولانجانب الصواب اذا قلنا بأن الخلاصة المكثفة لاضطهادات الانسان واستلاباته ، تتجسد باضطهاد المرأة ، واذا كان الاضطهاد الاول للمرأة اقتصاديا فأن هذا الاضطهاد تناسل الى اضطهادات من الشمول والعمق بما يتنافى مع أي عقيدة فكرية او دينية او ايديولوجية . فما تزال المرأة وحتى على الصعيد الفكري والثقافي تعاني الاضطهاد والاستلاب ، فلايمكن اغفال النظرة الدونية للمرأة في الفكر الفلسفي الاغريقي ، ( ففيثاغورس ) مثلا ، يميز بين الخير والشر فيقول بأن مبدأ الخير هو الذي خلق النظام والنور والرجل ، وان مبدأ الشر هو الذي خلق الفوضى والظلمات والمرأة ، وجعل ( ابوقراط ) ( المرأة في خدمة البطن ) فهي طاقة انتاجية مثل أي مشروع انتاجي ، اما ارسطو ، فيقول بأن الانثى انثى بسبب نقص معين لديها في الصفات . ويتوج ( افلاطون ) حلقة الاضطهاد والنظرة الدونية ليجعلها مشروعا مشاعا للرجال .
ولم تكن قوانين روما باحسن حالا في نظرتها للمراة ، فجعلتها قاصرة دائما واستحق الرجل الوصاية الدائمة عليها . وبعد مجيء المسيحية التي كانت ضوء في نهاية نفق مظلم لسجن المرأة الابدي ، حيث كانت المسيحية دين الفقراء والمضطهدين وكانت تعاليم السيد المسيح (ع) تنصب بضرورة النظرة الىالمرأة بأعتبارها كائن انساني ، الا ان ذلك لم يدم طويلا فقد اصبحت المسيحية دين الدولة ويد الحاكم الامر الذي عرفناه في مقولة القديس بولص ( ان الرجل لم يخلق للمرأة ، ولكن المرأة خلقت للرجل ) لينتهي صراع المرأة الازلي بأن تكون مثل أي بضاعة ، بل الادهى من ذلك فقد كانت المرأة وبخاصة في النظام الاقطاعي مضطهدة المضطهدين فهي زوجة القن التي لم تكن سوى دابة ركوب ، بائسة محتقرة ، جاهلة ، مسحوقة ، ورغم كل ذلك وحين لاحت تباشير الثورة الفرنسية كان للمرأة وبخاصة الانتفاضة التي خرجت بها النساء العاملات في الضواحي وبائعات سوق الخضار واللواتي اقتحمن في الخامس والسادس من تشرين الاول عام 1789 ابواب المجلس البلدي مطالبات بالخبز ، حتى ان كاتبا مثل (ميشيليه ) قال ( اذا كان الرجال قد استولوا على الباستيل ، فأن النساء قد استولين على المملكة ) . وهذه المظاهرة افرزت اقوى مؤسسات الحركة النسوية ، ولايمكن لاي مثقف او مفكر الا ان يقف وفقة تقدير واجلال عند المناضلة ( اولمب دي غوج ) حيث كانت تصرخ بالنساء ، استيقظن . .!
فمن حق المرأة ان تصعد المنابر كما من حقها ان تصعد المقصلة وترتقي ( دي غوج ) المنابر لتعانق المقصلة ، ومازال اعلان حقوق المرأة الذي نشرته خالدا والذي يقول ( ان المرأة تولد حرة وتظل مساوية للرجل في الحقوق ، ومبدأ كل سيادة يكمن جوهريا في الامة ، التي ليست سوى الرجل والمرأة والمواطنات والمواطنين جميعا ، متساوون امام القانون ، فينبغي ان نفسح امامهم ابواب المناصب والوظائف العامة كافة حسب كفائتهم دون تمييز غير فضائلهم ومواهبهم ) ويظل تأريخ النضال النسوي حيث تتحول من العبودية الاقتصادية الى العبودية الجنسية بأعتبارها جسدا . فقانون نابليون جعلها شجرة كمثرى تثمر للرجل ، حتى ان نابليون امام مجلس الدولة صرح ( ان الطبيعة قد جعلت نسائنا عبدات لنا ) واذا كنا نغفر لنابليون رجل الحرب والقتل والاستعمار فكيف نغفر لكاتب مثل ( بلزاك ) الاديب والقاص حيث يقول ( ان قدر المرأة ومجدها الاوحد ان تجعل قلوب الرجال تخفق ، المرأة ملك يمكن اقتنائه بالتعاقد . ملك منقول وهي ملحق للرجل ) فأي اضطهاد مكثف ذلك الاضطهاد الذي عانته المراة فلا المجتمع القديم انصفها ولا المجتمع الجديد بل ان كلمات ( ديدرو ) ماتزال تصك الاذان وهو يرثي لحال المرأة ( ان قسوة القوانين المدنية انضمت الى قسوة الطبيعة في ظلم المرأة ) ولم تكن التطورات الاشتراكية وان حققت للمراة اشياء تحسب لها بأحسن من سابقتها فقد ارادت ان تربط المرأة بالعجلة الضخمة ( لديكتاتورية البروليتاريا ) وتضيف لها عبئا جديدا في النضال ) هذا الحال في مسيرة