![]() |
غلق | | مركز مساواة المرأة | |
![]() |
خيارات وادوات |
رقية الخاقاني
!--a>
2025 / 5 / 15
كانت (أم سلمى) تراقب ابنتها الصغيرة وهي تمسك الهاتف ببراءة، تضغط على الأيقونات الملونة بسرعة مذهلة، تنتقل من فيديو لآخر، من لعبة إلى أغنية، من صورة إلى تعليق. لم تكن الخطر الواضح يكمن في المحتوى الذي تشاهده الآن، بل في ذلك السيل اللامتناهي من الأفكار والقيم التي تتسرب إلى وعيها الصغير دون أن تدري. تساءلت الأم: كيف أحميها؟ الحجب؟ المنع؟ المراقبة؟ أم أن هناك طريقًا آخر؟.
في زمنٍ أصبحت فيه الشاشات نوافذ مفتوحة على عالم لا يُرى بحدوده، تحوّلت مهمة الأمهات من حراسة الأجساد إلى حراسة العقول. لكن الحل لم يعد في المصادرة أو المنع، فالتجربة أثبتت أن الأطفال الأكثر حجباً هم الأكثر بحثاً عن الممنوع، والأكثر عرضة للانجراف حين يكتشفونه فجأة. هنا تبرز فكرة (المناعة الفكرية)، وهي أن نُعزز في أطفالنا القدرة على التمييز، النقد، والاختيار، بدل أن نضعهم تحت جرس زجاجي.
تذكر (هدى)، وهي أم لثلاثة أطفال، كيف كانت تعيش في قلق دائم من اليوتيوب، حتى قرأت عن طفل تعرّض لمحتوى مخيف لأنه بحث عن (المنع) بطريقة ملتوية. قالت: (أدركت أن الخوف وحده لا يصنع وعيًا). بدأت بخطوات بسيطة: جلست مع أطفالها تشاهد ما يحبون، تسألهم: لماذا أعجبك هذا الفيديو؟ هل تعتقد أن هذه النكتة مناسبة؟ ماذا لو قال لك أحدهم كلمة سيئة عبر اللعبة، كيف ترد؟. حوّلت المشاهدة إلى حوار، والتحذير إلى توعية.
لم تكن هدى تعلم أنها تبنى (المناعة) عبر ما يسمى في علم التربية بـ(التعرض المدروس)، أي تدريب الطفل على المواجهة الذكية للمحتوى بدل تجنبه. تقول الدراسات إن الأطفال الذين يناقشون المحتوى مع أهلهم يصبحون أقل تأثرًا بالإعلانات المضللة أو التنمر الإلكتروني بنسبة 70%.
وفي إحدى الجلسات العائلية، سألت (ليلى) ابنها البالغ 10 سنوات: (لو شاهدت فيديو يقول إن الواجب المدرسي مضيعة للوقت، ماذا تفعل؟). ضحك الولد وقال: (سأقول له إنك ستغضبين مني!). ردت ليلى: (لا، ليس لأنني سأغضب، بل لأن الواجب يجعلك تتعلم، والفيديو قد يكون هدفه كسب مشاهدات فقط).
هنا انتقلت الرسالة من (الخوف من العقاب إلى فهم المغزى).
هذا النقاش البسيط يلخص فلسفة (التوعية بدل الحجب): تحويل كل موقف إلى فرصة لتعليم التفكير النقدي. حين يعرف الطفل أن بعض المحتويات تُصنع لجذب انتباهه فقط، أو أن التعليقات السلبية قد تكون بسبب مشاكل نفسية عند كاتبها، يصبح أقل عرضة للتأثر العاطفي، وأكثر قدرة على التحليل.
لكن ماذا لو كانت الأم نفسها تقضي ساعات في التصفح؟ تقول (نورا)، وهي معلمة: (رأيت طفلي يقلدني في الهوس بالهاتف، فقررت أن أكون قدوته بطريقة مختلفة). بدأت تشاركه مقاطع مفيدة، تشرح له كيف تتحقق من صحة الأخبار، بل وأصبحا يلعبان لعبة (اكتشف الكذب) في الإعلانات معاً. تقول نورا: لم أعد أخاف على أولادي من السوشيال ميديا، لأني علمتهم أن يكونوا أقوى منها.
وفي النهاية، القصة ليست عن تقنية أو تطبيقات، بل عن وعي. وعي الأم بأن دورها لم يعد مجرد رقابة، بل (تطعيم) يومي لعقل طفلها. كل مناقشة، كل سؤال، كل قصة ترويها له عن حقيقة العالم الافتراضي، هي جرعة مناعة.
كما قالت إحدى الأمهات: (لم أعد أمنع ابني من البحر، بل علمته السباحة). ربما هذه هي الرواية الجديدة التي تحتاجها الأسر: أن نصنع أطفالاً لا يغرقون في السوشيال ميديا، لأنهم تعلموا كيف يبحرون.
دعوة للانضمام الى موقعنا في الفسبوك
نظام تعليقات الموقع متوقف حاليا لاسباب تقنية نرجو استخدام تعليقات
الفيسبوك
|