جمعيتي ملتقى الاسرة ومساندة الاسرة.. التأكيد على استحضار الواقع المغربي في مراجعة مدونة الأسرة



حياة البدري
2025 / 5 / 14

إسهاما من جمعية ملتقى الاسرة بالرباط، والجمعية المغربية لمساندة الأسرة، في إثراء النقاش ومواصلة الترافع من أجل قانون أسري ضامن للعدل والمساواة وتعميق الحوار حول القضايا التي لا زالت تطرح نقاشا مجتمعيا واسعا على رأسها النسب والمصلحة الفضلى للطفل واقتسام الممتلكات وتثمين العمل المنزلي والوساطة، وتسليط الضوء على الملف الطبي بمختلف أبعاده البيولوجية والنفسية والعقلية. نظمت الجمعيتان، ندوة وطنية حول موضوع " مراجعة مدونة الأسرة: المستجدات والانتظارات"، يوم الخميس 8 ماي بالمكتبة الوطنية بالرباط،
تأطير الندوة ، ثم من قبل كل من البرلمانية السابقة ورئيسة جمعية ملتقى الاسرة، الأستاذة خديجة اليملاحي، والتي قدمت الكلمة الافتتتاحية، ومحامية المجلس الوطني لحقوق الانسان، و القاضية السابقة ورئيسة والجمعية المغربية لمساندة الأسرة زهور الحر، والتي تناولت موضوع إثبات النسب، و رئيسة مجلس الصيادلة الإحيائيين، زينب زنيبر والتي تطرقت لأهمية الشهادة الطبية قبل الزواج، والأستاذ الجامعي ونائب رئيس المجلس الوطني للتربية والتكوين فؤاد عمور، والذي تتناول النظرية الاقتصادية وإشكالية تقييم العمل المنزلي، و عضو نادي قضاة المغرب، الدكتور أنس سعدون والذي تناول أفاق اعمال الوساطة غير القضائية في النزاعات الأسرية، ثم عضو العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الانسان الأستاذ عبد الجليل باكبير والذي تناول الوساطة الأسرية كألية لحماية المصلحة الفضلى للطفل، وترأس هذه الندوة الدكتور بن عياش.
وكشفت رئيسة جمعية ملتقى الأسرة، خديجة اليملاحي، أن مدونة الأسرة عند صدورها سنة 2004 ، شكلت إنجازا حقوقيا متقدما في مسار النهوض بحقوق الأسرة والنساء والأطفال، ولبنة أساسية في أفق إرساء المجتمع الديمقراطي، ولكن بعد مرور عقدين على تفعيلها، برزت العديد من الثغرات والاختلالات، التي استدعت مراجعتها وإدخال تعديلات عميقة على معظم مقتضياتها، وايضا ملاءمتها مع دستور 2011 الذي أرسى قواعد تشريعية راسخة على مستوى الحقوق والحريات، والذي دستر حقوق الأسرة ونص على المساواة بين النساء والرجال في جميع المجالات، وأكد على المصلحة الفضلى للطفل، وملاءمتها مع المواثيق والاتفاقيات الدولية ذات الصلة التي صادق عليها المغرب.
وأبرزت اليملاحي أنه في سياق مواصلة الإسهام في تعميق التفكير والحوار حول بلورة مشروع مدونة تستحضر التغيرات المجتمعية والأدوار الجديدة التي أصبحت تضطلع بها النساء المغربيات على مستوى الأسرة والمجتمع، وأمام التحديات الكبرى التي تطرحها هذه التحولات على مستوى منظومة القيم والتنشئة الاجتماعية.
وزادت اليملاحي، موضحة أنه في إطار التفاعل مع المستجدات المتمثلة في المقترحات التي تقدمت بها الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة إلى رئيس الحكومة، والآراء التي تقدم بها المجلس العلمي الأعلى، وبعد الاطلاع على هذه المقترحات والآراء، قد اتضح أنه كان بالإمكان تقديم مقترحات ترقى إلى اللحظة الفارقة التي يعيشها المجتمع المغربي، وتستجيب لانتظارات المجتمع بنسائه ورجاله وأطفاله.
