خالتي أم بشار



ماري تيريز كرياكي
2007 / 1 / 20

كانت خالتي أم بشار امرأة فارعة الطول ، ذات وجه طفولي الملامح ، تبرق فيه عيناها الجميلتان وكأن وجهها كله عيون ، بشرتها بيضاء مشربة بحمرة خفيفة وشعرها أسود . عندما رأيتها للمرة الأولى كانت هي من ناداني من على سطح منزلها قائلة : " يا بنت ، كيفك ، أنا خالتك أم بشار" .

خالتي أم بشار ، أم لسبعة أولاد ، بسيطة ، وساذجة ، تصدق كل ما يقال لها ، ويشاع في الحي أن الحجاب مكشوف عنها، ولها شخصية شفافة لا تعرف الحقد ولا الكره، وهي تحب كل الناس .

صباح كل يوم، كانت نساء الحارة تتجمع في بيت واحدة منهن بشكل دوري ليتناولن الافطار معا (الصبحية)، وكانت خالتي أم بشار زينتهن. بعد الافطار يبدأ العزف على الطبلة ويبدأ الغناء والرقص ، وهي على رأسهن، وتنتهي الجلسة دائماً بقراءة خالتي لفناجين القهوة.

ذات يوم، دعيت أمي لزيارة خالتي على الصبحية وأخذتنا معها أنا وأختي. وتوافدت النساء على التوالي ، مغمسات باللباس الأسود من رأسهن إلى أقدامهن، بالملايات، وكأنهن سقطن في دواة الحبر الأسود. وحين خلعن الملايات السوداء، ظهر تحتها أجمل نساء الأرض بفساتينهن الجميلة الملونة الزاهية التي تبعث على الفرح والبهجة، وتحتها سراويل بيضاء من القطن تصل إلى الركبة، تظهر بعد جلوسهن على الأرائك ، متربعات كاشفات أرجلهن على شكل رقم سبعة (7)، فبدون بالنسبة لي كمنظر الفراشات البيضاء التي تجمعت على ورود الحديقة.

بعد الفطور، قامت خالتي أم بشار بقراءة فناجين القهوة وهي عادة حرصت عليها نساء الحارة ، فخالتي كما أوردت سابقا مكشوف عنها الحجاب ، وهي تعرف ما كان وما هو حاصل وما سيكون ، ولا يمكن لأي امرأة أن تخفي شيئاً عنها.

ولطالما أثارتني شخصية خالتي، فهي قد تزوجت في التاسعة من العمر لرجل يكبرها بثلاثين عاماً، وكان لزاماً عليها أن تبقى في بيته وبين أطفال دار العائلة إلى بلغت الثالثة عشرة من عمرها. لم تفهم ماهية ليلة الدخلة فكانت صدمتها كبيرة، خصوصا حين أغلق الباب عليهما. وكانت تلك ليلة أشبه ما تكون بليلة اغتصاب تحت مسمى الزواج. لا شيء يجمعها بهذا الرجل، سوى أنه الآمر الناهي وعليها الطاعة.

بدأت خالتي تعاني من نوبات صداع تدفعها للانعزال عن أهل الدار. مضت سنتان على دخلتها ولم تحمل. وبدأت الضغوط تتزايد على زوجها من قبل الأهل مطالبين أياه بتطليقها، فهي بحكم العاقر بالنسبة لهم خصوصا أنهم قد أخذوها للفحص عند أشهر الأطباء .

دخلت خالتي في دوامة من الحزن واليأس، وعانت من نوبات الصداع، وبدأت ترى أشخاصا وهميين، وأهمهم الجنيّ الذي أحبها وهو باعتقادها من يعمل على إبعادها عن زوجها لأنه يحبها ويريدها لنفسه. سبع سنوات أخرى مضت ولم تحمل. لجأت خالتي إلى عالمها الخاص، و إلى أوهامها، وإلى الجن الذين يقومون بحمايتها من كل أذى قد يسببه لها المحيطون بها. خلق هروبها لديها إحساساً بالأمان، فالجني الذي يحبها ينتمي إلى عالم الأخيار ولا يؤذي، ولولاه لأصيبت بالجنون، فهي تعيش حالة انفصال كامل عن واقعها، ولا أحد يحس بها أو بما تعانيه، وهم أنقذها من الانهيار، وحماها من واقع فرض عليها.

ازدادت الضغوط على زوجها لتطليقها، وفي اليوم الذي قرر فيه محاباة أهله، أصيبت أم بشار بدوخة ووقعت على الأرض. أتى طبيب العائلة وقام بفحصها، وخرج فرحا مباركا زافا البشرى: "أم بشار حامل" لم تصدقها نساء العائلة بل اعتقدن أنها قامت بهذه الحركة لتمنع زوجها من تطليقها، لكن أبا بشار آثر الانتظار وجاء بشار، وتلاه خمس بنات وصبي آخر.