المرأة في اوروبا بلد الحرية والديمقراطية فكيف يكون حالها في بلدان الشرق الساحر حيث العبودية الجنسية على اشد انواعها ، من المقتنيات الى الجواري الى اصحاب الرايات الحمر الى سبايا الحروب ، حتى ان اعتبارات الشرف والكرامة التي يتبجح بها الرجال تعني بالدرجة الاولى الرجل نفسه لا المرأة ، متناسين ان الله قد كرم المرأة في كتابه العزيز فجعل لها سورة هي( سورة النساء) وهذا يدل على ان القرأن وهو خلاصة الشرائع المقدسة كان الجانب الانساني هو المعول عليه في التعامل مع قضايا المرأة واليوم وامام عالم محاط بتفعيل اعلان حقوق الانسان ومباديء الديمقراطية . ما تزال نظرية الوصاية الذكورية للمرأة سارية المفعول ( ومانشيت ) عريض في كل النشاطات التي اعتبرت ديمقراطية فلا نشاط نسوي الا كان رائده الرجل ولا منظمة تهتم بحقوق المرأة الا كان الرجل مؤسسها . واذا كانت النساء مقود بيد الرجل فما هي الحقوق التي تريدها ، من اميرها وسيدها سوى حقوق التابع للمتبوع والعبد للسيد . ان المرأة في البلاد الشرقية ، وكما يرى قاسم امين في كتابه ( المرأة الجديدة ) ( ان المرأة في رق الرجل ، والرجل في رق الحاكم ، فهو ظالم في بيته مظلوم اذا خرج ) كما ويشير الاستاذ امين الى ان المرأة في ظل الحكومات الاستبدادية جعلت من الرجل في قوته يحتقر المرأة في ضعفها ، ولايمكن ان نعتقد بأن من يقع عليه ظلم يحب العدل ، بل كان جل اهتمامه نقله الى مخلوق اخر ، وهذا المخلوق الاخر هو المراة . اما المرأة اليوم فيجب ان تكون بمستوى حقوقها ومطاليبها وتقف جنبا الى جنب مع الرجل لانها منبع الرجل لامصبه وانها يده الاخرى لاذيله ، انتهى زمن الاله المعطلة في المجتمع فصار المجتمع يكتسب صورته من صورتها ، فهي الاسرة اللبنة الرئيسية في بناء المجتمع فقد انتهى زمن الافكار الميتة ولايمكن للمراة ان تعود الى حياة الكهوف وان تكون ترجمانا لمقولة ( تكرم عن طاريها ) وحسنا فعل مجلس القضاء العراقي حين طلب من لجنة صياغة الدستور ان يتضمن الدستور حق المرأة في تولي القضاء ، كما لايمكن لنا ان نغفل الدور النسوي مع القوى التقدمية التي حالت دون تمرير قرار مجلس الحكم بألغاء قانون الاحوال الشخصية وكان موقفها رائعا حيث اجبرت المجلس عن التراجع عن قراره . ان القوانين العراقية رغم انها تعد مرحلة متقدمة بالنظر الى وضع المرأة في العراق ، الا انها في كثير منها تعاملت مع الارث الفكري والاجتماعي القاصر في النظرة الى المرأة ، فكيف نستطيع ان نسوغ ونحن على ابواب عام 2006 شرعنة ضرب الزوج لزوجته باعتباره استعمالا للحق وفق المادة 41 من قانون العقوبات العراقي ، ثم يصار بعد ذلك الى تحديد معيار ذاتي وموضوعي في شدة الضرب والاماكن المباح له ضربها وهذا مثال بسيط يسير مع حالة استعمال العنف ضد المرأة . اما تجاهل حقوقها فقد اعتبرها القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 في المادة (102 ) والتي اعطت ولاية الصغير بعد الاب لوصي الاب ثم للجد ثم لوصيه ثم لمن تنصبه المحكمة وصيا ، فكيف دار بخلد المشرع نسيان القلب الكبير والرعاية اللامنتهية للام على ابنها الصغير بعد فقد ابيه . وان هذه الامثلة لايمكن ان تكون الا تكريسا بل استمرارا لموجة الاضطهاد والاستلاب . ان المرأة كائن انساني يجب ان يحترم كأنسان خلقه الله بأحسن تقويم وان كرامة ابن ادم افضل عند الله من بيته المقدس ، ثم لابد من التعامل مع تركيبة المراة جسديا ونفسيا ضمن اطار اجتماعي ومرحلي لتكون عونا لا فرعونا وتسير حركة المجتمع دون عطلات وبخاصة ان الوثيقة الدستورية في طريقها الى التعديل وصياغة وحقوق المرأة لابد ان تكون لها صدارتها لاستحقاقها كأنسان اولا وكجزء لايتجزأ من المجتمع ثانيا ، كل ذلك مرتبط بالفضاء الواسع لحقوق الانسان والاتجاهات الديمقراطية التي يشهدها عالمنا اليوم .
المحامي
ناصر عمران الموسوي
كاتب وباحث سياسي
[email protected]