وقالت خديجة اليملاحي، أن كسب رهان إصلاح مدونة الأسرة يفرض القيام بمراجعة شاملة وعميقة بحثا عن أجوبة تستحضر تحولات الواقع بتعقيداته وتداعياتها على العلاقات الزوجية والأسرة، وصولا إلى صياغة مدونة جديدة أساسها قيم العدل والمساواة والمودة والتضامن والمصالح الفضلي للأطفال.
وركزت اليملاحي، على ضرورة استجابة قانون الأسرة لانتظارات الاسرة بنسائها ورجالها، وأن يضمن القانون الحقوق والواجبات، وأن يكون اصلاحا شاملا للمدونة، اصلاح يقتضي واقع الأسر المغربية، مركزة أن يكون للعلم دور جوهري لمعالجة الاختلالات والاشكالات فضلا عن اعتماد حقوق الانسان. مستشهدة بما كان يقوله الدكتور أحمد الخمليشي بضرورة أن يكون هناك حوار هادئ مسؤول حول الموضوع، وان الحكم يدور مع علته ويتغير بتغير الزمن والظروف".
وفي نفس السياق، قالت رئيسة الجمعية المغربية لمساندة الأسرة، والقاضية السابقة زهور الحر، ونحن نعيش في إطار يتداول مجموعة من الآراء والأفكار والاقتراحات المقدمة في تعديل المدونة، وبعد مرور أكثر من 20 سنة على اخر تعديل لمدونة الأسرة، والذي كان سنة2004، عرف المجتمع مجموعة من التحولات والعديد من التغييرات، حيث كشف خلالها التطبيق العملي لهذا القانون، على مجموعة من الاختلالات والثغرات، والتي يجب تداركها وتصحيحها. لكون الأسرة تشكل الخلية الأساس للمجتمع، وهي القناة الصالحة لتمرير جميع عمليات الإصلاح المراد إدخالها على المجتمع.
وأبرزت محامية المجلس الوطني لحقوق الانسان، زهور الحر، ان من أهم المكونات الأساسية للأسرة، هم الأطفال، الذين يجب مراعاة مصلحتهم الفضلى، في أي إجراء وأي مسطرة واي تشريع.. لأنهم رجال ونساء المستقبل، وتبقى الهوية من أهم مكونات شخصية الانسان في أي مكان وزمان، والتي ترتكز على الر وابط العائلية، في مقدمتها الاسم والنسب.
وأوضحت زهور الحر، أن النسب هو القرابة من جهة الأب وهو صلة شرعية بين الأب وولده، ومنها ننتقل من السلف إلى الخلف، وتتجلى أهميته في الاثار التي تنجم عنه، منها الحق في حمل الولد اسم أبيه ولقبه وجنسيته، والحق في أيضا في التوارث كما أن النسب يحدد موانع الزواج من الأم الأخت او العمة او الخالة.. كما أنه يحدد حقوق وواجبات الأبوة والبنوة، ويعد النسب أهم ثمرة من ثمرات الزواج ومن أهم الر وابط التي تربط الاباء بالأبناء، لذلك جعل الإسلام حفظ العرض والنسل من أهم مقاصد الشريعة الضرورية.
كما أكدت الحر، على أن الزواج مؤسسة قانونية تنشأ بموجب عقد تؤطره النصوص القانونية والشرعية والتي تجد سندها في كتاب الله عز وجل، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي تيارات فقهاء الشريعة الإسلامية، إذن فالنسب حق الشخص في الانتماء والحفاظ على الهوية، وهو حق نظمته الشرائع السماوية والقوانين الوضعية.
وأبرزت محامية المجلس الوطني لحقوق الانسان، أن المغرب صادق على اتفاقية حقوق الطفل منذ سنة 1993، حيث تنص المادة 8 من هذه الاتفاقية على ضرورة احترام حق الطفل في الحفاظ على هويته، بما في ذلك اسمه وجنسيته وصلته العائلية، أي النسب، الذي هو حق للطفل وليس للاب والأم، وفي حالة حرمان الطفل من او ل عناصر هويته، فيتحتم على الدولة، القيام بالمساعدة والحماية اللازمة من أجل إثبات هوية الطفل.
وقالت الحر إلى المادة 32 من دستور 2011 تشير إلى سعي الدولة بتوفير الحماية القانونية والاعتبار الاجتماعي والمعنوي، لجميع الأطفال بكيفية متساوية، بصرف النظر عن وضعيتهن العائلية، موضحة أن هذا إشارة للأطفال المولدون خارج الزواج الموثق.
وأبرزت الحر في هذا الإطار، أن المشرع حاول في مدونة الأسرة وقانون الجنسية وقانون الكفالة والحالة المدنية، أن يضع بعض المقتضيات التي تحمي حقوق الطفل بما فيها النسب. مبينة أن المادة 54 من مدونة الاسرة جعلت تثبيت الهوية والحفاظ عليها خاصة الاسم والنسب والحنسية والتسجيل بسجلات الحالة المدنية، من حقوق الأطفال، ومن الواجبات الملقاة على عاتق الآباء نحو أبنائهم.
وحول إثبات وسائل اثبات النسب، قالت الحر أن المادة 151، نصت على أن النسب يثبت بالظن، ولا ينتفي إلا بحكم قضائي، مبرزة أن المشرع شدد على حماية النسب وإثباته ولو بالظن، قائلة" جاء في المادة 152، أن من أسباب حقوق النسب: 1 الفراش، الزوجية، التي اعتبرت قرينة قاطعة وحجة قوية على تبوث النسب، 2 الإقرار، عند اعتراف الأب بان هذا الولد من صلبه، شريطة ان يكون عاقلا، وأن يكون هذا الطفل معترفا به، غير معلوم النسب أي ليس لديه أب اخر، 3 الشبهة"، مؤكدة على أن المشرع حاول الحفاظ على نسب الطفل بجميع الوسائل،
كما أضافت زهور الحر أن المادة 156 نصت على أن الحمل خلال فترة الخطوبة، ينسب للخاطب، مادامت الخطبة قد اشتهرت بين الأسرتين، وأن الحمل وقع أتناء فترة الخطبة وأن الخطيبان يقرران الحمل، ولكن نجذ أن الذكر غالبا ما يتنصل من الحمل خلال الخطبة، وفي هذه الحالة قال القانون باللجوء إلى جميع وسائل إثبات النسب.
وبخصوص الوسائل الشرعية، قالت الحر، انه يوجد بمقدمتها: الفراش، الإقرار، شهادة عدلين، وبينة السماع، وبكل الوسائل الأخرى المقررة شرعا بما في ذلك الخبرة القضائية، أي البصمة الوراثية والطفرة الجينية، والتي أصبحت من الوسائل العلمية الحديثة لإثبات العلاقة البيولوجية بين الاب والابن، بنسبة 99 %.
وقالت الحر موضحة، أن طرق اثبات النسب في التاريخ القديم، وقبل ظهور هذه الوسيلة العلمية الحديثة، كان الصحابة في عهد الرسول، يعتمدون لثبوت النسب على الشبه بين الأب والابن، وكانت القياسة، حيث إذا قال القائس أن هذا الطفل ابن هذا الرجل، يثبت النسب وتتم إقرار العلاقة بينهما.
كما أأضافت القاضية السابقة، أنه عند الرجوع إلى القران الكريم نجده يقول" ادعوهم لآبائهم وهو أقسط عند الله"، أي ان الطفل لديه أب ولم يخلق بدون اب، ويجب علينا البحث عن أب الطفل وانصافه، كاشفة أن النسب كان يتم البحث فيه بهذه الطرق، فبالأحرى اليوم، حيث توجد هذه الطريقة العلمية المتقدمة (البصمة الجينية)، مركزة على حماية حق الطفل في إثبات نسبه، لتجنيبه السخرية ومجموعة من الأعطاب النفسية وضياع حقوقه
ودعت الحر على إصلاح كل الشوائب والثغرات التي لم تعد تتماشى والعصر الحالي والظروف الانية للمجتمع المغربي، بحكم انفتاحه على عوالم متعدد وعلى عالم التكنولوجيات الحديثة، وضغوط بعض الظواهر المؤثرة على استقرار الأسرة، كالعزوف عن الزواج وارتفاع نسب الطلاق، وارتفاع الأطفال المتخلي عنهم مما يؤدي إلى تفكك الاسرة التي تعد أساس المجتمع.